آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الدعاء والقدر ..قراءة في كتاب ما يقال عن الإسلام للعقاد رحمه الله .

  1. #1
    عـضــو الصورة الرمزية فؤاد عزام
    تاريخ التسجيل
    15/08/2009
    المشاركات
    167
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي الدعاء والقدر ..قراءة في كتاب ما يقال عن الإسلام للعقاد رحمه الله .

    ورد إلى الأستاذ عباس العقَّاد سؤال من الطالب مختار عبد القادر الفيل عن فائدة الصلاة والدعاء ,فإذا كنا قد آمنا بأن الله قد قدَّر كل شيء وفرغ منه أزلا , فما فائدة الابتهال إلى الله في طلب خير أو دفع ضُرٍّ– ويسألُ الطالب ((كيف نفهم الدعاء إلى الله طلبا لشيء من الأشياء ؟ فإن هذا الطلب إما أن يكون مطابقا لإرادة الله الثابتة فلا فائدة فيه , وإما أن يكون مخالفا الإرادة الإلهية فلا فائدة فيه كذلك , ولا يفعل سبحانه وتعالى غير العدل , فليس ثمة ما يدعو إلى مطالبته لأننا في هذه الحالة كمن ينزله منزلة الحاكم الذي يقضي بقضاء ثم يعدل عنه بعد التَّزَلُّفِ والاستعطاف..)).
    إن القضية المحورية – كما سيبدو من ردِّ العقاد - في هذه الشبهة هي قضية الثبات بما هو عدم القابلية للتغيير والتبديل أي ثبات الإرادة الإلهية المقدرة أزلا للإنسان تلك التي لا تتسق مع أي تغيير .
    وهنا يبدو من منهج العقاد في الرد أنه يحاول الاعتماد على هذا الموضوع الأصل باستكمال تصوير ملامحه وطرح لوازمه وفروضه على نطاقِ لا الإنسان وما قُدِّرَ له فقط بل على نطاق الكون كله الذي يشمل الإنسان الذي فُطر على اللجوء إلى الله تعالى والاستغاثة به.
    فالكون مخلوق والإنسان كذلك مخلوق , وكل منهما قدَّر الله أقداره أزلا , والقولُ بالثَّبات وعدم القابليَّة لما هو مُقَدَّرٌ يعنى أن يسير الكون بجماده وأحيائه وفق القانون الموضوع له بطريقة آليَّة لا تعرف الشذوذ , وأن تكون حياة الإنسان على الأرض كذلك آلية لا تعرف الخروج على النسق المطرد.
    فأنْ يكونَ الكونُ كلُّه سائرا على نسق مُقدَّر أزلا ، فإن ذلك يعني ميكانيكيَّة الحركة وآلية الدوران الرتيبة المنتظمة المتماثلة .
    وأن يكون المقدَّرُ من الله على الإنسان ثابتا فإن ذلك يعني أن الله قد فرغ من إرادته أزلا ولم يعد يريد بالإنسان شيئا عما قدَّره له من قبل !!.
    وأن يكون المُقَدَّرُ من الله على الإنسان ثابتا فإن ذلك يعني عبَثِيَّةَ خلقِ الفطرةِ الإنسانية على هيئة تَجْأَرُ إلى الله في وقت الشدة ووقت الرغبة على سواء!! .
    وأن يكون المقدورُ ثابتا فإن ذلك يعني عدم جدوى الدعاء ويعني كذلك أن الإجابة فقط هي الهدفُ المرجوُّ من الدعاء , وأن العبد لا يكشف عن حاجة ذاته لربه إلا إذا كان واثقا من حتميَّة الإجابة !!.
    وقد عالج الأستاذ العقاد القضية في هذا الإطار الشمولي النابع من نظرة الإسلام الشاملة للكون والإنسان , مستخدما تفكيره الموضوعي وطريقته العقلية المميزة في مناقشة هذه القضيَّة فالحقائق الإسلامية تتَّسِقُ مع الحقائق الكونيَّة وتتَّسِقُ مع فطرة الإنسان , وحقيقةُ الدُّعاء هنا تتوافق مع حقائق الكون المادِّي وتتوافق كذلك مع طبيعة الفطرة الإنسانيَّة .
    يؤكِّد الأستاذ العقاد على قضية المتغيرات الكونيَّة المخالفةِ للقوانين العامةالحاكمة لسير الكون , ويستشهد بالنظريات الطبيعيَّة التي تؤكِّد ذلك ((فمن المقررات العلميَّة التي اشتُهرت حديثا باسم نظرية هيزنبرج , Heisenberg أن العلم لا يستطيع أن يَعْرِفَ مُقدَّما كيف يتصرف كَهْرب واحد من كهارب الأجسام المادية وأن الذي نعرفه من ذلك إنما هو حكم الجملة يستحيل تطبيقه على الأجزاء المتفرقة )). 178.
    إذن فالعلم لا يستطيع أن يتنبَّأ على وجه اليقين بحركة الإلكترونات في الذرة والعلماء مع معرفتهم بقانون الحركة الذرِّية عموما إلا أنهم لا يستطيعون الجزم بما سيحدث فيها مستقبلا , فالأمر إذن عرضة للمفاجآت .
    ويمكن أن يُستأنس لذلك بحدوث الزلازل وما يتبعها من حركة أرضية عنيفة مدمرة , مع أن كل عناصر قانون الاستقرار الأرضي متوفرة في منطقة حدوث الزلزال لكن حدث ما هو مخالف لتوقعات القانون العام لسبب ما .
    وقد تتوفر كل الأسباب الطبيعية لنزول المطر ثم لا ينزل مخالفا بذلك القانون العام الموضوع له فيحدث فجأة غير ما هو متوقع لسبب ما .
    وقد يخضع الإنسان لفحص طبي شامل يؤكد خلوه من كل الأمراض ومع هذا يحدث ما هو غير متوقع فيموت فجأة.وقديما قال الشاعر:
    رأيت المنايا خبط عشواء من تصب
    تمته . ومن تخطئه يعمر فيهرم
    والدعاء بما هو ظاهرة نفسية من ظواهر الأحياء في الكون الفسيح يتسق كذلك مع القانون الكوني العام القابل للخروج على النسق بغير حساب .
    ويشير الأستاذ العقاد إلى الحقائق الكونيَّة مُبَيِّنا تناسقَها مع الدعاء والصلاة إلى الله تعالى , فالصلاة ظاهرة من ظواهر الكون الكثيرة , وموضعُها من الكون هو الفطرةُ الإنسانيةُ , ومن ثَمَّ يسري القانونُ الكونيُّ العام على كل أجزائه ومنها ابتهال النفس البشرية لله تعالى واستغاثتُها فطريَّا به سبحانه.
    وهنا يستند العقاد إلى قول عالم الطبيعة "أوليفر لودج" الذي يشير إلى أن الصلاة ظاهرةٌ كونيةٌ و (( يَرُدُّ على القائلين بمخالفة الصلاة للسنن الكونية فيقول : " إنهم يتوهمون ذلك لأنهم يحكمون على الصلاة حكمهم على ظاهرة طبيعيةٍ خارجةٍ من حدود الكون . ولكنها في الواقع ظاهرةٌ كونيةٌ يحسب حسابُها في أعمال الكون كما يُحسَبُ حسابُها في سائر الحوادث التي تقع في حياتنا بغير صلاة ..وإذا كانت الصلاةُ تربيةً نفسيَّةً فلماذا يحسَب المعترضون أن هذه التربية ليست سببا لتحقيق بعض الحوادث كما تسبِّبُها كلُّ تربية يتم بها استعداد الإنسان لغاية من الغايات " )) 176.
    فالصلاة إذن سبب من الأسباب الكثيرة العاملة في الكون كلِّه فإذا ثبت أن القوانين الطبيعيَّة تسير بآليَّةٍ نَسَقيَّةٍ مطَّردة لا تتخلَّف ولا تَشِذُّ عن قانونها الموضوع لها فالدعاء (الصلاة) كذلك لا يمكن أن يُغيِّرَ من نسق هذا النظام الآلي ولا يشِذُّ عنه .
    أما إذا ثبت أن القوانين الطبيعية ليست آليةَ الحركةِ وأنه قد يحدث فيها ما هو غير متوقع وتأتي بما يناقضها فإن الدعاءَ وطلبَ الحوائجِ من الله كذلك يمكن -بإرادة الخالق - أن يُغَيِّرَ مما قضاه الله سلفا وأن يحقِّق للعبد ما دعا به.
    وفي الإطار ذاته يعالجُ العقاد القضية من جانبها الديني فإذا كان أصل الموضوع هو تغيير الله تعالى لإرادته فليس هناك نص شرعي يفيد باستحالة تغيير الله تعالى لإرادته فالله فعَّال لما يريد يمحو ما يشاء ويثبت , ويحكم قضاءه بإذرادته , ويعلقه بإرادته , ويعلق مشيئته على الأسباب إذا أراد . وإذا كانت سُنَّة الله لا تتبدَّل فإننا لم نحط بسنَّة الله علما فقد (( تكون سنة الله في نصيب الإنسان موقوفة على تربية نفسية تحققها الصلاة , وقد تكون هذه التربية النفسية سببا مشروطا للسنة الإلهية لا يجوز للمؤمن تعطيله أو لا يجوز له أن يدعي القضاء فيه باسم الإله)).179.
    كما أن السائل يحصر الإرادة الإلهيَّة في موافقة المطلوب أو عدم موافقته وهذا الحصر ليس دقيقا ؛ ذلك أنه يتجاهل أن دعاء الإنسان لربِّه مُرادٌ من مُرَاداتِ الله تعالى وهو – أي الدعاء -مما أمر الله تعالى به الإنسان وفطَره عليه سواء كانت الاستجابة محقَّقَة أم لا فليست هي كل ما يُرجَى من الدعاء ولكن الدعاءَ نفسَه تحقيقٌ لمراد الله من الإنسان .
    يقول العقَّاد : (( ..ولكن مسألة الصلاة لا تنحصر في وجه من هذين الوجهين , لأننا يجب أن نذكر – أولا وآخرا – أن إرادة الله متمثلة في طبيعة الإنسان, وأن من طبيعة الإنسان أن تطلب الغوث عند الحاجة إليه , وأن طلبه من غير الله عبث مع الإيمان بوجود الإله القادر على كل شيء , فإذا اندفعت طبيعة الإنسان إلى طلب الغوث من الله فمن أين له إذا قمع هذه الطبيعة أنه لا يخالف إرادة الله ؟ ومن أين له أن الاستجابة هي كل ما يرجى من الدعاء ؟ من أين له أن الدعاء نفسه ليس هو سبيل الاتصال بالله من جانب الإنسان , لأنه في ذاته عمل من أعمال النفس التي تدل على سجيِّة من سجاياها وإن لم يكن لها جواب )) . 179.
    إذن فقد عالج الأستاذ العقاد قضيَّة فائدة الدُّعاء من الجهة الكونيَّة بما تقوم عليه من إمكان خروج بعض ظواهر النظام الكوني على نسقها المطرد , ومنها قانون الفِطْرة البشرية الفاعل في النفس والكون , والجهة الثانية هي الجهة الشرعية بما تقوم عليه من تنزيه الله تعالى حيث لا يأمر بالدعاء إلا وله فيه حكمة ولعبده فيه إجابة .
    ومع هذا الجهد العقلي المشكور -الذي بذله الأستاذ العقاد لتحرير هذه القضية -والذي أراه مقنعا- إلا أن النفس لا تكف عن إثارة التساؤلات منطلقة من ولعها بكشف الغامض والتحسس من المجهول , وثمة أسئلة لديها تشوش بها على العقل كلما ارتأى أنه قد أوتي الحكمة وفصل الخطاب في هذه الموضوعات , ولا يردعها إلا مقارعتها بالإيمان والتسليم .
    قلت لها : لماذا يأمر الله عباده بالدعاء إذا لم يكن لهم فيه خير وفائدة ؟ فسكتت .
    وقلت لها : تعلَّمي أن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه قال : إن الله أراد بنا أشياء وأراد منَّا أشياء فلا نشغل أنفسنا بما أراده بنا عما أراده منَّا .
    وقلت لها : إني قد دعوت الله كثيرا فاستجاب ولكنك تعوَّدت على النسيان ألا تذكرين يوم كذا ...ألا تذكرين يوم كذا ...؟ فمن ذا الذي لا يصدِّق الواقع الذي عاينه ؟
    وقلت لها :قال تعالى : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) غافر :60.
    وقلت لها : إنما تريدين إهلاكي , لقد تخيلت حياتي حيث لا أرفع كفي إلى الله ربي أسأله حاجتي وأستغيث به في شدتي ...تخيلت هذا فكاد الجنون يغلبني ..
    فياربنا نحن عبادك المسلمون يا حي ياقيوم برحمتك نستغيث , أصلح لنا شؤوننا ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين .


  2. #2
    كاتب وناشط سياسي الصورة الرمزية نايف ذوابه
    تاريخ التسجيل
    04/05/2007
    المشاركات
    2,434
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي رد: الدعاء والقدر ..قراءة في كتاب ما يقال عن الإسلام للعقاد رحمه الله .

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأسعد الله صباحك أخي فؤاد وجمعة مباركة ..

    أقول فيما أعلم أخي فؤاد في هذه المسألة.. إن الله قدّر علينا وكتب في القدر وهو اللوح المحفوظ ما سنقوم به .. ولا تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها وما قُدّر لها كما جاء في الحديث ولا يعزب عنه مثقال ذرة سبحانه وتعالى.. إن الله قدر وعلم ما قدّر على عباده .. لكنه تقدير من حيث العلم وليس تقدير إجبار .. ونحن حين نسير في الحياة ونكون مخيرين بين أمرين لا ندري ماذا قدر الله لنا فنختار بملء إرادتنا ولذلك نحاسب على اختيارنا .. فالله عالم ولا يقع في ملكه إلا ما يعلمه .. لكن علم الله لا علاقة له باختيار المرء .. لذلك فعلى المرء أن يمتثل لأمر الله ويعمل بما أمره وينتهي عما نهاه لأنه محاسب على اختياره .. وهو لا يعلم ما قدر الله في رحم الغيب وما كتب في اللوح المحفوظ .. وعليه أن يدعو الله ويرجوه .. فإن الدعاء هو العبادة وهو مخ العبادة أيضا .. وجزاك الله خيرا أخي فؤاد ورحم الله العقاد ..

    ما زلتُ أبحثُ في وجوه النّاس عن بعضِ الرّجالْ

    عــن عصـبـةٍ يقـفـون في الأزَمَات كالشّــمِّ الجـبالْ

    فــإذا تكلّـمتِ الشــفـاهُ سـمـعْــتَ مــيـزانَ المـقــالْ

    وإذا تـحركـتِ الـرّجـالُ رأيــتَ أفــعــــالَ الـرّجــالْ

  3. #3
    عـضــو الصورة الرمزية فؤاد عزام
    تاريخ التسجيل
    15/08/2009
    المشاركات
    167
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي رد: الدعاء والقدر ..قراءة في كتاب ما يقال عن الإسلام للعقاد رحمه الله .

    أستاذي الفاضل نايف ذوابة - جزاكم الله خيرا على الإضافة الطيبة فقد لخصت القضية في كلمات حكيمة ، تغني عن الموضوع كله ، فعلم الله تعالى موصوف بالكمال ، والعلم الكامل لا يغيب عنه شيء ولا ينقسم لديه الزمان وهذا من مقتضيات الكمال الإلهي . وكما يقول الكلاميون العلم صفة انكشاف وليس صفة تأثير فلا ثأثير له في اختيارنا وواجبنا أن ننشغل بتوجيه إرادتنا وأفعالنا وألا نكف عن الدعاء والرجاء
    جزاكم الله خيرا أستاذي الكريم .


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •