أما بعد
فإني أعيذك من هَذرَمة اللسان، وقسوة الجَنان، وأُذكرك بقول العزيز الجبار "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسَّكم النار". حسبناك غريرا وقلنا عسى أن يهديه الله إلى سواء السبيل، وطال انتظارنا حتى ساح الدم أنهارا، وكثر الهَرْج حتى ظننّا القومَ بين يدي الساعة، وما وجدناك إلا مُبارِكا للظلم مناصِرا للظالمين. ألا إنّ مَن أتى السلطان افتتن! وليتك لُذت بالصمت إذ لم ترْعَ أمانة الصّدع بالحق، وقد علمتَ أن من كتم علما ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار، فكيف وقد نطقتَ هُجْرا، وأتيت إمْرا؟
أين البلاغ المبين أيها الشيخ! أينَ أين كلمة حق عند سلطان جائر؟ لقد أبيت إلا الرّكون إلى الظالمين، ومعاداة أهل الحق، والدعوة إلى موالاة أفّاك الشام وزبانيته، حتى حقّ عليك قول الرجل الصالح: "لا تكن ممن يجمع علم العلماء وطرائف الحكماء ويجري في العمل مجرى السفهاء!". أفَلستَ ترى الحسن البصري إياك يعني؟ أرْضَيْتَ السفّاحَ اللعين بسَخَط الله وما ذكَرتَ زَلّة العالِم. أنكرتَ على الذين ظُلموا وما أنكرتَ على الظالم. أمَا إنك لو أنكرت لبرئت، ولو كرِهت لسلِمت، ولكنك رضيت وتابعت، فأيّ شيء يسرُّك وقد أبعدك الله تعالى؟ أمَا إنا نعلم أيها الشيخ أنك لست اليوم تضلّ، فإنك طالما غشيت أبواب السلاطين، وداهنت ملوك الجَور، وأطريت وأثنيت، حتى أصابوا من دينك، وألبسوك الغفلة، وأوقعوك في الفتنة، وأوْرَدوك المهالك والعياذ بالله.
أيها العالِم! بئس العلم لا يمنع موالاة أهل البغي والضلال! أما ترقُّ لعبَرات الثكالى؟ أما يقضُّ مضجعك أن ترى الولدان المروَّعين؟ أما ترثي لمن أُخرجوا من ديارهم على فرَق وطَوى والأرض قد صُقِعت؟ عجبا لك! تكيل المديح للطاغية وتلُوك باطلا والناس في بأساء وضرّاء! ألا بئس زُهدك! ألا قبحا لوَرعك! عَشيتَ عن الحق وخفيَ عليك الظلم وهو "كبرى اليقينيات". ركنت إلى الفاجر الأفّاك والرّكون إليه "باطن الإثم" وظاهره. أفكانت الذّلة من "الحِكم العطائية" أم كان الطغيان من "ضوابط المصلحة"؟ أين ما خطّت يمينك يا رجل؟ وأين ما دوّن قلمُك؟ ويحك! كيف تخذل من هرع للذّود عن حرمات المسلمين وأعراض الحرائر؟ كيف تُسْلم من خرجوا يَردّون عدوان الظالم وأعوانه؟ أوَلستَ قلت إنهم ينتعلون المساجد وليسوا من أهل الصلاة؟ نشدتُك الله هل اطلعت على سرائرهم؟ أم تُراك شققت على قلوبهم؟ آلذين باعوا أنفسهم لله حُثالة؟ سلاما أيها الشيخ سلاما! أيّ فقه هذا أيها الفقيه؟ وأيّ علم أيها العالم؟ ألا بُعدا لفقه لا يقي صاحبَه عثرات اللسان! تبّا لورَع لا يمنع صاحبَه التّخليط والهذيان!
لقد جُرت أيها الشيخ وأعْدَيت عياذا بالله من أرذل العمر! فلتنظرْ في أمرك! أو أمسكْ عليك لسانك، ولْيسَعْك بيتك، وابكِ على خطيئتِك!
والسلام على من اهتدى
عبد الرحيم صادقي
12 ربيع الأول 1434ه
24 يناير 2013م