بعد وقفة قام بها حزب التحرير في تونس أمام السفارة الفرنسية احتجاجا على تصريحات أدلى بها وزير داخلية فرنسا سلم حزب التحرير السفير الفرنسي الرسالة التالية، التي ننشرها لقيمتها وأهميتها وقوة لهجتها ...


الرسالة التي توجه بها حزب التحرير إلى فرانسوا هولاند رئيس فرنسا ▬▬▬


▬▬▬إلى رئيس الجمهورية الفرنسيةالسلام على من اتبع الهدى،

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


من موطن كبرياء العقيدة الإسلامية وعظمة الحضارة الإسلامية، من أرض تونس البادئة بالثورة على الدكتاتورية وكل الظلاميّين الذين أيّدوها.من تونس القاصمة لظهر المتآمرين بصحوة إسلامية حيّرت الأعداء، نتوجّه إليكم بهذا الخطاب:


إنّ فرنسا قد اعتدت على تونس وأهلها، وعلى كلّ المسلمين من خلال عدوانها على أهلنا في مالي، وتطاولت علينا من خلال تصريح وزير داخليّتكم عن إسلامنا العزيز الذي نعته وأهله بالظّلامية، وعن المرأة المسلمة العفيفة بلمز عرضها و شرفها، ولعلّكم بذلك تعدّون لعدوان على تونس الأبيّة وأهلها الأحرار وترابها المروي بدم الشهداء كعدوانكم على مالي، البلد المسلم و المتمسك بإسلامه رغم استعمار فرنسا وعنصريّتها.كنّا نظنّكم قد فهمتم المعادلة الجديدة التي فرضت نفسها على الواقع، وهي أنّ هذا الزمن هو زمن الأمّة الإسلاميّة، فشرعتم في تهيئة الملفّات اللاّزمة للتعامل مع دولة الإسلام، دولة الخلافة القادمة لا محالة.


ظننّا أنّ خبراءكم يفكرون في المصالحة والموادعة وينصحونكم بذلك إجلالا لصاحبة المهابة، دولة الإسلام، دولة الخلافة، وأبيتم إلاّ مزيدًا من العدوان والبغضاء وفي انتظار أن تعقلوا نقول:



أوّلا: نَفْيُكم صفة الربيع العربي عن تونس أمر لا يزعجنا، وعلى كلّ حال أنتم لم ترغبوا أصلا في ثورة في تونس حتّى تطلبوا ربيعها، أمّا نحن فإرادتنا مع ربّ الفصول كلّها ندور معها ونقبلها كلّها، وهي كلّها خير على البلاد والعباد وإن تأخّر الأمر وطال، وهي على كلّ حال ليست ثورة "الياسمين"؛ لأنّنا رغم حبّنا للورد فإنّنا نحبّ أكثر شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، هي شجرة الإسلام التي تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها عزّة ومجدًا، وعدلاً ونصرة للمظلومين ورحمة للعالمين.



ثانيًا: أمّا نعت وزير داخليّتكم أحكام الإسلام بالظلاميّة، فردّنا أنّ ما جرّأكم علينا أنّكم لا ترون في حكام المسلمين شوكة ولا مهابة، ولكن اعلموا أنّهم حالة استثنائية وشاذة ومؤقّتة في تاريخنا،فهم (الحكام) في الدّرك الأسفل في موازين الأمّة، ونذكركم أنّ النور كلّ النور في الإسلام العظيم، والظلام كلّ الظلام في الرأسماليّة المتعفّنة الماكرة، ونتاجها الطبيعي، الاستعمار الإجراميّ، و تجربة الأسلحة النوويّة على أهلنا في الجزائر أحد أفظع وجوهها.


من تمام نور هذه الأمّة أنّنا نؤمن بالأنبياء كلّهم، ومن لا يؤمن بعيسى عليه السّلام ولا يبرّئ مريم عليها السّلام فهو في ديننا كافر.والظلام عند من يكفر بنبوّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وهي نور ساطع وحقّ مبين وختم لنبوّة كل الأنبياء ورسالاتهم، بهذا النّور العقائديّ الذي أثمر نور العلم والعدل، كانت حضارة الإسلام هي الأولى في العالم، ومن نورها اقتبستم لتُخرجوا أوروبا من ظلمات القرون الوسطى، وبعهد قريب نذكّركم أنّ نابليون بعد غزوه لمصر حمل معه الكثير من كتب الفقه المالكي وأمر بترجمتها واعتبر ذلك أكبر مغنم له ولفرنسا.ثمّ هل نسيت فرنسا هذه الحقيقة التاريخية ودَيْنَها الثقيل للمسلمين؟حين تخاذل الكثير من الفرنسيين في مواجهة الغزو الألماني في الحرب العالمية الثانية، بل خانوا بلدهم وتحالفوا مع عدوّهم، ألم يشارك أكثر من 300 ألف جندي مسلم شجاع في مقدّمة الصفوف لتحرير باريس من النازية، ومعظمهم من شمال إفريقية المسلم والسنغال المسلمة؟ هل نسيت فرنسا تدخّل الخلافة العثمانية ممثلة بالخليفة سليمان القانوني سنة 1526م لتحرير ملكها فرنسيس الأوّل من الأسر في يد الإسبان في موقفٍ بطولي شهْم قلّ مثيله. وقد حرّره فعلاً وردّه إلى بلاده!!!ومن تمام نور الإسلام أنّه هو الذي سينقذ العالم من النظام الرأسماليّ الذي دوّخ حتّى القائمين عليه، ومنهم ساركوزي الذي قال لا بدّ أن ننقذ العالم من اقتصاد السوق المتوحّش، لا بدّ من بديل...

ثالثًا: أمّا حديث وزيركم عن المرأة المسلمة العفيفة بذلك الأسلوب الوقح، فجوابه أنّ المسلمين يُعلّمون العالم كلّه وفرنسا كيف تقوم الأسرة الكريمة الطيّبة، وكيف لا يكون نصف أبناء المجتمع من اللّقطاء وأبناء الزنى، وكيف يُمنع الشذوذ الجنسي، هذا السلوك الظلاميّ الفاحش والذي أقرّه قانونكم، وزاد عليه حقّ التبنّي كأنّ الأبناء سلعة أو عبيد..

والمسلمون يعلّمون العالم كيف تجتمع المرأة والرّجل على رحمة ومودّة في صُحبة آمنة، ويذكرون العالم أنّ للمرأة ذمّة مالية وملكية خاصّة منذ 1400 سنة يقرّها الشرع الإسلامي ويحميها..بينما عندكم لم يصبح للمرأة ذمّة مالية إلاّ منذ 60 سنة، فمن المعلّم ومن التلميذ قليل التعلم؟وحضارتنا الإسلامية لم تقم على اعتبار حوّاء أصل الخطيئة والبلاء، ولا على اعتبار المرأة نصفًا شيطانيًّا ونصفًا بشريّا كما هو الأمر في أوروبا قرونًا ظلامية طويلة، فأين النور؟ وأين الظلام؟

قال تعالى في كتابه الكريم: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)،وقال: (ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور".ثمّ إنّنا نذكّركم أنّ أوّل العدوان كلام، وما قاله وزير داخليّتكم تطاول ووقاحة، ونقول إنّ تونس بمسلميها وكلّ أهلها حتّى من غير المسلمين هي أمانة ندافع عنها بكلّ عزّة، وهي جزء متين من الأمّة الإسلاميّة، وليست مستعمرة فرنسية ولن تكون. وأنّ الشعب في تونس لم ينس حسابًا سياسيّا وحضاريّا لا بدّ أن يكون مع فرنسا على استعمارها الذي قتل وشرّد وجرّد المسلمين من أملاكهم، وعلى دعم فظيع لدكتاتوريّتين بغيضتين على تونس دام إلى آخر يوم في عمر نظام الدكتاتور الأكبر بن علي بكلّ صفاقة ووقاحة، ونحن نحذّر فرنسا من أن تستهين بدماء أهل تونس اغتيالاً أو اقتتالاً أو فتنة وظلمًا متجدّدًا بشراذم نظام الديكتاتور أو المتغرّبين الغرباء المنبتّين العملاء.. لأنّ الواقع قد تغيّر واستدار نحو التحرّّر النهائي للأمّة، بلادًا وعبادًا، واعلموا أنّ في تونس درجة عالية من الأمان ناتجة عن رضا النّاس بالإسلام واعتبار أحكامه نعمة يتشوّقون لتطبيقها حتّى يسترجعوا ثرواتهم الحضارية من أفكار وأحكام القرآن والسنّة، وثرواتهم المادّية على الأرض وفي باطن الأرض وفي البلاد و خارج البلاد، كي لا يُقال من بعد ذلك جاع أو ذُلَّ أو عُذّب أو جُهّل مسلم في تونس الخضراء.


أمّا عن الحرب الأهليّة التي يلوّح بها بعض عملائكم في تونس، وبعض المستوطنات الإعلاميّة، فاعلموا أنّ ذلك طمع مستحيل كطمع إبليس في الجنّة، واعلموا أنّه ليس في تونس مسلم يقتل عدوانًا مسلمًا ولا ذميّا، وأنهم جميعا يدٌ واحدة على من يريد بالأمّة والبلاد شرّا.زائد درجة وعي مانعة وحافظة تردّ المؤامرات وهي مجرّد نوايا ووساوس في صدور أصحابها ولا سيّما في هذا الزمن زمن الأمّة.وأخيرا تقبّلوا منّا هذه النصيحة: لا تحرموا أنفسكم من فهم الإسلام، فهو الفكر المستنير الوحيد القادر على تحرير الإنسان من الظلم والقهر والفساد الرأسمالي الذي يساوي بين الأحياء والأشياء، ويتخذ الشيطان وليّا والدّين عدوّا.قال تعالى: (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون).

وفكّروا في كيفيّة الإحسان إلى أنفسكم من الآن بإحسانكم إلى المسلمين، وكفّوا أيديكم وشروركم عن أبناء الأمة وثقافتها، قبل أن تأتي دولة الخلافة فلا تقبل حينها إحسانًا منكم ولاموادعة. ولات حين مناص.