إن تطور الرأسمالية من نظام إقتصادي إلى نمط إستعماري في مرحلة القرن التاسع عشر، ومواجهته بمقاومة الشعوب، مرورا إلى الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 1929م. وإنقاذها بنظريات العالم الاقتصادي 'كنز'. يطرح سؤالا عريضا حول جدوى تلك النظريات والأزمة الاقتصادية العالمية الحالية ، التي تنذر بتفكك المجموعة الأوروبية. فتوحش النظام الرأسمالي ومعه هيمنة الولايات المتحدة على العالم، والمهدد بزواله بانهيار الامبراطورية الأمريكية في أفق خمسين سنة القادمة. غير أن تحول "اليوان" الصيني إلى عملة الاحتياط الرئيسية في العالم في أفق عشر سنوات القادمة. هو ما دفع "فلاديمير بوتن" لاعتبار حفز النمو الاقتصادي كمهمة آساسية لروسيا داخل مجموعة العشرين. لأن تداخل المصالح الاقتصادية بين دول حلف بريكس يؤكد صعود الاقتصاد الصيني كاقتصاد أول في العالم. وهو ما يخدم المرحلة على المدى البعيد للاقتصاد الروسي والهندي والبرازيلي. ويزيد من التضييق الأنجلوسكسوني على الشركات الصينية في الغرب الأفريقي. فدعوة المجلس الخليجي للمغرب والأردن بالانضمام للنادي الملكي تخدم هذا الهدف، وذلك لدعم انحسار الاقتصاد الصيني وكبح مده نحو العمق الأفريقي ،هو ما ينعكس على السياسة الدولية واللاتقاطعات في ملفات من أهمها شمال مالي والصحراء الغربية والنزاع بين الخرطوم وجوبا. لذلك إن تقاطع المصالح مع السياسات هو اسقاط للمصالح الاقتصادية على تطورات السياسة الدولية وتحكم للاقتصاد في السياسة، حيث يتجلى ذلك في تهديد تل أبيب لرام الله بحجب المساعدات المالية عنها، بعد إقرار صفة دولة مراقبة لفلسطين بالأمم المتحدة .غير أن ذلك لن يؤثر على الحكومة الفلسطينية.لأن قطر تدير لعبة في الشرق الأوسط بناء على تناقضات إقليمية نحو بعد جيو سياسي دولي، وهو ما يتجلى في التدخل الليبيرالي في سورية الرامي لتفتيت المعارضة السورية رغم امتلاكها لقاعدة اجتماعية مهمة لأن غاية تدمير الدولة السورية تبرر وسائل التدخل فيها. وذلك بسبب إنتاجها لخطاب الممانعة.
ففي حال سقوط نظام بشار الأسد في سورية سيكون لزاما على أي نظام جديد في دمشق ضم الاسلاميين إلى الحكم. لأنهم يشكلون أكثر من نصف مجموع مقاتلي الجيش الحر وهم الذين انتقدوا نظام بشار الأسد في تصريحات متعددة على عدم مهاجمته إسرائيل لاسترجاع هضبة الجولان. الشيء الذي يوضح كيف أن طهران الاسلامية لن تتأثر بسقوط نظام بشار الأسد.
فالمجموعة الدولية مرغمة على القبول بإيران دولة نووية في النادي النووي لأن منع ذلك عسكريا يعني دفعها لتدمير إسرائيل، فقد كشف أن بنك احتياطها من الأسلحة يتضمن صواريخ بالستية وقنابل نووية كورية شمالية الصنع، لكن في انهيار نظام بشار الأسد استفادة كبيرة لتركيا فحدودها باتت أطول مع الأكراد، حيث ستعمل هذه الحالة على احياء الامبراطورية العثمانية، إذ السؤال كيف سيتصرف العرب والأكراد مع هذه الحالة. إلى لذلك، إن اللاتقاطعات في السياسة الدولية هي ضرورة تعارض للمصالح الاقتصادية، وهو ما سينعكس على الوضع الإقليمي في الشرق الأوسط والشمال الأفريقي، فالثورات العربية أحدثت إختراقا في السياسة العربية السابقة. لذلك إن تشكل خريطة سياسية جديدة في العالم العربي يخدم المرحلة في أفق نصف القرن الحالي نحو نهضة عربية شاملة.
نزار القريشي