من هم الشروك ؟ أوالشروكيين؟ بقلم
حسين العبودي

مما لا شك فيه ان لفظة الشروك أو الشروكيين, كثيرا ما تستخدم للأحتقار والأنتقاص من أهل الجنوب , وهذه الكلمة كثيرا ما تطلق في بعض مناطق بغداد وبعض المناطق المجاوره لها اذا ارادوا النيل من سكان المناظق الجنوبيه , وقديما كانت تطلق هذه الكلمه على سكان اهل الأهوار فقط , حيث يذكر الدكتور على الوردي في كتابه طبيعة المجتمع العراقي في الصفحه 161 , يقول بأن قبائل الفرات الأوسط كانت تتفاخر بانهم اكثر حمية وأشد في نزعتها الثوريه وعندما قامت ثورة العشرين وانتشرت في الفرات الأوسط بقت قبائل دجلة ( الأهوار ) هادئة ومؤيده للحكومه . ومنذ ذلك الوقت بدأت نظرة الأحتقار والتصغيير لقبائل الأهوار لتعم النظره فيما بعد الى كل سكان الجنوب , لكن بعض المصادر التاريخيه تؤكد وقوف سكان الأهوار الى جانب الثوار اثناء ثورة العشرين وقد ابلو بلاءا حسنا ضد البريطانيين وقد وجد جنود الأحتلال البريطاني صعوبة بالغه في اختراق الأهوار , وقد ذكر بعض الباحثين بأن اصل هذه الكلمه ( الشروك ) هي من الشرق حيث تطلق على اهل العماره وهم من شرق العراق والذين سكنوا بغداد فيما بعد وبعضهم قال انهم من الشرق اي من الهند وقد جائوا بجواميسهم اثر هجرات تعاقبت على العراق , وهذا الراي صرح به السياسي العراقي طه الهاشمي الذي سيأتي ذكره , ثم عُمم المعنى ليلتصق بكل اهل الجنوب, ولكن الدكتور على الوردي له رأي مخالف عن اصل اهل العماره حيث يذكر في صفحه 152 بأن قبيلة آلبو محمد في العماره ونواحيها تضم عشرات الأفخاذ والعشائر وهم كلهم ينتسبون الى رجل واحد اسمه محمد بن حسن المروح وقد كان هذا الرجل من قبيلة العزه الساكنه في شمال بغداد الى الشرق من نهر دجلة وقد ترك قبيلته هذه في سنه 1741 اثر خلاف معها ليرتحل الى العماره ويحل في عشيرة الفريجات , ولكن الدكتور يطرح اشكاليه في نفس الصفحه وهي بأن العراق ايام الفتح الأسلامي كان تعداده حسب التقديرات 30 مليون وهم بقايا السومريين والأكديين والكلدانيين وغيرها من حضارات العراق القديم , فاين ذهب هؤلاء ؟ ويجيب على تساؤله بأنهم ذابوا في القبائل العربيه التي نزحت ايام الحكم الأسلامي .
ومما يؤيد هذا الكلام بأن الأقوام القديمه لازالت موجوده في العراق وقد ذابو في القبائل العربيه هو رأي بعض علماء الانثروبولوجيا كما ينقل الأستاذ شاكر مصطفى سليم في كتابه الجبايش الجزء الأول وهؤلاء العلماء هم هنري فيلد وسيتن لويد وثيسيغر فهؤلاء قد لاحظوا الشبه الكبير بين سكان الأهوار والأقوام القدماء من حيث مقاييس الرأس والبنيه الجسمانيه وحتى الأدوات الزراعيه وألات الصيد كالفاله وغيرها , وان حياتهم وظروفهم تتشابه الى حد كبير حياة السومريين القدماء , هذا بالأضافه الى مضائف شيوخهم المدوره والمبنيه من القصب والطين فهي تتشابه الى حد كبير من ما يمثل الهياكل الأصليه للمعابد السومريه في الألف الرابع قبل الميلاد .
وتوكد الدراسات للغة السومريه العراقيه القديمه بأن كلمه ( شروكي ) لها مفهوم آخر وهي جملة مركبة من كلمتين ( شرو – كين ) وتعني المواطن الأصلي في اللغه السومريه , ومما لايخفى على الكثير بأن اللهجه العراقيه الحاليه فيها الكثير من الالفاظ السومريه والأكديه وغيرها من لغات حضارات العراق القديم ,كلكمة ( ماكو – مشط – ماشه – مسكوف – عزا ) وغيرها من مئات المفردات التي مازلنا نستخدمها في لهجتنا العراقيه, وكلمة ( شروكي ) واحده من هذه الكلمات التي لازالت متداوله في عصرنا , ولكن قد تم تحريف معناها من اللغه السومريه والتي تعني المواطن الأصلي , حيث يذكر الدكتور فوزي رشيد في كتابة سرجون الأكدي في الصفحه 29 بأن الأسم الحقيقي للأمبراطوار الأول في التاريخ سرجون الأكدي هو ( شروكين ) والتي تعني الملك الصادق او الملك الثابت في اللغه الأكديه , وهذا ما يدل على ان كلمة ( شروكي ) لها معنى نبيل وشريف في اللغات العراقيه القديمه , وقد تم تحريف المعنى الأصلي عن قصد وذلك بسبب الغزوات المغوليه والفارسيه والعثمانيه التي مرت على العراق والحكومات المتعاقبه التي حكمته والتي اهملت مناطق البلد وخاصة المناطق الجنوبيه منها بسبب عقيدتهم كما سنلاحظ .
ويعتبر سرجون الأكدي ( شروكين) اول حاكم يوحد العراق واقوام الجزيره العربيه في عام 2340 قبل الميلاد واقامة امبراطوريته الأولى في التاريخ , وهو يعتبر بذلك ابو العراق القديم لذلك قام المستعمرون بتسمية كل ابناء العراق بالشروكيين اي ابناء سرجون , حتى يتم تمييزهم من مَن جاء مع المستعمر وبذلك يصبح البابليون والكلدانيون والسومريون والأكديون وكل الأقوام التي عاشت على ارض العراق شروكيين اي سكان البلد الأصلي لأنهم يعودون الى موحدهم سرجون الأكدي ( شروكين ) , وكما هي عادة المستعمربالأنتقاص من ابن البلد الأصلي اخذوا يسمون العراقيين الأصليين بالشروكيين وبمرور الزمن اصبح هذا الأسم انتقاص من العراقيين كلهم الى ان انحصر فيما بعد بكل ماهو جنوبي . ويذكر الباحث العراقي الدكتور علي ثويني بأن اول التدوينات بصدد كلمة ( الشروك ) والتي جائت باستنكاف واستحقار هو ماجاء في مذكرات السياسي العراقي ياسين الهاشمي وهو يصف احداث الفرهود في سنه 1941 , وقد اطلق بعض المؤرخيين القوميين حملة كبيره على اهل الجنوب كطه الهاشمي وخير الله طلفاح وعبد العزيز الدوري بالأضافه الى ساطع الحصري الذي اضاف كلمة الغجر على اهل الجنوب ,
ولنأتي الأن على هذه الشخصيات واحدا تلو الآخر لنرى من هؤلاء الذين يشككون بأصول العراقيين .
1- ياسين الهاشمي , يذكر السياسي العراقي توفيق السويدي العباسي في كتابه وجوه عراقيه عبر التاريخ وهو معاصر لياسين الهاشمي , بأن ياسين حلمي سلمان الهاشمي ينتمي الى اسره شركسيه , ولد في بغداد 1884 ودرس في استانبول والتحق في الجيش التركي وشارك في حرب البلقان والحرب العالميه الأولى ثم ذهب للدفاع عن النمسا ضد الروس 1916 , شغل عدة مناصب في تركيا بعدها في سوريا ومن ثم العراق , آمن بفكرة الوحده القوميه العربيه والتحق بجمعية العهد السريه التي أسسها عزيز على المصري والذي يعود هو الآخر لأصول شركسيه تعود اصولها الى القوقاز , واسس ياسين حزب الشعب , وقد اشتهر بمعارضته للأسلام وحجاب المرأه .
2- طه الهاشمي, ولد عام 1888 , عسكري وسياسي ومتخصص بالجغرافيا البشريه في العهد الملكي , درس في استانبول وتخرج منها ثم التحق بالجيش العثماني المرابط في سوريا وشارك في حرب البلقان ثم التحق بالجيش التركي ثم عاد الى العراق ليستلم عدة مناصب اولها آمرا على الموصل , وفي عام 1913 انضم الى جمعية العهد السريه وهي جمعيه قوميه اشتراكيه حالها حال حزب الشعب الذي اسسه ياسين الهاشمي والذي تزعم الحزب فيما بعد مفتي الديار الفلسطينيه الشيخ امين الحسيني صاحب الصوره الشهيره مع القائد الالماني النازي ادولف هتلر.
3- خير الله طلفاح , هو خال صدام حسين ووالد زوجته ساجده , ويعتبر من القوميين العرب الذين نادوا بسحق كل ما هو غير عربي حيث نشر كتيبا في الأربعينيات من القرن الماضي تحت عنوان (ثلاثة كان على الله ان لا يخلقهم , الفرس , اليهود , الذباب ) وقد نظر الى سكان اهل الجنوب على انهم ليسوا عرب بسبب عقيدتهم الشيعيه .
4- عبد العزيز الدوري, مورخ عراقي ذائع الصيت له مؤلفات جمة في تاريخ العراق القديم , ولد عام 1919 وتوفي عام 2010 , وقد تبنى حركة القوميين العرب وقد افرز افكاره القوميه الناصريه والطائفيه في كتابة الموسوم (( الجذور التاريخيه للشعوبيه )) حيث يذكر في الصفحة 20 ما نصه ( ومن الشعوبيين اؤلئك الغلاة الذين احتفظوا بالمفاهيم الأساسيه للمجوسيه وغلفتها بغلاف اسلامي رقيق وحاولت ان تصبغ حركتها بصبغه علويه ما دامت الرايه العلويه ترمز الى الثوره ومقاومة السلطان القائم .... وقد نشط الغلاة الشعوبيين منذ حركة المختار الثقفي ... ويستطرد في صفحه 29 حيث يقول : وفي نهاية الفتره الأمويه ازداد نشاط الغلاة وهؤلاء كانوا يتمسكون بتراثهم المجوسي ويتسترون بأسم الأسلام ولا يكشفون إلا طرفا من ارائهم المغاليه في الأمامه ) وقد حاول الدكتور عبد العزيز الدوري أن يلجأ الى الغموض بوصفه للشعوبيه المتمركزه في العراق ولكن بان ما في داخله ليتهم كل ماهو شيعي جنوبي , وقد اظهر دفاعه عن ثلاثة مدن عراقيه فقط وهي تكريت وسامراء والأنبار في كتابه الآنف الذكر .
5- ساطع الحصري , سوري الأصل ولد في اليمن 1879 وأكمل دراسته في تركيا وتوفى في بغداد , وبعد دراسته في المدارس التركيه تخرج ونال عدة وظائف اداريه وتعليميه في تركيا حيث شغل منصب مديرا لدار المعلمين في استانبول ومن ثم عين محافظ لبعض الولايات وكانت نزعته طورانيه بحته وقد نشر عدة مقالات يدعو فيها الى سياسة التتريك في البلدان الواقعه تحت سلطة الأتراك , وكان يوقع مقالاته بأسم م. الحصري أي مصطفى الحصري وذلك لولعه الشديد بمصطفى اتاتورك , وانقلب بين عشية وضحاها ليصبح من رواد القوميه العربيه مع انه لا يحسن النطق العربي جيدا ثم رحل الى العراق لتنهال عليه المناصب حتى صار هو المسؤول الأول على المناهج الدراسيه العراقيه كالقراءه الخلدونيه تيمنا بابنه خلدون , تلك القراءه التي تخلو من جميع الالفاظ الدينيه ( الله , محمد , الكعبه , القران ) وغيرها , حتى اشتكى كثيرا من رجال الأوقاف في ذلك الوقت على تلك المناهج التي وضعها الحصري متهميه بعولمة المناهج
وايضا ومن أوائل المشككين بعروبة اهل الجنوب هو ابراهيم صالح شكرالذي شغل منصب قائمقام لعدة مدن عراقيه ولكن بعد ثورة مايس 1941 اعلن تأييده التام ومساندته الفعلية لها ، وبعد فشل هذه الثورة انتقل الى قائممقامية قلعة صالح وهناك اطلق صيحته التي شكك فيها باصول اهل الجنوب وخاصة قبائل البو محمد التي تتخذ من العماره سكنا لها ,حيث قال بان اصولهم اما من الهند او تركيا , وبعدها طرد من الوظيفه مما اضطره هذا الطرد لحاجة عائلته واعتلال صحته الى التماس الجهات الحكومية ، وهو التماس كان له وقع مرير على نفسه ، عبر عنه في مذكراته وكانت نتيجة هذا العذاب هو مرضى السكري والسل اللذان فتكا بجسده الى ان لفظ اخر انفاسه في مايس من العام 1945, وقد راى الدكتور علي الوردي هذا الرأي الغريب بانه رأي مضحك وطريف كما جاء في صفحة 153 من كتابه الآنف الذكر , هذا بالأضافه الى البوق البعثي جلال الوزير الذي كتب مقاله يتيمه يتهجم فيها على اهل الجنوب والشيعه حيث تلاقفت اكثر المواقع الوهابيه مقالته هذه , حيث كان الوزيرعدوانيا صريحا ويكيل التهم تلو الأخرى وقد وصف ابناء الجنوب بوصف مبتكر يتنافى مع علم الوراثة وكل ما جاء به دارون في أصل الأنواع , فقد توصل جلال الوزير إلى بعض الصفات الوراثية لأبناء الجنوب تميزهم عن بقية خلق الله , وزعم انهم يتصفون بقصر القامة، وتفلطح القدم ، والسمرة الداكنة بالأضافه الى وصفه عبد الكريم قاسم استهزاءا بزعيم الشروك وما الى ذلك من تهم بشعه تفصح عن حقده وكراهيته الى ما كل هو جنوبي او شيعي , وما ان دل هذا الحقد والكراهيه فانها تدل على نفسيته العدوانيه المأجوره .
فمثل هؤلاء الكتاب وبعض المبطلين بطبول البعث ارادوا نفي الأتصال الثقافي والتاريخي من عرب الجنوب بهذا الهجوم المركز , ليتبنى افكارهم فيما بعد الحكومات التي بطشت بسكان الجنوب بطشا فكريا وجسديا , حيث حرموا اهل الجنوب من كل شي وركزوا على بغداد وشمالها لذلك نرى مؤسسات التعليم العالي والزمالات والبعثات الى الخارج تكون من مناطق بغداد على مر العصور بأستثناء من كان ذو حظ عظيم من اهل الجنوب ونرى بأن اهل الجنوب امتازوا بالشعر والقصه والأدب وذلك لأن هذه التخصصات لاتحتاج الى اموال طائله ولا الى بعثات خارجيه بل الى فقر مدقع ومعاناة اكثر, ومن كثرة الأهمال لمناطق الجنوب اعتمد الناس على انفسهم في الزراعه وتربيه المواشي وخاصة الجاموس في مناطق الأهوار لتلتصق بهم تهمة عدم التحضر وتهمة الأصول الهنديه من خلال الكلمة المحرفه ( شروك ) , وليت شعري لم َ لا يتهم المصريونبان اصولهم هنديه وذلك لتربيتهم الجاموس حيث تعتبر مصر ثالث اكبر دولة في العالم في امتلاك الجاموس بعد الهند وباكستان , او لمَ لا يتهم سكان منطقه الجماسه في الموصل بأن اصولهم هنديه, وهم معروفون بتربية الجاموس لذلك سميت الجماسه بهذا الأسم , ولكن تلك التهمه التصقت بجنوب العراق وخاصة سكان الأهوار وذلك بسبب عقيدتهم الشيعيه كما اسلفنا .
ومن محاسن الصدف نرى ان اكبر قبيله من سكان امريكا الأصليين من الهنود الحمر اسمهم ( شيروكي ) وهذه الكلمه في لغتهم الأم تعني ( الناس الأصليين ) والصدفه الأجمل هي بأن لغتهم الآم تسمى ( أروكيان – Iroquoian ) وهذه القبيله عانت الويلات ثم الويلات من الحكومات الأمريكيه المتعاقبه , ولا ننسى بأن كريستوفر كولومبس دفن منهم الآف مؤلفه لمحاولة القضاء على سكان البلد الأصليين ولكن بقت منهم شريحه قليله والذي تمرس اكثرهم بتجارة المخدرات , وهذه الأساليب هي جزء من الحرب التي دارت على سكان البلد الأصليين , ونفس الشئ حصل في كندا واستراليا بحيث نسمع ونقرا بأن سكان البلد الأصليين منبوذون بشكل مقزز واكثرهم من عشاق السجون والمخدرات , وبهذه الوسائل الخبيثه استقر المستعمرون ليبعدوا سكان البلد الأصليين عن مسرح الأحداث , ولولا وجود المحيطات لأتهم الحاقدون ابناء الجنوب بأن اصولهم من الهنود الحمر من سكان امريكا , وذلك لتقارب الأسم والمعنى الأصلي بالأضافه الى تقارب اسم لغتهم من اسم العراق , هذا وماجرى في العراق تماما كما جرى لسكان البلد الأصليين في امريكا وكندا واستراليا حيث حاولت الحكومات المتعاقبه تهميش اهل الجنوب الأصليين الذي ينحدرون من اصول ضاربه في عمق التاريخ فقد حاولوا تهميشهم بكل ما اتوا من قوه ولصق كل تهم الهمجيه وعدم التحضر حتى بات بعض اهل الجنوب يخجل أن يصرح بأنه جنوبي بسبب الهجمه الشرسه التي يتعرضون اليها بين الفينه والأخرى .
*********************************
المصادر
1- طبيعة المجتمع العراقي , الدكتور علي الوردي
2- كتاب الجبايش , شاكر مصطفى سليم
3- سرجون الأكدي اول امبراطور في العالم , الدكتور فوزي رشيد
4- كتاب وجوه عراقيه عبر التاريخ , توفيق السويدي العباسي
5- كتيب ( ثلاثة كان على الله ان لا يخلقهم , الفرس , اليهود , الذباب )
6- الجذور التاريخيه للشعوبيه , عبد العزيز الدوري
7- مذكرات ابراهيم صالح شكر
8- مقاله للدكتور علي ثويني حول فيدرالية الجنوب
9- مقاله لجلال الوزير عن اصل الشروك
10-موسوعة الوكيبيديا