Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2958

Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2958
مكتبة البصرة في أمانة أمينة

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: مكتبة البصرة في أمانة أمينة

  1. #1
    أستاذ بارز الصورة الرمزية كاظم فنجان الحمامي
    تاريخ التسجيل
    22/12/2008
    المشاركات
    1,084
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي مكتبة البصرة في أمانة أمينة

    مكتبة البصرة في أمانة أمينة

    جريدة المستقبل العراقي ملف خاص


    قصة حقيقية لامرأة عراقية شجاعة سطرت أروع صور الكفاح والتضحية والإيثار, عندما جازفت بحياتها من أجل إنقاذ نفائس الكتب والمراجع والمخطوطات الثمينة, فنجحت في حمايتها من بلدوزرات التخريب وآفات النهب والدمار. .
    نستعرض هنا تفاصيل حرصها وأمانتها وإيمانها المطلق بالمبادئ العربية الأصيلة في الزمن الذي اختفت فيه هذه المواقف الوطنية النبيلة, وارتفعت فيه أصوات المفسدين والعابثين والمخربين, نحكي للأجيال قصة هذه المرأة الطيبة, التي وضعت الأمانة نصب عينيها فاستحقت التقدير والإجلال, حتى نالت أرفع أوسمة الشهرة والتألق خارج العراق, وعرفها العالم كله ببسالتها ونخوتها, فكرمتها المؤسسات الثقافية والإنسانية في أوربا وأمريكا وإفريقيا بأعلى تكريم, ومنحتها رعايتها واهتمامها, لكنها ظلت مجهولة في وطنها وبين أهلها, وهذه هي المأساة الحقيقية التي يعيشها المثقف المبدع والمواطن الصادق في المدينة التي فقدت هويتها الثقافية وتحولت إلى ثكنة حربية يغلفها الرماد ويحوم حولها شبح الموت والخراب



    كاظم فنجان الحمامي

    عملت (عالية) منذ عام 1994 بوظيفة أمينة في المكتبة المركزية العامة في البصرة, فكانت حقاً أمينة عليها وعلى مقتنياتها لمدة أربعة عشرة عاماً, كانت فيها المكتبة ملتقي عشاق العلوم والفنون والآداب, وملاذهم وواحتهم وديوانهم وحديقتهم الزاخرة بالكنوز والنفائس. .
    شعرت (عالية) بالقلق عندما سمعت قرع طبول الحرب خلف حدودنا مع الكويت وفي قاعدة السيلية بقطر, فتراكمت المخاوف في قلبها الذي أرهقته الهجمات الصاروخية الضارية, وتجددت جراحها القديمة التي عمقتها الغارات الجوية العشوائية في الحروب السابقة, كانت تخشى على محتويات مكتبتها من نيران الخراب, وتخشى عليها من قطعان الدمار في بلد مزقته الحروب والمعارك, وتفشى فيه الجهل والتخلف. .
    تحولت البصرة بين ليلة وضحاها إلى جبهة حربية من جبهات القتال والمواجهات الساخنة مع الغزاة الزاحفين نحوها براً وبحراً وجواً من الثغور والممرات التي فتحتها لهم دولة الكويت على مصاريعها, فقرر محافظ البصرة الجديد (وليد توفيق) في خطته التعبوية اختيار بناية المكتبة المركزية كموقع بديل له ولقيادات البصرة, وهكذا تحولت المكتبة إلى ثكنة حربية يتجحفل فيها المحافظ وفرق الدفاع المدني, وسرايا الإسناد, وفصائل الحمايات المدججة بالسلاح, وتوزعت منظومات الدفاع الجوي ذات الفوهات الرباعية فوق سطح المكتبة وفي حدائقها. .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    أدركت (عالية) خطورة الموقف, فطلبت الأذن من المحافظ للسماح لها بنقل محتويات المكتبة إلى مكان آمن, فرفض طلبها ولم يسمح لها بمناقشة الفكرة, لكنها انتهزت غيابه وانشغاله في جولاته الميدانية الطويلة, وأخذت الأمور على عاتقها, فشرعت بنقل الكتب الثمينة سراً إلى منزلها في حي الكفاءات مقابل مخازن شركة نفط الجنوب في باب الزبير, فاعترض عليها الضابط المقرب من المحافظ, وبادر بإبلاغ وكيل المحافظ السيد (نجيب محمود), فقال الوكيل: أتركوا (عالية) تتصرف بالطريقة التي تراها مناسبة, فهي أعلم من غيرها بقيمة هذه الكتب التي لا تقدر بثمن. .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    وفي السادس من نيسان (أبريل) عام 2003 وقع ما كانت تخشاه (عالية), إذ وصلت طلائع القوات البريطانية (جرذان الصحراء) إلى البصرة, وسمح البريطانيون للصوص بإطلاق عفاريت الفوضى الكامنة في نفوسهم المريضة, فانفلتت العفاريت من أوكارها, تخوض غمار الشر على هواها, حاملة بين مخالبها معاول التخريب والترهيب. .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    اتصلت (عالية) هاتفيا بالمكتبة مرارا وتكراراً من دون أن تتلقى أي رد, فعلمت ان المكتبة أصبحت مهجورة تماماً بعد انسحاب المحافظ وجماعته من البناية, وأدركت إنهم تركوها عرضة للنهب والسرقة. .
    لم تنم تلك الليلة, ولم يغمض لها جفن, فهرعت إليها صباح اليوم التالي 7/نيسان/2003, تشق طريقها وسط الركام والدخان والنيران المشتعلة في كل مكان, فوصلتها بشق الأنفس, لتجد شبابيكها محطمة, وأبوابها مفتوحة, ورفوفها منهارة فوق بعضها البعض, واكتشفت آثار السراق, الذين نهبوا المعدات الالكترونية والأجهزة الكهربائية والأثاث واللوحات, تاركين ورائهم الكتب والمراجع مكدسة في الصالات, مبعثرة في زوايا القاعات. متناثرة في أركان المبنى, فباشرت على الفور بنقلها إلى قاعات مطعم (حمدان) الملاصق لبنايتها, واستعملت الأكياس وستائر النوافذ للنقل السريع وبكميات كبيرة, على شكل رزم ملفوفة بالقماش, فانضم إليها الدكتور (الطبيب كاظم الربيعي), والمواطن البصراوي الشهم (أنيس محمد) صاحب مطعم (حمدان), واشترك معها أهل الغيرة والنخوة, فابلوا بلاءً حسناً في نقل 70% من الكتب إلى مخازن المطعم عبر جدار ارتفاعه سبعة أقدام, فخبئوها في المطعم, لم يثنهم قصف الطائرات, ودويها المرعب عن إتمام مهمتهم على الوجه الأكمل. .
    كان (أنيس) وأخوته مضطرين للسهر على الكتب لتأمين حمايتها من الضياع والتلف, فالمطعم من الممتلكات الخاصة غير المشمولة ببرامج التخريب والنهب التي افتعلتها مخالب الطوابير المغرضة المتسللة إلى البصرة . .
    استمرت حملات نقل الكتب من المكتبة إلى المطعم من دون انقطاع حتى ليلة الثامن عشر من نيسان (أبريل) 2003, وهي الليلة التي تعرضت فيها مكتبات البصرة كلها للحرق والتخريب والدمار, فاشتعلت بنيران هولاكو العصر الجديد, واشتعلت معها بعض مكتبات جامعة البصرة بفروعها وأقسامها التخصصية, ومكتبة الأكاديمية البحرية, والمكتبة العامة في المعقل, وتحولت المكتبة المركزية, التي تديرها (عالية) في صباح اليوم التالي إلى كتلة هائلة من الزجاج والرماد والأوراق المتطايرة في سحب الدخان الأسود. .
    وقفت (عالية) تذرف الدموع على أطلال قلعتها المنهارة, ومكتبتها المهدمة, ومدينتها المحطمة, فسقطت مغشيا عليها من هول الصدمة, حملها الناس إلى ردهة العناية المركزة في مستشفى البصرة العام, وظهر بعد الفحص والتحليل انها تعرضت لأزمة قلبية حادة كادت أن تودي بحياتها. .
    تماثلت (عالية) للشفاء, وعادت في الشهر السادس من العام نفسه لتنقل الكتب من مطعم (حمدان) إلى بيتها بشاحنات كبيرة استأجرتها لهذا الغرض, فخبأت الكتب في غرف النوم وصالات الاستقبال حتى الشهر العاشر من عام 2003, ثم أعادتها ثانية إلى مستقرها الأخير في بناية المكتبة, التي اكتمل بناؤها وتعميرها من جديد بمساعدات مالية سخية قدمتها المنظمات الثقافية العالمية بعد تأثرها وتعاطفها مع ما كتبته عنها المراسلة (شيلا) في الصحف العالمية. .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    كانت المراسلة الأمريكية (شيلا ديوان Shaila K. Dewan) تراقب حملات إخلاء الكتب والمراجع, تسجل تحركات هذه المرأة البصراوية الشجاعة, تلتقط لها الصور, لاحقتها سراً حتى بيتها, فشاهدت الكتب مكدسة في كل مكان من المنزل, على الأسرة وفي الدواليب والشبابيك والطاولات وفوق الأرض, بهرها المشهد فوقفت مندهشة, متعجبة من حرص (عالية) على حماية التراث الفكري والثقافي والعلمي لمدينتها, التي نهشتها غربان الشر, فكتبت مقالة عن تضحياتها, نشرتها جريدة (نيويورك تايمز) بعددها الصادر في السابع والعشرين من تموز (يوليو) 2003. .
    قرأت الكاتبة الأمريكية (جانيت ونتر Jeanette Witer) ما كتبته (شيلا) عن بسالتها وشجاعتها, فحفزتها لكتابة أروع قصة للأطفال باللغة الانجليزية, حملت عنوان (أمينة مكتبة البصرة (The librarian of Basra , نشرتها مؤسسة (هاركورت) عام 2005, وفازت بالجائزة الأولى في تلك السنة كأفضل قصة أمريكية للأطفال, ثم ترجمت في العام التالي إلى اللغة الايطالية لتنال أعلى الجوائز في مهرجان (Minimondi) المقام بمدينة (بارما) في الثامن عشر من شباط (فبراير) 2006, وكانت (عالية) نجمة المهرجان المحتفى بها, فكرمتها اللجنة المنظمة بدرع المهرجان, ثم ترجمت القصة إلى الفرنسية والاسبانية والروسية واليابانية, وتبنت السيدة سوزان مبارك ترجمتها إلى اللغة العربية, لكنها لم تترجم مهنيا ووطنيا إلى (اللغة العراقية) حتى يتعلم منها أصحاب المناصب الزئبقية مبادئ التضحية والإيثار. .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ولدت عالية محمد باقر كاظم الخفاجي في مدينة المعقل بالبصرة عام 1952, أنهت دراستها الابتدائية في مدرسة الميناء المختلطة, وأكملت المرحلة المتوسطة والثانوية في متوسطة المعقل, وثانوية المعقل للبنات, ثم التحقت بالجامعة المستنصرية ببغداد, ونالت منها شهادة البكالوريوس في علم المكتبات. .
    كان والدها (محمد) موظفا في الموانئ العراقية, يسكن شارع الأثل بالمعقل, وهو من قبيلة خفاجة من المراونة (آل عصيدة), فعملت (عالية) بعد تخرجها عام 1975 في مكتبة الموانئ العراقية, وظلت على ملاكها حتى عام 1983, ثم انتقلت إلى محافظة ذي قار للعمل كأمينة لمكتبة مدينة الرفاعي (نسبة إلى السيد أحمد الرفاعي), عادت ثانية إلى البصرة عام 1989 لتعمل كأمينة لمكتبتها المركزية على ملاك وزارة الحكم المحلي, وظلت في منصبها هذا حتى عام 1994, ثم ارتقت السلم الإداري لتصبح المديرة العامة لمكتبات البصرة حتى يومنا هذا. .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نجحت بجهودها الشخصية في تأسيس مكتبة الطفل, وقطعت شوطا كبيرا في حفظ المخطوطات, وخصصت جناحا منفردا للكتب والمؤلفات التي حملت لمسات أدباء البصرة وعلمائها, وفي نيتها تأسيس مكتبة شاملة لتراث البصرة وتاريخها السياسي والتجاري والملاحي والزراعي والفني والأدبي. .
    نالت أعلى درجات التكريم من المؤسسات العالمية والعربية, وسطع نجمها في دنيا المكتبات, فتألقت واشتهرت على الصعيد العالمي والعربي, لكنها لم تتلق حتى الآن أي تكريم من المؤسسات العراقية, ولم تلمس الاهتمام الذي تستحقه من المنظمات الوطنية العراقية, ولسنا مغالين إذا قلنا إننا شعرنا أنها تعيش ظروف الغربة والاغتراب في مدينتها, فلم تكن بمنأى عن المنغصات والمضايقات, حالها حال أي مبدع في هذا البلد العجيب. .
    ختاما نكرر ما كتبه عنها الأديب (رحيم بور) مدير المكتبات في الأحواز بخط يده في الشهادة التكريمية, التي منحها لها:
    لأنك أنت النور في زمن الظلمات, والسفينة التي أنقذت العلم والمعرفة والتراث القيم من بحر الضياع, إن ما قمت به من عمل جبار, ومبادرة عظيمة تنبع من رسالتك الإنسانية النبيلة, التي يتشرف بها كل وطني غيور, إن الأمانة التي جعلتها نصب عينيك ذات شأن عظيم وأجر كريم, فأنتِ أهل للإجلال والتقدير, يدين لك الجميع بالشكر والامتنان والعرفان. .


  2. #2
    عـضــو الصورة الرمزية صباح نجد
    تاريخ التسجيل
    23/11/2009
    المشاركات
    76
    معدل تقييم المستوى
    15

    افتراضي رد: مكتبة البصرة في أمانة أمينة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كاظم فنجان الحمامي مشاهدة المشاركة
    مكتبة البصرة في أمانة أمينة

    جريدة المستقبل العراقي ملف خاص


    قصة حقيقية لامرأة عراقية شجاعة سطرت أروع صور الكفاح والتضحية والإيثار, عندما جازفت بحياتها من أجل إنقاذ نفائس الكتب والمراجع والمخطوطات الثمينة, فنجحت في حمايتها من بلدوزرات التخريب وآفات النهب والدمار. .
    نستعرض هنا تفاصيل حرصها وأمانتها وإيمانها المطلق بالمبادئ العربية الأصيلة في الزمن الذي اختفت فيه هذه المواقف الوطنية النبيلة, وارتفعت فيه أصوات المفسدين والعابثين والمخربين, نحكي للأجيال قصة هذه المرأة الطيبة, التي وضعت الأمانة نصب عينيها فاستحقت التقدير والإجلال, حتى نالت أرفع أوسمة الشهرة والتألق خارج العراق, وعرفها العالم كله ببسالتها ونخوتها, فكرمتها المؤسسات الثقافية والإنسانية في أوربا وأمريكا وإفريقيا بأعلى تكريم, ومنحتها رعايتها واهتمامها, لكنها ظلت مجهولة في وطنها وبين أهلها, وهذه هي المأساة الحقيقية التي يعيشها المثقف المبدع والمواطن الصادق في المدينة التي فقدت هويتها الثقافية وتحولت إلى ثكنة حربية يغلفها الرماد ويحوم حولها شبح الموت والخراب



    كاظم فنجان الحمامي

    عملت (عالية) منذ عام 1994 بوظيفة أمينة في المكتبة المركزية العامة في البصرة, فكانت حقاً أمينة عليها وعلى مقتنياتها لمدة أربعة عشرة عاماً, كانت فيها المكتبة ملتقي عشاق العلوم والفنون والآداب, وملاذهم وواحتهم وديوانهم وحديقتهم الزاخرة بالكنوز والنفائس. .
    شعرت (عالية) بالقلق عندما سمعت قرع طبول الحرب خلف حدودنا مع الكويت وفي قاعدة السيلية بقطر, فتراكمت المخاوف في قلبها الذي أرهقته الهجمات الصاروخية الضارية, وتجددت جراحها القديمة التي عمقتها الغارات الجوية العشوائية في الحروب السابقة, كانت تخشى على محتويات مكتبتها من نيران الخراب, وتخشى عليها من قطعان الدمار في بلد مزقته الحروب والمعارك, وتفشى فيه الجهل والتخلف. .
    تحولت البصرة بين ليلة وضحاها إلى جبهة حربية من جبهات القتال والمواجهات الساخنة مع الغزاة الزاحفين نحوها براً وبحراً وجواً من الثغور والممرات التي فتحتها لهم دولة الكويت على مصاريعها, فقرر محافظ البصرة الجديد (وليد توفيق) في خطته التعبوية اختيار بناية المكتبة المركزية كموقع بديل له ولقيادات البصرة, وهكذا تحولت المكتبة إلى ثكنة حربية يتجحفل فيها المحافظ وفرق الدفاع المدني, وسرايا الإسناد, وفصائل الحمايات المدججة بالسلاح, وتوزعت منظومات الدفاع الجوي ذات الفوهات الرباعية فوق سطح المكتبة وفي حدائقها. .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    أدركت (عالية) خطورة الموقف, فطلبت الأذن من المحافظ للسماح لها بنقل محتويات المكتبة إلى مكان آمن, فرفض طلبها ولم يسمح لها بمناقشة الفكرة, لكنها انتهزت غيابه وانشغاله في جولاته الميدانية الطويلة, وأخذت الأمور على عاتقها, فشرعت بنقل الكتب الثمينة سراً إلى منزلها في حي الكفاءات مقابل مخازن شركة نفط الجنوب في باب الزبير, فاعترض عليها الضابط المقرب من المحافظ, وبادر بإبلاغ وكيل المحافظ السيد (نجيب محمود), فقال الوكيل: أتركوا (عالية) تتصرف بالطريقة التي تراها مناسبة, فهي أعلم من غيرها بقيمة هذه الكتب التي لا تقدر بثمن. .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    وفي السادس من نيسان (أبريل) عام 2003 وقع ما كانت تخشاه (عالية), إذ وصلت طلائع القوات البريطانية (جرذان الصحراء) إلى البصرة, وسمح البريطانيون للصوص بإطلاق عفاريت الفوضى الكامنة في نفوسهم المريضة, فانفلتت العفاريت من أوكارها, تخوض غمار الشر على هواها, حاملة بين مخالبها معاول التخريب والترهيب. .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    اتصلت (عالية) هاتفيا بالمكتبة مرارا وتكراراً من دون أن تتلقى أي رد, فعلمت ان المكتبة أصبحت مهجورة تماماً بعد انسحاب المحافظ وجماعته من البناية, وأدركت إنهم تركوها عرضة للنهب والسرقة. .
    لم تنم تلك الليلة, ولم يغمض لها جفن, فهرعت إليها صباح اليوم التالي 7/نيسان/2003, تشق طريقها وسط الركام والدخان والنيران المشتعلة في كل مكان, فوصلتها بشق الأنفس, لتجد شبابيكها محطمة, وأبوابها مفتوحة, ورفوفها منهارة فوق بعضها البعض, واكتشفت آثار السراق, الذين نهبوا المعدات الالكترونية والأجهزة الكهربائية والأثاث واللوحات, تاركين ورائهم الكتب والمراجع مكدسة في الصالات, مبعثرة في زوايا القاعات. متناثرة في أركان المبنى, فباشرت على الفور بنقلها إلى قاعات مطعم (حمدان) الملاصق لبنايتها, واستعملت الأكياس وستائر النوافذ للنقل السريع وبكميات كبيرة, على شكل رزم ملفوفة بالقماش, فانضم إليها الدكتور (الطبيب كاظم الربيعي), والمواطن البصراوي الشهم (أنيس محمد) صاحب مطعم (حمدان), واشترك معها أهل الغيرة والنخوة, فابلوا بلاءً حسناً في نقل 70% من الكتب إلى مخازن المطعم عبر جدار ارتفاعه سبعة أقدام, فخبئوها في المطعم, لم يثنهم قصف الطائرات, ودويها المرعب عن إتمام مهمتهم على الوجه الأكمل. .
    كان (أنيس) وأخوته مضطرين للسهر على الكتب لتأمين حمايتها من الضياع والتلف, فالمطعم من الممتلكات الخاصة غير المشمولة ببرامج التخريب والنهب التي افتعلتها مخالب الطوابير المغرضة المتسللة إلى البصرة . .
    استمرت حملات نقل الكتب من المكتبة إلى المطعم من دون انقطاع حتى ليلة الثامن عشر من نيسان (أبريل) 2003, وهي الليلة التي تعرضت فيها مكتبات البصرة كلها للحرق والتخريب والدمار, فاشتعلت بنيران هولاكو العصر الجديد, واشتعلت معها بعض مكتبات جامعة البصرة بفروعها وأقسامها التخصصية, ومكتبة الأكاديمية البحرية, والمكتبة العامة في المعقل, وتحولت المكتبة المركزية, التي تديرها (عالية) في صباح اليوم التالي إلى كتلة هائلة من الزجاج والرماد والأوراق المتطايرة في سحب الدخان الأسود. .
    وقفت (عالية) تذرف الدموع على أطلال قلعتها المنهارة, ومكتبتها المهدمة, ومدينتها المحطمة, فسقطت مغشيا عليها من هول الصدمة, حملها الناس إلى ردهة العناية المركزة في مستشفى البصرة العام, وظهر بعد الفحص والتحليل انها تعرضت لأزمة قلبية حادة كادت أن تودي بحياتها. .
    تماثلت (عالية) للشفاء, وعادت في الشهر السادس من العام نفسه لتنقل الكتب من مطعم (حمدان) إلى بيتها بشاحنات كبيرة استأجرتها لهذا الغرض, فخبأت الكتب في غرف النوم وصالات الاستقبال حتى الشهر العاشر من عام 2003, ثم أعادتها ثانية إلى مستقرها الأخير في بناية المكتبة, التي اكتمل بناؤها وتعميرها من جديد بمساعدات مالية سخية قدمتها المنظمات الثقافية العالمية بعد تأثرها وتعاطفها مع ما كتبته عنها المراسلة (شيلا) في الصحف العالمية. .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    كانت المراسلة الأمريكية (شيلا ديوان Shaila K. Dewan) تراقب حملات إخلاء الكتب والمراجع, تسجل تحركات هذه المرأة البصراوية الشجاعة, تلتقط لها الصور, لاحقتها سراً حتى بيتها, فشاهدت الكتب مكدسة في كل مكان من المنزل, على الأسرة وفي الدواليب والشبابيك والطاولات وفوق الأرض, بهرها المشهد فوقفت مندهشة, متعجبة من حرص (عالية) على حماية التراث الفكري والثقافي والعلمي لمدينتها, التي نهشتها غربان الشر, فكتبت مقالة عن تضحياتها, نشرتها جريدة (نيويورك تايمز) بعددها الصادر في السابع والعشرين من تموز (يوليو) 2003. .
    قرأت الكاتبة الأمريكية (جانيت ونتر Jeanette Witer) ما كتبته (شيلا) عن بسالتها وشجاعتها, فحفزتها لكتابة أروع قصة للأطفال باللغة الانجليزية, حملت عنوان (أمينة مكتبة البصرة (The librarian of Basra , نشرتها مؤسسة (هاركورت) عام 2005, وفازت بالجائزة الأولى في تلك السنة كأفضل قصة أمريكية للأطفال, ثم ترجمت في العام التالي إلى اللغة الايطالية لتنال أعلى الجوائز في مهرجان (Minimondi) المقام بمدينة (بارما) في الثامن عشر من شباط (فبراير) 2006, وكانت (عالية) نجمة المهرجان المحتفى بها, فكرمتها اللجنة المنظمة بدرع المهرجان, ثم ترجمت القصة إلى الفرنسية والاسبانية والروسية واليابانية, وتبنت السيدة سوزان مبارك ترجمتها إلى اللغة العربية, لكنها لم تترجم مهنيا ووطنيا إلى (اللغة العراقية) حتى يتعلم منها أصحاب المناصب الزئبقية مبادئ التضحية والإيثار. .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ولدت عالية محمد باقر كاظم الخفاجي في مدينة المعقل بالبصرة عام 1952, أنهت دراستها الابتدائية في مدرسة الميناء المختلطة, وأكملت المرحلة المتوسطة والثانوية في متوسطة المعقل, وثانوية المعقل للبنات, ثم التحقت بالجامعة المستنصرية ببغداد, ونالت منها شهادة البكالوريوس في علم المكتبات. .
    كان والدها (محمد) موظفا في الموانئ العراقية, يسكن شارع الأثل بالمعقل, وهو من قبيلة خفاجة من المراونة (آل عصيدة), فعملت (عالية) بعد تخرجها عام 1975 في مكتبة الموانئ العراقية, وظلت على ملاكها حتى عام 1983, ثم انتقلت إلى محافظة ذي قار للعمل كأمينة لمكتبة مدينة الرفاعي (نسبة إلى السيد أحمد الرفاعي), عادت ثانية إلى البصرة عام 1989 لتعمل كأمينة لمكتبتها المركزية على ملاك وزارة الحكم المحلي, وظلت في منصبها هذا حتى عام 1994, ثم ارتقت السلم الإداري لتصبح المديرة العامة لمكتبات البصرة حتى يومنا هذا. .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نجحت بجهودها الشخصية في تأسيس مكتبة الطفل, وقطعت شوطا كبيرا في حفظ المخطوطات, وخصصت جناحا منفردا للكتب والمؤلفات التي حملت لمسات أدباء البصرة وعلمائها, وفي نيتها تأسيس مكتبة شاملة لتراث البصرة وتاريخها السياسي والتجاري والملاحي والزراعي والفني والأدبي. .
    نالت أعلى درجات التكريم من المؤسسات العالمية والعربية, وسطع نجمها في دنيا المكتبات, فتألقت واشتهرت على الصعيد العالمي والعربي, لكنها لم تتلق حتى الآن أي تكريم من المؤسسات العراقية, ولم تلمس الاهتمام الذي تستحقه من المنظمات الوطنية العراقية, ولسنا مغالين إذا قلنا إننا شعرنا أنها تعيش ظروف الغربة والاغتراب في مدينتها, فلم تكن بمنأى عن المنغصات والمضايقات, حالها حال أي مبدع في هذا البلد العجيب. .
    ختاما نكرر ما كتبه عنها الأديب (رحيم بور) مدير المكتبات في الأحواز بخط يده في الشهادة التكريمية, التي منحها لها:
    لأنك أنت النور في زمن الظلمات, والسفينة التي أنقذت العلم والمعرفة والتراث القيم من بحر الضياع, إن ما قمت به من عمل جبار, ومبادرة عظيمة تنبع من رسالتك الإنسانية النبيلة, التي يتشرف بها كل وطني غيور, إن الأمانة التي جعلتها نصب عينيك ذات شأن عظيم وأجر كريم, فأنتِ أهل للإجلال والتقدير, يدين لك الجميع بالشكر والامتنان والعرفان. .
    ماشاءالله ضربت اروع الأمثله لحب الوطن والتمسك بجزء كبير من ثقافة بلادها وهويتة التي تجسدت بتلك الكتب والمخطوطات

    فلو كان كل مواطف عايش المكان وأحبه واخلص له لكان العالم بخير

    تستحق أكثر من ذلك فثقافة العراق فخر لكل عربي وليس كل عراقي


  3. #3
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    27/09/2010
    المشاركات
    263
    معدل تقييم المستوى
    14

    افتراضي رد: مكتبة البصرة في أمانة أمينة

    هذا معدن العراقيين الاصلاء وقت المحن
    تحية لنخلة البصرة الفيحاء الشامخة


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •