بسم الله الرحمن الرحيم

أعود إليكم أيها الإخوة والأخوات بعد غيبة اضطرارية طالت لمدة غير متوقّعة. إلا إن الغياب لم يمنع استكمالنا لهذا العمل الأدبي المتفرّد والذي يلج لقضية عميقة وشائكة. إنه الإنسان في هذا العصر الحديث الذي تبين أنه الضحية الكبرى لعجلة التقدّم والتطوّر الكبرى. ويدافع عن قضيته، حسب منظوره، الروائي والكاتب فرانز كافكا الذي ينتمي لإحدى الإمبراطوريات التي سحقتها عجلة القرن العشرين وهي الإمبراطورية النمساوية-المجرية التي كانت تضم إقليم التشيك التي يرجع إليها كافكا. ويميط كافكا، عبر روايته الغامضة "المحاكمة"، اللثام عن إن الإنسان ليس سوى ترس في آلة ضخمة لا ترحم، وأنه مسيّر، في هذا العصر، ولا تمكين له بجعل هذه الآلة تنظر لمتطلباته وترحمه من آلامه. ولا ريب أن من أوجد هذه الآلة هو الإنسان ذاته، فأصبح هذا عصر سحق الإنسان للإنسان.






أخرج هذا الفيلم المقتبس عن رواية المحاكمة لفرانز كافكا المخرج الأمريكي المعروف أورسون ويلز الذي اشترك أيضًا بدور المحامي. وأخذ دور البطولة الممثل الأمريكي أنتوني بيركنز الذي اشتهر ببطولة فيلم المعتوه Psycho لألفريد هيتشكوك، فأدى دور الشخصية الرئيسية جوزيف (ك) بإتقان ملحوظ. والعمل من إنتاج عام 1962، ولم يحظَ بجوائز تقديرية كبرى في واقع الأمر، ولعل حقيقة أن فرانز كافكا لم يكمل الرواية، وأوصى صاحبه الروائي ماكس برود بحرقها والتخلص منها، وهو ما لم يفعله الأخير، هذه الحقيقة تلقي بظلالها على غموض الرواية وتعقيدها بالنسبة للقارئ، فنحن أمام متهم لا يعرف ما هي تهمته، ولا يعرف ما هي الجهة العليا التي وجهت له الاتهام! والرواية بحد ذاتها تحمل إيقاعًا سريعًا ومفاجئًا وتضع حالة (ك) المتأزّمة دون مقدمات أو تمهيد. وقد حاول المخرج ويلز بأن يخفف من حدّة صدمة البداية عبر نقل مشهد رمزي محوري إلى بداية الفيلم. ولكن ذلك لا يلغي الغموض أو المتاهة المتشعبة بالرواية، مما يخلق أمامنا عاملين يجعلان من قراءة الرواية وتأمل معانيها أمرًا غير يسير. ولعل العامل الآخر المتمثل بشخصية كافكا التي تكتنز إزدواجية الـ(أنا) والـ(هو) من المسببات الإضافية للغموض الإيجابي الذي يكتنف القصة، على أن هذا يعتبر من المميزات الشخصية لكافكا عند تفريغها أدبيًا.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

ولكننا إذا نظرنا للرواية كعمل مفتوح وقابل للتفسير والتأويل لأكثر من اتجاه، فإنها بالمحصلة عمل مدهش وعميق إنسانيًا وفكريًا. فليس من المهم معرفة التهمة أو جهة الاتهام، فالطريق الشاق الذي يُجبر (ك) على اتخاذه يسلط الضوء على معاناة الإنسان من مخالب المجتمع وأنظمته الجديدة، أما طرق القانون الملتوية التي لا بد أن يلتزم بها الفرد المسحوق، فتوضّح الرواية مدى بشاعتها واستخفافها بعقول الناس. وهذه كلها أفكار طُرحت بشيء من الرؤية المتفرّدة بشخصية كافكا. كما أن عامل الرمزية غير بعيد عن شكل الرواية، فإلى ماذا يرمز القانون؟ وإلى ماذا ترمز المحاكمة؟ وهل المقصود بالقانون هو المجتمع أو الدولة أو العالم؟ فهذه النطاقات تتشارك باحتوائها عناصر النفاق والقمع والتحكّم والهيمنة وسلب الحرية، فكأن كافكا يحاكم العالم والمجتمع على موبقاته الكبرى، وليس أن (ك) هو المعرّض لاضطهاد القانون ومحاكمته.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

لو أن كافكا قدّر له أن يعيش ليرى كيف أن العالم ودوله وأنظمته تسحق الإنسان كمسألة طبيعية لمقتضى الحكم و"المحاكمة"، لأيقن أن أطروحة روايته لم تبتعد كثيرًا عن الحقيقة، وما من داعٍ لتغييرها لما يفترض أنه أفضل. فغموض التهمة هو ذات ما تتعرض له الشعوب والأمم التي تُسحق. فليس معروفًا حتى اليوم تهمة الآلاف المؤلفة التي احترقت بالقنابل الذرية في هيروشيما وناجازاكي على يد أمريكا وآلتها المسلحة الرهيبة، وغير معروفة جريمة الأمم التي قضى عليها ستالين تحت غطاء الشيوعية ودعاويها الصاخبة، وهكذا دواليك في القرن العشرين إلى أن نصل إلى حصتنا من عار الحداثة عبر جرائم النظام السوري التي يرتكبها في حق شعبه الأعزل من قصف بالطائرات ودك بكبرى الصواريخ، فكل هؤلاء القتلة والمجرمين ليست التهمة هي المهمة لديهم، لأن التهمة تدينهم هم لا من يقتلونهم ويسفكون دماءهم، بل المهم هو استمرار الواقع الفاسد تحت أي ثمن، وبرفض كامل لسُنن التغيير والإصلاح. وبذلك، فإن كافكا نجح من حيث لا يشعر بعدم إكمال روايته بالصورة التي يرضى عنها، فالأهم هنا أن أن الرواية تنسجم مع الواقع بكل آلامه وتكشفه وتعري آثامه وخطاياه، وهي رواية متفقة مع تصوير حالة الإنسان المواجه لحركة التاريخ وتقلباته وتناقضاته.


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
عن الترجمة

كانت ترجمة العمل طويلة ومرهقة (كالعادة) وتميّزت بأنها ذات إيقاع سريع وأن سطورها كثيفة المحتوى، مما اضطرني لدمج كثير من السطور حتى يسهل قراءة الحوار. وكان ينقص النص كلمات كثيرة بكل سطر مما اقتضى التصحيح من العمل المرئي. وقد استعنت بحالات قليلة بترجمة الاستاذ وطفي إبراهيم للرواية لا سيما بمشهد "أمام القانون، يقف حارس" ومشهد الرسّام تيتوريلّي. وشاركني بمراجعة النص وتنقيحه للعربية الأستاذ منتظر السوادي جازاه الله خيرًا.




نسخ العمل

The.Trial.1962.720p.BluRay.x264-CiNEFiLE

بحجم 5 جيجا و450 ميجا

----------------------------
وتوجد بهذه النسخة مقدمة غير موجودة بنسخة الديفيدي السابقة وهي عن مقالة للكاتب الفرنسي لويس شوفيه بصحيفة لو فيغارو يوجز بها فكرة الرواية، فيذكر التالي:

"انطلاقا من فكرة بسيطة نسبيًا، يضعنا كافكا فجأة في عالمٍ سريالي وعبثي وغير مترابط، والفكرة هي كالتالي: يقوم البيروقراطيون، الممثلون لنظام الإدارة وسلطته، بسحق الفرد، ويصبح الفرد ضحية مختنقة للمجتمع عندما يتم من خلال الصدفة، أو الحظ العاثر، استدراجه لمخالب ذلك المجتمع"
----------------------------


The Trial (1962) DVDRip (SiRiUs sHaRe

بحجم 700 ميجا

رابط تنزيلها (من هنا)



رابط تحميل الترجمة موجود بالمرفقات أدناه
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



وتقبلوا مني أطيب تحية

فيصل كريم