معالم الذّكاء الفنّي المبكّر للفنّان رفيق شرف
بقلم: حسين أحمد سليم

أحد المعمّرين من بلدة حدث بعلبك, كان من رفاق الفنان رفيق شرف في طفولته, وكان معه في نفس مدرسة البلدة وبنفس الصّفّ, وهو يحمل رغم كهولته ذاكرة قويّة إلى جانب حالة من الإبداع في تقنيّة تجويد الخطوط العربيّة منذ زمن بعيد يعود إلى خمسينيات القرن السّالف... حدّثني قال:
أسرة الفنّان رفيق شرف أسرة لبنانيّة عريقة, كانت تُقيم سابقا بناء لما يُروى على ألسنة المعمّرين في بلدة حدث بعلبك إلى الغرب من مدينة بعلبك, والتي ما زال فيها البعض من عائلة آل شرف...
إنتقل قسم من هذه العائلة فيما بعد إلى بعلبك المدينة, وإنتقلت معهم أسرة الفنّان رفيق شرف, الذي كان والده يعمل في تقنيّة فنّ وتصنيع وتشكيل الحديد, بحيث كان والده يلوي الحديد بالنّأر, وكان يومها رفيق شرف يُساعد والده في حرفته, وتعلّم منه بدايات معالم الإبداع الفنّي, وإستلهم منه أولى دروس الخلق والإبداع...
قسم آخر من عائلة آل شرف, إنتقل إلى بلدة بيت شاما إلى الجنوب من بلدة كفردبش وغربي بلدة حوش الرّافقة, فيما قسم آخر إنتقل إلى بيروت...
رفيق شرف المولود في بداية الثّلاثينيّات, كان في طفولته يتعلّم في مدرسة بلدة الحدث مع عدد من الأطفال الذين يُجايلوه, يأتون من أحياء البلدة ومن الجوار وقرية النّبي رشادة وكفردان وجبعة والتّليلة وطاريّا...
وكان في ذلك الوقت من ثلاثينيّات وأربعينيّات القرن السّالف يدير المدرسة ويُتابع شؤونها ويُشرف عليها المرحوم الأستاذ والمربّي إلياس المعلوف, والذي إشتهر بدقّة إدارته وإهتمامه وتركيزه على تربية وتعليم طلاب المدرسة...
ذات يوم طلب الأستاذ إلياس المعلوف من تلامذته بحرفة ذكاء, ليكتشف مدى نباهة كلّ تلميذ ويتلمّس مدى ومستوى ذكاء طُلابه, طلب من كلّ واحد منهم أن يرسم زريبة وبداخلها أربعين حمارا...
راح يومها الأطفال الطّلاب يرسمون ما طُلِبَ منهم ويُكدّسون الأوراق فوق بعضها البعض لتتّسع لأربعين حمارا في زريبة مواسعة... ويوم موعد درس الرّسم أتى كلّ طالب بمجموعة من الأوراق, بحيث كان الأستاذ إلياس يتفحّص نتاج كلّ تلميذ من الأوراق الكثيرة والتي تتّسع لزريبة بداخلها أربعين حمارا, حتّى أتى دور رفيق شرف الذي قدّم للأستاذ إلياس ورقة واحدة رسم عليها جزء من جدار فيه فجوة باب, وبفجوة الباب أظهر النّصف الخلفي من الحمار ورجليه وذيله...
أطرق الأستاذ إلياس المعلوف لبعض الوقت يتفرّس فيما قدّمه رفيق شرف تارة وطورا في وجهه قبل أن يرفع الأستاذ إلياس صوته قائلا لرفيق شرف: أين الأربعين حمارا؟!... فقال له رفيق شرف بكثير من الهدوء: دخل إلى الزّريبة تسعا وعشرون حمارا وهذا هو الحمار الأخير يحمل الرّقم المطلوب أي أربعون وهو يدخل خلف بقيّة الحمير...
ذهل يومها الأستاذ المربّي إلياس المعلوف لنباهة وذكاء الطّفل رفيق شرف, وأرسل خلف والده يزفّ له ذكاء إبنه ويوصيه الإهتمام به, لأنّ في أعماق كينونة الطّفل رفيق شرف تسكن معالم فنّيّة تشكيليّة تُبشّر بمستقبل مميّز له...
الفنّان رفيق شرف إبن بلدة حدث بعلبك, إبن العائلة البعلبكيّة العريقة, إبن منطقة السّهول المخضوضرة واليانعة بمزروعاته من القطن والفستق سابقا وبالحبوب والقمح لاحقا, رفيق الطّيور الصّادحة والخيول الأصيلة, الذي بهرته رجولة الكثير في بلدته ولفتته قبضايات بلدته وباقي البلدت وبعلبك, والذين شكّلهم في عناصر لوحاته...
يُعتبر الفنّان رفيق شرف علما من أعلام الفنّ التّشكيلي في لبنان والعالم, عدا كونه أوّل من ولج هذا الفنّ ولمع به من قلب بلدة حدث بعلبك غربي مدينة الشّمس بعلبك, وإنتقل به لاحقا إلى بعلبك ومن ثم|ّ إلى لبنان وبلاد العالم في أواسط القرن الماضي وما بعد وحتّى رحيله في العام 2003 للميلاد...
ومن الملفت ذكره للتّاريخ, أنّه في أواخر العام 1980 للميلاد قام الفنّان رفيق شرف بوضع التّصميم العام والمقاييس الهندسيّة والفنّيّة لراية حركة أمل في لبنان, حيث كان يومها عضوا في مكتبها السّياسي, ويومها قمت كرسّام وفنّان تشكيلي محترف " حسين أحمد سليم" بوضع شعارها الحروفي, كلمة "أمل" بالشّكل الدّائري بالخطّ الهندسي المعماري, وذلك بتكليف من قبل السّيّد حسين الموسوي الذي كان يومها نائبا للرئيس نبيه بري وناطقا رسميّا للحركة, بحضور ومعرفة العديد من أركان حركة أمل في ذلك الوقت ومنهم حسن هاشم وأحمد حسين وحسين عبيد وزكريّا حمزة وعاكف حيدر وعلي عمّار وحسين الخليل وخليل حمدان والشّيخ حسن المصري ومصطفى الدّيراني وعقل حميّة وعاطف عون وآخرون... وكان السّيّد خضر الموسوي الذي عرّفني يومها للسيّد حسين الموسوي في مقرّ القيادة في برج البراجنة وبحضوره كان التّكليف وكانت المتابعة في لإبتكار الشّعار وتصميمه والذي يكتنز بأسرار فنّيّة وروحيّة وأبجديّة وكونيّة وكثيرة يجهلها الجميع...
واكب عصر الفنّان رفيق شرف الكثير من الفنّانين التّشكيليين, وتأثّر به ونتاجه الفنّي الكثير منهم, وفيما بعد لحق به الكثير من رجالات هذا الفنّ التّشكيلي في بلاد بعلبك وسهل البقاع... وهم غنيّون عن التّعريف ونذكر منهم: محمدّ الخطيب الذي كان يمتلك محترفا له في بعلبك, تدرّب في الكثير من الفنّانين الذين لمع نجمهم الفنّي تشكيليّا فيما بعد, ومنهم الدّكتور نزار ضاهر إبن بلدة تمنين الفوقا الواقعة غربي بعلبك إلى الجنوب من قصرنبا, والذي شغل عدّة مناصب هامّة في هذا المجال... وبرز الدّكتور محمود أمهز كباحث وفنّان تشكيلي ومدرّس في الجامعة اللبنانيّة, وهو من بلدة نبحا شمال بلدة شعث... وبرز الدّكتور سامي الرّفاعي الذي ترك المحاماة وإمتهن الفنّ التّشكيلي والنّحت إلى جانب إدارته لهندسة التّجميل والورود... وبرز كذلك الفنّان التّشكيلي يحي ياغي من مدينة بعلبك والذي تدرّب في معهد غوفدير في بيروت, وتوفي باكرا وإندثرت غالبيّة أعماله الفنّيّة إلا القليل منها في مفتنيات وزارة الثّقافة... وحسين جمعة برز بمائيّاته التّشكيليّة وهو من بلدة علي النّهري وأستاذ جامعي, وكذلك برز المهندس رؤوف الرّفاعي من بعلبك, ولمع جورج المرّ من زحلة, والنّحّات سامي الرّفاعي من بلدة الخريبة في البقاع والقريبة من بلدة النّبي شيت... إلى هذا فقد لمع في هذا المجال الفنّن التّشكيلي فيروز شمعون من زحلة وأقام له محترفا فيها... ثم تتالى عدد لا حصر له من الفنّانين الجدد الذين ولجوا هذا العالم, ليساهمو في رفد الحركة التّشكيليّة اللبنانيّة من رحم بلدات ومدن وقرى سهل البقاع اللبناني, ومنهم: حسّان خزعل ومازن الرّفاعي ورضا علي السّيّد, وحمادة زعيتر, وعلي مهدي الذي كان له محترفا كذلك في بلدته, وشوقي شمعون الذي شغل العديد من الناصب الفنّيّة الهامّة, ونوّال فخري التي لمعت من قرية صغيرة شمالي سهل البقاع, ناهيك عن الفنّانة الكبيرة عايدة سلّوم من قبّ إلياس في البقاع الأوسط, والفنّانة ديما رعد, والفنّانة الكبيرة المعروفة روز الحسيني من بلدة شمسطار, وغلزريا تنّ,ري من زحلة, ورولا دالي الميس من برّ إلياس في البقاع الأوسط, إضافة للفنّان شوقي دلال صاحب محترف راشيّا للفنون, وديانا شمعون وسوزان الشّوباصي وحسن الشّوباصي من بلدة سعدنايل شمالي شتورة, والفنّان ياسر الدّيراني من قصرنبا, والفنّان العريق قاسم ظاويط من بدنايل ...