المقتلة الرابعة : معصية الأمير
عن همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا به أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله .
ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني .
رواه أحمد (2/313 ) ومسلم (6/24) .
فمعصية الأمير هي معصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم , ومعصية لله تعالى , وهي تدخل الجندي النار ولو قتل في سبيل الله .
عمرو بن العاص نموذجاً :
وهو الأمير الذي ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمرة على جيش فيه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة , فقد أصدر أوامره بعد إشعال النار في الجيش . والمسلمون يكادون يموتون برداً فواسطوا أبا بكر كي يشعلوا النار لاتقاء هذا البرد , فماذا كانت النتيجة ؟
( من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه في ذات السلاسل (اسم الغزوة ) فسأله أصحابه أن يوقدوا ناراً فمنعهم فكلموا أبا بكر , فكلمه في ذلك , فقال : لا يوقد أحد منهم ناراً إلا قذفته فيها . قال: فلقوا العدو فهزمهم (هزم العدو )
فأرادوا أن يتبعوهم فمنعهم , فلما انصرفوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال : كرهت أن آذن لهم أن يوقدوا ناراً فيرى عدوهم قلتهم , وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد . فحمد أمره .
فقال : يا رسول الله من أحب الناس إليك ؟
قال : عائشة
قلت من الرجال ؟
قال : أبوها .
قلت ثم من ؟
قال: عمر . فعد رجالاً فخفت أن يجعلني , فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم ) الترمذي والبخاري مختصراً رقم 2662 .
فطاعة عمرو بن العاص الأمير مقدمة على طاعة خير الأمة بعد نبيها أبي بكر وعمر .
وفي رواية الحاكم عن بريدة :
( بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص على سرية فيها أبو بكر وعمر . فلما انتبهوا إلى مكان الحرب أمرهم أن لا يوقدوا ناراً , فغضب عمر بن الخطاب , وهم أن يأتيه فنهاه أبو بكر وأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستعمله إلا لعلمه بالحرب , فهدأ عنه ) سبل الهدى والرشاد 6/ 264
لا تجوز المخالفة ولو كان الدافع لها الحماس للنصر والرغبة في الشهادة: حتى لو كان الحماس للنصر والرغبة في الشهادة فلا تجوز مخالفة الأمير ، فالأمير يعرف متى يقاتل وكيف يقاتل ؟
فقد يتظاهر الأمير بالهزيمة ويوهم العدو بالانسحاب لتحقيق نصر أكبر وهدف أعظم , فلا بد من طاعته ومعصيته هي معصية لله سبحانه .
( قال محمد بن عمر : وفي هذه السرية خرج أسامة بن زيد في إثر رجل منهم يقال له نهيك بن مرداس فأبعد . وقوي المسلمون على الحاضر , وقتلوا من قتلوا واستاقوا نعماً وشاء , وتفقد غالب ( أمير الجيش ) أسامة بن زيد , فجاء أسامة بعد ساعة من الليل , فلامه الأمير لائمة شديدة . وقال : ألم تر إلى ما عهدت إليك؟
قال : خرجت في إثر رجل منهم يقال له نهيك جعل يتهكم في حتى إذا دنوت منه قال : لا إله إلا الله .
فقال الأمير : أأغمدت سيفك ؟
فقال : لا والله ما فعلت حتى أوردته شعوب ( الموت )
فقال : بئس ما فعلت وما جئت به تقتل امرأً يقول لا إله إلا الله .
فندم أسامة وأسقط في يده ) سبل الهدى والرشاد 6/226
وفي رواية أسامة رضي الله عنه :
بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة . فأدركت رجلاً فقال : لا إله إلا الله . فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقال لا إله إلا الله وقتلته ؟
قلت : يا رسول الله : إنما قالها خوفاً من السلاح .
قال أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا ؟
فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ ) صحيح السيرة النبوية 366/367 .
جريمة المخالفة : وجريمة قتل المستسلم الآمن :
( فلما مر بنا سلم علينا بتحية الإسلام فأمسكنا عنه . وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله لشيء كان بينه وبينه . وسلبه بعيره ومتيعه ( المتاع القليل ) .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لمحلم : أقتلته بعد ما قال آمنت بالله ؟
قال يا رسول الله : إنما قالها متعوذاً .
قال أفلا شققت عن قلبه ؟
قال لم يا رسول الله ؟
قال : لتعلم أصادق هو أم كاذب
فقال محلم : استغفر لي يا رسول الله .
فقال : لا غفر الله لك
فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه . فما مضت سابعة حتى مات , وفي حديث ابن اسحق : فما لبث أن مات فحفر له أصحابه فأصبح وقد لفظته الأرض . عادوا فحفروا له فأصبح وقد لفظته الأرض – فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له .
فقال : إن الأرض لتقبل من هو شر من صاحبكم . ولكن الله تعالى يريد أن يعظكم
فأخذوا برجليه فألقوه في بعض الشعاب وألقوا عليه الحجارة ) سبل الهدى والرشاد للصالحي 6/ 294- 296 .
يتبع
المفضلات