الادارة الواعية

تهدف المقالة لترسيخ مبدأ أن الإدارة هي الأساس في أي مجتمع.

وبينما نحن نتحدث ونتناقش قلت له: الإدارة هي الأساس في أي مجتمع، رد قائلاً: بل السياسة والاقتصاد، قلت: التنمية الاقتصادية بحاجة إلى إدارة واعية منتجة، والسياسة بحاجة إلى عقلية قيادية ومجتمع متماسك ومنتج لا مستهلك، إذاً الأمر يبدأ وينتهي عند الإدارة، ولكي تتأكدوا من صدق حديثي هذا لنسأل أنفسنا إلى أين يذهب كل شخص صباح كل يوم، الطالب إلى المدرسة، والموظف إلى الشركة أو المؤسسة، العامل إلى مصنعه وهكذا، وكل مؤسسة بحاجة إلى إدارة تزرع القيم والأخلاق وتحقق النتائج، حتى المنزل بحاجة إلى إدارة يتشارك فيه الأم والأب، وهدف كل هذه الإدارات أولاً وأخيراً هو زرع القيم والمبادئ والعمل على تماسك المجتمع، وتحقيق النتائج الاقتصادية. وسأضرب مثال على ذلك من الواقع العربي، إذ لا يخلو وطننا العربي من النماذج الإيجابية، والقصة يا سادة أن رجلاً تم تعيينه مديراً لمؤسسة، وفي أول يوم قام بإلغاء دفتر الحضور والغياب وأخبر الموظفين أنه يريد نتائج ولا يهمه متى يحضرون أو يذهبون المهم أن يكونوا منتجين، وقام بعرض الوضع المالي للمؤسسة وذلك بجمع جميع الموظفين من أعلاهم إلى أدناهم، أي من نائبه ورؤساء الأقسام إلى عمال النظافة والمراسلين، وقام بشرح الوضع المالي للمؤسسة بكل تفاصيله وجزئياته والمعروف أن الوضع المالي لأي مؤسسه يعتبر سر أو شيء لا يجب أن يطلع عليه الموظفين، وشرح لهم كيف يكون جهد كل واحد منهم مؤثراً بالإيجاب أو السلب على هذا الوضع المالي وبالتالي على الرواتب والمؤسسة ككل. يتكلم ذوو العقلية التقليدية فيتساءلون منكرين: ألا يخشى أن يقوم الموظفين باستغلال هذه الثقة الزائدة؟ فأقول إن من يخون هذه الثقة التي أعطيت له فلا يستحق إلا الفصل من العمل لأنه خان الأمانة، لكن أتدرون ما نتج عن إعطاء الثقة للموظفين في المؤسسة؟ يقول المدير: اتصلت يوم الجمعة ليلاً بالمؤسسة فإذا الموظفين يعملون هناك! فأمرتهم أن يتركوا العمل ويذهبوا إلى بيوتهم ليرتاحوا أو ليؤدوا حق أهلهم فيوم الجمعة إجازة عن العمل تستغلها العائلة في التنزه، فكان ردهم بأنهم مرتاحون في العمل ولا أحد يجبرهم على أن يعملوا في يوم إجازتهم. ونستنتج من هذه الواقعة، أن الثقة هي التي تجعل الموظفين يجتهدون ويحبون عملهم، وهذا من البديهيات، فلا أحد يحب أن يتهم أو يلمح له بأنه غير جدير بالثقة، وللأسف فإن إداراتنا تعمل من منطلق القاعدة التي تقول: الموظف متهم حتى تثبت براءته، والموظف لا يحب العمل لذلك يجب أن نراقبه ونلوح بالعقوبات لكي ينتج ويعمل، سؤال أسأله لكل مدير يتبع هذا الأسلوب، هل ستعمل في مثل هذه البيئة كموظف عادي؟ ولمن يريد أن يزرع الثقة في بيئة مؤسسته، أفعل كما فعل ذاك المدير السابق، ألغي دفتر الحضور والغياب وحاسب الموظف على النتائج والإنتاج، لا على عدد الساعات التي حضرها وداوم فيها، وقد يكون داوم عشر ساعات ولم ينتج إلا ساعة واحدة فقط، واعمل على عدم وجود أسرار في مؤسستك فكل المعلومات متوفرة ومتاحة، واشرح لكل موظف كيف يكون جهده مؤثراً بالإيجاب على المؤسسة ككل. وهناك الكثير من الأفكار التي تساعدك على زرع الثقة في مؤسستك، منها ما تفعله مؤسسة أمريكية، حيث تعطي للموظف حرية استغلال 15% من وقت الدوام في تجربة أفكار جديدة ومشاريع إبداعية، وتعطيه ليقوم بهذه التجارب ثلاثة آلاف دولار! وإن فشلت التجربة فهم لا يحاسبونه بل يشجعونه على الاستمرار. مؤسسة أخرى تضع في غرف المهندسين لوحات بيضاء أو سبورة وتجعل جميع الموظفين يجتمعون في اجتماعات غير رسمية مع زبائنهم ليفصلوا للزبائن حلول خاصة ومبتكرة، وهذه اللوحات ما هي إلا أداة مرئية للاتصال وشرح الحلول، ويحق لكل الموظفين الاطلاع على الرسومات والحلول ويسمون هذا سرقة إبداعية! ليبتكروا أفكار جديدة من سرقة أفكار زملائهم! وهناك مؤسسات تكافئ الموظف إذا اكتشف قاعدة أو إجراءات عقيمة، وتكافئه إذا اكتشف خطئاً أو هفوة لأحد المدراء، وبعض المؤسسات تكافئ الموظفين على اقتراحاتهم، فمثلاً مؤسسة تويوتا اليابانية تتلقى من الموظفين ما مقداره مليون ونصف المليون اقتراح ينفذ معظمها وقت اقتراحه!! وأعتقد أن الرقم غير دقيق تماماً ويمكن أن يكون أكثر من ذلك حالياً. ما أريد أن أقولها، أن أي مدير يريد إنتاج وإنتاجية وربحية عالية عليه أولاً أن يهتم بموظفيه اهتماماً
حقيقياً ليستفيد ويفيد لا ليخدعهم ويجعلهم آلات للإنتاج فقط، فيوفر لهم البيئة المناسبة للإبداع والابتكار وحرية تبادل الرأي وأهم من هذا التنفيذ الفوري للاقتراحات فليس هناك قاتل للاقتراح مثل التأخير، ويحاول بقدر الإمكان تعزيز الاتصالات المباشرة وإلغاء أشكال الاتصال الأخرى خصوصاً الورقية منها إلا للضرورة القصوى، ويلغي أي ميزات يتميز بها المدراء عن الموظفين ويكون التميز فقط بمقدار الإنتاجية، ويوفر لهم التدريب المستمر والتثقيف الدائم ولا بأس إن وفر لهم مكتبة متخصصة أو متنوعة وأتى لهم بالمدربين ليتعلموا ويتدربوا على المهارات وإن لم تكن هذه الدورات تخص العمل، ألا يستحق الموظف أن تكرمه وتعطيه الفائدة؟ وليس هناك تكريم وتقدير للموظف إلا إذا قدرت جهوده وشكرته عليها بإخلاص ووفرت له ما يحتاجه من موارد وعلمته ما يحتاجه من مهارات. ولدي كلمات قليلة أختم بها هذا المقال، إذا كنت قرأته ثم لم تفعل شيء فكان من الأفضل ألا تقرأه من الأصل وكان علي ألا أكتبه!! لذلك أقولها بكل صدق نفذ بعض الأفكار الواردة في هذا المقال، فهي نفس الأفكار التي ستجدها في الدورات التدريبية التي يصرف عليها الآلاف من الدراهم، فأكون بذلك وفرت عليك بعض المال، وإذا لم تكتفي بهذه المقال فاذهب إلى أقرب مكتبة وستجد العشرات من الكتب التي ستساعدك على تحسين بيئة العمل، ولا تنسى أن تسأل نفسك، متى كانت آخر مرة شكرت فيها الموظفين أو كرمتهم على جهودهم؟!!

المصدر : موقع الإبداع