الإسلام يحمي المرأة من الطعن أو الشك فيها

نجاح عبدالقادر سرور


لقد صان الإسلام الزوجة في عرضها وسمعتها، فدعاهن إلى الحجاب صيانة لهن من أعين الخبثاء الذين يتتبعون العورات، ومن طمع الذين في قلوبهم مرض. كما وضع عقوبة قاسية للذي يتقوّل على المحصنة، ويقذفها بغير شهود. قال تعالى:
{ والذينَ يَرْمُونَ المُحْصَناتِ ثمَّ لَمْ يَأْتوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهم ثَمَانِينَ جَلْدَةً ولا تَقْبَلوا لهم شَهادَةً أبداً وأُولَئِكَ هم الفاسِقُونَ } (النور: 4).. فجعل سبحانه عقاب هؤلاء ثلاثيا: ثمانين جلدة وإبطال الشهادة والوصف بالفسق، بل نفى عنه الإيمان، ولعنه وأبطل عمله، فقال تعالى:
{ إنَّ الذينَ يَرْمُون الْمُحْصَناتِ الغافِلاتِ المُؤْمِناتِ لُعِنُوا في الدُّنْيا والآخِرَةِ ولهم عَذابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عليهم أَلْسِنَتُهم وأَيْدِيهم وأَرْجُلُهم بما كانوا يَعْمَلونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهم اللهُ دِينَهم الحَقَّ ويَعْلَمونَ أَنَّ اللهَ هو الحَقُّ المُبِينُ (25)}(النور).
ويقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة ).

وصان الإسلام الزوجة من ارتياب زوجها وشكه في سلوكها ودعا إلى عدم الغيرة في غير ريبةٍ ولاشكٍ.. فإذا به يعلن أن الله تعالى يحب الغيرة في الريبة ويبغضها في غير ريبة.. روى أبو داود والنسائي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
« إن من الغيرة ما يحبه الله ومنها ما يبغضه الله فأما الغيرة التي يحبها الله فالغيرة في الريبة والغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة ».. إلى الدرجة التي نهى فيها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن طرق النساء في جوف الليل، وإذا قدم الزوج من سفر فعليه أن يتمهل إذا دخل بلده، حتى تستعد زوجه لاستقباله.. عن جابر رضي الله عنه قال:
كنا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسلم في غزوة فلما قفلنا كنا قريبا من المدينة، تعجلت على بعير تطوف، فلحقني راكب من خلفي، فالتفت..فإذا أنا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
« ما يعجلك؟»
قلت: إني حديث عهد بعرس.
قال: « فبكرا تزوجت أم ثيّبا؟»
قلت: بل ثيبا.
قال: « فهلاّ جارية تلاعبها وتلاعبك ؟»..
قال: فلما قدمنا ذهبنا لندخل
فقال: « مهّلوا حتى تدخلوا ليلا -أى عشاء- لكي تمتشط الشعثة وتستحدّ المغيبة »..
يعني حتى تستعد الزوجة لاستقبالك، وتتهيأ لذلك.

ونهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يطلب عثراتهم.. وفي هذا لطف نبوى كريم.. حتى لا يقع الزوج على شيء يكرهه في زوجته، وحتى لا تقع عينه على شيء ربما أدى إلى بغضه إياها.. وبيّن أن الزوج إذا ما بدا له من زوجه شيء يكرهه فعليه أن يبحث عن أشياء جميلة فيها يحبها..
يقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « لا يفرك مؤمن مؤمنة -يعنى لا يبغض زوج مؤمن زوجَه- إذا سخط منها خلقا رضي منها آخر ». ونهى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأزواج أن يتحدثوا بأسرارهم مع الآخرين، فلا يحكى الزوج ما يدور بينه وبين امرأته من جماع ومباشرة، وكذلك الزوجة لا تتحدث مع الأخريات بذلك. فقد روى مسلم وأبوداود عن أبى سعيد أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
« إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضى إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرّها »..
وروى أحمد وأبو داود عن أبى هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلّى، فلما سلّم أقبل عليهم بوجهه فقال:
« مجالسكم.. هل منكم الرجل إذا أتى أهله، أغلق بابه وأرخى ستره، ثم يخرج فيحدّث فيقول: فعلت بأهلي كذا وكذا، وفعلت بأهلي كذا ؟»..
فسكتوا.. فأقبل على النساء، فقال: « هل منكن من تحدّث ؟»..
فجثتْ فتاة كِعاب على إحدى ركبتيها، وتطاولت ليراها الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وليسمع كلامها، فقالت: أي والله، إنهم يتحدثون! وإنهن ليتحدّثن!..
فقال: « هل تدرون ما مثل من فعل ذلك؟ إن مثل من فعل ذلك مثل شيطان وشيطانة، لقي أحدهما صاحبه بالسكّة فقضى حاجته منها والناس ينظرون إليه ».

إن على الزوج أن يصون عرض زوجته، ويحفظها من كل ما يمكن أن يخدش شرفها الذي هو شرفه، وكرامتها التي هي كرامته. لقد وصلت عناية السنة النبوية مداها بشرف المرأة إلى الدرجة التي ينهى فيها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تصف الزوجة لزوجها امرأة أخرى.. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
« لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها ». ذلك قطعا لدابر الشيطان والنفس الأمارة بالسوء.. فربما وصفتها له فأعجبته، ووقعت في نفسه.

عن صحيفة العرب القطرية