ياللعجب ..صارالغير قدوة للمسلمين والعرب..!!
ياللعجب ..
صارالغير قدوة للمسلمين والعرب..!!
الحادية عشر والنصف يبدأ التذمّر العلني أمام المراجعين، ويشرع الموظفون، وأكثرهم موظفات، في تبادل مشاعر القلق عبر الإيماءات وحركات الأعين وحتى الكلام، وينطلق صوت حادّ من وجه متجهّم باتجاه مسؤول الأمن: أغلق الباب.. وعند الثانية عشر تماما ينطلق جرس انتهاء الدوام الصباحي، كما هو الحال في المدارس الابتدائية. يخرج الموظفون بسرعة فقد استعدوا مبكّرا، لكنهم لا يركضون ويتعاركون أمام البوابة ويصيحون مثل تلاميذ المدارس الابتدائية عند مغادرة الأقسام باتجاه المطعم أو البيت.. والعزاء للموظف الذي يقابل إصرارا حادًا من مجموعة مراجعين لا يرون بديلا عن إتمام معاملاتهم بأيّ حال من الأحوال.أين يتكرّر هذا المشهد عزيزي القارئ.. هل هو في إحدى البلديات الفقيرة النائية التي تنوء بأثقال رواتب موظفيها المتأخرة منذ شهور طويلة.. ويمارس الموظفون العمل في مبنى مهلهل قديم لا يتوفر على الحد المعقول من النظافة، وأكثر من ذلك يفتقرون إلى التقدير ويشكون التهميش وعدم سماع الإدارة لمطالبهم وانشغالاتهم.الأمر ليس كذلك عزيزي القارئ.. إنه في إحدى إدارات التأمين.. وعندما نتحدث عن مثل هذه المؤسسات نعني الجهات الأكثر غنى ووفرة مالية بعد البنوك مباشرة، إن لم تكن الأغنى على الإطلاق.. والحديث هنا عن إدارة مهيبة البنيان تظهر من بعيد بزجاجها الأزرق الفاتن، وتلج من بابها الرئيسي فيقابلك أثاث وتجهيز فخم، وأجهزة كمبيوتر حديثة الطراز، ولوحة إلكترونية تحدد للمراجعين أدوارهم عبر أرقام يستلمونها عند الدخول، ومقاعد فخمة.. وهلمّ جرّا..إنها إحدى مفارقات التخلّف الذي نعاني منه عندما نصرف المليارات على التجهيزات، وننسى، أو نتناسى، الجانب البشري في الإدارة أو المؤسسة.. فلا تدريب ولا تحفيز ولا مكافآت ولا مرونة في اللوائح والقوانين.في المشهد، الذي عاينته، دق الجرس وظل أمام الموظف عدد من المعاملات وحاول الرجل صرف المراجعين فلم يفلح.. فبينهم نساء وشيوخ.. فحاول تدارك الأمر وتسريع العملية حتى لا يخسر من الوقت أكثر من عشر دقائق.استفسرتُ من مسؤول الأمن عن سرّ هذا التخلّف، وكان رجلا إيجابيا واعيا، فأخبرني أن وقت الراحة محدود وأوامر السيد المدير صارمة في بداية الفترة المسائية؛ فدقائق التأخير تُجمع مع مثيلاتها ثم تُخصم من راتب الموظف المعني بالأمر.سألت الرجل: أين اللوائح ومرونتها التي تتناسب مع فخامة المكان وضخامة الميزانية والأرباح والعوائد.. ألا يستطيع المدير، أو المسؤول المباشر عن ذلك الموظف المسكين، أن يلاحظ ما حدث، وأن هناك زبائن ينتظرون فينزل إليهم ويطلب من الموظف مواصلة العمل، لأن الزبون ملك كما هو الحال عند الدول والشعوب المتحضرة.. وفي الحال يوقّع له على استمارة الساعات الإضافية مثلا، أو أيّ صيغة أخرى للتعويض، ويواصل الموظف العمل، وربما ينسى حتى الجوع وموعد الطعام.. شرحتُ الأمر لمسؤول الأمن وكرّرتُ الكلام أمام الموظف وهو يكمل لي معاملتي.ما الذي سيجنيه المواطن من هذه المباني الفخمة أيها السادة.. حوّلوا إداراتكم إلى خيام أو بيوت مصنوعة من القش أو الجريد.. لا يهم.. لكن.. قدّموا خدمة راقية للمواطن.. دعوه يشعر بكرامته وأهمّيته وأنه فعلا جوهر العملية الإدارية برمّتها وسبب هذه المباني الشاهقة والسيارات الفارهة والرواتب العالية.إن بعض الأعراف الإدارية والبيروقراطية التي تحكم إداراتنا قديمة جدا، وقد أكل عليها الدهر وشرب لأن الشعوب التي سبقتنا سارت في سياق آخر تماما، وهو أن الزبون دائما على حق، بل هو ملك، وفي المقابل يؤمن الموظف أن حالته المثالية هي الاستعداد الكامل للخدمة.. هكذا تقوم الشركات والمؤسسات الناجحة.أين الذين يسنّون القوانين ويضعون اللوائح، سواء في البرلمان أو اللجان المتخصصة.. أين هم من العالم المتقدم.. الأموال متوفرة والحمد لله.. اخرجوا وشاهدوا العالم القريب والبعيد.. شاهدوا اليابان مثلا، وعاينوا الإدارات والمؤسسات وكيفيات عملها وتعاملها.إنّ الفرحة تغمر الأسرة اليابانية إذا تأخّر العامل أو الموظف عن موعد العودة إلى البيت.. لماذا.. لأنها تعرف أن وراء التأخر ساعات إضافية، وأنها تصبّ حتما في رصيد نهاية العام.. إنه التحفيز وليست الرواتب الجامدة التي تعلّم الموظف الكسل والخمول والسلبية
http://www.aldjadidonline.com/permalink/8959.html
رد مع اقتباس
المفضلات