نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



الفعل بين السكون و الحركة...

هل حقا يحتاج الإنسان إلى النقد كما يحتاج للماء و الهواء و الطعام و الملبس و المسكن و باقي الحاجات الضرورية...؟هل هو في حاجة إلى تطبيب نقدي...؟ هل يشكل النقد وصفة طبية يحتاجها العقل السليم حتى يستقيم...؟بمعنى هل النقد ضرورة حضارية و حياتية أم ترف و صداع و ضجيج...؟هل النقد من أركان البناء السليم ،سواء كان البناء عملا أدبيا فنيا أو عقائديا فكريا أو علميا معرفيا أو جسميا جسديا أو حضاريا معماريا...؟
أعتقد لا يمكن أن تكون الإجابة إلا بالجزم بذلك...على اعتبار أن دلالة النقد تحمل في معانيها كل أشكال الحياة و الحضارة التي تنتج عن رقي أفعال الإنسان من رديء لجيد و من حسن إلى أحسن و من قبيح إلى جميل...
كل إنسان يرفض بالفطرة الأشياء المزيفة و لا يقبلها...إلا إذا أصبحت بوصلة الفطرة غائبة أو عليها من كثبان الجهل ما يحد من فعاليتها...
فأين فطرتنا من ضرورة النقد، الذي يبين الحق من الباطل ،الجيد من الرديء،الجميل من القبيح، المثالي الخيالي من الواقعي الحقيقي...؟
هل يعتمد الإنسان المبدع من جهة و القارئ من جهة أخرى على الحس النقدي أم على الفكر النقدي في تعامله مع أعماله و أعمال غيره...؟ بمعنى هل يكتفي بما لديه من الذوق أم عليه بالضرورة أن يطلع على المبادئ الأولية الأساسية للفكر النقدي...لا لكي يصبح ناقدا مختصا بل لتكون لديه نظرته النقدية لما يستهلكه في حياته...على اعتبار أن الحس يسبق الفكر...و من تم كيف يمكن أن يقوم المعلم (ة) الأستاذ (ة) المثقف (ة) الأب و الأم بتكوين الحس النقدي و من بعده الفكر النقدي في جيل هو في أمس الحاجة للعلم و المعرفة بدور هذه الأداة العقلية (أداة النقد) حتى يستقيم فكره فيكون منتجا للحضارة و ليس مستهلكا فحسب...؟
إذا كان الإنسان لا يمكن أن يتجرد من هواه باعتباره يشكل وجدانه الفني و الأدبي فكيف يمكن أن يقدم عملا لا يبتغي من وراءه غير الحقيقة... مع العلم أن الحقيقة هي شيء موضوعي؟
قد يقول قائل أن الحقيقة أصبحت شيء نسبي حين اتضح أن كل شيء قد أصبح قابلا للتغيير...و بالتالي تضيع حقيقة الموضوعية كحقيقة ثابتة لا تقبل التغيير...الإنسان حقيقة موضوعية ،لكن ما يعتقد في صحته و صدقه و صوابه هو الذي يتغير...و من تم يصبح "اعتقاد" الإنسان أو" اعتقادات" الإنسان هي التي تملي عليه حقيقة الموضوعية و الذاتية...و تملي عليه إتباع الهوى أو التمسك بالهدى...
فهل لا زال الإنسان هو مقياس كل شيء كما كانت تقول بذلك جماعة من السفسطائيين...بالرغم من التغيرات الكبرى التي حدثت في تاريخ الإنسانية...؟
الفعل (هو حركة الحياة) و التفاعل (هو فعل و رد فعل على المستوى الاجتماعي) و الانفعال (هو فعل و رد فعل على المستوى النفسي) و هذه " الحركة الثلاثية الأبعاد" هي لب العملية الحياتية و الحضارية...
و ما قد يرغب فيه هذا قد لا يطيق الآخر سواء كان قارئا أو مبدعا...مع العلم أن النقد هو ركن أساسي في التغيير... و النقد هو بين حركتين حركة فيه حياة و أخرى فيها موت...كما هو شأن كل الثنائيات الموجودة...و أن التغيير هو بمثابة سنة من سنن الله عز و جل في الكون...فحتى السكون هو نوع من التغيير الذي لا يأتي بجديد...فالحفاظ على ما هو قديم هو بمثابة تغيير يقاوم ما قد يعتري القديم من تغيير و تجديد...بمعنى أن الذي لا يتغير هو كالعدم...أما الموجود بحكم تغيير الزمن لا يمكن أن يظل ساكنا...لأن الزمن هو حركة مرتبطة بالمكان حتى لو بدا للقارئ و المشاهد أن ذاك ساكنا...فهل يمكن القول أن حركة الليل/النهار التي يجري ضمنها الزمن أنها حركة ساكنة...؟
و من هنا هل من الممكن أن تتغير نظرة الإنسان و المجتمع بدون أن تتغير نظرته لمفهوم النقد...؟ فإذا غاب النقاد عن ساحة الفكر و الأدب فهل يكفي الإبداع وحده أن يحدث التغيير...دون وجود حس نقدي و من بعده فكر نقدي...؟
أسئلة راودت خاطري لما مررت على ورشة النقد فأحببت أن أشارك بهذه الكلمة...فلكل ظروفه و لكل اهتماماته والله المستعان...


تحيتي و تقديري...