الأعداد
في أحاديث خير العباد
صلى الله عليه وسلم
إعداد
العبد الفقير إلى الله
صبري الصبري
****
(العدد أحد عشر)
***
روى البخاري عن مسروق قال (سألت عائشة رضي الله تعالى عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل فقالت سبع وتسع وإحدى عشرة سوى ركعتي الفجر)
بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين ، أما بعد فأستعين بالله تعالى وأقول أن العدد (أحد عشر) قد جاء في أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم منها ما رواه البخاري في هذا الحديث الذي رواه عن مسروق أنه سأل السيدة عائشة رضي الهد عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل فقالت (سبع وتسع وإحدى عشرة سوى ركعتي الفجر)
وفيه أوضحت أم المؤمنين الصديقة رضي الله عنها أنه كان يقوم الليل بسبع ركعات وتسع ركعات وإحدى عشرة ركعة بالإضافة لركعتي الفجر ، فرضي الله عنها وأرضاها كم نقلت لنا من هدي قويم من سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم . ( وفي هذا الحديث نجد الأعداد اثنين وسبع وتسع وإحدى عشرة) .
ونجد جانبا آخرا مما نقلته لنا أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها في الحديث الذي رواه البخاري في باب (قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل في رمضان وغيره) ورواه مالك في موطئه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه أخبره أنه ((سأل عائشة رضي الله تعالى عنها كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فقالت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا قالت عائشة فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر فقال يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي )
وفيه هدي نبوي شريف عن قيامه بالليل في رمضان وفي غير رمضان (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) كما أخبرتنا بذلك السيدة عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما وأوضحت كيفية صلاة الحبيب المصطفى بالليل وصفتها ونقلت إلينا قول النبي صلى الله عليه وسلم لها (يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي) فقلبه صلى الله عليه وسلم يقظان بذكر الله وبصلته بالعلي القدير جل وعلا . ( وفي هذا الحديث نجد الأعداد ثلاثة وأربعة وإحدى عشرة) .
كما وصف لنا حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنه صلاة الحبيب المصطفى بالليل عندما بات عند خالته ميمونة في الحديث الذي رواه البخاري عن بن عباس رضى الله تعالى عنهما قال (بت عند خالتي ميمونة فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد فلما كان ثلث الليل الآخر قعد فنظر إلى السماء فقال ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب) ثم قام فتوضأ واستن فصلى إحدى عشرة ركعة ثم أذن بلال فصلى ركعتين ثم خرج فصلى الصبح) .
وفيه وصف لهديه صلى الله عليه وسلم وما فعله في هذه الليلة :
1ـ تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة .
2ـ ثم رقد .
3ـ لما كان ثلث الليل الآخر قعد .
4ـ نظر إلى السماء .
5ـ قال ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب) .
6ـ قام .
7ـ توضأ .
8ـ استن (استاك بالسواك) .
9ـ صلى إحدى عشرة ركعة .
10 ـ لما أذن بلال فصلى ركعتين .
11ـ خرج .
12 ـ صلى الصبح (في المسجد)
( وفي هذا الحديث نجد الأعداد ثلث واثنين (مجازا) وإحدى عشرة) .
كما نرى هديه الشريف في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه ومالك في موطئه عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة فإذا طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يجيء المؤذن فيؤذنه))
كما نصغي لمحاورته الشريفة للصحابي الجليل العابد عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن تبتله في صومه في الحديث الذي رواه البخاري عن أبي قلابة قال أخبرني أبو المليح قال دخلت مع أبيك على عبد الله بن عمرو فحدثنا (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له صومي فدخل علي فألقيت له وسادة من آدم حشوها ليف فجلس على الأرض وصارت الوسادة بيني وبينه فقال أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام قال قلت يا رسول الله قال خمسا قلت يا رسول الله قال سبعا قلت يا رسول الله قال تسعا قلت يا رسول الله قال إحدى عشرة ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لا صوم فوق صوم داود عليه السلام شطر الدهر صم يوما وأفطر يوما)
وفي هذا الحديث نلاحظ حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على مناقشة عمرو بن العاص رضي الله عنه فيما يتعبد به لله عز وجل من صوم لأنه أُخبر بذلك صلى الله عليه وسلم ولو تركه لكانت سنة تقريرية يستن بها عموم المسلمين ... فلنتأمل ماذا فعل الحبيب صلى الله عليه وسلم بهذا الخصوص :
1ـ ذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له صوم عبد الله بن عمرو رضي الله عنه .
2ـ دخل على عبد الله بن عمرو (ذهب إليه) .
3ـ ألقى عبد الله بن عمرو رضي الله عنه وسادة من جلد حشوها ليف ليجلس عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
4ـ لم يجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الوسادة وتركها وجلس على الأرض .
5ـ صارت الوسادة بين الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وبين عبد الله بن عمرو رضي الله عنه .
6ـ دار بين الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وبين عبد الله بن عمرو رضي الله عنه الحوار التالي :
رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما يكفيك (صيام) من كل شهر ثلاثة أيام؟
عبد الله بن عمرو رضي الله عنه : يا رسول الله (أي أكثر من ذلك) .
رسول الله صلى الله عليه وسلم : خمسا (أي صم خمسة أيام) .
عبد الله بن عمرو رضي الله عنه : يا رسول الله (أي أكثر من ذلك) .
رسول الله صلى الله عليه وسلم : سبعا (أي صم سبعة أيام) .
عبد الله بن عمرو رضي الله عنه : يا رسول الله (أي أكثر من ذلك) .
رسول الله صلى الله عليه وسلم : تسعا (أي صم تسعة أيام) .
عبد الله بن عمرو رضي الله عنه : يا رسول الله (أي أكثر من ذلك) .
رسول الله صلى الله عليه وسلم : إحدى عشرة (أي صم احدى عشرة يوما) .
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لا صوم فوق صوم داود عليه السلام شطر الدهر صم يوما وأفطر يوما) .
ونرى ما بهذا الحديث عن فقه الصيام ومدى الفسحة التشريعية في هديه الشريف صلى الله عليه وسلم . ( وفي هذا الحديث نجد الأعداد واحد (مجازا) وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة) .
ثم نجد فقه سجود التلاوة في الحديث الذي روى الترمذي ( باب ما جاء في سجود القرآن ) عن عمر الدمشقي عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال ((سجدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة منها التي في النجم))
وروى مالك في موطئه عن هشام بن عروة عن أبيه ( أن عمر بن الخطاب قرأ سجدة وهو على المنبر يوم الجمعة فنزل فسجد وسجد الناس معه ثم قرأها يوم الجمعة الأخرى فتهيأ الناس للسجود فقال على رسلكم إن الله لم يكتبها علينا إلا إن نشاء فلم يسجد ومنعهم أن يسجدوا قال مالك ليس العمل علي أن ينزل الإمام إذا قرأ السجدة على المنبر فيسجد قال مالك الأمر عندنا أن عزائم سجود القرآن إحدى عشرة سجدة ليس في المفصل منها شيء قال مالك لا ينبغي لأحد يقرأ من سجود القرآن شيئا بعد صلاة الصبح ولا بعد صلاة العصر وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس والسجدة من الصلاة فلا ينبغي لأحد أن يقرأ سجدة في تينك الساعتين سئل مالك عمن قرأ سجدة وامرأة حائض تسمع هل لها أن تسجد قال مالك لا يسجد الرجل ولا المرأة إلا وهما طاهران وسئل عن امرأة قرأت بسجدة ورجل معها يسمع أعليه أن يسجد معها قال مالك ليس عليه أن يسجد معها إنما تجب السجدة على القوم يكونون مع الرجل فيأتمون به فيقرأ السجدة فيسجدون معه وليس على من سمع سجدة من إنسان يقرأها ليس له بإمام أن يسجد تلك السجدة ) .
فيبن الإمام مالك أن عزائم السجود إحدى عشرة سجدة (سجود التلاوة) .
أما مجمل سجود التلاوة في كتاب الله عز وجل فخمسة عشرة سجدة وفي بعضها قول الفاروق رضي الهس عنه (على رسلكم إن الله لم يكتبها علينا إلا إن نشاء فلم يسجد ومنعهم أن يسجدوا ) ومجملها كما يلي :
1- ( إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون ) (الأعراف : 206 ) .
2- ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدو والآصال) . ( الرعد : 15) .
3- ( ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون ) (النحل : 49) .
4- ( قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ) (الإسراء : 107 ) .
5- ( إذ تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً ) ( مريم : 58 ) .
6- ( ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء ) (الحج : 18 ) .
7- ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) (الحج :77 )
8- ( وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزداهم نفوراً) . ( الفرقان/60 ) .
9- ( ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون ) (النمل : 25 ) .
10- ( إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون ) (السجدة : 15 ) .
11- ( وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب ) (ص : 24) .
12- ( ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون ) (فصلت : 37) .
13- ( فاسجدوا لله واعبدوا ) (النجم : 63) .
14- ( وإذا قرء عليهم القرآن لا يسجدون ) (الانشقاق : 21 ) .
15- ( كلا لا تطعه واسجد واقترب ) (العلق : 19 ) .
ولنختم حديثنا عن العدد (أحد عشر) بما رواه البخاري في باب حسن المعاشرة مع الأهل عن هشام بن عروة عن عبد الله بن عروة عن عروة عن عائشة قالت (جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا قالت الأولى زوجي لحم جمل غث على رأس جبل لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل قالت الثانية زوجي لا أبث خبره إني أخاف أن لا أذره إن أذكره أذكر عجره وبجره قالت الثالثة زوجي العشنق إن أنطق أطلق وإن أسكت أعلق قالت الرابعة زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر ولا مخافة ولا سآمة قالت الخامسة زوجي إن دخل فهد وإن خرج أسد ولا يسأل عما عهد قالت السادسة زوجي إن أكل لف وإن شرب اشتف وإن اضطجع التف ولا يولج الكف ليعلم البث قالت السابعة زوجي غياياء أو عياياء طباقاء كل داء له داء شجك أو فلك أو جمع كلا لك قالت الثامنة زوجي المس مس أرنب والريح ريح زرنب قالت التاسعة زوجي رفيع العماد طويل النجاد عظيم الرماد قريب البيت من الناد قالت العاشرة زوجي مالك وما مالك مالك خير من ذلك له إبل كثيرات المبارك قليلات المسارح وإذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك قالت الحادية عشرة زوجي أبو زرع فما أبو زرع أناس من حلي أذني وملأ من شحم عضدي وبجحني فبجحت إلى نفسي وجدني في أهل غنيمة بشق فجعلني في أهل صهيل وأطيط ودائس ومنق فعنده أقول فلا أقبح وأرقد فأتصبح وأشرب فأتقنح أم أبي زرع فما أم أبي زرع عكومها رداح وبيتها فساح بن أبي زرع فما بن أبي زرع مضجعه كمسل شطبة ويشبعه ذراع الجفرة بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع طوع أبيها وطوع أمها وملء كسائها وغيظ جارتها جارية أبي زرع فما جارية أبي زرع لا تبث حديثنا تبثيثا ولا تنفث ميرتنا تنقيثا ولا تملأ بيتنا تعشيشا قالت خرج أبو زرع والأوطاب تمخض فلقى امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمانتين فطلقني ونكحها فنكحت بعده رجلا سريا ركب شريا وأخذ خطيا وأراح علي نعما ثريا وأعطاني من كل رائحة زوجا وقال كلي أم زرع وميري أهلك قالت فلو جمعت كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع قالت عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت لك كأبي زرع لأم زرع قال أبو عبد الله قال سعيد بن سلمة عن هشام ولا تعشش بيتنا تعشيشا قال أبو عبد الله وقال بعضهم فأتقمح بالميم وهذا أصح) .
وفيه حال الأزواج مع زوجاتهم وما عبرت عنه النساء بفصاحة وبلاغة عجيبة وتكنية مهذبة ولمحات دقيقة عن عشرتهن مع أزواجهن .
(وفي هذا الحديث نجد الأعداد واحد (مجازا) واثنين وثلاثة وأربعة وخمسة وستة وسبعة وثمانية وتسعة وعشرة وإحدى عشرة) .
فما أحسن حديث الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وما فيه من هدي قويم ومكارم أخلاق عالية فجزاه عنا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أحسن الجزاء ورزقنا صدق محبته وصدق اتباعه وأنالنا شفاعته العظمى يوم الدين وصحبته في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .