آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: التلبيس في الخطاب الدعوي بين الماضي والحاضر

  1. #1
    عـضــو الصورة الرمزية فؤاد عزام
    تاريخ التسجيل
    15/08/2009
    المشاركات
    167
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي التلبيس في الخطاب الدعوي بين الماضي والحاضر

    بسم الله الرحمن الرحيم
    من الكتب القيمة النافعة التي كتبها الإمام العلامة ابن الجوزي رحمه الله كتاب (( تلبيس إبليس )) ، والتلبيس معناه التخليط والخداع بالقول وتصوير الحق في صورة الباطل والباطل في صورة الحق بحيث يصعب التميز بين هذا وذاك ، والإمام ابن الجوزي رحمه الله قد بيَّن الأساليب الإبليسيَّة في خداع كل طوائف الناس من العلماء والعامة على السواء ، وتلبيسه على الناس بحسب أعمالهم ووظائفهم .... إلخ ، وقد كان هذا العمل من الإمام ابن الجوزي عملا قيما نفع الله به كثيرا من الناس .
    والإمام ابن الجوزي إنما قام بهذا العمل بدافع تصحيح المفاهيم الخاطئة التي يُلبِّس بها الشيطان وأعوانه من الجن والإنس على الناس فيغير لهم منظار الحكم الذي يطلون منه على الأشياء في مواضعها الطبيعية ، فينتج من هذا اختلال في الرؤى وجور في الأحكام وتشويه للتصور الصحيح .
    وإذا كان الإمام ابن الجوزي رحمة الله عليه قد قام بواجبه ففكك هذه الشبهات وفضح هذه التلبيسات فإن الله تعالى يقيض لهذه الأمة في كل مرحلة زمنية من يحمل هذا العبء ويقوم بهذا الواجب ، فيرفع إصبعه مشيرا إلى منافذ الخطر ، وصور الخلط في المفاهيم لعلهم يتذكرون.
    وممن أعطاهم الله تعالى الفهم الصائب والبيان الكاشف في هذا المجال الأستاذ الكبير عمر عبيد حسنة ، وأقول ذلك لأنني أتابع كتاباته منذ عدة سنين ، وكانت المقدمة التي يسطرها لكل كتاب يصدر في سلسلة (كتاب الأمة)الذي تصدره وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة قطر – كانت علامة إرشادية إلى إنتاجه الفكري الثمين ، وفي أحيان كثيرة أكتفي بقراءة المقدمة التي يكتبها الأستاذ عمر عبيد حسنة وأستغني بها عن بقية الكتاب فأجد من عمق الفكر ويقظة الرصد وألمعية الفهم ما يجعلني أردد قول شوقي
    كشف الغطاء له فكل عبارة
    في طيِّها للقارئين ضمير
    ومؤخرا يسر الله لي الاطلاع على مقدمته لكتاب (( دعوة الجماهير مكونات الخطاب ووسائل التسديد ) للدكتور عبد الله الزبير عبد الرحمن ، وفي مقدمة الكتاب لفت الأستاذ عمر عبيد حسنة الأنظار إلى قضية في غاية الخطورة في مجال الوعظ والدعوة هي قضية ((تنزيل الخطاب القرآني على الواقع الدعوي)) أو بمعنى أبسط قضية فهم الآيات القرآنية ومعرفة مواضع تطبيقها بالضبط في الواقع الذي نعيشه ، فكيف نفهم الآية ؟ ومتى نطبقها وأين بالضبط ؟ هذه مسألة جد خطيرة ؛ لأن الخطأ فيها يعني ((التلبيس)) الذي حاربه من قبل الإمام ابن الجوزي ، وفي حالتنا هذه يمكن أن يكون هذا التلبيس عمدا أو بحسن نية عند من لا يدققون النظر في الفهم ويعتمدون على الارتجال والعشوائية في إطلاق الأحكام .
    تشخيص المشكلة
    يحدد الأستاذ عمر عبيد حسنة أبعاد المشكلة بقوله : (( وقد تكون المشكلة كل المشكلة في فهم مواصفات الخطاب القرآني محل العطاء والاقتداء , والتعامل معه بقدر كبير من البساطة أو السذاجة والتعميم أو العامية ، وإن شئت فقل عمى الألوان ؛ ذلك أن مواصفات الخطاب القرآني تنوعت وتعددت بحسب الأغراض وبحسب محل الخطاب وموضوعه والقرآن عربي الخطاب وإنساني الرسالة كما هو معلوم ...والبلاغة بأبسط مدلولاتها عند العرب مطابقة الكلام لمقتضى الحال فإذا لم ندرك الحال أو محل الخطاب أو طبيعة المخاطب ومشكلاته وتاريخه وعقيدته فكيف يأتي الخطاب لمقتضى الحال ؟ ! والحكمة في أبسط مدلولاتها أيضا وضع الأمور في مواضعها ووزن القضايا بموازينها , فأين تصبح الحكمة إذا افتقدت المعايير والموازين واختلت النسب ولم تدرك مواضع التنزيل أو محل الخطاب ؟!)).
    وهذه بعض أمثلة للتوضيح :
    أولا : خطاب المعركة والتلبيس في فهمه .
    عندما لا يكف أعداء الإسلام عن محاربة المسلمين ويصل الأمر إلى المواجهة العسكرية حسما للداء -وآخر الدواء الكيُّ- فإن الله تعالى يخاطب المؤمنين آمرا بالثبات ومرغبا في القوة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ (التوبة:123) وقال جل ثناؤه :
    ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ﴾ (الأنفال:65) ويبين ثواب الشهداء ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (آل عمران:169, 170) يبين كيفية تقسيم الغنائم بعد إحراز النصر ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (لأنفال:41) فهذا الخطاب خاص بحالة الحرب ، ومن(( التلبيس )) المشار إليه أول المقال أن تخرج جماعات من الشباب تنتسب إلى الإسلام ويزعمون أن المجتمع قد كفر وأن قتاله واجب وأن غنائمه لهم حلال ويستدلون بالآيات السابقة ويحاولون اجتذاب أكبر عدد من المخدوعين زاعمين أن القرآن يحكم بهذا ويستنصرون بهذه الآيات !!
    إذن فقد وضعت الآيات في غير موضعها , ونقلت إلى غير ميدانها والجهاد الذي شرع أساسا لصد العدو أصبح بهذه الطريقة وسيلة في يد العدو ، والجهاد الذي شرع في الأصل لحقن الدماء أصبح بهذا الأسلوب الاستدلالي المزيف وسيلة لإهراقه بغير حق .
    ثانيا : خطاب الدعوة والتلبيس في فهمه .
    وخطاب الدعوة قائم على الحكمة والموعظة الحسنة وإن كان لا مناص ولا مفر من الجدال الذي يتطلب لونا من الشدة أحيانا في إلزام الخصوم فليكن جدالا مهذبا مقلم الأظافر بالتي هي أحسن ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ (النحل:125) فهذه الأساليب الثلاثة : الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن ، تستخدم في وضعية معينة هي وضعية الاستعداد للسماع والتلقي والقبول ، أو الرفض والأخذ والرد ، وهي وضعية السلام الآمن والحرية في التدين ومن التلبيس نقل هذه المفاهيم إلى ميدان المعركة فنصر على أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة مع المحاربين المصرين على الحرب النافخين في أوارها لا ينفكون إلى يوم القيامة.
    ثالثا : خطاب العقيدة.
    من الأمور التي يكثر فيها اللغط والغلط خاصة من جانب التيارات الرافضة لتوجهات الإسلاميين في المجال السياسي مسألة وصف المخالفين في الدين بالكفر ويعتبرون ذلك عقبة في سبيل إقامة مجتمع المواطنة ويعتبرونه عدوانا على الحريات ، ويقولون إن القرآن حماَّل أوجه وأن الإسلاميين يلجأون إلى أسوأ التفاسير ليتخذوا منها ما يعكر الصفو العام في المجتمع بوصف المخالفين في الدين بأنهم كفار ..
    وموطن الخطأ في هذا الطرح هو عدم الفهم الذي أدى إلى التداخل بين مستويات الخطاب في القرآن ، فالخطاب على مستوى العقيدة يقوم على أساس تأكيد الذاتية العقدية ، بمعنى التحديد الكامل لمفهوم العقيدة ومضمونها والتأكيد على نقاط الاختلاف بينها وبين غيرها وإلا اختلط الإيمان بالكفر , فالله تعالى عندما يصف الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة بالكفر ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (المائدة:73) فإنه - تعالى شأنه – يضع الحدود الفاصلة بين التوحيد والتثليث تمييزا لهذا عن ذاك ويؤكد ذلك بدعوة المثلثين إلى التوبة والرجوع إلى بساطة التوحيد . ولكن هذا الوصف بالكفر إنما هو على مستوى الاعتقاد فقط وهو أمر لازم لا ينفك عن مؤمن أيا كان إيمانه فالمسلم مؤمن بالتوحيد كافر بالتثليث والمثلث مؤمن بالثالوث كافر بالتوحيد – وهذا أمر معروف بين أبناء الدين الواحد وليس مبتدعا في القرآن ، فمثلا قرر رجال الكنيسة في مجمع نيقية سنة 325م لعن آريوس وتكفيره وحرمانه وتكفير أتباعه لأنه خالف معتقدهم بقوله إن الابن مخلوق ولم يكن قديما مع الإله الآب ، وقد تلا هذا المجمع مجامع كثيرة لم يخل مجمع منها من لعن المخالف وتكفيره وطرده من الرحمة الإلهية ولا يتسع المقام للدخول في هذه التفاصيل ، فقط أردت بيان أن الحكم على المخالف في العقيدة بالكفر حكم بدهي طبعي – ولكن هل ينسحب هذا الوصف على العلاقات الاجتماعية والتعايش بالبر والمعروف بين المسلمين وغير المسلمين ؟ الجواب في النقطة الآتية :
    رابعا : خطاب العلاقات الاجتماعية مع غير المسلمين
    كلا .. فالخطاب الاجتماعي له وضعية أخرى غير الخطاب على مستوى العقيدة قال تعالى ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الممتحنة:8) فأمرنا الله تعالى بالبر والمعروف مع من نعايشهم في وطن واحد وهم يخالفوننا في الدين ، والنبي صلى الله عليه وسلم نفسه عايش اليهود في المدينة وعاهدهم على التعايش السلمي والدفاع المشترك عن المدينة , وتوفي ودرعه مرهونة عند يهودي يقال له أبو الشحم ، وعاهد نصارى نجران على التعايش بالبر والمعروف مع أنهم جادلوه في عقيدتهم وأصروا عليها ومن طريف ما جاء في ذلك أن وقت صلاتهم حان وهم في المسجد النبوي فأرادوا أن يصلوا جهة المشرق حيث قبلتُهم فأراد بعض الصحابة منعهم فأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتركوهم ، وأدوا صلاتهم في المسجد النبوي ، ومن الطريف أيضا أن يقول الإمام ابن القيم في كتابه زاد المعاد تعليقا على هذا الموقف : (( وفيه جواز دخول أهل الكتاب مساجد المسلمين وأداء صلاتهم فيها إذا اعترضت الحاجة على ألا يعتادوا ذلك )) .
    إذن فالخطاب على مستوى العقيدة غير الخطاب على مستوى الدعوة ولا يصح الخلط بينهما فيُضطهد غير المسلم لأنه غير مسلم أو يظن ظان أن الوصف بالكفر يستلزم التأثير السلبي على التعايش الاجتماعي الآمن .
    عود على بدء
    ولأهمية الموضوع أعود إلى تحديد المشكلة وأكرر قول الأستاذ الجليل الذي أتهدَّى بكلامه المنير في هذه العجالة :
    (( والمشكلة أننا نتوهم أننا نستشهد بالقرآن لكن لا ندرك تنزيله ومواضعه ومحله من الخطاب التي لابد من تحصيلها قبل البدء باختيار نوعية الخطاب وتحديد مواصفاته )).
    (( وهكذا فقد لا يتسع المجال للاستقراء الكامل لهذه القضية على أهميتها وضرورتها اليوم ، خاصة بالنسبة لبعض العقول الضيقة والمتأزمة ، وصور التدين المغشوش والفقه الحسير والمبتسر ، التي بدأت تطفو على الساحة ، وتعبث بالأحكام الشرعية ، وتختلط عندها مواصفات الخطاب ، فيكون نفس الخطاب لكل الأحوال والمواضع والمجالات ، فتحدث النكبات ونسيء إلى الإسلام ودعوته ونعجز عن إيصاله إلى المسلمين والآخرين , ونحن نحسب أننا نحسن صنعا)) .
    وعلى مثل هذا النهج الواضح يجب أن يسير المسلم ولا سيما الدعاة إلى الله تعالى ، فمن الواجب رد كل شيء إلى أصله ، ووضعه في موضعه لكيلا يحدث الخلط والتلبيس .


  2. #2
    كاتب وناشط سياسي الصورة الرمزية نايف ذوابه
    تاريخ التسجيل
    04/05/2007
    المشاركات
    2,434
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي رد: التلبيس في الخطاب الدعوي بين الماضي والحاضر

    الأخ العزيز فؤاد .. سرني المرور وأسعدني اختيارك .. لأن هذا الموضوع هو من موضوعات الساعة .. وما أكثر الملبسين وما أكثر المدعين وما أكثر من يتنطحون للفتوى بغير علم وبغير دراية .. يستعجلون بالاجتهاد بما يوافق هواهم .. وخاصة الشباب الذي يستحلّون دماء المسلمين من مكفري المجتمع بأفراده أو من مكفري الجيوش بأفرادها باعتبار أن هؤلاء ركنوا للظالمين وهم يحمون الظالم ويحرسونه ..

    أخي فؤاد أريد أن أنوه بما جاء في خطاب العلماء من أسلافنا وهو أن الدار تكون دار إسلام إذا ظهرت فيها أحكام الإسلام ولو كان جُلّ أهلها من غير المسلمين وتكون الدار دار كفر إذا لم تظهر أحكام الإسلام فيها ولو كان جلّ أهلها من المسلمين .. وصف المجتمع بأنه مجتمع كفر أو غير إسلامي هو غير وصف الفرد .. فقد نصف المجتمع بأنه مجتمع كفر ومجتمع غير إسلامي إذا لم تظهر فيه أحكام الإسلام وظهرت فيه أحكام الكفر لكن هذا لا يعني أن أفراده بأعيانهم غير مسلمين .. كما يذهب من يكفرون المجتمع بأفراده .. فوصف التكفير كما أفهم أنا هو للمجتمع باعتبار أن المجتمع هو أفراد وعلاقات دائمة بين أفراده فإن كانت هذه العلاقات(الأفكار والمشاعر والجو العام والقوانين) تجري وفق الإسلام فهو مجتمع مسلم سواء كان أفراده كلهم مسلمين أو بعضهم مسلمين وبعضهم الآخر غير مسلمين .. وإن كانت تجري هذه العلاقات الدائمة في المجتمع على غير الإسلام أي لا تحتكم للإسلام فالمجتمع مجتمع غير إسلامي وإن كان أفراده بأعيانهم مسلمين وقد يكون معهم غير مسلمين يعتنقون ديانة أخرى ..

    نحن بحاجة لإزالة التلبيس في كثير من المفاهم التي يحاول بعض الإسلاميين إدخالها بيت الطاعة الإسلامي في محاولة لترويضها مجاراة للأجواء العامة والموضات الفكرية كالادعاء بديموقراطية الإسلام وأن الدولة الإسلامية في المدينة دولة مدنية أو كما ادعي آخرون باشتراكية الإسلام بعد أن شاع في حينها رواج للاشتراكية .. والآن هناك من يروج لليبرالية الإسلامية وهي دين أردوغان الذي يتواطؤ معه به آخرون من الحركات الإسلامية ..

    الحديث يطول .. وهو حديث هام وعلى جانب خطير من الأهمية والجدية ويستحق الوقوف عنده طويلا وبناء حوارات حوله ..

    ما زلتُ أبحثُ في وجوه النّاس عن بعضِ الرّجالْ

    عــن عصـبـةٍ يقـفـون في الأزَمَات كالشّــمِّ الجـبالْ

    فــإذا تكلّـمتِ الشــفـاهُ سـمـعْــتَ مــيـزانَ المـقــالْ

    وإذا تـحركـتِ الـرّجـالُ رأيــتَ أفــعــــالَ الـرّجــالْ

  3. #3
    عـضــو الصورة الرمزية فؤاد عزام
    تاريخ التسجيل
    15/08/2009
    المشاركات
    167
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي رد: التلبيس في الخطاب الدعوي بين الماضي والحاضر

    أستاذي الفاضل / نايف ذوابة
    شكرا على تعليقك المفيد
    بخصوص ذكر دار الحرب ودار الإسلام وجدت كلاما للدكتور محمد سليم العوا , أود إضافته إلى ما تفضلت به
    يقول الدكتور العوَّا :
    ((من أهم المسائل التي واجهت الباحثين في موضوع العلاقة بين الدول الإسلامية وغيرها من دول العالم مسألة تقسيم العالم إلى دارين : دار الحرب ودار الإسلام أو إلى ثلاثة دور - عند بعض الفقهاء – بإضافة دار العهد إلى داري الإسلام والحرب.
    وقد استثار هذا التقسيم الفقهي حمية بعض الباحثين الغيورين حتى كتب يقول : " إن الرؤية الفقهية القديمة للعالم قاصرة عن الإحاطة بتعدديته وغناه . أما الإحيائيَّة المعاصرة (أي الصحوة الإسلامية) فإنها معادية له ، ولذلك تعجز عن فهمه والتعامل معه على أساس ذلك الفهم " .
    والواقع أن بعض الدعاة يرددون بلا تبصر المفاهيم الفقهية التي تصادفهم في كتب أسلافنا العظماء دون أن يتبينوا أن لهذه المفاهيم أصولا تاريخية تعود إليها , وظروفا موضوعية سببت نشأتها , وسوغت وجودها وأدت وظيفتها .
    وهؤلاء يغفلون دائما عن حقيقة علمية مؤداها أن الاجتهاد النظري في مثل هذه المسائل يتبع الحاجة العملية أكثر مما يتبع الدليل النقلي . وأنه لذلك متغير بتغير الظروف والأوضاع ولا يؤدي إلى التمسك بقول قديم فيه – لم يعد مناسبا للظرف الجديد إلا إلى إهدار المصالح وتضييعها خلافا لما هو واجب على المجتهد وعلى الأمة من جلبها والمحافظة عليها .
    ومن هذه المفاهيم مفهوم تقسيم العالم إلى دار الإسلام ودار الحرب . وهو يقوم على مفهوم تمييز المسلمين وتحيزهم – هم الآخرون – في أراضيهم وعلى أن العلاقة بين الموضعين ليست إلا علاقة عداء مستحكم وحرب مستمرة حتى سميت دار غير المسلمين بدار الحرب .
    وقد نشأ هذا المفهوم في الفقه الإسلامي لمقابلة مفهوم آخر لتقسيم العالم هو المفهوم الروماني الذي كان يقسم العالم إلى ثلاثة أقسام : العالم الروماني ، والعالم اللاتيني ، وعالم الآخرين . فأما الرومان فهم سادة الدنيا ، وأما اللاتين فأبناء عمومتهم ، وأما الآخرون فعبيد الرومان واللاتين تستباح في سبيل السيطرة عليهم حرمات الإنسان والمال والزمان والمكان جميعا . وهو تقسيم عرقي عنصري يقوم على وهم التميز الجنسي ويؤدي إلى ارتكاب أشد الأعمال إجراما ووحشية ضد غير الرومان واللاتين .
    فصاغ الفقهاء المسلمون في مقابلته مفهوم دار الإسلام ودار الحرب ، وهو مفهوم يستمد من حقيقتين : العقيدة والشريعة السائدة والظرف الواقعي تترتب عليه أحكام فقهية ليس من بينها حكم واحد يجيز العدوان أو يبيح ما حرمته نصوص الشريعة , وهو تقسيم لا يعلي من شأن عنصر أو جنس على حساب سائر العناصر والأجناس لأن الذين صاغوه وطوروه كان نصب أعينهم قول الله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾(الحجرات:13).
    وكان حاديهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يا أيها الناس كلكم لآدم وآدم من تراب ، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لابيض على أسود إلا بالتقوى )) حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد من حديث عقبة بن عامر .
    وقد أدى المفهوم الإسلامي دوره في العصر الذي تكوَّن فيه ، وفي مراحل تاريخية لاحقة ، أداء يدركه المطلعون على مدوَّنات الفقه الإسلامي وكتب القانون الدولي والعلاقة الدولية في الإسلام وهي الكتب التي تعرف باسم (كتب السِّيَر) ولكنه في بدايته واستمرار تطوره كان مفهوما فقهيا اجتهاديا ولم يكن مستمدا من نص قرآني أو نبوي أو مبنيا عليهما )).
    (( إن الرأي الذي يرجحه الفقه المعاصر أن الاجتهاد القديم القائل بمثل ذلك التقسيم قد انقضى زمنه وأن الفقه المعاصر يجب أن يتوجه صوب واقع العلاقات الدولية المعاصرة ويجتهد في بيان الجائز فيها والممنوع مما يحقق المصلحة أو يهدرها على نحو ما فعل الفقهاء في عصور المواجهة الأولى بين الإسلام والعالم والقديم))
    المصدر : د محمد سليم العوا - مجلة الأزهر عدد ربيع الثاني 1433ه.


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •