The Economic Sanction الحصار الأقتصادي
من كتاب عودة الطائفية في العراق
تأليف
الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
أستاذ جامعة بغداد / سابقاً

منشورات دار الكتاب الجامعي / العين / الأمارات العربية المتحدة / 2010




ما من شــك بما فعله الحصار من تدهور لاقتصـاد العراق . فمن المعلوم أن حوالي
95% من دخل الفرد العراقي يحصــل عليه من النفط, مباشــرة أو من مشتقاته.
ولذا صارتصــديرالنفط مرتبطاً بالســلاح, وصار بيعه يدار من قبل هيئة خاصــة تحت
إشراف هيئة الأمم المتحدة, وصارت راغبة في رؤية عودة الصــناعة النفـطيـة العراقية
وإنقاذها من النهـب والتخـريب بســــبب حرب الخليج!
كما أن الحصــار زاد من الطلب العالمي على النفط, منذ أن تبنت هيئة الأمم المتحدة القرار 1284 تحـت البـنـد الســابع, حيث أعطى هذا البـنـد, الحق للأمم المتحدة بأستخدام
القوة لتنفيذ تدفق النفط !
وعندما قطعت الطرق البحرية والجوية, صــار نقل المواد الغذائية عن طريق البر, إلا
أن تلك الطريقة كانت غير قانونية. وبالرغم من تعاطف الشــعب الأردني مع نظام صــدام,
إلا ان الحكومة لا يمكنها أن تسـمح للسـفن العراقية بالإبحار.و كان مراقبون من الأمم المتحدة
والدول الغربية على أهبة الاســتعداد لمراقبة أي خرق للقانون الدولي لحصـار العراق. إلا أنه
من الصــعب منع تســرب المواد الغذائية والطبية عبر منافذ متعددة للدول المجاورة للعراق, مثل تركيا وإيران وســورية والأردن.
كان الحصــار الاقتصـادي على العراق مختلفاً عما كان عليه أيام التمييز العنصــري في
جنوب أفريقيا. حيث أن حالة العراق مختلفة بوضــوح عن الدول الأخرى,حيث لم يكن
للعراق سوى النفط كســلعة صــالحة للبيع في الأســواق العالمية, وقد أفرزت تلك الحالة ما يعرف بالســوق السوداء!,.. وعلى أية حال, فإن اســتخدام الحصــار كسـلاح أثربشــكل مؤلم
على الجماهير العراقية.
كان الغذاء ورقة فاعلة ومؤثرة بيد الأعداء, حيث لم يكن بمقدورالعراق القدرة لأســتيراد
حتى على 75% من المواد الغذائية الضــرورية. وبعد اجتياح الكويت, لم يكن على العراق
إطعام 17مليون عراقي فقط, بل عليه إطعام 1.5 مليون من الكويتيين.
وفي الســـادس من ســــبتمبر,قدمت لجنة الحصــار التابعة لهيئة الأمم تصــوراً عن الموقف
الإنســاني للحصــار, كما أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها, لم تكن لديهم القدرة على منع الموارد للعراق عبر البحر, إلا أن التقارير بينت وجود مواد تشــحن جواً إلى بغداد من الأردن وليبيا و ســورية وتونــس واليمن.
كانت تلك المواد تســد بعض النقص الحاد في قطع الغيار للســيارات والآلات الميكانيكية, وغيرها من المواد ذات القيمة العالية. كما أن الحصــار يحتم على كافة أقطارالعالم غلق
منافذها بوجه البضائع الصادرة أو الواردة من العراق أو الكويت, وأن لا يسـمح لشــــركات
النقل الجوي بالعمل ما لم تتأكد من عدم وجود مواد ممنوعة وفق قانون الحصـار!!
لذا فإن طائرات النقل ســتواجه صــعوبات جمة إذا ما حاولت كســـر الحصــار, وفي كانون
الأول 1997, حصل خرق, عندما تأزمت العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق,
فقد أخبرت الخارجية الكويتية, نظيرتها في الولايات المتحدة الأمريكية, بأن الكويت,لا يوافق
على أي عمل عسـكري ضـد بغداد, من شــأنه أن يــسبب الأذ ى للشـعب العراقي. وقد لقى
هذاالموقف الكويتي الســياسـي اســتحـساناً لدى الحكومة المصــرية, والســورية والبحرين. كما ان حكومة المملكة العربية الســعودية, أعلنت مبكراً, بعدم الســماح لاســتخدام قواعدها العســكرية لقصــف المناطق العراقية.
وعندما برز تغيير جديد بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية, في (فبراير), 1998,
حذر المؤتمر الأســلامي المنعقد في الميناء الســعودي, جـده, من أن اســتخدام القوة
ضــد العراق ســوف تســبب كارثة لا يمكن التنبؤ بتأثيرها على النظام العراقي. ولقد أعلم
الأمير عبدالله وزارة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية :
" لا تمنح أي تســهيلات من العربية الســعودية لمهاجمة العراق"
كما تســاءل ســمو الأمير عن أســباب اســتعمال الولايات المتحدة الأمريكية لقوتها
ضــد العراق في أي خرق لمقررات مجلــس الأمن, بينما إســرائيل, ليـس فقط تنتهك للعديد
من مقررات مجلس الأمن, بل لا تحترمها ولا تعيرها أهمية !,.. مثال ذلك:
القرارات الدولية العديدة المتعلقة بالحقوق الفلــسطينية, ولذا فإن الســعودية ســوف لا
تســمح بتوجيه أي ضـربة للعراق تحت أي ظـروف أو ملابســات تظهرعلى الســاحة,
بسـبب حسـاسـية هذه القضــية بالنســبة للدول الإســلامية والعربية.


بائعات اللبن بنتظار الحافلة لتقلهن إلى السوق الشعبي.

الوضـع في الإمارات العربية المتحدة, كان واضحاً من قبل أن يطرح مشـروع سمو
الشــيخ زايد آل نهيان, الذي قدم فيه اقتراحاً, يدعو فيه العراق للعودة إلى الجامعة العربية كعضــو طبيعي بالأغلبية وليـس بالإجماع.
وفي مايــس ســنة1998, قام وفد ســوري بزيارة لبغداد لكســر الجمود في العلاقات
التي طفحت على الســطح لأســباب حزبية, ازدادت تشــنجاً بســبب مســاندة دمشــق لطهران
في حربها مع العراق, وقد كانت هذه الزيارة علامة جيدة لعودة العلاقات بين الجارتين. ويعد
ثلاثة أشــهروقع العراق وســورية اتفاقية ضــخ النفـط في الأنبوب بين ميناء بانـيـاس
على البحر الأبيض وحقول نفط كركوك.
************************************************
وفي تشــرين الأول 1998, أعلنت إدارة الرئيــس الأمريكي, كلنتن, عن خطط لتغيير
النظام في غداد. وعلى أية حال, عارض الرئيــس المصــري تلك الخطة, وقال :
إن الدول العربية , تعارض أي دور أجنبي لتغيير النظام في العراق,
وإن أي تغيير يجب أن يتم عن طريق الشـــعب العراقي نفســــه.
كما أن رئيــس الإمارات العربية سـمو الشــيخ زايد آل نهيان رفض إزاحة صــدام
فقد كان النظام حســاس جداً نحو تغيير الظلم في فترة الحصــار,إلا أن ظاهرة التحدث عن
التغيير قد اختفت إبان تفجر الحرب بين العراق وإيران, بسـبب مســاندة المملكة الســعودية
والكويت, بتقديم العم الاقتصـادي بســخاء إلى الشــعب العراقي أثناء فترة الحرب, وبات كل
شيئ ميســيراً وبأســعار زهيدة, فقد أوضـح صـدام حسـين أن العراقيين على اسـتعداد
لأكل التراب ولن يطأطئوا رؤســهم للمســتعمر,فأصـدر صـدام أمراً لرابطة المرأة العراقية,
بتوجيه العوائل العراقية نحو الاقتصاد, أو قل للتـقـشــف !

وفي تــشرين الأول (اكتوبر), لجأ صــدام إلى أســلوب " الجزرة" و : العصـا"!
وفي آب, منع احتكارالمواد الغذائية المطروحة في الأســواق, ووضعها تحت رقابة
الدولة وإن إخفائها وبيعها في السـوق الســوداء يشـكل جريمة لتخريب الاقتصـاد العراقي والأمن القومي يعاقب عليها القانون, ولهذا, فإن من تســول له نفسه التلاعب بقوت الشــعب ســوف يتعرض لعقوبة الإعدام.
وبعد شــهر أصـدر مجلـس قيادة الثورة, أمراً بتجريد ملكية الأرض من ما لكها إذا لم يلتزم
بزراعتها بالكثافة الانتاجية لتلك الأرض. و بدأ المسـؤولون بتوزيع البطاقات التموينية
على أفراد الشــعب من أجل الحصــول على المواد الغذائية الضـرورية.
والأكثر من ذلك, تطرق الأمر إلى الفلاحين وقدمت لهم إرشـادات بضـرورة اســتخدام الأســمدة المحلية والامتناع عن اســتخدام الأســمدة المســتوردة.
وإضافة لذلك طلب من رعاة البقروالمواشـي والمواشـي بإطعام حيواناتهم أعلافاً محلية
وعدم شــراء الأعلاف المســتوردة. كما شــجع الاعتماد على النفس والقيام بزراعة
حدائق دورهم بالخضــروات وتربية الدواجن فوق ســطوح المنازل.
وفي شـهر رمضـان, شــهر الصـيام, وهب صــدام كل عائلة عراقية "دجاجة" واحدة كهدية
منه!,.. وفي شـهر ايلول, بانت ملامح نظام الحصص, وما زال أهالي بغداد والمدن الكبرى
يتذكرون الطوابير, والوقت المهدورأمام المخابز والقصابين و بيع المواد البيتية مثل السـكر
والطحين, وصـاروا بعد ذلك يحصـلون عليها مرة واحدة ضــمن قائمة المواد التموينية.


أغلقت معظم محلات بيع المعجنات مثل( الكيك والبقلاوه والزلابية), أبوابها بســبب اختفاء
الســكر, ماعدا البعض منها, والمختصة بصناعة البقلاوة والمًـن الســٍما, وبيعها بأســعار
خيالية, تجاوزت 100% من الأســعار الســابقة قبل الحرب, للمتنفذين والأغنياء.
كما ارتفعتأســعار المواد الغذائية الأخرى, مثل, زيت الطبخ و السكر والشاي,
أما الخضروات والفواكه الجيدة فقد اختفت من واجهة المحلات, وصـارت تباع في الخفاء
بما يعرف ( بالسـوق السـوداء), وبأسـعار بمتناول الأغنياء فقط, وعلى أية حال, فإن غالبية أبناء الشــعب كانت تشــاهد أنواعاً رديئة من تلك المواد والويل لمن يعترض على ذلك!
بدأت الأمم المتحدة بتطبيق خطة النفط من أجل الغذاء, وخصص لذلك الغرض مبلغ من المال
قدره $2 مليون دولار, من عائدات بيع النفط لمدة ســتة اشــهرمن قبل النظام. وإن ثلث
ذلك المبلغ يذهب إلى صندوق التعويضات التابع إلى الأمم المتحدة, و13% تقدم إلى إقليم
كردستان, بشـرط صـرفها تحت إشــراف الأمم المتدة, و7% لتغطية المصاريف الإدارية
لمختلف برامج الأمم المتحدة, تاركين نصـف الواردات إلى العراق.
وعلى أية حال, فإن قيمة الدينار العراقي اســتمرت بالهبوط إلى أن وصـلت قيمة الدولار
الأمريكي الواحد إلى الألفين من الدنانير!
يتبع في الحلقة التالية /