آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: شرُّ الرِّعاء الحُطَمة. أي الحكام المستبدون الذين يسوقون شعوبهم بالقسوة والعنف بغير رحمة

  1. #1
    كاتب وناشط سياسي الصورة الرمزية نايف ذوابه
    تاريخ التسجيل
    04/05/2007
    المشاركات
    2,434
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي شرُّ الرِّعاء الحُطَمة. أي الحكام المستبدون الذين يسوقون شعوبهم بالقسوة والعنف بغير رحمة


    شر الرِّعاء الحُطَمَة

    بقلم: أ.د. عبد الرحمن البر

    الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلاّ على الظالمين، وصلّ اللهم وسلم وبارك على سيد الأولين والآخرين وإمام الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.

    أما بعد، فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن الحسن البصري رحمه الله أَنَّ عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو- وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ" فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ. فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ فَإِنَّمَا أَنْتَ مِنْ نُخَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: وَهَلْ كَانَتْ لَهُمْ نُخَالَةٌ؟ إِنَّمَا كَانَتِ النُّخَالَةُ بَعْدَهُمْ وَفِي غَيْرِهِمْ.

    وفي رواية عند ابن الجعد في مسنده: أن عائذ بن عمرو رضي الله عنه قال: يا لَلمسلمين! وهل كان لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نخالة؟ بل كانوا لُبَابًا، بل كانوا لُبَابًا. والله ما أدخل عليك ما دام فيَّ الروح.

    في ضوء هذا الحديث نستعرض النقاط التالية:
    أولاً: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رايات الهدى المرفوعة:
    هذا الحديث الجليل يبيّن لنا ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من النصيحة ومن إسداء النصيحة لأئمة المسلمين، مثلما كانوا يُسْدون النصيحة لعامة المسلمين.

    وهذه القصة التي ذكرها الحسن البصري رحمه الله لسيدنا عائذ بن عمرو، في دخوله على عبيد الله بن زياد، رُوِيت على أوجه متعددة تبين المنهج القويم الذي كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتّبعونه في موعظة الأمراء والسلاطين وتوجيههم إلى ما فيه صلاح الأمة والأئمة.

    ففي إحدى روايات هذا الحديث عند الطبراني، يقول الحسن البصري: قدم علينا عبيد الله بن زياد أميرًا أمَّره معاوية رضي الله عنه، فقدم غلامٌ سفيهٌ حَدَثُ السن يسفك الدماء سفكًا شديدًا (هذا وصفه لعبيد الله بن زياد) قال: وفينا عبد الله بن مُغَفَّل المزني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أحد العشرة الذين بعثهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلمون أهل البصرة، فدخل عليه داره (أي دخل عبدُ الله بن مغفل على عبيد الله بن زياد الأمير داره) في يوم الجمعة، فقال له: انْتَهِ عمّا أراك تصنع، فإن شر الرِّعاء الحُطَمة، فقال: وما أنت إلاّ من حُثالة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وهل كانت فيهم حثالة، لا أمّ لك! كانوا أهل بيوتات وشرف ممّن كانوا منهم، أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يبيت إمامٌ غاشٌ لرعيّته ليلةً، إلاّ حرّم الله عزّ وجل عليه الجنّة" فخرج (أي عبد الله بن مغفل رضي الله عنه) حتى أتى المسجد، فجلس فيه ونحن قعود حوله، ونحن نعرف في وجهه ما قد لقي منه، فقلنا: يغفر الله لك يا أبا زياد، ما كنت تصنع بكلام هذا السفيه على رؤوس الناس؟ فقال: إنه كان عندي خفي من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحببت ألاّ أموت حتى أقوم علانيته، فوددتُ أن داره وسعتْ أهل البصرة فاجتمعوا فيها حتى يسمعوا مقالتي ومقالته.

    من هنا نرى أن رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم توافقا على نصْح هذا الأمير السفيه، ولم يكتف عبد الله بن مغفل بكون أخيه عائذ بن عمرو قد قام بنصح هذا الأمير السفيه، إنما قام عبد الله أيضًا ناصحًا مشيرًا ومبينًا واجب الإمام، ومبينًا أن الذي يبيت غاشًا لرعيته حرم الله عليه الجنة.

    هذا هو منهج الصحابة في نصيحة هؤلاء الأمراء الجورة.

    ثانيًا: من هو الراعي الحطمة؟

    الحطمة: كالهمزة واللمزة: هو الذي يضرب الناس ولا يرحمهم، وهو مأخوذ من الحَطمْ، أو الحِطمْ، فيقال: راعٍ حُطَمَة، إذا كان قليل الرحمة بالماشية، وهكذا الذي هو الذي قليل الرحمة برعيته من الناس، يقال له راع حُطَمَة، وهو الذي يسوق رعيته سوقًا شديدًا عنيفًا لا رفق فيه، ويأخذهم بالشدة.

    ويقال: الحطمة هو الأكول الحريص الذي يأكل ما يرى ويقضمه، فإن دأب الإمام الجائر أن يكون سيئ النفس ظالمًا بطبعه، شديدَ الطمع فيما في أيدي رعيته، لا يحرص على نفعهم بقدر ما يحرص على نفع نفسه ولو بظلم رعيته.

    أما قول هذا الرجل الأمير لسيدنا عائذ أو لسيدنا عبد الله بن مغفل: إنما أنت من نخالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمقصده بذلك أن يقول: أنت لست من فضلاء الصحابة ولا من علمائهم ولا من أهل المرتبة والذكر فيهم، بل أنت من سَقط الصحابة، وقد استعار النخالة وهي قشر الدقيق- وهي بمعنى الحثالة والحفالة- لبيان مقصده.


    ولكنَّ الصحابيّين الجليلين عبد الله بن مغفل وعائذ بن عمرو، كانا على تمام الوعي برسالتهما، وردَّا على هذا الأمير هذه الإهانة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيَّنا أن هؤلاء القوم لم تكن فيهم نُخالة، وأن هذا الجيل الكريم لم يكن فيه من يُعَد سقطًا، إنما كان السقط فيمن جاء بعدهم.

    وهذا من الكلام الذي ينقاد له كل مسلم آمن بالله ورسوله، وعرف قيمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزكية الله تعالى لهذا الجيل الكريم، فكلهم كانوا أئمةً عدولاً، والتخليط والخلط إنما كان فيمن جاء بعدهم.

    ثالثًا: من هدي الحديث: أن يأخذ الرعاة الناس بالرفق:

    هذا الحديث الشريف يبين لنا واجب الإمام قبل رعيته، وهو أخذ الناس بالرفق وعدم سوقهم بالعنف.

    وقد أخرج البخاري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ".

    وفي رواية مسلم: "يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ".


    وأعظم ما يكون الرفق سُمُوًّا: حين يكون من القادر على غير القادر، وحين يكون من الراعي على الرعية، فإن الأمة إنما تنظر إلى قائدها نظر الجندي للقائد الذي يقودها إلى حيث النصر، وإلى طريق النجاة. تنظر الأمة إلى قائدها وإلى إمامها نظر ركاب السفينة إلى القائد الحريص على أن يتجنب برعيته الأهواء، وأن يتجنب بهم العواصف والزوابع.

    أما حينما يكون الراعي حُطَمَةً عنيفًا شديدَ السَّوْق للرعية حريصًا على ما في أيدي الناس، طامعًا فيما في أيدي رعيته، فإن الناس ينظرون إليه نظرَ الطير للصائد، ومن ثَم يكونون أخوفَ ما يكونون منه، وهو ينظر إليهم أيضًا نظرَ الصائد الذي ينتهز الفرصة لكي يقتنص صيده.

    هذه الحالة النفسية التي تحصل للرعية جراء هذا السَّوْق العنيف، وهذه الطريقة الشديدة في رعاية الناس وفي رعاية مصالح الناس، لا بد أن تعود على الأمة بالخذلان والخسران.

    فلا يمكن أن تحمل الأمة مشروعًا ناجحًا أو رسالةً نافعةً إذا كانت العلاقةُ بين القائد وبين عامة الشعب بهذه الصورة العنيفة التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    حين يفرض القائدُ على الأمة ألاَّ تسمعَ إلاّ له وألاّ تسير إلا خلفه، وحينما يمنعها أن تبدي آراءَها، وحين يسلب حريَّتَها وكرامتَها، وحين يبيع قضاياها الكبرى رخيصةً لعدوها، وحين يفرض عليها أن تسير هذا السَّيْر الشديد الذي يؤلمها ويتعبها، وحين يرى أنه لا يستتب أمرُه إلاّ بقهرها؛ فإنها لا بد أن تفكر في التخلص منه، وربما أدّى ذلك للفوضى واختلال الأمور والنظام، الذي تتجرع الأمة مرارته.

    رابعًا: من هدي الحديث: عدم الاستبداد وتفريق الأمة إلى شيع:
    بل إن من عيوب هذا الأمر، وهو ما يسمى الآن بالاستبداد، أن تتفرق الأمة إلى شيع؛ بحيث تميل النفوس الضعيفة إلى متابعة هذا الراعي العنيف وهذا الإمام الشديد؛ حتى تنجو من قسوته وحتى تحظى بالخير الذي يمكن أن يقدمه إليها؛ ومن ثمَّ تتحول الأمة إلى مجموعات متناحرة، مجموعة قريبة من هذا الراعي الحطمة تحطم معه الناس أو يحطم بها الناس، ومجموعة أخرى مستضعفة ترى نجاتها في غير هذا الطريق، وهذه الحالة لا يمكن أن تستقيم معها الأمور.

    وإذا نظرنا إلى مراحل السقوط في تاريخنا الإسلامي قاطبةً، وجدنا أنها دائمًا ما تمر بمراحل من الأمراء الحطمة، من الأمراء الذين يسوقون الأمّة بأهوائهم وآرائهم غير عابئين بالرفق بالرّعية أو بأخذها إلى ما فيه صلاح حالها.

    وإذا نظرنا في المقابل إلى حالات السمو التي مرت بها هذه الأمة في تاريخها الطويل، وجدنا أن الله سبحانه وتعالى حين يرزقها راعيًا رقيقًا رفيقًا يأخذ بيدها؛ فإن النهضة والعزة والمجد تكون من نصيبها.

    لننظر إلى المجدد الأول بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيدنا عمر بن عبد العزيز رحمه الله، هذا الذي كان يأخذ الرعية برفق، ويدعو عماله إلى أن يأخذوا الرعية برفق.

    أرسل إليه اثنان من ولاته وأمرائه يقولان: نرى أن الناس لا يصلحهم إلاّ السيف، فقال عمر رحمه وقد كتب إليهما: خبيثين من الخبث ورديئين من الرديء، أتعرضان لي بدماء المسلمين، والله لَدَمُكُما أهون عليَّ من دماء المسلمين.

    بل إنه عيَّن أميرًا على الموصل فرأى كثرة السُّرَّاق بها، فكتب إلى عمر يقول: هل آخذهم بالظِّنَّة وأضربهم على التهمة، أم آخذهم بالبينة وما جرت عليه السُّنَّة؟

    يرى هذا الراعي أو هذا الوالي أنه لو عامل الناس بالحقّ والعدل والقانون وما في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ذلك سيطمع بعض النفوس الضعيفة في أن تتعدد سرقاتها ويتعدد فسادها، ويعرض له بأن لو أنه أخذ الناس بالشدة ولو أخذهم بالتهمة ولو أخذ كل مشتبه فيه، لكان هذا سبيلاً ناجحًا لإصلاح الناس في البلد، فكتب إليه عمر رحمه الله: خذ الناس بالبينة وما جرت عليه السنة، فإن لم يصلحهم الحق فلا أصلحهم الله.

    يقول هذا الوالي: ففعلت ذلك، فما خرجت من الموصل حتى كانت من أصلح البلاد وأقلها سرقًا ونهبًا.

    ولهذا كانت المدة اليسيرة التي تأمَّر فيها عمر- رحمه الله- على المسلمين (سنتان وخمسة أشهر وبضعة أيام) كفيلة بأن ترفع لواء الأمة من جديد وأن تعيد لها نهضتها من جديد.

    وهذا ما نحن في أمسِّ الحاجة إليه اليوم: أن يكتب الله تعالى لهذه الأمة أمراء رفقاء لا يعنفون الناس، ولا يحطمون الناس، ولا يسوقون الناس السوق الشديد، بل يأخذون الناس بالرفق إلى ما فيه صالح البلاد والعباد.

    أسأل الله تعالى أن يبرم لأمتنا أمر رشد، يعز فيه أهل طاعته، ويذل فيه أهل معصيته، ويؤمر فيه بالمعروف وينهي فيه عن المنكر.

    وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    -----------
    * أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر

    ما زلتُ أبحثُ في وجوه النّاس عن بعضِ الرّجالْ

    عــن عصـبـةٍ يقـفـون في الأزَمَات كالشّــمِّ الجـبالْ

    فــإذا تكلّـمتِ الشــفـاهُ سـمـعْــتَ مــيـزانَ المـقــالْ

    وإذا تـحركـتِ الـرّجـالُ رأيــتَ أفــعــــالَ الـرّجــالْ

  2. #2
    كاتب وناشط سياسي الصورة الرمزية نايف ذوابه
    تاريخ التسجيل
    04/05/2007
    المشاركات
    2,434
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي رد: شرُّ الرِّعاء الحُطَمة. أي الحكام المستبدون الذين يسوقون شعوبهم بالقسوة والعنف بغير رح



    رابعًا: من هدي الحديث: عدم الاستبداد وتفريق الأمة إلى شيع:
    بل إن من عيوب هذا الأمر، وهو ما يسمى الآن بالاستبداد، أن تتفرق الأمة إلى شيع؛ بحيث تميل النفوس الضعيفة إلى متابعة هذا الراعي العنيف وهذا الإمام الشديد؛ حتى تنجو من قسوته وحتى تحظى بالخير الذي يمكن أن يقدمه إليها؛ ومن ثمَّ تتحول الأمة إلى مجموعات متناحرة، مجموعة قريبة من هذا الراعي الحطمة تحطم معه الناس أو يحطم بها الناس، ومجموعة أخرى مستضعفة ترى نجاتها في غير هذا الطريق، وهذه الحالة لا يمكن أن تستقيم معها الأمور.

    وإذا نظرنا إلى مراحل السقوط في تاريخنا الإسلامي قاطبةً، وجدنا أنها دائمًا ما تمر بمراحل من الأمراء الحطمة، من الأمراء الذين يسوقون الأمّة بأهوائهم وآرائهم غير عابئين بالرفق بالرّعية أو بأخذها إلى ما فيه صلاح حالها.

    وإذا نظرنا في المقابل إلى حالات السمو التي مرت بها هذه الأمة في تاريخها الطويل، وجدنا أن الله سبحانه وتعالى حين يرزقها راعيًا رقيقًا رفيقًا يأخذ بيدها؛ فإن النهضة والعزة والمجد تكون من نصيبها.

    لننظر إلى المجدد الأول بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيدنا عمر بن عبد العزيز رحمه الله، هذا الذي كان يأخذ الرعية برفق، ويدعو عماله إلى أن يأخذوا الرعية برفق.

    أرسل إليه اثنان من ولاته وأمرائه يقولان: نرى أن الناس لا يصلحهم إلاّ السيف، فقال عمر رحمه وقد كتب إليهما: خبيثين من الخبث ورديئين من الرديء، أتعرضان لي بدماء المسلمين، والله لَدَمُكُما أهون عليَّ من دماء المسلمين.

    بل إنه عيَّن أميرًا على الموصل فرأى كثرة السُّرَّاق بها، فكتب إلى عمر يقول: هل آخذهم بالظِّنَّة وأضربهم على التهمة، أم آخذهم بالبينة وما جرت عليه السُّنَّة؟

    يرى هذا الراعي أو هذا الوالي أنه لو عامل الناس بالحقّ والعدل والقانون وما في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ذلك سيطمع بعض النفوس الضعيفة في أن تتعدد سرقاتها ويتعدد فسادها، ويعرض له بأن لو أنه أخذ الناس بالشدة ولو أخذهم بالتهمة ولو أخذ كل مشتبه فيه، لكان هذا سبيلاً ناجحًا لإصلاح الناس في البلد، فكتب إليه عمر رحمه الله: خذ الناس بالبينة وما جرت عليه السنة، فإن لم يصلحهم الحق فلا أصلحهم الله.

    يقول هذا الوالي: ففعلت ذلك، فما خرجت من الموصل حتى كانت من أصلح البلاد وأقلها سرقًا ونهبًا.

    ولهذا كانت المدة اليسيرة التي تأمَّر فيها عمر- رحمه الله- على المسلمين (سنتان وخمسة أشهر وبضعة أيام) كفيلة بأن ترفع لواء الأمة من جديد وأن تعيد لها نهضتها من جديد.

    وهذا ما نحن في أمسِّ الحاجة إليه اليوم: أن يكتب الله تعالى لهذه الأمة أمراء رفقاء لا يعنفون الناس، ولا يحطمون الناس، ولا يسوقون الناس السوق الشديد، بل يأخذون الناس بالرفق إلى ما فيه صالح البلاد والعباد
    .



    صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس .. العلماء والحكام .. وليس من نعمة من نعم الله أعظم من سلطان عادل يحكم في عباد الله بالعدل، يأخذ لضعيفهم من قويهم وينصر مظلومهم ويقضي حوائج فقرائهم ويحكم فيهم بكتاب الله وسنة رسوله .. وليوم في ظل إمام عادل خير من أن يمطر المسلمون أربعين خريفا .. الحديث ..

    أما العلماء فهم ورثة الأنبياء وشهود الله في الأرض والموقعون عنه .. وهم صمام الأمان لكل حكم رشيد .. لأنهم يحاسبون الحكام وينصحونهم ويأخذون على أيدي الظالم فيأطرونه على الحق أطرا ويقصرونه على الحق قصرا ..

    كانت مهمة العلماء المحاسبة والنصح أما العلماء الذين يترددون على الحكام للنفاق لهم وانتظار أعطياتهم فؤلاء خائنون للأمانة ..

    إذا رأيتم العلماء على أبواب الحكام فاتهموهم فاتهموهم فاتهموهم .. صدقت يا رسول الله صلى الله عليك وعلى آلك وصحبك تسليما كثيرا ..
    لقد طابت نفسي بما كتب الأخ الكريم الأستاذ الدكتور عبد الرحمن عبد البر(جزاه الله خيرًا) في هذه المقالة القيمة من قيام العلماء بواجبهم في نصح الحاكم وتقريعه حين يحيد عن جادة الحق ويظلم ويغشم ..

    لم تأخذهم في الله لومة لائم ولم يخشوا إلا الله .. هذه النجوم الساطعة في سماء تاريخنا .. أين هم اليوم ..؟ لو كانوا موجودين لما تردت حال أمتنا وعهدناها على حال لا يسر صديقا وإنما يشمت به الشامتون ويفرحون ..

    اللهم من شقّ على أمتنا فاشقق عليه ومن رفق بها فارفق به .. اللهم من غش رعيته وعمل فيها بالإثم والعدوان فخذه أخذ عزيز مقتدر يا رب العالمين ..

    اللهم فرج كرب أمتنا وأحسن خلاصها والهمها السداد والرشاد .. اللهم قيض لها من يخلصها مما تعاني بنصرة من أهل النخوة الغُيُر على دينهم وأمتهم .. فتقوم للمسلمين دولة ويبايعون خليفة رحيما مخلصا أمينا .. يا رب

    ما زلتُ أبحثُ في وجوه النّاس عن بعضِ الرّجالْ

    عــن عصـبـةٍ يقـفـون في الأزَمَات كالشّــمِّ الجـبالْ

    فــإذا تكلّـمتِ الشــفـاهُ سـمـعْــتَ مــيـزانَ المـقــالْ

    وإذا تـحركـتِ الـرّجـالُ رأيــتَ أفــعــــالَ الـرّجــالْ

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •