مدارسنا الفنّيّة المُبتكرة
بقلم المبتكر: حسين أحمد سليم

المدرسة التّاريخيّة:
وُلِدت المدرسّة الفنّيّة التّاريخيّة للرّسم والتّشكيل, من رحم ما تزخر به حقب التّاريخ الممتدّة في الزّمان والمكان, وما تكتنز به من ذلك الكمّ الكثير من الموضوعات المُوثّقة والمرويّة والمنقولة, التي تُمثّل مراحل إنتشار الأديان المُنزّلة من لدنِ السّماء, وتُكرّم الكتب السّماويّة المُقدّسة المعروفة, وتُعزّز الأنبياء والرّسل الذين ذكرهم القرآن, وكذلك الدّعاة لعبادة الله الأحد, وتُوثّق لمجريات الحروب والفتوحات والغزوات والبطولات, وتُمجّد العديد من صفوة القادة, وتُميّز الأوائل من محقّقي الإنتصارات, وتُبوّيء المكانة الأرقى لمؤسّسي العقائد الرّوحيّة والمنطقيّة والفلسفيّة, وتُبرز واضعي المذاهب الأخلاقيّة, وتُخلّد بناة الحضارات والثّقافات والأوطان والدّول والأقطار والمعالم الأثريّة, وتُلقي الأضواء على مقيمي القلاع والحصون والأسوار...
تتّحِدُ في بنية رسم وتشكيل لوحات ومشهديّات المدرسة الفنّيّة التّاريخيّة, النّصوص مع الصّور والرّسومات, ليكملّون مشاهد القصص والرّوايات التّاريخيّة أحياناً... وتنفصل في الرّسم والتّشكيل أيضاً, الصّور والرّسوم عن النّصوص أحياناً أخرى, لتتجلّى الصّور والرّسوم من دون النّصوص...

المدرسة الأسطوريّة:
تُمثّل الأساطير, أيّ الميثولوجية, دوراً مهمّاً في حياة الشّعوب, بحيث تكثر وتسود ظاهرة الأساطير, وتنتشر حالة الخضوع والخوف من قوى الطّبيعة, فتتعدّد فكرة العبادات, ويتمّ التّجسيد المادي, لرؤى أشكال الآلهة وبعض مظاهر قوى الطّبيعة بالأوثان والأصنام والصّور والرّسومات, بحيث تتمازج المعتقدات مع الأفكار الميثولوجيّة...
وهناك أفكار أخرى برزت تاريخيّاً, وهي بعيدة عن المحسوسات, وقريبة من عالم الغيب والرّوح... أفكار خالفت المادّة, وتجاوزت الطّبيعة... وردت في كتاب القرآن الكريم وآياته, تحكي وتتحدّث عن الملائكة ودورها في حياة الأنبياء, وتروي أيضاً عن الجنّ والشّياطين ودورهم في حياة النّاس على وجه الأرض... هذه الصّور الميثولوجيّة, تُعتبر مادّة حيّة يستوحي منها الفنّان صوراً مختلفة, ورسوماً رائعة في الإبداع والتّركيب... بحيث يتمّ تجسيد كلّ هذا في رسوكات تتقارب فيما بينها شكلاً ولوناً...
تُرسمُ صور الملائكة بحلل جميلة, لتكون على شكل الإنسان, ولهم أجنحة, تدليلاً على مكانتهم الرّفيعة, وما يحملون من خير, وما يُبشّرون به بأمر الله تعالى... بينما تُرسم صور الجنّ على شكل إنسان كذلك, ولها قرون, تنتهي بذيل كالحيوان, تدليلاً على الخوف من هذه المخلوقات, لما تحمل من شرور للإنسان...

المدرسة الصّوفيّة:
برز عبر مسارات حقب التّاريخ الإنساني الطّويلة, الكثير من المظاهر والمعالم الصّوفيّة, التي تحوّلت تدريجيّاً إلى حركات جماهيريّة وشعبيّة ودينيّة... وصار لها رموزها ورجالاتها ومقامتها وزواياها ومساجدها ومراكزها, المنتشرة في أماكن جغرافيّة عديدة, لممارسة الطّقوس والعبادات والتّقاليد الخاصّة بها... والتي لفتت أنظار الكثير من المؤمنين, وتجمّع حولها العدد الغفير من المريدين... وبرز فيها عددا من الفقهاء والمجتهدين ومستنبطي الأحكام العباديّو والعمليّة...
ولقد إهتمّ الفنّان برسم وتشكيل, بعض معالم ومظاهر الحركات الصّوفيّة, فرسم ولوّن رموزها ومقاماتها ومآثرها, إحتراماً وإجلالاً لهم... وأضفى على لوحات رسوماته وتشكيلاته, الكثير من العناصر المميّزة, التي تدلّ على المكانة والرّفعة, وتُلفت إلى حالات الإيمان والخشوع, وذلك بتجسيد وتصوير ورسم المفردات والمصطلحات, التي توحي للمتلقّي برؤى حالات الإيمان والخشوع, كاللباس الخاصّ برجال الدّين, والمعروف, وكسجّادة الصّلاة والسّبّحة, وكما مشهديّات تلاوة القرآن الكريم, وأروقة المساجد والقبب والمحاريب... إضافة لإمتطاء صهوات الجياد البيضاء, وحمل السّيف, وإنتشار الورود والأزهار, وبروز بعض الكتابات والتّعابير الإيمانيّة على رقعة اللوحة...

المدرسة العيسويّة:
تزخر الدّيانة العيسويّة, أيّ المسيحيّة, التي بشّر بها يسوع المسيح بن مريم, بالكثير من الرّسوم ذات الطّابع الأيقوني الفنّي والتّشكيلي, وخاصّة في جماليات الرّسوم والصّور, التي تُمثّل السّيّدة مريم العزراء من جهة, والرّسوم والصّور الجميلة, التي تُمثّل السّيّد يسوع المسيح... بحيث إستخدمت الأساليب المختلفة, منها التّقليديّة ومنها المحلّيّة والشّرقيّة والغربيّة... وممّا ساعد على تشكيل الفنّ الأيقوني وإنتشاره, التّيّار الغربي, الذي يحمل في مضامينه الطّابع اللاتيني, القائم على عناصر النّظام ومفردات البراعة...
وإضافة لرسومات السّيّدة مريم العذراء, التي تمّ تصويرها بأجمل وأبهى وجه أنثوي ملائكي, وعلى رأسها تاج, تحمل السّيّد المسيح, وحولها ملائكة تُؤطّر وجوههم هالات دائريّة من النّور... وكذلك رسومات السّيّد المسيح... وإهتمّ الرّسّام بموضوع القدّيس مار جرجس, والمسمّى بالخضر, حيث تمّ تصويره على هيئة فارس شجاع, يحمل سيفاً, ويركب ظهر جواد, ويُحارب الطّغاة... فيما تأثّرت رسومات الأيقونات بشكل عام بالفنون الشّرقيّة والغربيّة, ولكلّ منها ميّزاتها...

المدرسة الشّعبيّة:
تناول فنّانوا المدرسة الشّعبيّة البطولات والفروسيّة, وإهتمّوا بالإغلاص في الحبّ, وجسّدوا في رسوماتهم رفض العبوديّة والعنصريّ, وعكسوا من خلال تشكيلاتهم الفنّيّة, السّعي وراء العدالة الإجتماعيّة والمساواة والعمل في سبيل الحرّيّة, ونشر المباديء السّامية والعمل بالأخلاق الكريمة...
وتنوّعت الرّسوم في المدرسة الشّعبيّة, وتعدّدت الشّخصيّات, بما يتلاءم والحالة الإجتماعيّة والسّياسيّة للمجتمعات... بحيث تناول الرّسّامون بعض الموضوعات بشكل واسع, وبعضها بقي محصوراً ببعض البيئات... سيرة الأميرة ذات الهمّة, وسيرة سيف بن ذي يزن, وسيرة حمزة البهلوان, وسيرة علي الزّيبق... فيما إنتشرت موضوعات على نطاق واسع, كسيرة عنترة بن شدّاد, الفارس الشّجاع, المتميّز بالإخلاص في الحبّ والصّدق لعبلة الجميلة, المزدانة بالحليّ والعقود, المتألّقة بالزّيّ البدوي, والشّاعر المحلّق في زمانه... وسيرة بني هلال, وأحداثها المثيرة, ومعانيها العميقة, ومضامينها الواسعة... وسيرة الزّير سالم, بقيمها الإنسانيّة العليا, التي يُنشدها كلّ إنسان, والتي تدعو للعدالة والإقتصاص من المعتدين, ومواجهة المظالم... وكذلك سيرة الظّاهر بيبرس التي نالت كلّ إهتمام من الفنّان...

المدرسة الدّينيّة:
الرّسومات والتّصاوير الدّينيّة, شملت الدّين الإسلامي والدّين المسيحي... بحيث أتت الرّسومات للمواضيع ذات السّمة الإسلاميّة, أتت مستوحاة من آيات القرآن الكريم, ومن وحي قصص الأنبياء والصّحابة والأئمّة, وكانت هذه الرّسوم في غلبيّتها تُزيّن المساجد وأماكن العبادة...
لجأء الفنّان في التّصوير والرّسم إلى التّحوير والزّخرفة, ومارس الإهمال في الأبعاد والأحجام في الرّسم والتّشكيل, ولجأ إلى التّجريد في غالبيّة رسوماته, ومارس أنماط مختلفة من تنفيذ رسوماته, فأتت على شاكلة مغايرة للواقع... وتمحورت رسومات الكثير من الفنّانين حول موضوع آدم وحوّاء, والجنّة, وشجرة التّفّاح, والأفعى, والطّاووس, والخطيئة... وإهتمّ الرّسّام بموضوع سفينة نوح, وقام بوصف عناصرها كما وردت في القرآن الكريم, وموضوع الطّوفان... وتُعتبر رسومات لوحات ومشهديّات الطّوفان, فعل تكريم لنبي الله نوح, وعبرة لكلّ الفاسقين الخارجين عن تعاليم دين الله ورسوله... وكذلك إهتمّ الفنّانون بموضوع قصّة النّبي إبراهيم الخليل, وإبنه إسماعيل, والسّكّين, والملاك جبريل والكبش... وهو ما يدلّ على الإخلاص لله والصّبر والإيمان, وإطاعة الله تعالى والإخلاص للوالدين... وصوّر الفنّانون النّبي الخضر, ورسموا لذي القرنين, وللنّبي سليمان, وما سخّر له الله من الجنّ والإنس والطّير, والرّيح تجري بأمره... كذلك صوّر الفنّانون قصّة النّبي يوسف وزليخا, وآل بيت الرّسول, والخلفاء الرّاشدون, والمعارك والفتوحات, وأولوا إهتماماً مميّزاً بموضوع الإسراء والمعراج, وموضوع الحج, والبيت العتيق بمكّة المكرّمة...