تنازل عربي أسعد ليفني

بينما تنشغل المنطقة بتطورات الازمتين السورية والعراقية، يعكف جون كيري وزير الخارجية الامريكي على وضع خطة للسلام للصراع العربي ـ الاسرائيلي تتطابق في نسختها الاولية، مع المطالب والتصورات الاسرائيلية.

الوزير كيري بات يتبنى السلام الاقتصادي الذي طرحه، ويستمر في طرحه، رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتتلخص ملامحه في ضخ مليارات من الاستثمارات في الاقتصاد الفلسطيني لانعاشه، وخلق فرص للعاطلين عن العمل، وحث الشركات الامريكية الكبرى، مثل كوكا كولا للعب دور كبير في هذا الصدد.

الامريكيون يتحدثون ايضا عن مشاريع سياسية موازية، دون ان يكشفوا عن اي من تفاصيلها، ويحاولون استغلال ‘اعتدال’ اصدقائهم العرب الزائد عن الحد، من اجل تمرير مثل هذه المشاريع والحصول على غطاء شرعي لها.

وزراء الخارجية العرب الذين ذهبوا الى واشنطن قبل بضعة ايام تحت عنوان ‘تحريك’ مبادرة السلام العربية، قدموا تنازلا كبيرا لم يطلب منهم، وقبل استئناف المفاوضات او حتى رد الاعتبار الى مبادرة السلام العربية التي صدرت عام 2002 وجرى استجداء اسرائيل اكثر من مرة لقبولها.

التنازل الذي نتحدث عنه هو قبول وفد الجامعة العربية بتبادل اراض بين الاسرائيليين والفلسطينيين في حال التوصل الى اي تسوية من خلال المفاوضات التي يمكن ان تستأنف قريبا برعاية امريكية.

وقد يجادل بعض اعضاء الوفد العربي بان هذا ليس تنازلا، فالسلطة الفلسطينية، واثناء المفاوضات مع حكومة ايهود اولمرت قبلت بمبدأ تبادل الاراضي في حدود اربعة في المئة، اي ان تضم السلطات الاسرائيلية المستوطنات في الضفة الغربية مقابل تعويض الفلسطينيين باراض مماثلة من الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.

لا اعتراض على هذا الجدل من حيث الشكل، ولكن الاعتراض عليه من حيث المضمون، فالقبول بالمبدأ هو مقدمة للتسليم بالاستيطان الاسرائيلي في القدس المحتلة، والموافقة على المشاريع الاستيطانية التي اقيمت من اجل خنقها، وعزلها عن الضفة الغربية، وطمس هويتها العربية الاسلامية.

الترحيب الحار والسريع من قبل اتسيبي ليفني وزيرة العدل والمكلفة بملف المفاوضات في الحكومة الاسرائيلية، يعكس حجم هذا التنازل فقد قالت حرفيا ‘هذه خطوة مهمة بالتأكيد، وارحب بها، فاسرائيل تبحث عن اي طريقة لكسر الجمود في محادثات السلام المتعثرة منذ ايلول (سبتمبر) 2010′.

نستغرب هذا الحرص المفاجئ والحمائمي من قبل جامعة الدول العربية على التسوية واستئناف المفاوضات وتقديم تنازلات مسبقة لاسرائيل، وهي التي تدرك جيدا ان اسرائيل لم تقدم تنازلا واحدا ولو شكليا للعرب، وترفض القبول بمبادرتهم، بل وتتعاطى معها بكل احتقار.

من المؤسف ان السلطة الفلسطينية تلتزم الصمت، وهو صمت الموافق على مثل هذه المشاريع والتحركات التي قد تكون مقدمة لتحويل القضية الفلسطينية الى قضية اقتصاد ووظائف وطرق، وليست قضية شعب مضطهد يريد استعادة ارضه وقيام دولته المستقلة على كل اراضيه المحتلة.

عن القدس العربي