بسم الله الرحمن الرحيم

أقدم لكم أيها الإخوة والأخوات الكرام عملا يابانيا رائعا أتابع به ما كنتُ عرضته سابقًا من نوافذ على الأعمال التي تصنف ضمن روائع الألفية الجديدة في اليابان من ناحية المستوى والشعبية. وقرّرتُ أن أتجّه بالبوصلة هذه المرّة نحو الكوميديا التي أعتقد أنها أصعب ما قد يواجه المترجم للأعمال المرئية، وهو ما سنفصّل فيه لاحقًا بهذا الموضوع. وعملنا اليوم مستمد من الكوميديا المسرحيّة، وكوميديا الموقف تحديدًا.


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
والعمل من إخراج مامورو هوشي وتأليف مسرحي كوكي ميتاني. والفيلم المقتبس من المسرحية هو عبارة عن "دويتو" بالمجمل، أي يقوم على ممثلين إثنين أساسًا، وهما النجم الياباني الكبير كوجي ياكوشو والنجم الواعد غورو إيناغاكي الذي شاهداه بشخصية الشرير بفيلم 13 مقاتل. وقُدّم العمل كمسرحية بالأصل بنفس العنوان عام 1997. وبعد نجاح المسرحية، قُرض كعمل سينمائي عام 2004. وترشح كوجي ياكوشو من خلاله لجائزة أحسن ممثل في مهرجان أكاديمية السينما اليابانية وكذلك كوكي ميتاني لجائزة أحسن سيناريو.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
والموضوع الرئيس للعمل يدور حول فكرة الرقابة التي تفرضها السلطة وأدواتها على حرية التعبير والفكر، ويوصف المسرح بأنه أحد أهم وسائل الإبداع الفكري والحضاري. والغريب أن المؤلف ظل يؤكد أنه لم يقصد جانب النقد السياسي للسلطة عمومًا، فكل ما كان يسعى إليه هو الكومييا، إلا إن العامل السياسي بارز بالموضوع بروزًا لا يمكن الابتعاد عنه. ومن طريف القول أن المرء مهما هرب من السياسة فهي ستلحقه وتطارده. فكلامنا ومشاهداتنا وتعاملاتنا تندرج في إطار السياسة بطريقة أو بأخرى. وبهذا فإن مؤلف العمل حتى لو تجنب السياسة فإنها طاغية الفكرة بالعمل، ولكنه من ناحية أخرى لا يعترض على الرقابة أو يعمل على تشويهها بالمجمل، بل يلجأ من خلال تطور القصة إلى جعلها كعامل مفيد بشكل أو بآخر. والعمل يحمل معاني الطرفة والظرافة المبنية على كوميديا الموقف، وهو كذلك مباراة في الأداء التعبيري بين ياكوشو وإيناغاكي تجلّت به عناصر التلاعب اللفظي كالتورية والجناس والطباق، ورغم أنه يدور بين شخصيتين فقط إلا إنه يحمل عنصر التشويق والاستفزاز مما يجعل من رغبة المتابعة مطلوبة من المتفرج. أما نهاية الفيلم فهي غير قابلة للوصف من روعتها وتأثيرها، حيث تظهر أعماق الشخصيات ويبرز عامل كشفها لذروة المشاعر والتمنيّات.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
عانت اليابان أثناء فترة الحكم العسكري في منتصف ثلاثينات القرن العشرين من تسلط الرقابة والتعتيم على حرية الفكر. ورغم أنها تخلصت من الحكم الديكتاتوري بشكل مرير بعد هزيمتها الشنيعة بنهاية الحرب العالمية الثانية واحتلال القوات الأمريكية لها، إلا إن اليابان تعلمت الدرس جيدًا، فلا تطور وتقدم حقيقي بلا حرية وفتح آفاق التعبير السلمي والنقد الإيجابي وتصحيح الأخطاء ومكافحة الفساد. ومن جهة أخرى، لا تزال أقطارنا العربية تعاني من التعتيم والقمع الفكري والسلطوي. ولعل حرية الفكر تعاني من خنجرين يطعنان بظهرها: أولهما، تسلط الأنظمة ولجوئها للرقابة الشاملة لكل ما لا يروق لها بلا قانون صحيح وشرعي سوى ما تشرعه لنفسها عبر برلماناتها الصورية. وثانيهما، وهو استغلال حرية الفكر من بعض من يطلقون على أنفسهم كتّابًا أو مثقفين ليضعوا ما يضرب بمعتقدات الأمة وزعزعة مبادئها الثابتة، وغالبًا ما يحدث ذلك عبر التهجم على الدين ورموزه، وهذا الخنجر اسوأ من سلفه لأنه مسموم ومغلّف بشعار حرية الفكر، وكأن هذا لا يتأتى إلا بهدم أسس المجتمع وعقائده ومبادئه. ولعل السلطة تعتمد على هذا النوع من التدمير الداخلي حتى تمعن باستغلال نفوذها لغير صالح المجتمع وحرية أفراده بالتعبير ونقد الفساد وحتى لا يعكّر صفوها من يطالب بإصلاح إعوجاج السلطة ومتنفذيها والمنتفعين منها. ولذلك يجب أن تكون حرية الفكر حقيقية وأصيلة، لا أن تكون حق يراد به باطل وأن تُستَغل لفساد الأخلاق وهدم المعتقدات والأسس الفكرية والمرجعية.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

الكوميديا والترجمة
اعتماد الكوميديا على الحوار هو من طبائع الأمور، وهذا يمثل تحديًّا ليس بالهيّن لمن يتصدى لترجمة الكوميديا التي تعتمد في معظم الأوقات على الإبداع الفني ووقع الكلمات والعبارات الظريفة والمضحكة للمشاهد، وهو ما يجعل من إيجاد المقابل اللفظي الطريف مسألة تتّسم بالتحدي من ناحية مدى القدرة الإبداعية التي يمتلكها المترجم. ومثالنا البارز هنا هو عبارة Exsqueez me التي ترد كعبارة طريفة متكلفة بالعمل وهي تحوير لعبارة Excuse me المعروفة. وقد وجدتُ بتحوير "استمحيك عُصرًا" (كتحوير لعبارة "استميحك عذرًا") مقابلاً معقولاً -وقد يكون طريفًا- حسب السياق. وسواء كانت المحاولة موفّقة أم لا، فإن هذا أفضل من كتابة معنيين توضيحيين بنفس سطور الترجمة المرئية، فهذه عملية سقيمة للغاية، فلا يمكن للمترجم أن يضع المتفرج أمام خيارين خلال بضعة ثوان قليلة، وهو ما يمارسه بعض ممارسي الترجمة المرئية بلا وجل، وهذا مفسد بطبيعة الحال لمتعة المشاهدة. ولكن كما ذكرنا مرارًا، أن هذا مجال مفتوح وهذه إحدى عيوبه القاتلة، ومن أراد إصلاح مستواه فكان بها، أما من تقوقع على نفسه بلا علم، فسيدور بحلقة مفرغة.
نسخة الفيلم

University.Of.Laughs.2004.DVDRip.DivX-AXiNE

اسطوانتان

التورنت مع الترجمة بالمرفقات
(ويحتاج التورنت لقليل من الصبر حتى يكتمل)

وتقبلوا مني أطيب تحية
فيصل كريم