فنّ الرّسم
بقلم: حسين أحمد سليم

لكلّ من البشر, طبيعته الخلاقة ومذاجيّاته النّفسيّة وخياله الواسع, ولكلّ أيضا الرّغبة الأكيدة, التي تحفّذه في عمليّة الإنجاز والإبتكار والخلق, وترجمة المشاعر والأفكار, التي تُحاكي صاحبها وتختلج في نفسه, لتتوالد في أعمال, يعبّر من خلالها عن رؤيته الخاصّة للعالم من حوله...
وللموهبة دورها الفاعل في مجال الفنون عامّة, وكذلك في مجال الرّسم الفنّي خاصّة, ولها دورها الفرادي, الذي لا يمكن تجاهله في عمليّة التّكوين للفرد, وتنمية الموهبة وصقلها عند أيّ كان, يأتي بحركة فعل المراس والتّجارب المتلاحقة, وكما لكلّ فنّ ضوابطه وأسسه ومساراته, فكذلك الرّسم الفنّي أو فنّ الرّسم, له قواعده وأصوله وله أيضا ضوابطه ومعاييره ومساراته...
تعتبر الطّبيعة مصدرا أساسيّا, بما تزخر به هذه الطّبيعة, من ثراء لا حصر له من الموضوعات والمشهديات الحيّة, ومثلها الجامدة أيضا, والتي تُمثّل للرّسّام معينا لا ينضب, وتُغنيه في تجاربه وإبداعاته وأبحاثه, وتضمن له الإستمرار والمتابعة, إذا ما عرف كيف يستغلّ ما تزخر به الطّبيعة من حوله...
وعمل الفنّان, بشكل عام, يتميّز بالصّفات التي يتفرّد بها عن غيره, من خطوط رائعة وألوان جذّابة, إضافة إلى التّلقائيّة والصّدق في الأداء... وهي الصّفات التي تولّدت من ثمرة جهود من بذلوا الكثير من وقتهم وحياتهم, للوصول إلى المباديء والأسس التي يرتكز عليها الجمال بمسحاته ومشهديّاته...
فاللوحة الفنّيّة, تتشكّل من مجموعات من الخطوط ومساحات من الألوان, والخطوط ما هي إلا وسيلة تشكيليّة, للتّعبير والترميز عن الهيئة والشّكل والحركة, وهو ما يُمكننا درسه من خلال مظاهر مختلفة للخطّ, سواء في عمليّة إمتداده, كمستقيم مثلا, أو منكسر أو منحني أو مائل أو شاقولي...
ويرى علماء الجمال, أنّ في الخطّ المستقيم بكافّة أوضاعه, صلابة وتكلّفا بعيدا عن الجهد, وهو في شكله العام, ضعيف التّعبير عن الجمال, وناقص المدلول... إذ أنّه في المفهوم الجمالي العام, لا يُثير الإنتباه, بعكس الخطّ المنكسر, الذي يُثير الإنتباه الحادّ, تعبيرا عن القسوة والجفاف...
فيما يرى علماء فلسفة الجمال, أنّ الخطّ المنحني في مظهره العام, هو خطّ يعكس معنى اللطافة والجمال, وقد ركّز الكثير من الفنّانين والرّسّامين على إستخدامه في نتاجهم الفنّي, لأنّه يُعتبر خطّ الحركة التي تبرز الجمال, بلا تكلّف أو جهد...
والخطّ بشكل عام, من حيث إنتشاره في عمل فنّي ما, يتّخذ أشكالا متعدّدة, ومنها الخطّ الرّفيع والخطّ العريض والخطّ المتقطّع, وهو إمّا أفقي أو مائل أو عامودي شاقولي...
وتأثير الخطّ لا يكون واضح المعالم في بنية الرّسم الفنّي, ما لم يكن في حالة إختلاط مع أنواع أخرى من الخطوط, وهنا تبرز براعة الرّسّام المحترف في عمليّة التّعبير الفنّي, وذلك عند موافقة نسبة إنتشار الخطّ للتعبير عن الشّكل المُراد توقيعه, أو النّموذج الهدف للتّشكيل الفنّي رسما أو نحتا...
والألوان في عمليّة الرّسم الفنّي, هي بمثابة الأنغام المتجانسة في الموسيقى, والألوان تأخذ الطّبقات المتعدّدة في كثافتها, فإمّا أن تكون طبقة ألوان اللوحة الفنّيّة قويّة صارخة, أو أنّها تكون خفيفة باهتة, وإمّا أن تكون دافئة وحارّة, أو باردة, وذلك بقدر ما تُعبّر الألوان عن المضمون الذي يريده الفنّان أن يُعبّر به... وكثافة اللون التي نُريدها في عمل فنّي ما هي الكتل اللونيّة الكثيفة, التي تظهر في العمل الفنّي بدون تفاصيل واضحة... والكثافة هي أن تكون ألوان قسم أو أقسام من اللوحة, كثيفة ونافرة بالنّسبة لبقيّة الألوان التي تُؤلّف عناصر العمل الفنّي أو جزء منه...
وفنّ الرّسم, هو فنّ الملاحظة عبر الرّؤية البصريّة, وهو القياس الذّهني الصّحيح للأشياء المختلفة, والتي يُريد الفنّان أو الرّسّام التّعامل معها وتشكيلها في مسطّح ما على خامة معيّنة... وبقدر ما يكون الرّسّام دقيقا في ملاحظاته ومرئيّاته من جهة, وبالتّالي دقيقا في عمليّات قياساته الذّهنيّة الصّحيحة, بقدر ما يأتي عمله الفنّي متكاملا من مجمل جوانبه, وهو ما يُلفت الإنتباه وترفل له العين, التي تُعتبر في طبيعة صنعها الإبداعي, مقياسا للجمال فيما تراه وتحيط به...