مقالان في الأخضر الإبراهيمي

جمال سلطان

المقال الأول : الدور الخطير للأخضر الإبراهيمي

لم يدخل الأخضر الإبراهيمي منطقة عربية أو إسلامية كمبعوث للأمم المتحدة وأتى بخير أبدًا، والإبراهيمي هو المبعوث المفضل أمريكيًّا دائمًا في المنطقة الإسلامية، لأسباب يبدو أنها ستظل مجهولة لسنوات مقبلة، فقد كان مبعوث الأمم المتحدة في أفغانستان لتنسيق أعمال الحكومة العميلة برئاسة كرزاي، ووسيط مأمون بين المجموعة الغربية وقوات الاحتلال وبين مجموعة كرزاي، وفي العراق كان يلعب الدور نفسه تقريبًا بين الحكومة الطائفية العميلة هناك وبين قوات الاحتلال الأمريكي، وأرسله الأمريكان أيضًا إلى اليمن لكنه لم يطل هناك..

وفي كل تلك الأماكن غادر الإبراهيمي وقد ترك وراءه عملاء وخونة ودمارًا على كل المستويات؛ لذلك لم أشعر براحة أبدًا عندما اختاروه مبعوثًا أمميًّا في سوريا، حيث افتتح رحلته بالمقابلة الشهيرة مع بشار وهو منتفخ الأوداج من الضحك والابتسام رغم أنهار الدم التي تسيح فيها البلاد!! ومنذ تسلم الملف السوري وقد بدأ سلسلة من التصريحات والتهويلات التي لا تهدف إلا إلى ترسيخ معنى واحد: وهو أنه لا توجد ثورة شعبية في سوريا، وإنما حرب أهلية بين طوائف مختلفة.

كما كان لافتًا للانتباه أنه عقب دخول الإبراهيمي كوسيط انتشرت في الدوائر السياسية والإعلامية الغربية على نطاق واسع وبصورة مفاجئة تقارير وتسريبات ومقالات وتحقيقات متوالية عما أسموه "الجماعات الجهادية في صفوف المعارضة السورية"، وهي نفس لغة بشار التي أطلقها في البداية لتشويه الثورة، والتي كان الغرب نفسه يسخر منها؛ لأن القذافي أطلقها بنفس الصيغة أيضًا قبل سقوطه؛ من أجل التخويف من ثورة شعبه ومحاولة إثناء الغرب عن دعمها..

الآن بعد ظهور الإبراهيمي انتشرت تلك الأخبار والتقارير والتسريبات والتصريحات بصورة مدهشة جدًّا ومكثفة جدًّا، حتى بدا وكأن الإعلام الغربي يتجاهل مذابح بشار ويتوقف فقط عند "تنظيم القاعدة المزعوم في سوريا"! وهناك محاولة للربط بين الجيش الحر وبين تنظيم القاعدة الناشط في أفغانستان وباكستان والعراق، وهي المناطق التي سبقت "خبرة" الإبراهيمي فيها وعمل مع الأجهزة الأمريكية والغربية فيها لسنوات طويلة، وهي ظاهرة مفاجئة يستحيل أن ننظر إليها بعيدًا عن ظهور الإبراهيمي وتاريخه وعلاقاته وخبراته في البلاد الإسلامية التي شهدت صراعات مسلحة ضد حكومات عميلة.

الأخضر الإبراهيمي ابن منظومة "الجنرالات" في الجزائر وحليفها، وهي منظومة معادية على طول الخط للربيع العربي، وتحالفت حتى النفس الأخير مع الدكتاتوريات الساقطة، وهي تدعم بشار الأسد بكل قوة، كما كانت تدعم القذافي حتى النفس الأخير، وبعد رحيله احتضنت بقايا أسرته وتسرِّب حاليًّا مقاتليه والسلاح إلى مدن وقرى الغرب الليبي لإظهار عجز السلطة الجديدة في طرابلس، كما تعبث مخابراتها على نطاق واسع في تونس، وهو ما قاله لي قيادات رفيعة هناك..

الإبراهيمي ابن تلك المنظومة الجنرالاتية الكئيبة، ومن ثَمّ لا نستطيع أن نتجاهل موقفه السلبي للربيع العربي -لم يصدر منه في أي وقت من الأوقات أي تصريح إيجابي لجميع ثورات الربيع العربي- كما لا يمكن أن نتجاهل حضور "خبراته" السابقة في العراق وأفغانستان، وكلها معادية للنفس الإسلامي وروح المقاومة ومتواطئة ضدها على طول الخط..

وإني أتمنى من فصائل الثورة السورية وقياداتها السياسية الانتباه جيدًا للدور الخطير الذي يلعبه الإبراهيمي لتشويه الثورة السورية وإعطاء قبلة الحياة لنظام بشار وتقليب الرأي العام الغربي ضد ثوار سوريا، أيها الثوار انتبهوا: الإبراهيمي لم يأتِ بخير في أي مكان ذهب إليه.

المقال الثاني : الأخضر الإبراهيمي .. سمسار الدم !

قلت في المقال السابق (الدور الخطير للأخضر الإبراهيمي): إن الدبلوماسي الجزائري السابق الأخضر الإبراهيمي ما دخل بلدًا عربيًّا أو إسلاميًّا كوسيط إلا وانتهى باحتلاله، وورثه الخراب والتبعية، فدوره -كسمسار دولي محترف- شبه منحصر في ترتيب الأوضاع ما بعد الحروب والمواجهات العسكرية؛ لتمكين قوى الاحتلال من السيطرة العملية على البلد العربي أو الإسلامي المستهدف..

فَعَل ذلك في أفغانستان، وفعل ذلك في العراق أيضًا!

واليوم يمارس الدور نفسه بكل تفاصيله في سوريا، ومنذ اليوم الأول عندما أتى به الأمريكيون والروس إلى سوريا وهو يتحدث بلغة التخويف والإرعاب للعالم من الثورة السورية، وأنها سوف تكون خطرًا على المنطقة والعالم كله، وأن سوريا ستتحول إلى صومال جديد.

بالمناسبة لم يأت على لسانه ولو لمرة واحدة كلمة "ثورة"، وتحدث طويلاً قبل ستة أشهر عن أن سوريا ستدخل الحرب الأهلية والحرب الطائفية، ولمّا لم يحدث ما روَّجه اختفى من المشهد فترة، اعترف فيها العالم بالثورة وقيادتها كممثل شرعي وحيد للشعب السوري بحضور مائة دولة في مؤتمر مراكش، ثم عاد الإبراهيمي للظهور مؤخرًا بعد أن نضجت خطة أمريكية روسية لقطف ثمار الثورة السورية وهي في أمتارها الأخيرة على طريق النصر!

الإبراهيمي يعرف ما يعرفه العالم كله من أن بشار انتهى، ونظام حكمه لم يعد مؤهلاً لحكم سوريا، بل هو لا يحكم إلا عدة أحياء في دمشق وحمص واللاذقية وقرى صغيرة، وأجهزته ومؤسساته تتآكل ذاتيًّا بشكل يومي، كما أن قوى الثورة تحقق نصرًا جديدًا على الأرض كل يوم أيضًا..

والإبراهيمي الذي يذهب ويجيء إلى سوريا عبر سيارة؛ لأنّ الثوار يحاصرون مطار العاصمة ويمنعون إقلاع أو هبوط أي طائرة منه وهم على وشك تحريره، يدرك أن النظام الذي يفقد مطار عاصمته قد انتهى فعليًّا..

والإبراهيمي يعرف أن أكثر من مائة دولة في العالم -منها دول عظمى- سحبت اعترافها بنظام بشار رسميًّا، واعترفت بالائتلاف الوطني لقوى الثورة ممثلاً شرعيًّا وحيدًا للشعب السوري؛ أي أنه السلطة الشرعية الوحيدة المعترف بها دوليًّا الآن في سوريا..

ومع ذلك يسوق الإبراهيمي الآن المخطط الأمريكي الروسي عن تشكيل حكومة انتقالية من المعارضة الديكوريَّة لنظام بشار في دمشق، والتي لا تملك من أمرها ولا أمر الشعب السوري شيئًا مع بقايا نظام بشار، على أن يبقى بشار "خيال ظل" عدة أشهر لحين إتمام المخطط وانتقال السلطة وفق الهيكلة الروسية الأمريكية، وأن تدير هذه الحكومة المزورة انتخابات برلمانية ورئاسية!!

الإبراهيمي هدد الشعب السوري بأنه إن لم يقبل مبادرته فإنه سيكون على أبواب الجحيم، وفي اليوم التالي لتحذيره وقعت مذبحة "دير بعلبة" في حمص، وأكثر من محلل سياسي علّق باستغراب على هذا الارتباط، وكأنّ الإبراهيمي يدير الآن الحرب القذرة على الشعب السوري، ويمارس الدور الإرهابي الذي يختطف به الشعب ودماء أطفاله ونسائه رهينة للانصياع لمشروع السمسرة الذي يديره!

الإبراهيمي يمارس عمله الوحشي الآن كسمسار بين الروس والأمريكان على تقسيم النفوذ في سوريا بعد سقوط بشار، وكلاهما قلق للغاية من انتصار الشعب السوري واستثمار قوى الثورة لعنفوان النصر في صناعة مستقبل سوريا بنفسها ورسم خيارات سوريا، حسب مصالح الشعب فقط وليس وفق مصالح الروس أو الأمريكان..

الأمريكان باعوا الثورة السورية الآن ويرفضون تقديم أي عون عسكري أو حتى دبلوماسي، والروس يكثفون من شحنات السلاح والذخيرة المتطورة التي تصل إلى بقايا جيش بشار؛ لإطالة أمد تماسكه لحين انتهاء الطبخة..

الروس والأمريكان الآن يدعمون بقايا نظام بشار؛ من أجل تعطيل مسار الثورة وإعاقته عن الوصول السريع إلى النصر، والأمريكان تركوا "لافروف" وزير الخارجية الروسي يتحدث ويتحرك ويخطِّط وحده بدون أي تعليق منهم وكأنهم غير موجودين، طالما أنه يلتزم بحرفية ما تم الاتفاق عليه في الغرف المغلقة!

والسمسار الأخضر الإبراهيمي يعمل كمكوك الآن بين دمشق وموسكو، ويروِّع الشعب السوري يوميًّا ويتوعده بالقتل والجحيم إن لم يقبل خطته، والغريب أن وعيده يتم تنفيذه في اليوم التالي مباشرة!

أيها الخاسر، يا سمسار الدم والإرهاب، ثورة الشعب السوري مختلفة، وسينتصر الشعب السوري على مؤامراتك، ومؤامرات أسيادك في موسكو وواشنطن.

المصدر: صحيفة المصريون.

عن موقع قصة الإسلام