آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2
النتائج 21 إلى 38 من 38

الموضوع: سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي

  1. #21
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق21

    سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا

    الدكتور عثمان قدري مكانسي

    القسم الحادي والعشرون


    يقول الله تعالى في سورة الأحزاب: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)}
    أمر الله تعالى عباده بأن يذكروه ويشكروه , ويكثروا من ذلك على ما أنعم به عليهم . وذكر الله وتسبيحه سهل على الإنسان ميسر له ، وقد قال تعالى : { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }؟ .
    ولعظم الأجر فيه قال ابن عباس : لم يعذر أحد في ترك ذكر الله إلا من غلب على عقله .
    وروى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون ) . والذكر الكثير المقبول الذي يثقل الميزان ما كان صادراً عن القلب ,

    ومن معنى الذكر الصلاةُ بكرة وأصيلا , والصلاة تسمى تسبيحا . وخص الفجر والمغرب والعشاء بالذكر لما فيها من آيات بينات تراها يومياً في تغيُّر الليل والنهار ، وهذا من عظيم قدرة الله تعالى، قال تعالى {.. وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14)}(طه). وقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)}(الأعراف)
    ويشمل الذكرُ التفكرَ كما جاء فى سورة آل عمران : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ...(195)،
    يتفكر الإنسان العاقل بتقلبات الليل والنهار، فمن قدَر على ذلك قدَر على إعادتنا يوم القيامة وقت يشاء وأن الله ما خلقنا إلا لأمر جلل (عبادته سبحانه) فأرسل النبي عليه الصلاة والسلام ينادينا إلى الإيمان بالله والعمل بما يرضيه، فمن استجاب نجا ،ومن أمعن في الجهالة خاب وخسر

    بل يشمل الذكرُ مع التسبيح الكفَّ عن المعصية خشيةً الله جل وعلا حين يتذكر المتّقى ربه فيكثر من الاستغفار ويسارع إلى العمل الصالح ويتقرب إلى الناس يرضي - بالإحسان إليهم - خالقهم: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)}(الاعراف) ،
    {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)}(آل عمران).
    ولا بد فى الذكر من الخشوع القلبي والتضرع خفيَة- فالذكر الخفي يدل على الإخلاص ، يقول ربنا فى سورة الاعراف : { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)}

    كما أن التضرع إلى الله يكسب الخوف منه والحب فيجتمعان ليرقيا بالمرء إلى العمل الصالح: { وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ (205)}(الاعراف)، فالخشوع والتضرع إلى الله في كل وقت يملآن القلوب إيماناً وعلماً ومعرفة ويزرعانه يقيناً وثباتاً على الصراط المستقيم، ويبعدانه عن الغفلة ، أما الغافل فتسيّره أهواؤه وتطغيه .

    والدعاء من الذكر لِما جاء فى وصف دعاء النبى زكريا عليه السلام { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً (6)}(مريم)

    إن الذكر الكثير دليل على تعلق المرء بمن أحب ، ومن أحب شيئاً أكثر من ذكره وأطاعه فعمل بما أمر وانتهى عما نهى . والذكر الكثير يرفع الدرجات ويمحو السيئات ،ويُربي الحسنات ،ويحيي القلب ويقرّب إلى الحق، ويسمو بالنفوس فتترفع عن الدنايا ، ومن ذكر اللهَ ذكره اللهُ .

    والتسبيح لله أمر مطلوب في كل الأوقات ،إلا أنه يتجلى أثرُه في ساعات معينة منصوص عليها في القرآن الكريم عند طلوع الشمس وعند غروبها، وفي الليل حيث يخلو المحبون بحبيبهم والناس غُفْل نائمون، وفي قيام الليل وفي أول الليل وآخره حين تغيب النجوم استعداداً لاستقبال النهار :
    { فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130)}(طه)
    { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)}(الطور)
    { فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)}(ق).

    - إن مخلوقات الله كلها إلا الكفار من الإنس والجن تسبح ربها ،فالرعد يسبح والملائكة ، قال تعالى : { وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالمَلآئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ...(13)}(الرعد). وقالت الملائكة { وَإِنَّا لَنَحْنُ المُسَبِّحُونَ (166)}(الصافات)
    ومن الملائكة المسبحين حمَلَةُ العرش الذين يستغفرون للمؤمنين ..وما أجمل أن يستغفر لنا – معشر المؤمنين – الملائكةُ حملة العرش { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ واتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيم (7)}(غافر).
    والطير تسبح مع أهل السموات : { ألَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ والطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ واللهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)}(النور).

    وهذه الجبال العظيمة تسبح الله تعالى والطيور كذلك: {... وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)}(الأنبياء) .
    من روائع ما فعله سيدنا زكريا وقد فقد النطق ثلاثة أيام أنه لم يمنعه ما هو فيه من عدم القدرة على الكلام أن يدعو الناس إلى تسبيح ربهم :{ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ المِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمُ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)} (مريم) .

    وهذا سيدنا محمد رسول الله يأمره المولى أن يصبر كما صبر أولو العزم من الرسل وان الله مؤيده وما عليه في أداء رسالته إلا أن يسبح الله فينال القوة والثبات في سعيه { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)}(الطور) .
    ولما سال موسى عليه السلام مشاركة أخيه هارون بالرسالة علل ذلك بقوله: { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (33)}(طه) .
    وكلما نادى الكافرون بالباطل كان التسبيحُ الجوابَ بلسان العزة والجبروت.

    أ- فحين زعموا أن لله شركاء أبطل زعمهم وأمرنا بتسبيحه عظم شأنه، فقال : { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ ءالِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)}(الأنبياء). وقوله تعالى: { أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43)}(الطور) .

    ب- وحين زعموا لله ولداً وحّد ذاته وأمرنا بتسبيحه جل شأنه: { وَقَالُواْ اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ (26)}(الأنبياء) ،
    { مَااتَّخَذَ اللهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91)}(المؤمنون) .

    ج- وحين نسي المسلمون أن يظنوا الخير بإخوانهم وخاضوا في بهتان عريض دون بينة نبههم إلى العودة إلى الحق وأمرهم بتسبيحه جل شأنه.

    د- وفي رد الملائكة على من اخطأ فعبدهم دون الله أنكروا ذلك وسبحوا بحمد الله : { قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الجِنِّ أَكْثَرُهُمْ بِهِم مُؤْمِنُونَ (41)}(سبأ) .

    هـ- إن التسبيح نجّى المؤمنين من مصائب كثيرة ومنها نجاة سيدنا يونس في بطن الحوت: { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)}(الصافات). وينجيهم مما يخافون ،
    ومن الأمثلة على ذلك هذا الدعاء الرائع الذي يصل العبد بربه ، فيرجو النجاة :
    { وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُواْ عَلَىَ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)}(الزخرف).
    إن من سمات المؤمنين أنهم كلما ذكروا الله تعالى سجدوا لعزته وسبحوا بحمده فقرنوا بين الذكر والتسبيح وثابروا على ذلك. فأجمل اللحظات حين يكون المرء قريباً من ربه.
    { إنَّمَا يُؤْمِنُ بِئَايَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ (15)}(السجدة) .
    إنه ليس اقرب إلى الله تعالى من ذكره وتسبيحه ،والقرآن الكريم والحديث الشريف مزدانان بهذين الكنزين الرائعين.

    فهل وعينا ذلك وتقربنا إلى الله بهما ؟

    إنه سبحانه ينادينا .. فهل سمعنا النداء ووعيناه؟

    يتبع







  2. #22
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق22

    سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا

    الدكتور عثمان قدري مكانسي

    القسم الثاني والعشرون

    بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا
    (53)(الأحزاب)

    أدب اجتماعي رائع في هذه الآية الكريمة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة بنائه بأمنا زينب بنت جحش رضي الله عنها التي تولى الله تعالى تزويجها بذاته العليّة، وكان ذلك في ذي القعدة من السنة الخامسة

    قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله آية الحجاب هذه.
    ولعل من الشفافية التي امتاز بها الفاروق رضي الله عنه كما ثبت ذلك في الصحيحين عنه أنه قال وافقت ربي عز وجل في ثلاث : قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فأنزل الله تعالى :{ وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } وقلت يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو حجبتهن فأنزل الله آية الحجاب ،وقلت لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم - لمّا تمالأنَ عليه في الغيرة - { عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ } فنزلت كذلك وفي رواية لمسلم ذكر أسارى بدر وهي قضية رابعة

    قال أنس رضي الله عنه: فلما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون فإذا هو يتهيأ للقيام يريد أن يدخل على زوجته الجديدة ،فلم يقوموا ، فلما رأى ذلك قام ،فلما قام قام من قام، وقعد ثلاثة نفر .فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا وقد شعروا أنهم أثقلوا، فانطلقوا فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا فجاء حتى دخل، فذهبت أدخل فألقي الحجابَ بيني وبينه، فأنزل الله تعالى هذه الآية .

    وفي رواية أنّ ثلاثة رهط ظلوا يتحدثون في البيت فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق إلى حجرة عائشة رضي الله عنها فقال : ( السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ) قالت وعليك السلام ورحمة الله كيف وجدت أهلك يا رسول الله بارك الله لك ؟ فتقرّى حُجَر نسائه كلهن (مرّ عليهنّ جميعاً) يقول لهن كما يقول لعائشة ويقلن له كما قالت عائشة ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ثلاثة رهط في البيت يتحدثون وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحياء فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة. فما أدري أخبرته أم أخبِر أن القوم خرجوا فرجع حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب (عتبته) داخلة والأخرى خارجة أرخى الستر بيني وبينه ،وأنزلت آية الحجاب .

    وقال أنس بن مالك : أعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض نسائه فصنعت أم سليم حيسا (التمر المعجون بالسمن)ثم جعلته في تور (إناء كبير قد يُتوضأ منه) فقالت اذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرئه مني السلام وأخبره أن هذا منا له قليل. قال أنس - والناس يومئذ في جهد- فجئت به فقلت يا رسول الله بعثت بهذا أم سليم إليك وهي تقرئك السلام وتقول أخبره أن هذا منا له قليل فنظر إليه قال ضعه فوضعته في ناحية البيت ثم قال اذهب فادع فلانا وفلانا فسمى رجالا كثيرا وقال ومن لقيت من المسلمين فدعوت من قال ومن لقيت من المسلمين فجئت والبيت والصفة والحجرة ملأى من الناس فقلت يا أبا عثمان كم كانوا ؟
    فقال كانوا زهاء ثلاث مائة
    قال أنس فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم جئ به فجئت به إليه فوضع يده عليه ودعا وقال : ( ما شاء الله ) ثم قال : ( ليتحلق عشرة عشرة وليسموا، وليأكل كل إنسان مما يليه ) فجعلوا يسمون ويأكلون حتى أكلوا كلهم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ارفعه ) قال فجئت فأخذتُ التور فنظرت فيه فما أدري أهو حين - وضعت - أكثرُ أم حين أخذت.
    قال وتخلف رجال يتحدثون في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم التي دخل بها معهم مولية وجهها إلى الحائط فأطالوا الحديث فشقوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أشد الناس حياء ولو أعلموا كان ذلك عليهم عزيزا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حُجَره وعلى نسائه فلما رأوه (الذين تأخروا في البيت) قد جاء ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه ابتدروا الباب ،فخرجوا وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أرخى الستر ودخل البيت وأنا في الحجرة فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته يسيرا وأنزل الله عليه القرآن، فخرج وهو يتلو هذه الآية : { ا يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ } الآيات
    قال أنس فقرأهن عليَّ قبل الناس فأنا أحدَثُ الناس بهن عهدا رواه مسلم والترمذي

    1- يدخلون على النبي صلى الله عليه وسلم حين يدعوهم وبإذنٍ منه
    2- يدخلون بعد نضج الطعام ،فلا يأتون مبكّرين.
    3- يدخلون للطعام فإذا انتهوا منه انصرفوا غير مستأنسين لحديث
    4- فإن سأل الرجالُ زوجات النبي صلى الله عليه وسلم متاعاً فلا ينظروا إليهنّ ولا يسألْهن المرءُ حاجة إلا من وراء حجاب ،فعن عائشة قالت : كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وسلم حيسا في قعب فمر عمر فدعاه فأكل فأصاب أصبعه أصبعي فقال حسن أو أوه لو أطاعُ فيكن ما رأتكن عين فنزل الحجاب { ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } فالحجاب أطهر لقلوب الجميع.
    5- همَّ بعض الصحابة يفكرون أن يتزوجوا بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعده ،فأجمع العلماء قاطبة على أن من توفي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه أنه يحرم على غيره تزوُّجها من بعده لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة وأمهات المؤمنين ،أما من لم يدخل بهنّ فلسن من نسائه صلى الله عليه وسلم ، وكان صلى الله عليه وسلم قد ملك قيلة ابنة الأشعث بن قيس فتزوجها عكرمة بن أبي جهل بعد ذلك فشق ذلك على أبي بكر الصدّيق مشقة شديدة .فقال له عمر يا خليفة رسول الله إنها ليست من نسائه إنها لم يخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحجبها وقد برأها الله منه بالردة التي ارتدت مع قومها . فاطمأن أبو بكر رضي الله عنه وسكن وقد عظَّم الله تبارك وتعالى ذلك وشدد فيه وتوعد عليه بقوله : { إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا }.

    كثير من الناس يطرقون الباب فإن اعتذرتَ إليهم وردَدْتهم لأمرٍ ما عتبوا ،وربّما قطعوا علائقهم معك ، ولو تداركوا أمرهم لقرءوا قوله تعالى : { ...وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ۖ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28)}(النور) 28 فلكل خصوصيته وحالته النفسية والاجتماعية ومن يعتذرْ إليك مرة يدعُك أخرى راغباً .
    وكان ابن عباس رضي الله عنه يرغب أن يُقال له إذا طرق الباب واستأذن (ارجع) لكنّهم يستقبلونه لأنه ابن عمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    إنّ مكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين عظيمة ، علّنا نقرأ سيرته العطرة فنقتدي بهديها ونجعلها نبراساً يضيء دربنا : { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا (21)}(الأحزاب ).

    إنه سبحانه وتعالى يدعونا لنتعلم سيرة حبيبه صلى الله عليه وسلم فنتمثلها في حياتنا ونسعد باتباعه صلى الله عليه وسلم فهل وعينا هذا ، فجعلناه - صلى الله عليه وسلم - قدوتنا نسير على هديه ونحقق في دنيا العمل تعاليمه الربّانية ؟..

    يتبع


  3. #23
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق10

    سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا

    الدكتور عثمان قدري مكانسي

    القسم العاشر*


    في سورة الحجرات آداب اجتماعية جلّاها القرآن الكريم نبراساً للمسلمين يعيشون بضيائه ويأنسون بنوره، لقد أراد الله تعالى ان يبني المسلمون مجتمعهم الطيب النبيل على أسس أدبية واخلاقية عالية يتفيّئون ظلالها ويسعدون بوارفها ، فإذا الجميع في أمن وحب وسلام.
    في هذه السورة نداءات خمسة تشير بمرتكزاتها الأخلاقية إلى الطريق السليم للمعاملات بينهم أولها:

    أ‌- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)}
    فكان أول أدب احترام القائد المسلم والتأدب في الحديث معه ، ومثال هذا القائد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، إذ امر الله تعالى المسلمين أن يعاملوا الرسول صلى الله عليه وسلم بما يجب من التوقير والاحترام والتبجيل والإعظام فقال تبارك وتعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } ومن معاني هذه الآية :
    1 ـ أن لا تسرعوا في الأشياء قبله بل كونوا تبعا في جميع الأمور وقد أحسنَ معاذ رضي الله عنه الأدب مع الحبيب القائد
    حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن : ( بم تحكم ؟ )
    قال بكتاب الله تعالى
    قال صلى الله عليه وسلم : ( فإن لم تجد ؟ )
    قال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    قال صلى الله عليه وسلم : ( فإن لم تجد ؟ )
    قال رضي الله عنه أجتهد رأيي .
    فضرب في صدره وقال : ( الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسول الله ).
    فكان من أدب معاذ أنه أخّر رأيه ونظرَه واجتهاده إلى ما بعد الكتاب والسنة ولو قدمه قبل البحث عنهما لكان من باب التقديم بين يدي الله

    2 ـ لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة وقال العوفي عنه : نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه صلى الله عليه وسلم.

    3 ـ لا تفتئِتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء حتى يقضي الله تعالى على لسانه .

    4 ـ لا تقضوا أمرا دون الله ورسوله من شرائع دينكم وقال سفيان الثوري{ لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } بقول ولا فعل

    5 ـ وقال قتادة ذكر لنا أن ناسا كانوا يقولون لو أنزل القرآن في كذا وكذا لو صح كذا.. فكـَرِه الله تعالى ذلك ، فعقّب القرآن منبهاً { وَاتَّقُوا اللَّهَ } فيما أمركم به فهو سميع لأقوالكم،عليم بنياتكم.

    وتجلّى الأدب الثاني في الحديث بصوت خفيض في حضرته صلى الله عليه وسلم وعدم الاختصام فيما بينهم أمامه صلى الله عليه وسلم:

    ب‌- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)}
    وقد روي أنها نزلت في الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فقد روى قال البخاري عن ابن أبي مليكة أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أخبره أنه قدم ركب من بني تميم على النبي صلى
    الله عليه وسلم فقال أبو بكر رضي الله عنه أمِّرِ القعقاعَ بن معبد وقال عمر رضي الله عنه بل أمِّرِ الأقرع بن حابس فقال أبو بكر رضي الله عنه ما أردت إلا خلافي فقال عمر رضي الله عنه
    ما أردت خلافك. فتماريا ،حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت في ذلك هذه الآية.
    ويروى عن أبى بكر الصديق رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ...} قلت يا رسول الله والله لا أكلمك إلا كأخي السرار.
    وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } كان ثابت بن قيس بن الشماس رفيع الصوت فقال أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا من أهل النار حبط عملي .وجلس في أهله حزينا. ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق بعض القوم إليه فقالوا له تفقدك رسول الله صلى الله عليه وسلم، مالك ؟ قال أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم وأجهر له بالقول، حبط عملي أنا من أهل النار. فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
    ( لا بل هو من أهل الجنة ) ، قال أنس رضي الله عنه فكنا نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة فلما كان يوم اليمامة كان فينا بعضُ الانكشاف فجاء ثابت بن قيس بن شماس وقد تحنط ولبس كفنه فقال بئسما تعوّدون أقرانكم فقاتلهم حتى قتل رضي الله عنه .

    وروي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع صوت رجلين في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قد ارتفعت أصواتهما فجاء فقال أتدريان أين أنتما ؟ ثم قال من أين أنتما ؟ قالا من أهل الطائف فقال لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربا . وقال العلماء : يكره رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلم كما كان يكره في حياته عليه الصلاة والسلام لأنه محترم حيا وفي قبره صلى الله عليه وسلم دائما
    وأُمِر المسلمون أن يخاطبوا رسول الله بسكينة ووقار وتعظيم ولهذا قال تبارك وتعالى : { وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } كما قال تعالى : { لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا ... (63)}(النور) فمن فعل ذلك خٌشي أن يحبط عملُه إنْ غضب منه النبي صلى الله عليه وسلم .
    فماذا نقول للذين يسبونه صلى الله عليه وسلم ويشتمونه ودينـَه وزوجاته وخلفائه ويعتبرون أنفسهم مسلمين ، بل ماذا نقول لمن يتحدثون عنه دون أدب واحترام ؟ ويقولون : هو رجل ونحن رجال؟!!.
    قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقي لها بالا يكتب له بها الجنة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض ) ثم ندب الله تعالى إلى خفض الصوت عنده وحث على ذلك وأرشد إليه ورغب فيه فقال : { وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } فمقام الرسول عليٌّ سامق صلى الله عليه وسلم.

    ونرى الأدب الثالث في هذه السورة يتضح بالتثبّت من خبر الفاسق لئلا يحكم بقوله فيُخطئ في الحكم. وقد نهى الله عز وجل عن اتباع سبيل المفسدين :

    ج- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)}.
    ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق وقد روى الإمام أحمد القصة التالية عن الحارث بن ضرار الخزاعي:
    قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه وأقررت به ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها وقلت يا رسول الله أرجع إليهم فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة فمن استجاب لي جمعت زكاته وترسل إلي يا رسول الله رسولا إبّان كذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة ،فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الإبّانَ الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه احتبس عليه الرسولُ ولم يأته وظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله تعالى ورسوله فدعا بسروات قومه (وجهائهم) فقال لهم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقَّت لي وقتا يرسل إلي رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلفُ ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة ،فانطلقوا بنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم . وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق خاف فرجع حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الحارث قد منعني الزكاة وأراد قتلي ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث البعث إلى الحارث رضي الله عنه وأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقبل البعث وفصل عن المدينة لقيهم الحارث فقالوا هذا الحارث فلما غشيهم قال لهم إلى من بعثتم ؟ قالوا إليك قال ولم ؟ قالوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله.قال رضي الله عنه لا والذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق ما رأيته بتة ولا أتاني. فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
    ( منعتَ الزكاة وأردتَ قتل رسولي ؟ ) ،
    قال لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسول الله صلى الله عليه وسلم خشيت أن يكون كانت سخطة من الله تعالى ورسوله ، فأكدت الآية الشريفة صدق الحارث وكَذِب الوليد.
    لا بد إذاً قبل اتخاذ أي قرار في حق الآخرين أن نتثبت من الخبر كي لا يُظلم أحدٌ ، والظلم ظُلُماتٌ نربأ بأنفسنا الوقوع فيه.

    أما الأدب الرابع فيتجلّى في حب الناس واحترامهم وإنزالهم منازلهم من التقدير والمكانة ، أما السخرية والاستهزاء بعباد الله فمنقصة يقع فيها الفاعل ليس غير.وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
    ( الكبر بطر الحق وغمط الناس )
    د- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)}.
    قد يكون من تحتقره وتسخر منه خيراً منك عند الله تعالى وأعظم قدراً فنبهنا الله تعالى إلى ذلك وحذّرنا من الوقوع فيه
    ولمّا ذكر القومَ دخل فيهم النساء ، لكنّ الله تعالى خص النساء بالذكر لكثرة ما يحدث ذلك منهنّ وقالت العرب : إذا ذُكر القومُ قُصد الرجال والنساء، فإذا ذُكرت النساءُ بعدُ فالقومُ إذ ذاك للرجال "
    إن هذه الآية تحذر من أمور عدة :

    1 ـ السخرية تدل على الكبرياء والمتكبر خاوي القلب والفكر حين يظن نفسه خيراً من غيره.

    2 ـ من اللمز والهمز ( قيل اللمز باليد والهمزُ باللسان ، وقيل غير ذلك ، والهمز واللمز ذكرك أخاك بما يكره أن يوصف به.الم يقل الله تعالى : { وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1)}(الهُمَزَة) وقال سبحانه : { هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ (11)}(القلم) يحتقر الناس ويهمزهم طاغيا عليهم ويمشي بينهم بالنميمة وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لا يطعنْ بعضُكم على بعض .

    3 ـ التنابز بالألقاب والتداعي بما يسوء الشخص سماعها روى ابن الضحاك قال فينا نزلت- في بني سلمة – { وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ } قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس فينا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة فكان إذا دعا أحدا منهم باسم من تلك الأسماء قالوا يا رسول الله إنه يغضب من هذا فنزلت { وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ }
    التنابز بالألقاب يحزن المدعُوَّ ويكرّهُه بالداعي ، ويورث البغض والشحناء في المجتمع المسلم ، وكم نعاني من هذه العادة الخبيثة التي انتشرت – لجهلنا – بين الناس ففرّقتهم.

    إن الادب الخامس في هذه السورة ينهى عن الظنّ والتجسس والغيبة وهي أمراض تصيب المجتمع حين يركن لهواه
    هـ - { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12)}

    أ- ينهى الله عباده عن كثير من الظن وهو التهمة والتخوين للأهل والأقارب والناس في غير محله لأن بعض ذلك يكون إثما محضا، فليجتنب كثيراً منه احتياطا ، يقول عمر رضي الله عنه : ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرا وأنت تجد لها في الخير محملا ،

    ويقول ابنه عبد الله: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول :
    ( ما أطيبكِ وأطيب ريحك ، ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفسُ محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى حرمة منك ماله ودمه وأن يُظنَّ به إلا خيرا ) ، ويقول صلى الله عليه وسلم :
    ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ) ،
    ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    ( ثلاث لازمات لأمتي الطيرة والحسد وسوء الظن )
    فقال رجل وما يذهبهن يا رسول الله ممن هن فيه ؟
    قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا حسدْتَ فاستغفر الله وإذا ظننت فلا تحقق وإذا تطيرت فامض ) ، ويقول صلى الله عليه وسلم :
    ( إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم )

    ب- والتجسس غالبا يطلق في الشر ومنه الجاسوس وأما التحسس فيكون غالبا في الخير كما قال عز وجل إخبارا عن يعقوب عليه السلام: { يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)}(يوسف) ، وقد يستعمل كل منهما في الشر ففي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ) .
    وقال الأوزاعي التجسس البحث عن الشيء والتحسس الاستماع إلى حديث القوم وهم له كارهون أو يتسمع على أبوابهم .

    ج- حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغِيبة سئل عن معناها فقال صلى الله عليه وسلم :
    ( ذكرك أخاك بما يكره )
    قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟
    قال صلى الله عليه وسلم : ( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ) ورواه الترمذي.
    وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا قال غير مسدد تعني قصيرة فقال صلى الله عليه وسلم : ( لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته ).
    ولا غيبة في التحذير كقوله صلى الله عليه وسلم لما استأذن عليه ذلك الرجل الفاجر( ائذنوا له بئس أخو العشيرة )، وحذرالعائد في هبته : ( كالكلب يقيء ثم يرجع في قيئه ) ، ولا غيبة في النصيحة كقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس رضي الله عنها وقد خطبها معاوية وأبو الجهم ( أما معاوية فصعلوك وأما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه ) ، (الصعلوك : الفقير الذي لامال له (لسان العرب)) ولهذا شبه تبارك وتعالى الغيبة بأكل اللحم من الإنسان الميت كما قال عز وجل : { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ }
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    ( كل المسلم على المسلم حرام ماله وعرضه ودمه حسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) ، ورواه الترمذي ، وكم نقف أمام هذا الحديث : ( يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته ) ، فنشعر ببعدنا عن الأب الإسلامي في تعامل المسلمين بعضهم مع بعض.
    يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
    ( لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم قلت من هؤلاء يا جبرائيل ؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم ) ،
    روى أبوهريرة أن ماعزا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني قد زنيت فأعرض عنه حتى قالها أربعا فلما كان في الخامسة قال: ( زنيت ؟)
    قال نعم
    قال ( وتدري ما الزنا ؟)
    قال نعم أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا
    قال : ( ما تريد إلى هذا القول ؟)
    قال أريد أن تطهرني
    قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أدخلت ذلك منك في ذلك منها كما يغيب الميل في المكحلة والرشا في البئر ؟)
    قال نعم يا رسول الله قال فأمر برجمه فرجم فسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين يقول أحدهما لصاحبه ألم تر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم حتى مر بجيفة حمار فقال : ( أين فلان وفلان انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار)
    قالا غفر الله لك يا رسول الله وهل يؤكل هذا ؟
    قال صلى الله عليه وسلم : ( فما نلتما من أخيكما آنفا أشد أكلا منه والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها ) ،
    وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من حمى مؤمنا من منافق يغتابه بعث الله تعالى إليه ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم ومن رمى مؤمنا بشيء يريد سبه حبسه الله تعالى على جسر جهنم حتى يخرج مما قال ) ،
    وكذا رواه أبو داود من حديث عبد الله وهو ابن المبارك به بنحوه وقال أبو داود أيضا حدثنا إسحاق بن الصباح حدثنا بن أبي مريم أخبرنا الليث حدثني يحيى بن سليم أنه سمع إسماعيل بن بشير يقول سمعت جابر بن عبد الله وأبا طلحة بن سهل الأنصاري رضي الله عنهما يقولان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من امرىء يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله تعالى في مواطن يحب فيها نصرته وما من امرىء ينصر امرأ مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله عز وجل في مواطن يحب فيها نصرته ) تفرد به أبو داود . (من تفسيرابن كثير بتصرف) .

    وبما أن التربية للمؤمنين حين يناديهم { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } فالناس حين يعقلون هناءتهم وراحتهم ويُعملون العقل يجدون في الإسلام الخير كله ، فتؤدي النداءات الخمسة إلى نداء الناس جميعاً :
    { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)}.
    يشرف الناس بانتمائهم إلى أبيهم آدم وامهم حواء ، لكنّهم يتفاضلون بطاعة الله تعالى ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم ; بَعدَ النهي عن الغيبة واحتقار بعض الناس بعضا نبّه القرآن إلى تساويهم في البشرية ليتعارفوا بينهم فيرجع كلٌّ إلى قبيلته ، وينبّه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فيقول:
    ( تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر )
    إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبه إلى فضيلة التقوى التي ترفع صاحبها :
    ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) ،
    ولمّا طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته القصواء يستلم الأركان بمحجن في يده قال :
    ( يا أيها الناس إن الله تعالى قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وتعظمها بآبائها فالناس رجلان: رجلٌ بر تقي كريم على الله تعالى ورجلٌ فاجر
    شقي هين على الله تعالى إن الله عز وجل يقول
    يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )
    إنه سبحانه ينادينا ، فهل وعينا النداء؟!

    * بتصرف بسيط جدا
    * هذا القسم لم ينشر حسب التسلسل سهوا

    يتبع


  4. #24
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق24

    سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا

    الدكتور عثمان قدري مكانسي

    القسم الرابع والعشرون

    بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
    (71) الاحزاب

    ذكِرَ فعل الأمر ( اتقِ ) المقترن بواو الجماعة – في القرآن الكريم- تسعاً وستين مرة ،لكننا نستعرض في هذا المقال بعض هذه الأفعال التي سبقت بالنداء { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } ،إن موضوعاتنا السابقة واللاحقة تركز على النداء { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا }.
    التقوى : التقوى في اللغة..
    الوقاية. والتقوى بمعنى الستر والصون والحذر. وقاية وصيانة ، ويُقال : درهم وقاية خير من قنطار علاج.
    اما في الشرع.
    فهي حفظ النفس من الوقوع في الزلل والإثم بامتثال الأوامر واجتناب النواهي فيصون المسلمُ نفسه من غضب المولى وسوء العقاب، بفعل الطاعات واجتناب المعاصي.

    من الآيات التي تبدأ بـ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } وفيها الأمر بالتقوى:
    1- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)}(الحشر) ، فالتحلي بالتقوى يقود إلى التفكير فيما عمِلهُ المرء في أمسه ويومه ، هل ينفعه ليوم الدين حين يقف بين يدي الله تعالى، وهل ينجيه من غضبه وعقابه؟

    2- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)}(الحجرات) ،من أساس الإيمان بالله ورسوله أن نقول إذا علمنا أمراً أو نهياً أن نقول : سمعنا وأطعنا ، فلا نخالف بالقول ولا العمل ، فما الإيمان إلا التزام وطاعة .

    3- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ .. (28)}(الحديد) ،لا بدَّ لكمال الإيمان أن يتلازم القول مع العمل، فتقوى الله وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وإحياء سنته دليل على ذلك ، وقد قال تعالى { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۖ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7 )}(الحشر) وضوح في العمل وضوحَ الشمس في رابعة النهار.

    4- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)}(التوبة) ،فمن ملازمة التقوى اختيارُ الصحبة الصالحة التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ومن سار في ركاب الصالحين أمن على نفسه وكان لبنة في بناء المجتمع المسلم ثم ،إن الطيور على أشكالها تقع، ومن الحكمة العربية قولهم: قل لي من تصاحب أقلْ لك من أنت.

    5- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278)}(البقرة) ،فمن اتقى ظهرت آثار التقوى عليه، فتحاشى الربا ، ولن يكون المرء مؤمناً ما لم يستجب لنداء ربه وأعلن الطاعة ونبذ العصيان.

    ولو ذهب القارئ يستعرض فعل الأمر ( اتَّقُوا ) لانتبه إلى أن التقوى تدفع إلى العمل الإيجابي وتدعمه وتقوّيه فيطمئن إلى أن التقوى والعمل الصالح متلازمان فلا تقوى دون عمل صالح ولا صلاح دون تقوى.
    وقد سمى القرآن المتقين ( أولي الألباب) حين ناداهم قائلاً : { فَاتَّقُوا اللَّـهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)}(المائدة) ، ولن يؤمن إلا أولو الألباب ، هذا ما قررته الآية الكريمة وأكدته ، فأصحاب العقول الواعية والقلوب الحية يؤمنون الإيمان المرجوّ { ...فَاتَّقُوا اللَّـهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ قَدْ أَنزَلَ اللَّـهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10)}(الطلاق)

    وفي هاتين الايتين اللتين التي نعيش في ظلالهما: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)}(الاحزاب)
    نجد ظلالاً عدة ، من أهمها:

    1- القول السدّ من مستلزمات الإيمان ولا يتم إلا به ، والسِدُّ : الصواب الذي يوافق ظاهره باطنه ، وأريد به وجه الله تعالى ، ولعل في القول السداد جِماع الخيرات ،
    2- وثواب القول الصالح والعمل الصالح
    أ- أن يصلح الله أحوالنا ويزيد في تصويبها .
    ب- أن يغفر ذنوبنا .
    ج- الإيمان بالله وبرسوله والطاعة لهما دليل الفوز والنجاح العظيم.

    فإذا كنا من أهل الطاعة لله ورسوله نقول الصواب ونفعله كنا من الفائزين .
    فهل وعينا ذلك وعملنا فكنا سادة الأمم ومعلميها الخير ؟!

    يتبع


  5. #25
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق25

    سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا

    الدكتور عثمان قدري مكانسي

    القسم الخامس والعشرون


    بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا
    (69) الأحزاب

    عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه :
    ( لا يبلغْني أحدٌ عن أحد من أصحابي شيئا ،فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر ) ،
    فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مال فقسمه قال فمررت برجلين وأحدهما يقول لصاحبه والله ما أراد محمد بقسمته وجه الله ولا الدار الآخرة، قال فثبتُّ حتى سمعت ما قالا، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقلت يا رسول إنك قلت لنا : ( لا يبلغني أحد عن أصحابي شيئا ) وإني مررت بفلان وفلان وهما يقولان كذا وكذا فاحمر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وشق عليه ،ثم قال: ( دعنا منك لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر ).

    قد يخطئ المرء في تقييم أمر مّا لرجل يحبه ويقدّره في نفسه ،ثم يسترجع ما قاله فيعلمُ أن أخطأ فيستغفر الله تعالى ، وقد ينفعل لشيء يراه فيتكلم بالكلمة يسمعها آخرون ، إما أن ينقلوها فتكون النميمة وإما ان ينساها – وهذا ما ينبغي ان يكون – وإما أن يراجع من سمعها منه يلطِّفُ الجو ويوضح المراد ،ويدافع فيه عن غيبة أخيه ،فيشكره الله على ذلك ويقيض من يدافع عنه في غيابه ، فالحياة دين ووفاء!.

    فإن كان سيد البشر الذي رباه الله تعالى على عينه وجعله أكمل البشر وأنقاهم – على زعم أهل الحمق – لا يعدلُ فمن يعدل ؟! يفعل هذا من في قلبه دخن ، وفي عقيدته ضعف.وفي أخلاقه شللٌ.

    وقد روى مسلم رحمه الله في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
    لما كان يومُ حُنينٍ آثرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ناسًا في القسمةِ . فأعطى الأقرعَ بنَ حابسٍ مئةً من الإبلِ . وأعطى عُيينةَ مثلَ ذلك . وأعطى أناسًا من أشرافِ العربِ . وآثرهم يومئذٍ في القِسمةِ . فقال رجلٌ : واللهِ ! إنَّ هذه لَقِسمةٌ ما عُدِلَ فيها ، وما أُريد فيها وجهُ اللهِ . قال فقلتُ : واللهِ ! لأُخبرَنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ . قال : فأتيتُه فأخبرتُه بما قال . قال : فتغيَّر وجهُه حتى كان كالصَّرفِ (لونُ الذهب) . ثم قال : ( فمن يعدلْ إن لم يعدلِ اللهُ ورسولُه )!
    قال : ثم قال : ( يرحمُ اللهُ موسى . قد أُوذِيَ بأكثرَ من هذا فصبرَ ).
    قلتُ : لا جَرَمَ لا أرفعُ إليه بعدَها حديثًا .

    وحين يُعطى هؤلاء هذا الخير الكثير فلأنهم سادة قبائلهم ، بإسلامهم يسلم خلق كثير ، ويُصرف هذا العطاء عليهم فتزداد لُحمة القبيلة ، إنها لسياسة حكيمة تؤلف القلوب ، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابياً حلالاً كثيرة فعاد هذا سريعاً إلى قومه يقول لهم : يا قوم آمنوا بمحمد فإن يعطي عطاء من لا يخشى الفقر .

    ويجب على المرء أن لا يوغر صدور المسلمين بعضهم على بعض فإن فعل فضعف في تربيته وخطأ في سلوكه يُنتج ضغينة وحقداً وينشر العداوة والبغضاء بين المسلمين .

    قال البخاري عند تفسير هذه الآية : في أحاديث الأنبياء عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    ( إن موسى عليه السلام كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا ما يتستر هذا التستر إلا من عيب في جلده إما برص وإما أدرة ( انتفاخ في الخِصية ، وتقول العامة : قَيلة) وإما آفة ، وإن الله عز وجل أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى عليه السلام فخلا يوما وحده فخلع ثيابه على حجر ثم اغتسل فلما فرغ أقبل على ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول : ثوبي حجر ثوبي حجر ( أخذه الحجر) حتى انتهى إلى ملإ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله عز وجل وأبرأه مما يقولون وقام الحجر (توقف) فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضربا بعصاه فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثة أو أربعا أو خمسا قال فذلك قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا }.

    ولعل في تفسير هذه الآية وجهاً آخر يعضد الفكرة ويقوّيها ، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال :صعِد موسى وهارون الجبلَ، فمات هارون عليه السلام فقال بنو إسرائيل لموسى عليه السلام أنت قتلته. كان ألين لنا منك وأشد حياء فأذوه من ذلك ،فأمر الله الملائكة فحملته ، فمروا على مجالس بني إسرائيل فتكلمت (الملائكةُ) بموته

    ومن كان وجيها- مثل سيدنا موسى - عند الله كان مستجاب الدعوة لا يسأل الله شيئا إلا أعطاه. ومن بعض وجاهته العظيمة عند الله أنه سأل اللهَ تعالى النبوّة لأخيه فأجابه وهذه من أعظم المنن التي يهبها الله موسى في أخيه أنْ جعله نبيّاً .لقد حقق الله سُؤلَه فقال { وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53)}(مريم) .وما أروع أن يدافع الله تعالى عن موسى عليه السلام لأنه من وجهاء الأنبياء ، ولا يرضى الله تعالى للكرام أن يُتحدث عنهم بغير ما يليق بهم. فماذا تقول في الأنبياء الكرام بل في سادة الأنبياء وأولي العزم منهم { إِنَّ اللَّـهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)}(الحج).

    ولعلنا نطلب الوجاهة عند الله بالعمل والقول معاً ونسأله للمسلمين الخير والنصر والعزة فيجيبنا غلى هذا ويدافع عنّا .

    أيها المؤمنون هذا ربنا العظيم الكريم – سبحان- يدعونا إلى التحلي بالشمائل الحميدة والخصال المجيدة كي نكون من خاصته سبحانه ،
    فهلّا وعينا هذا واستجبنا ؟

    يتبع


  6. #26
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق26

    سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا

    الدكتور عثمان قدري مكانسي

    القسم السادس والعشرون


    بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَـٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّـهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ
    (10)}(الزمر).

    قلنا نقف في مقالاتنا هذه على الآيات التي تخاطب المؤمنين { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } وقد يتساءل أحدنا بناء على هذا : أين الآية أو الآيات التي تبدأ بهذا النداء هنا؟ فأقول : حين بدأت هذه الآية بقوله تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا } ،فكأنه سبحانه قال { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } وكان الخطابُ لهذه الفئة الطيبة تحديداً، { الَّذِينَ آمَنُوا }.

    يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالاستمرار على طاعته وتقواه : { قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَـٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ } فمن أحسن العمل في دنياه نال الأجر فيها وفي أخراه ومن رأى المعصية تنتشر في بلده ويُدعى إليها بالقول الفاسد والعمل السيء ، ولم يستطع أن يُصلِح لقوة الفساد آنئذٍ ، ولم يجد أعواناً على الخير ، بل خاف على نفسه فليهاجر إلى أرض أقلَّ شروراً أو أرضٍ صالحة يعبد الله فيها ، فأرض الله واسعة لا ينبغي أن يظل المرء في مكان يخاف فيه على نفسه وأهله وعياله، وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ‘إذ هاجروا إلى المدينة حين رأوا الظلم يستفحل في مكة . أرض الله واسعة فإن ضاقت الأرض في مكان فقد يجد في غيرها الأمن والأمان .

    وما ينبغي لحبِّ لأرض أن يكون سبباً في بقاء المسلم على الضيم أو يُضيّع دينه ويخسر آخرته ، وما أروع قوله سبحانه وتعالى : { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ } ، فالأجر مضاعف يناله المسلم الذي فرَّ بدينه إلى ربه ، فيغرف الله تعالى له الثواب بما لا يتوقع – بغير حساب – وحين يرى الكريم من عبده إليه إقبالاً ، وعن الدنيا إدباراً، ووجد فيه صبراً عن حطام الدنيا وترفعاً عن سفسافها أجزل له العطاء وزاد في إكرامه أن يدخله الجنة خالداً فيها منعماً، ويُنعم عليه برضاه.

    وتعال معي إلى رحمة الله تعالى وحبه لعباده الذين أنابوا إليه بعد بعدهم عنه، وقربِهم منه بعد نأي وجفوة ،بل ينادي الغارقين في الذنوب علَّهم يثوبون إلى رشدهم ، فهو – سبحانه – يناديهم نداء المحب على الرغم من كثرة ذنوبهم وإسرافهم فيما لا ينبغي أن يفعلوه ينادي على مسمع الزمان : { يَا عِبَادِي }

    { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّـهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّـهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَىٰ قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59)}(الزمر).

    إنهم أسرفوا في ذنوبهم فابتعدوا عن درب الهداية ، ولربما رغبوا في التوبة فقال لهم شياطين الإنس والجن : لن يقبل الله توبتكم وقد تماديتم في الضلال ، فيسمعون النداء العلويّ يبعث فيهم الأمل ويزرع في نفوسهم التفاؤل : لا يقنط المرء من رحمة الله وعفوه ،ولا ييئس من غفرانه ورضاه ،
    فهو سبحانه غفار الذنوب ستار العيوب ، من دنا منه شبراً دنا منه باعاً ومن دنا منه باعاً دنا الله منه ذراعاً ، وهو سبحانه لَيفرحُ بالعبد التائب المقبل بكليته عليه مادام فيه نفَسٌ يراوح، وقلب ينبض ولسانٌ يذكر ، باب التوبة مفتوح ما دام المرء حياً لم يغرغر، فعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى لله عليه وسلم شيخ كبير يدعم على عصا له فقال : يا رسول الله إن لي غدراتٍ وفجرات فهل يُغفرُ لي ؟
    فقال صلى الله عليه وسلم : ( ألست تشهد أن لا إله إلا الله ؟)
    قال : بلى وأشهد أنك رسول الله ،
    فقال صلى الله عليه وسلم : ( قد غفر لك غدراتك وفجراتك ) رواه أحمد.

    يتوب الله تعالى على عبده حين يؤوب إليه ويسلك درب الإيمان ويعمل بما يرضيه ، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى رحمة الله حين نظر الصحابة إلى امرأة من السبي لزقَتِ ابنها في صدرها وأرضعته فقال :
    ( لَلهُ ارحمُ بعباده من هذه بولدها ) .

    وروى ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قولَه صلى الله عليه وسلم : ( ما أحِبُّ أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ })، ولأنّ باب الرحمة والتوبة واسع قال الله تعالى " ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ...؟"
    نقول : بلى : إنه هو الغفور الرحيم بعباده .

    خلقنا الله تعالى ناقصين :{ خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)}(الأنبياء) وهو العالم بضعفنا يعيننا على التوبة ،ويهيء لنا سبل الهداية .وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال : ( والذي نفس محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيده لو لم تخطئوا لجاء الله عز وجل بقوم يخطئون ثم يستغفرون الله فيغفر لهم ) رواه الإمام أحمد.
    ومن رحمة الله أنه أرسل رسله لمدّعي الألوهية أن يتوبوا ومثالهم فرعون ،ولمن قتلوا العشرات والمئات ومثالهم الذي قتل تسعة وتسعين فأكمل بالعابد المئة. قال الحسن البصري رحمة الله عليه انظروا إلى هذا الكرم والجود، قتلوا أولياءه ،وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة.

    وما أروع ما رواه الفاروق رضي الله عنه إذ قال: كنا نقول: ما الله بقابلٍ ممن افتتن صرفا ولا عدلا ولا توبة ،عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم ، وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أنزل الله تعالى فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم :{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ...} الآيات . قال عمر رضي الله عنه فكتبتها بيدي في صحيفة وبعثت بها إلى هشام بن العاص، فقال هشام لما أتتني جعلت أقرأها بذي طوى أصعِّد بها فيه وأصوِّت ،ولا أفهمها حتى قلت :اللهم أفهمنيها. قال فألقى الله عز وجل في قلبي أنها إنما أنزلت فينا وفيما كنا نقول في أنفسنا ويقال فينا، فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة .

    ويظل باب الأمل والرجاء بعفو الله تعالى وغفرانه مفتوحاً إلى أن يموت المرء ، والندمُ كفارة الذنب ، ولا ينفع الندم بعد الموت. ولا الحسرة – إذ ذاك- والاعتراف بالذنب ولا الرغبة في العودة إلى الدنيا ، فهذا محال ، نسأل الله تعالى كمال الإيمان والعمل بما يزين حياتنا في الدارين .

    يروي القرطبي في شرح هذه الآية حواراً بين رب العزة وإبليس اللعين وأبينا آدم عليه السلام :
    " إن إبليس - لعنه الله تعالى - قال يا رب إنك أخرجتني من الجنة من أجل آدم وإني لا أستطيعه إلا بسلطانك .
    قال فأنت مسلط .
    قال يا رب زدني .
    قال : لا يولد له ولد إلا ولد لك مثله .
    قال يا رب زدني .
    قال : أجعل صدورهم مساكنَ لكم وتَجرون منهم مجرى الدم .
    قال :يا رب زدني .
    قال : { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64)}(الإسراء) .
    فقال آدم عليه الصلاة والسلام : يا رب قد سلطته علي وإني لا أمتنع إلا بك.
    قال تبارك وتعالى : لا يولد لك ولد إلا وكلت به من يحفظه من قرناء السوء.
    قال يا رب زدني .
    قال : الحسنة عشر أو أزيد، والسيئة واحدة و أمحوها .
    قال يا رب زدني .
    قال :باب التوبة مفتوح ما كان الروح في الجسد .
    قال يا رب زدني.
    قال : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } .

    إنه سبحانه ينادينا للعودة إلى رحابه والتوبة والإنابة إليه .....

    فهل سمعنا النداء ووعيناه؟

    يتبع


  7. #27
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق27

    سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا

    الدكتور عثمان قدري مكانسي

    القسم السابع والعشرون


    بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ﴿68﴾ الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ﴿69﴾ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ﴿70﴾ يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ۖ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿71﴾ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿72﴾ لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿73﴾(الزخرف)


    ما أروع موقف عباد الله المؤمنين في هذا اليوم – يوم القيامة الرهيب - وهم خائفون من عذاب الله يسمعون النداء { يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } فيرفع الخلائق رؤوسهم ويقولون : نحن عبادُ الله ، فإذا قال: { الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ } نكَّس الكفارُ رؤوسهم ويبقى الموحدون رافعي رؤوسهم، فإذا قال الثالثة : { الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)}(يونس) نكّس أهل الكبائر رؤوسهم وبقي أهل التقوى رافعين رؤوسهم وقد زال عنهم الخوف والحزن ، فقد وعدهم الله تعالى بالنجاة والكرامة ولن يخذلهم الله أبداً ،فوعده الحق ،وقوله الحق سبحانه
    يدخلون الجنة مع أمثالهم ونظرائهم ممن كانوا مثلهم في التقوى يتنعمون ويسعدون فقد كانوا يؤمنون ويعملون ،قال صلى الله عليه وسلم :
    ( إن أدنى أهل الجنة منزلة وأسفلهم درجة لَرجلٌ لا يدخل الجنة بعده أحدٌ، يفسح له في بصره مسيرة مائة عام في قصور من ذهب وخيام من لؤلؤ ليس فيها موضع شبر إلا معمورٌ يغدى عليه ويراح بسبعين ألف صحفة من ذهب ليس فيها صحفة إلا فيها لون ليس في الأخرى مثله ،شهوته في آخرها كشهوته في أولها لو نزل به جميع أهل الأرض لوسع عليهم مما أعطي لا ينقص ذلك مما أوتي شيئا ).

    ذكر القرطبي رحمه الله أن أبا أمامة رضي الله عنه ذكرأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    ( والذي نفس محمد بيده ليأخذن أحدكم اللقمة فيجعلها في فيه ،ثم يخطر على باله طعامٌ آخر فيتحول الطعام الذي في فيه على الذي اشتهى ) ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ،

    وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    ( إن أدنى أهل الجنة منزلة من له لسبع درجات وهو على السادسة وفوقه السابعة وإن له ثلاثمئة خادم، ويغدى عليه ويراح كل يوم بثلاث مئة صحفة - ولا أعلمه إلا قال من ذهب - في كل صحفة لونٌ ليس في الأخرى وإنه ليلذ أوله كما يلذ آخره ومن الأشربة ثلثمائة إناء في كل إناء لون ليس في الآخر وإنه ليلذ أوله كما يلذ آخره، وإنه ليقول يا رب لو أذنت لي لأطعمت أهل الجنة وسقيتهم لم ينقص مما عندي شيء وإن له من الحور العين لاثنين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا وإن الواحدة منهن لتأخذ مقعدها قدر ميل من الأرض ) ومن دخل الجنة لم يخرج منها ، {... لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)}(الكهف) .

    عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    لن يدخُلَ الجنَّةَ أحدٌ إلَّا برحمةِ اللهِ ،
    قالوا : ولا أنت يا رسولَ اللهِ ؟
    قال : ولا أنا، إلَّا أن يتغمَّدنيَ اللهُ برحمتِه ، وقال بيدِه فوق رأسِه
    رواه المنذري في الترغيب والترهيب ، لكنْ يقال لهم على وجه الفضل والمنّ { وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ، فأعمالهم الصالحة كانت سببا لشمول رحمة الله إياهم ودخولهم الجنة ولعل تفاوت الدرجات بحسب الأعمال الصالحات ، والله أعلم.
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    ( ما من أحد إلا وله منزل في الجنة ومنزل في النار، فالكافرُ يرث المؤمنُ منزله من النار والمؤمنُ يرث الكافرُ منزله من الجنة ) وذلك قوله تعالى : { وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }.

    هذه صورة مشرقة لحالة المؤمنين الأتقياء الذين رضي الله عنهم وأرضاهم فأكرمهم في الدنيا بقوة الإيمان ويرضيهم في الآخرة برضوانه وكرمه وجنانه سبحانه

    أما المجرمون فهم في عذاب مستمر لا يهدأ ولا يضعف : { إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴿74﴾ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75)}(الزخرف) والمبلس من طرد من رحمة الله وحق عليه العذاب الدائم جزاء كفره واجترائه على الله واستكباره عن الحق، وهم الذين ظلموا أنفسهم حين كفروا وسخروا من الدعاة وعذبوهم وقتّلوهم ، فحين يطول عليهم العذاب ويرون الموت غايتهم وفيه انتهاء عذابهم يطلبون من مالك خازن النار أن يسأل ربه سبحانه أن يميتهم ،فإذا بالجواب قاصمة الظهر ودائمة الأحزان { ...قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ (77)} (الزخرف). ويالشدة فزعهم وطول أحزانهم حين يُزجرون ، كل ذلك العذاب أنهم كرهوا الحقّ وحاربوه وناصبوه العداء، ومكروا بالمؤمنين ودمّروا عليهم وكذّبوا الرسل والدعاة وآذوهم ..
    { فَهَلْ مِن مُّدَّكِر } ؟

    إن الله تعالى ينادينا لنكون من عباده الصالحين الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ،

    فهل نحن فاعلون؟

    يتبع


  8. #28
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق28

    سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا

    الدكتور عثمان قدري مكانسي

    القسم الثامن والعشرون



    لكل شيء ثمنٌ ،غالياً كان أم رخيصاً ، وكلما غلا الشيء ونفُس ارتفع ثمنُه. ونصرُ الله غالٍ لا يدفع ثمنه إلا المجاهدون العاملون الذين يبذلون الروح والنفس والمال والوقت في سبيل الله .ومن نصرَ الله َ في العمل الصالح والبعد عن الزلل أعزّه الله ورفع قدره وجعل الدنيا لخدمته والآخرة مأواه ، والمؤمن يعلم علم اليقين أن الناصر هو الله { وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)}(الأنفال)، وما نحن في جهادنا إلا ستارٌ لقدرة الله { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)}(الأنفال). فأنا أرمي والله تعالى يأذن بإصابة الهدف ، وأنت أطلقتَ القذيفة نحو العدو، فجعلها الله جلت قدرته في مركز الإصابة ومنتصف الهدف ، فنلنا – إذ ذاك - بفضل الله أجر المجاهدين الذين أثبتوا عبوديتهم لله وإيمانهم به ،فقوّى عزيمتهم وثبّت قلوبهم ، وجعل نصره على أيديهم.
    وما أروع القاضي الفاضل – وزير الناصر صلاح الدين يزف إلى الأمة الإسلامية نصر الله على أيديهم فيحمده أن جعلهم أهلاً لذلك النصر وأجراه على أيديهم..

    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّـهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8)} سورة محمد صلى الله عليه وسلم.

    ونرى الكفار الذين يحاربون الله تعالى ويمكرون بعباده ويعملون ليل نهار للقضاء على الإسلام وأهله ولإطفاء نور الحق يبذلون ما يستطيعون للوصول إلى هدفهم ، فيخزيهم الله { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)}(الانفال)، فهم يخططون ويصرفون الأموال في خدمة مآربهم فلا يصلون إليها،حين يكون المسلمون واعين متحدين متمسكين بشرع الله وحبله المتين، فيصيب الكافرين اليأسُ والقنوط ، وتدور الدائرة عليهم، هذا في الدنيا ، ومن حلّت عليه التعاسة لم يُفلح وخاب تخطيطه وضل مسعاه ، ثم مأواهم النار خالدين فيها جزاءً وفاقاً.
    وقد نرى في عالمنا نصراً للعدو علينا ، فنعلم أننا خرجنا من دائرة الإيمان الكامل ووقعنا في المحظور الذي يؤخر النصر، وما علينا إلا أن نؤوب سريعاً إلى الطريق المستقيم.
    فالمولى تعالى - في هذه الآية - يأخذنا إلى طريق الصلاح ويهدينا إليه ويعرّفنا كيفية الوصول إلى الهدف المنشود في هذه الحياة.
    ثم ينادينا مولانا قائلاً :
    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33)} (سورة محمد صلى الله عليه وسلم).
    إنّ دربَ الهداية الإيمانُ بالله تعالى وبرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، وفي طاعتهما ، فمن آمن أحبَّ ، ومن أحبّ أطاع، وما أحكم قول الشاعر :
    تعصي الإله وأنت تزعم حبَّه ! * هذا لَعمري في القياس بديعٌ
    لو كان حبُّك صادقاً لأطعتَه * إنّ المحبَّ لمن يُحبُّ مطيعٌ

    وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كلُّ أمتي يدخلون الجنةَ إلا من أبى .
    قالوا : يا رسولَ اللهِ ، ومن يأبى ؟
    قال : من أطاعني دخل الجنةَ ، ومن عصاني فقد أبى ، (رواه البخاري رحمه الله في صحيحه).

    ولن يُقبل العمل إلا بطاعتهما فمن حاد عن شرع الله لم يُقبل منه عمله ولا إيمانه :
    { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ (19)}(آل عمران ).
    { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)}(آل عمران)،
    قواعد ربّانية تاخذ بيد المؤمن الواعي إلى حيث النجاحُ والفلاحُ بأقصر الطرق وأحكَمِها.
    وغير ذلك الخسارة والبُطلانُ ، وما أسوأ موقف من ظنَّ أنه ينجح في مسعاه بعيداً عن أمر الله وشرعته ، وسنة رسول الله وإرشاده. ولْنتمعّنْ في قوله سبحانه : { وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } فكل منّا يعمل، والعاقل يبني عمله على أساس متين فيرتفع بناؤه عالياً مكيناً ، والجاهل المكابر يبنيه على شفا جُرُف هار، فينهار به – باطلاً- في قعر جهنّم حيث يسترحم فلا يُرحم ، ويستجدي فلا يُؤبه له،

    إنه سبحانه ينادينا ، فهل سمعنا النداء يقلوبنا ووعيناه بأفئدتنا ، فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوبُ التي في الصدور.

    يتبع


  9. #29
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق29

    سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا

    الدكتور عثمان قدري مكانسي

    القسم التاسع والعشرون


    بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّـهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
    (16)}(سورة الحديد ).

    يربي أحدنا ولده على الأدب والتحلّي بالشمائل الحميدة ، فإن أخطأ مرة وحاد عمّا رُبّي عليه نظر الأب إليه نظرة عتاب دون أن يكلمه ، فلعلَّ النظرة – في هذه الحالة – خير مُربٍّ. فإن عاد فأذنب واستمرأ الخطأ قال له والده مؤنباً مستأخراً توبته :أهكذا ربّيتك ياولدي، أما آن لك أن تقلع عن خطئك وتتوب عن زلاّتك،وقد ربيتك على فضيلة وغذَوتك العملَ الصالح ومكارم الأخلاق؟!
    ومن ربّى تابع مهمّته وقوّم الاعوجاج بالنصح والإرشاد ثم بالعتاب واللوم ، ثم بالتوبيخ والتقريع، ثم بالعقوبة المناسبة تعليماً وزجراً.

    وقوله تعالى { أَلَمْ يَأْنِ } عتاب واستعجال للكمال في العباد الذين رباهم رسوله صلى الله عليه وسلم على التزام الصراط القويم ، ولا بدّ من التذكير كل فترة، فالإنسان خُلق من ضعف وشبّ على نقص ، ويحتاج إلى شحذ الهمة والدفع إلى الخيرات والتحذير من الوقوع في الآثام والمعاصي.

    وفي معنى قوله تعالى { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا } خطاب غير مباشر للذين آمنوا حين تحدث عن الغائبين لفظاً، الحاضرين حالاً ،وكان أول ما أمروا به أن تخشع القلوب للخالق جل وعلا ، والقلبُ لب الجسم بخشوعه تخشع الجوارح ، وكلما كان القلب خاشعاً لله خائفاً منه محباً لذاته أكثرَ من ذكره ،وارتبطت حياته بطاعته سبحانه . إنَّ ذِكرَ الله علامة الإيمان وسبيلُ العفو والمغفرة ، (وأفضل الذكر لا إله إلا الله). ومن وهب لله حياته عمل بمقتضى إيمانه ونال رضا مليكه ،ففاز بثوابه ونجا من عقابه.

    والغفلة تورث البعد ، والبعد يورث الضلال، والضلال سمة الضالين من أهل الكتاب الذين قست قلوبهم حين فرغت من ذكر الله وعبادته، وضعف اتصالها به.

    وكما يحيي الله الأرض بماء المطر يحيي القلوب بفيض عطائه ونور شريعته ،وكما يحيي الأرض بماء السماء يعيد إحياء المخلوقات يوم الدين. إنها معادلة واضحة لكل ذي عينين.
    يذكر القرطبي رحمه الله في شرح هذه الاية أن المزاح والضحك كثر في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما ترَفَّهوا بالمدينة , فنزلت هذه الآية , فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يستبطئكم بالخشوع ) فقالوا عند ذلك : خشعنا.

    وسمي الفاسق فاسقاً لخروجه عن الفطرة واتباعه الهوى والشيطان ،وركونه إلى الدنيا ورغبته فيها ونسيانه الآخرة والعملَ لها.

    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (28)}(الحديد ).

    من النصارى قومٌ ظلوا على دين التوحيد يؤمنون بعيسى عليه السلام نبياً، وهؤلاء صبروا على التوحيد حتى بُعث النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانوا من التقوى بمكان مكين ،فلهم حين يؤمنون برسالة الإسلام ويعملون لها :

    1- أجرٌ مضاعفٌ،يُؤتَون أجرهم مرتين بما صبروا وآمنوا .والكِفل : الحظ والنصيب الوافي من الأجر والثواب فينجّيهم الله تعالى ، في دنياهم من الضلال وفي الآخرة يدخلهم الجنة .
    2- ويغدق المولى سبحانه عليهم من رحمته وينير قلوبهم وحياتهم في دنياهم ويضيء لهم آخرتهم حين لا شمس إذ ذاك ولا نجوم ولا قمر.
    3- تُغفر ذنوبُهم ، ومن غُفر ذنبُه كان من أهل الرضوان والسعادة الأبدية.

    كثير ممن كانت لهم رياسة النصرانية أو اليهودية وخدموها بما أوتوا ثم تبيّن لهم الهدى من الضلال ، فأسلموا قيادهم لله تعالى رفعَ الله سبحانه أقدارهم في الدنيا بإيمانهم ودعوة الناس إلى الإسلام والتفاني بهذه الدعوة ،وبشّرهم بنعيم الآخرة وخلود الحياة فيها في جواره – سبحانه- وكرمه.
    ولا تسل عن عقاب أهل الكتاب الذين حرّفوا وبدّلوا فقست قلوبهم وزاغوا عن درب الهداية وباعوا نفوسهم للشيطان فكانوا ادوات في الإفساد والصد عن سبيل الله ، هؤلاء ظلموا أنفسهم ورموا بها في مهاوي الدركات السفلى من النار .
    إن لكلٍّ من عمله واجتهاده نصيباً، فأنعم بمن باع حياته لله ، وأبئِس بمن باع نفسه للشيطان وغوايته،
    إنه سبحانه يدعونا إلى خشيته والخشوع في عبادته والتقرّب إليه لنيل مرضاته ..
    هل نعد بذلك ونسعى إليه ؟!
    اللهم اهدنا لأحسن الأحوال ، لا يهدينا لأحسنها إلا أنت ،
    وأبعد عنّا سيئها ، لا يُبعد عنّا سيئها إلا انت .

    يتبع


  10. #30
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق30

    سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا

    الدكتور عثمان قدري مكانسي

    القسم الثلاثون


    بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
    (7) سورة المجادلة

    ذكرت أمنا السيدة عائشة رضي الله عنها أنها كانت قريبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والمرأة التي ظاهرها زوجها تشتكي إليه فلم تسمع ما قالت ، وسمع الله –سبحانه- شكواها : { قَدْ سَمِعَ اللَّـهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّـهِ وَاللَّـهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)}(المجادلة).
    فسبحانك يارب من إله عظيم تسمع كل شيء وترى كل شيء ، فسبحانك ، سبحانك ( إن الله يسمع دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصمّاء ).
    فهو محيط بخلقه ،مطّلع عليهم يسمع كلامهم ويرى مكانهم حيثما كانوا وأينما حلّوا ، يعلم السرَّ وأخفى ،ومع ذلك تكتب رسُلُه من الملائكة ما يتناجى به عباده لتوثيقه ،فيُعرض عليهم يوم القيامة بتفاصيله كاملة وقد نبهنا الله تعالى محذراً : { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم ۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)}(الزخرف) ، فلا يغيب عنه من أمورهم شيء { ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } قال الإمام أحمد رحمه الله : افتتح الآيةَ بالعلم واختتمها بالعلم .

    يقول ابن كثير رحمه الله: كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين اليهود موادعة وكانوا إذا مر بهم الرجل، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جلسوا يتناجون بينهم حتى يظن المؤمن أنهم يتناجون بقتله أو بما يكره، فإذا رأى المؤمن ذلك خشيهم ،فترك طريقه عليهم ،فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن النجوى ،فلم ينتهوا وعادوا إليها ،فنزل قولُه تعالى:
    { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّـهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّـهُ بِمَا نَقُولُ ۚ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا ۖ فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8)}(المجادلة) .

    والنجوى تَسارُّ اثنين بينهما ثالث لا يسمع ما يقولان ، فيُهيّأ إليه أنهم يقصدان به الشرَّ ، وقد نهى القرآن والسنّة عنه ، وما نُهي عنه عُدَّ في الإثم. وأما العدوان فتجاوز الحقوق مما يورث الخوف والكراهية .
    أما معصية الرسول ومخالفته فقد اصر اليهود عليها فحين يرونه صلى الله عليه وسلم يحيونه بقول فيه ظاهره تحية وفي باطنه سبٌّ ودعاء عليه ، فقال تعالى فاضحاً سرّهم وموبخاً : { وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّـهُ } ، فعن عائشة قالت :
    دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود فقالوا السام عليك يا أبا القاسم ( والسامُ: الموتُ)
    فقالت عائشة : وعليكم السام والذامّ واللعنة،
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا عائشة إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش )
    قلت ألا تسمعهم يقولون السام عليك" ؟
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أوما سمعت أقول: وعليكم ) ، وقال ( إنه يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا ) .

    وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس مع أصحابه إذ أتى عليهم يهودي فسلم عليهم فردوا عليه ،فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : ( هل تدرون ما قال ؟ )
    قالوا :سلَّمَ يا رسول الله .
    قال : ( بل قال سام عليكم ) أي تسامون دينكم
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ردوه )
    فردوه عليه فقال نبي الله : ( أقلت سام عليكم
    قال نعم
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا عليك ) ، أي عليك ما قلت.
    والذي أتعجب منه أنه لم يُخف ما قاله ولا أنكره ، إنما قاله متحدياً ، وهذا دأبهم وسوء أدبهم يتكرر ويستمرّ.

    يفعل اليهود هذا ويظنون أن الله تعالى سيعاجلهم بعذاب الدنيا لو كان محمد نبياً ، وإذ لم يعاجلهم بالعقوبة الدنيوية السريعة فهو – سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم – ليس نبياً بزعمهم.وهذا تجرّؤٌ فاجر على الله تعالى فقال الله تعالى : { حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا ۖ فَبِئْسَ الْمَصِيرُ } .

    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9)}(سورة المجادلة)

    نُهي المسلمون عن التناجي المؤذي الذي اتصف به المنافقون وغيرهم من كفار أهل الكتاب وأمرهم أن يتناجّوا بفعل الخير وقوله، وأن تكون تقوى الله نصب أعينهم ومرضاتُه هدفَهم. فهو سبحانه مطّلع عليهم – ظاهرهم وسرائرهم- ويوم القيامة يعرضها عليهم .

    عرض رجل لعمر رضي الله عنه فقال كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى يوم القيامة ؟ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
    إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس ويقرره بذنوبه ويقول له أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنْ قد هلك قال فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته وأما الكفار والمنافقون { وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَـٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ أَلَا لَعْنَةُ اللَّـهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)}(هود). أخرجاه في الصحيحين من حديث قتادة.

    { إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)} (سورة المجادلة).

    إنَّ المسارة حيث يتوهم مؤمن بها سوءا إنما تصدر من المتناجين بتسويل من الشيطان وتزيينه ليسوء المسلمين، وبما أن النفع والضر بيد الله وحده فليستعذ المسلم بالله وليتوكل عليه ،ومن توكل على الله لم يضرَّه أحد. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    ( إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه فإن ذلك يحزنه ) أخرجه مسلم.

    من الآداب الإسلامية العالية أن لا يحدث التناجي الذي يورث حزناً وألماً للمسلم، فإن كان الحضور في المكان نفسه كثيراً وتناجى كل اثنين أو ثلاثة بأمر خاص بهم وانشغلوا عن الآخرين فلا تناجيَ إذاً . وينبغي أن تسود في المجتمع المسلم سمات الود والمحبّة والأُلفة ، نمتنع عما يسيء إلى إخواننا ونفعل ما يسرهم ويقرّب بعضهم من بعض.ويزرع السعادة والأمان في ربوعهم .

    إنه سبحانه ينادينا إلى آفاق حياة الطيبة ويدعونا إلى سلامة الصدر ، فهل نحن واعون منتبهون؟

    يتبع


  11. #31
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق31


    سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا

    الدكتور عثمان قدري مكانسي

    القسم الحادي والثلاثون


    بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)
    وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّـهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)
    لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۚ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) سورة الحشر

    جاءت هذه الآيات تتويجاً للآيات التي سبقتها ، فقد عاقب الله تعالى يهود بني النضير حين أرادوا قتل نبيه الكريم غيلة بالخوف يغزو قلوبهم ، فأجلاهم عن المدينة وجعل ديارهم للمسلمين ، ثم مدح المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم جميعاً ،فالمهاجرون تركوا ديارهم للحفاظ على دينهم ، والأنصار احتضنوهم وقدموهم على أنفسهم. ثم فضح المنافقين وجبنهم ، واليهود وخوفهم ، ووصف المنافقين -الذين وعدوا اليهود بمنعهم والدفاع عنهم ثم نكولهم السريع عن ذلك خوف المسلمين -بالشيطان الذي زيّن للمرء الكفر ودعاه إليه ، فلما وقع فريسة لوسوسته تبرّاَ منه، فهما معاً في جهنّم.
    هكذا كان عقاب من نسي الله تعالى وجاهره بالعداوة ،فكان النداء للذين آمنوا أنْ :

    1- يتقوا الله في أنفسهم قولاً وعملاً.
    2- أن يعملوا للآخرة حين لا ينفع مالٌ ولا بنون، والنجاح فقط لأهل الإيمان الذين كان خوف الله تعالى وإرضاؤه زادهم إليه.
    3- التنبيه إلى علم الله بما بعمل المرء وما يقول ، فلا يخفى على الله شيء،والإنسان محاسب على كل صغيرة وكبيرة .
    4- من نسي الله وأوامره ونواهيه ضل وسقط في سعيه، وفُضح أمرُه كما فُضح المنافقون في وعدهم لليهود بمساعدتهم ضد المسلمين ،فباءوا جميعاً بالخزي والهوان. فمن نسيَ أو تناسى ما كُلّف به عامله الله بالمثل فتناساه،
    5- ومن تعامى عن دين الله وهجَرَه كان فاسقاً ، والفاسقون من أهل النار، والعياذ بالله .
    6- المؤمنون يفوزون برضاء الله وجنته ، والفاسقون يبوءون بغضب المولى وناره ، وشتان ما بين النهايتين فأصحاب الجنة أهل النعيم المقيم والحياة الرغيدة الخالدة.

    إن القرآن هو الهادي إلى الخير المحض وما عداه سراب لا حقيقة له:
    { إِنَّ هَـٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)}(سورة الإسراء) .
    وفي سورة الحشر هذه نجد المعنى نفسه يُضاف إليه المثال الذي يُثبت في النفس الفكرة ويؤيدها :
    { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّـهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21)} .
    فإذا كانت الجبال تعي حقيقة كتاب الله وتتمثله فهماً وتطبيقأ ، ومعنىً ولفظاً فتخشع له، وتكاد صخوره الصمّاء تتشقق وتتهاوى من خشية الله ووعِظَمِ جلاله سبحانه، أفلا تتطامن نفوس البشر فتعلمَ المهمة الملقاة على عاتقها وتعمل ليوم تتقلب فيه القلوب والأبصار؟!

    لقد ذكر التفكر في القرآن في صيغ متعددة يأمر بها الناسَ أن يتفكروا في أنفسهم وفيما حولهم زهاء أربع عشرة مرة ، إن الفرق بين الإنسان والحيوان الأعجم ( التفكر والتدبّر ) ثم العمل السليم الذي يحقق الهدف ويصل بالمرء إلى شاطئ السلامة
    فإذا فكر المرءُ وتدبّر وصل إلى اليقين بأنّ الله تعالى :

    { هُوَ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۖ هُوَ الرَّحْمَـٰنُ الرَّحِيمُ (22)
    هُوَ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّـهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)
    هُوَ اللَّـهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)}(سورة الحشر)

    إنه سبحانه يدعونا إلى النأي عن وسوسة الإنس والجنّ وإلى التفكر في الحياة وسببها ومآل الإنسان بعد الموت .. وإلى العمل الصالح .فهل نعي ونتدبر؟ ..

    من فعل ذلك كان من الناجين وفي عِداد الفائزين.

    يتبع



  12. #32
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق32

    سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا

    الدكتور عثمان قدري مكانسي

    القسم الثاني والثلاثون


    بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ ۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ
    (1) سورة الممتحنة

    نداء للمؤمنين أن يكونوا حذرين في التعامل مع الأعداء الذين إن رأوا من المسلمين قوة أظهروا لهم من طرف اللسان حلاوة وهم يمكرون بهم ويعملون جهدهم للإيقاع بهم ،

    كان سبب نزول صدر هذه السورة الكريمة قصة حاطب بن أبي بلتعة فقد كان رجلا من المهاجرين وكان من أهل بدر أيضا وكان له بمكة أولاد ومال ولم يكن من قريش أنفسهم ،بل كان حليفا لعثمان فلما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتجهيز لغزوهم وقال " اللهم عمِّ عليهم خبرنا " فعمد حاطب هذا فكتب كتابا وبعثه مع امرأة من قريش إلى أهل مكة يعلمهم بما عزم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوهم ليتخذ بذلك عندهم يدا ،فأطلع الله تعالى على ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم استجابة لدعائه فبعث في أثر المرأة، فأخذ الكتاب منها قال عليٌّ رضي الله عنه : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال " انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها " فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة قلنا أخرجي الكتاب قالت ما معي كتاب .قلنا لتخرجِّن الكتاب أو لنلقين الثياب. قال فأخرجت الكتاب من عقاصها فأخذنا الكتاب فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا حاطب ما هذا ؟ " قال لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنه صدقكم " فقال عمر دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنه قد شهد بدرا ما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " فأنزل الله سورة الممتحنة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ...}

    1- فالولاية للذين آمنوا، وأما العدو فلا ولاية له على المسلمين، بل الحذر والتاهب لما قد يبدر منه.
    2- ومن كان عدوّاً لله فهو عدوٌّ لأولياء الله المسلمين ، قولاً واحداً، فلا ينبغي أن نأمن جانبهم.
    3- يمكن أن يعاملوا بحذر أما المودّة والحب والتآخي فللمؤمنين ليس غير .
    4- سبب العداوة الكفرُ بالله ومحادّتُه ومحادّة أوليائه والغدرُ والإيقاع بهم .
    5- ومن الدلائل على كرههم للمسلمين أنهم عذّبوهم في مكة وحاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم ، فاضطر المسلمون إلى الهجرة جنوباً ( الحبشة) ثم شمالاً ( المدينة المنوّرة) والحروب التي شنوها على المسلمين في بدر وأحد والخندق وغيرها رغبة في استئصال الإسلام وأهله. وما يفعلونه بالمسلمين من حقد وإيذاء على مدى التاريخ وإلى أن تقوم الساعة أكبر دليل على مكرهم بالمسلمين وغدرهم بهم.
    6- والمجاهد في سبيل الله لا يتخذ من الكفار أصدقاء يُسِر لهم بالمودّة بل يتقرب إلى الله بمحبته وطاعته ومجاهدة الكفار والمنافقين .
    7- والله تعالى بعلمه لما نخفي وما نعلن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، فينبهنا إلى العمل الصالح الذي يرضيه ، ومن نأى عن ذلك فقد ضل الطريق الصحيح إلى مرضاته سبحانه.
    فبِم يتصف هؤلاء الأعداء الذين حذَّرَنا الله منهم؟ يقول تعالى :
    { إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2)}(الممتحنة)

    1- إن تمكنوا من المسلمين ففاقوهم قوة وعدداً أظهروا العداوة التي أضمروها في ضعفهم .
    2- وبطشوا بالمسلمين قتلاً وذبحاً وتنكيلاً فساموهم الذل والإهانة وسبوهم وشتموهم وعابوا دينهم وأظهروا خبيئة أنفسهم { لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)}(التوبة).
    3- ويودون أن يرتدّ المسلمون عن دينهم ، ويعملون لذلك ليكونوا في الكفر مثلهم.

    { لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ ۚ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3)}(الممتحنة)

    ليس للقرابة والنسب عند الله تعالى قيمة ما لم يشفعها إيمان وعمل صالح،ومن وافق أهله على الكفر ليرضيهم فقد خاب وخسر وضل عمله ،ولا ينفعه عند الله قرابته من أحد ولو كان قريبا إلى نبي من الأنبياء . فعن أنس رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله أين أبي ؟
    قال " في النار" فلما قفّى دعاه فقال " إن أبي وأباك في النار" ورواه مسلم وأبو داود.

    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)}(الممتحنة).

    البَون بين المؤمنين والكفار واسع ، لا لقاء في الهدف الأصيل ، إنما نلتقي في بعض المصالح الدنيوية المؤقتة ، ثم يستمر الصراع بين الطرفين ، أحدهما الحقُّ والثاني الباطل ،وكل يسعى إلى الانتصار على الآخر ويحشد له كل القوى.
    وفي هذه الآية الأخيرة من السورة يأتي النهي واضحاً عن موالاة الكافرين كما نهى عنها في أولها وليسوا سوى اليهود والنصارى والملاحدة ممن غضب الله عليه ولعنه واستحق الطرد والإبعاد فكيف يواليهم المسلمون ويتخذونهم أصدقاء وخُلاّناً وقد جحدوا الآخرة حين أنكروا الحساب والعقاب والثواب !
    إن الكفار بإنكارهم يوم الدين اقتنعوا أنهم لن يروا آباءهم ومن سبقهم إلى الموت ،وأنه لا بعثَ ولا نشور،كما أن الكفار من أصحاب القبور حين عاينوا الحقيقة ورأوا أنهم من أصحاب النار يئسوا من النجاة منها وايقنوا أنهم من أهلها .
    فما ينبغي للمسلم – إذاً – أن يتولى الكافر فيقدم مصلحته على المسلمين وإلا كان منهم .
    إننا نرى كثيراً ممن يُحسبون على المسلمين والَوا الكفار وعملوا في خدمتهم واندمجوا فيهم واتخذوهم قدوة وكانوا جنوداً يخدمون مصالحهم ، هؤلاء على خطر كبير ينزع الإيمان من نفوسهم ويودي بهم في ما لا يُحمد عقباه من غضب الله ومقته، والعياذ بالله.

    إنه سبحانه ينادينا منبهاً ومحذّراً ،

    فهل وعينا الأمر واصلحنا أمرَنا وسرنا على هدى الحكيم الخبير؟

    يتبع


  13. #33
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق33

    سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا

    الدكتور عثمان قدري مكانسي

    القسم الثالث والثلاثون


    بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّـهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ۚ ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّـهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ (11) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّـهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ۙ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّـهَ ۖ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (12) سورة الممتحنة


    من بين ما اتفق عليه النبي صلى الله عليه وسلم مع سهيل بن عمر في صلح الحديبية أنّ من جاء المسلمين وقد آمن ردّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى قريش ، ومن جاء قريشاً قد ارتد عن الإسلام فلا يُردُّ إلى المسلمين .

    فلمّا هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط إلى المدينة قَدِم أخواها عمارة والوليد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه في ردّها ، فمنع القرآن المسلمين أن يرُدّوا النساء إلى المشركين وأنزل آية الامتحان، فكان صلى الله عليه وسلم يسألُهنَّ بالله : ما خرجَتْ بُغضاً لزوج ، ولا رغبة عن أرضٍ لأرض، ولا التماساً لدنيا ،ولا رغبة في زوج آخر، إنما خرجت حبّاُ لله ورسوله ورغبة في دين الإسلام. وكنَّ يشهدنَ أنه لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسولُ الله.

    هذه الآية حرَّمت المسلمات على المشركين ، وقد كان جائزا في ابتداء الإسلام أن يتزوج المشرك المؤمنة ، فكان أبو العاص ابن الربيع زوج زينب رضي الله عنها ابنة النبي صلى الله عليه وسلم وقد كانت مسلمة وهو على دين قومه ، فلما وقع في الأسرى يوم بدر بعثت امرأته زينب في فدائه بقلادة لها كانت لأمها خديجة فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال للمسلمين :
    إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فافعلوا
    ففعلوا فأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يبعث ابنته إليه، فبعثها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زيد بن حارثة رضي الله عنه ، فأقامت بالمدينة في السنة الثانية للهجرة إلى أن أسلم زوجها سنة أربع فردها عليه بالنكاح الأول ولم يُحدِثْ لها صَداقا ، فقد كان إسلامه قبل تحريم المسلمات على المشركين بسنتين .

    فإذا انقضت عدّةُ المهاجرة ولم يُسلم زوجها انفسخ نكاحهما – إن أرادت- وتزوجت مسلماً. ويعاد للمشرك ما دفعه من مهر. ومن تزوج المهاجرة مَهَرَها صَداقَها،
    كما أنه لا يجوز للمسلم أن يحتفظ بزوجته المشركة ، وله أن يُطالب بمهرها الذي دفعه ، فإن أبى وليُّها المشركُ أخذه من بيت مال المسلمين ،أوْ من غنيمة يغنمها المسلمون
    وكانت بيعة النساء للنبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة :

    1- أن يوحدنَ الله فلا يُشركن به شيئاً
    2- ان يكُنّ عفيفات فلا يسرقنَ ولو مِن أزواجهنّ ولا يأخذْنَ من أموال أزواجهن إلا بالمعروف .
    3- وأن يحفظن فروجهنّ فلا يزنين ، إن المرأة الحرة لا تزني والمؤمنة تحفظ شرفها وشرف أهلها وشرف زوجها .
    4- أن يعتنين بأولادهنّ وينشِئنَهم نشأة إسلامية طيبة ، فهم أمانة في أعناقهنّ.
    5- لا كذب ولا نميمة ولا غيبة ويُعفِفن السنتهنّ عن قالة السوء،
    6- أن يُطِعْنَ النبي صلى الله عليه وسلم في أوامره ، وينتهين عن نواهيه ويعملن الخير الذي يأمرهنّ به.

    فلما بايعنه على ذلك قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعَتَهُنَّ واستغفر لهنّ الله تعالى ،
    وما أسرع قبولَ رب!ِ العزة استغفارَ نبيه للمؤمنين والمؤمنات، إن الله تعالى غفور رحيم يحب عباده التائبين، ويقبل توبتهم ويتجاوز عن سيئاتهم ، ويقلب سيئاتهم حسنات ...سبحانه من ربٍّ كريم.

    إن الله تعالى ينادينا – معشر المؤمنين- ليدخلنا رحمته ويجازينا رضوانَه

    فهل ترانا نسرع إلى ذلك ؟ اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحُسْن عبادتك.

    يتبع


  14. #34
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق34

    سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا

    الدكتور عثمان قدري مكانسي

    القسم الرابع والثلاثون


    بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّـهِ وَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ۚ قُلْ مَا عِندَ اللَّـهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّـهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ۚ وَاللَّـهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) (سورة الجمعة)

    في يوم الجمعة ، وكان يُسمّى يومَ العروبة:
    1- كمُلَت جميع الخلائق.
    2- خُلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرِج منها
    3- وفيه تقوم الساعة
    4- وفيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يسأل فيها الله خيرا إلا أعطاه إياه كما ثبتت بذلك الأحاديث الصحاح .
    5- وثبت أن الأمم قبلنا أمِروا به فضَلّوا عنه ،واختار اليهود يوم السبت الذي لم يقع فيه خلق آدم، واختار النصارى يوم الأحد الذي ابتدئ فيه الخلق ،واختار الله لهذه الأمة يوم الجمعة الذي أكمل الله فيه الخليقة ،
    روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    نحن الآخِرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ،ثم إن هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه ،فهدانا الله له ،فالناس لنا فيه تبعٌ.اليهود غداً والنصارى بعدَ غد ( لفظ البخاري) ، وفي لفظ لمسلم :
    أضلَّ الله عن الجمعة من كان قبلنا ،فكان لليهود يومُ السبت وكان للنصارى يومُ الأحد، فجاء الله بنا ،فهدانا الله ليوم الجمعة فجعل الجمعة والسبت والأحد وكذلك هم تبعٌ لنا يوم القيامة ،نحن الآخِرون من أهل الدنيا والأوَّلون يوم القيامة المقضي بينهم قبل الخلائق
    6- وقد أمر الله المؤمنين بالاجتماع لعبادته يوم الجمعة فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ } والسعيُ القصدُ والعَمدُ والاهتمام ، وهذا ما نفهمُه من قوله تعالى : { وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19)}(الإسراء) وكان عمر بن الخطاب وابن مسعود رضي الله عنهما يقرآنها " فامضوا إلى ذكر الله "
    فأما المشي السريع إلى الصلاة فقد نُهي عنه لِما أخرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
    إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة ،وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا ،فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا . رواه البخاري ،
    وقال الحسن البصريُّ :أمَا والله ما هو بالسعي على الأقدام ،ولقد نهوا أن يأتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار ولكن بالقلوب والنية والخشوع. وقال قتادة في قوله تعالى : { فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ } أن تسعى بقلبك وعملك وهو المشْيُ إليها ،وكان يتأول قوله تعالى : { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ ...(102)}(الصافات) أي المشْيَ معه .وروي عن محمد بن كعب وزيد بن أسلم وغيرهما نحو ذلك .( عن تفسير ابن كثير بتصرُّف)
    ويستحب لمن جاء إلى الجمعة :

    1- أن يغتسل قبل مجيئه إليها لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا جاء أحدُكم الجمعة َ فليغتسل . ولهما عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غُسلُ يوم الجمعة واجب على كل محتلم ، وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حقٌ لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام ،يغسل رأسه وجسده ، رواه مسلم وعن جابر رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : على كل رجل مسلم في كل سبعة أيام غسلُ يومٍ، وهو يوم الجمعة . رواه أحمد والنسائي وابن حِبّان .

    2- أن يكون ليوم الجمعة أثرٌ إيجابي على الأهل ، فعن أوس بن أوس الثقفي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من غسَّل واغتسل يوم الجمعة ،وبكَّر وابتكر، ومشى ولم يركب ،ودنا من الإمام واستمع ،ولم يَلْغُ كان له بكل خطوة أجرُ سنةِ صيامِها وقيامِها . وهذا الحديث له طرق وألفاظ ،وقد أخرجه أهل السنن الأربعة ،وحسنه الترمذي .

    3- ان يأتي للجامع مبكِّراً زيادة في الثواب والأجر: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
    من اغتسل يوم الجمعة غُسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرَّب بدنة ،ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ،ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرَّب كبشا أقرن ،ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ،ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر . والمقصود بالساعة هنا التبكير وقصْدُ الثواب ورضا الله تعالى .

    4- أن يلبس أحسن ثيابه – إن أمكنَ- ويتطيبَ ويتسوَّك ويتنظف ويتطهر. فعن ابي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم والسواكُ وأن يمس من طِيب أهله . وروى ابو أيوب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:
    من اغتسل يوم الجمعة ومسَّ من طيب أهله إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج حتى يأتي المسجد ،فيركعَ إن بدا له ،ولم يؤذ أحدا، ثم أنصت إذا خرج إمامُه حتى يصلي كانت كفارةً لما بينها وبين الجمعة الأخرى .
    وروى ابو داود وابن ماجة عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على المنبر : ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبَي مهنته .
    وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم الجمعة فرأى عليهم ثيابَ النمار فقال : ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته . رواه ابن ماجه . وكثيراً ما نرى بعض المصلين يدخلون المسجد بثياب العمل فيوسخون المسجد ويؤذون المصلين .

    5- الانصراف إلى متابعة الخطيب والانشغالُ بما يقول عن الدنيا ، فقد كان لأحدهم تجارة قدمت والمسلمون يسمعون خُطبة النبي صلى الله عليه وسلم ظهر الجمعة فانصرف اكثرهم إليها وبقي مع النبي صلى الله عليه وسلم القليل من المصلين، فنزل العتاب على ذلك في قوله تعالى : { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائماً } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    والذي نفسي بيده لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد لسال بكم الوادي نارا .
    لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم سوى نداءٍ واحد ( أذان)يُؤَدّى بين يديه وهو على المنبر ، واستمرّ هذا على عهد الصديق والفاروق رضي الله عنهما، فلما كان عثمان بعد زمن وكثر الناس زاد النداءَ الثاني على أرفع بناء قرب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ( الزوراء) ،إذ أمر عثمانُ رضي الله عنه أن ينادى قبل خروج الإمام ،حتى يتذكر الناسُ صلاة الجمعة مبكرين فيجتمعون . واتفق العلماء رضي الله عنهم على تحريم البيع بعد النداء الثاني ، واختلفوا هل يصح إذا تعاطاه متعاطٍ أم لا ؟ على قولين وظاهر الآية عدم الصحة كما هو مقرر في موضعه ،والله أعلم . إن الاهتمام بصلاة الجمعة خير كثيرٌ لا تدانيه الدنيا ولو اجتمعتْ .

    آداب ما بعد صلاة الجمعة:

    1- ينتشر الناس في الأرض ويعودون إلى ممارسة أعمالهم بعد أن أطاعوا الله تعالى في السعي إلى الجمعة. كان أحد الصالحين إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال : اللهم إني أجبت دعوتك وصليت فريضتك وانتشرت كما أمرتني فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين.

    2- ذكرُ الله تعالى وشكره على تمام نعمة العبادة { وَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فما عند الله من الثواب في الدار الآخرة { خَيْرٌ مِّنَ اللَّـهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ۚ وَاللَّـهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } لمن توكل عليه وطلب الرزق في وقته ..
    كانت العرب تسمّيه العروبة وقيل سمّاه كعب بن لؤي لاجتماع الناس فيه وإليه، وقال الزمخشري في كشّافه : « قيل إن الأنصار قالوا : لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة أيام وللنصارى مثل ذلك فهلمّوا نجعل لنا يوما نجتمع فيه فنذكر اللّه فيه ونصلي فقالوا يوم السبت لليهود ويوم الأحد للنصارى فاجعلوه يوم العروبة فاجتمعوا إلى سعد بن زرارة فصلّى بهم يومئذ ركعتين وذكَّرهم فسمّوه يوم الجمعة لاجتماعهم فيه ، فأنزل اللّه آية الجمعة فهي أول جمعة كانت في الإسلام .
    وأما أول جمعة جمعها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فهي أنه لما قدم المدينة مهاجرا نزل قباءَ على بني عمرو بن عوف، وأقام بها يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وأسّس مسجدهم ،ثم خرج يوم الجمعة عامدا المدينة فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم ،فخطب وصلّى الجمعة ،

    وعن بعضهم : أبطل اللّه قول اليهود في ثلاث :

    1- افتخروا بأنهم أولياء اللّه وأحباؤه فكذبهم في قوله : { ... فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (6)}(الجمعة
    2- وبأنهم أهل الكتاب ،والعربُ لا كتاب لهم فشبّههم بالحمار يحمل أسفارا
    3- وبالسبت وأنه ليس للمسلمين مثله فشرع اللّه لهم الجمعة.

    إنه سبحانه ينادي عباده ليقيموا شعيرة الجمعة ويجعلوا من صلاة الجمعة منبراً فكريا سياسياً اجتماعياً ، ويجتمعوا على العبادة والحب في الله ،والإخلاص لله سبحانه

    فلعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

    يتبع


  15. #35
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق35

    سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا

    الدكتور عثمان قدري مكانسي

    القسم الخامس والثلاثون



    سورة ( المنافقون) فضيحة كبرى لهم فقد شهد المولى سبحانه أنهم كاذبون في دعواهم ( الإيمان)، فهم يعترفون للرسول صلى الله عليه وسلم بالنبوّة لساناً ، وقلوبهم منكرة لذلك ،فوصفهم الله تعالى بالكذب :
    { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)}.
    وما أكثر الذين يكذبون فيحلفون الأَيمان الغليظة إنهم لعلى حق ، يُظهرون الموافقة بلسان عسليٍّ ينقط منه سمُّ الأفاعي القاتل.

    ولكِن نتساءل : هل دخل الإيمان إلى قلوبهم ثم ارتدّوا أو ظلوا – ابتداءً من الكافرين؟
    والجواب صريح في هذه السورة : { ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) ،فقد دخل الإيمان قلوبهم فترة ،ثم انقلبوا على أعقابهم كافرين ، فكانت قلوبهم أظلم من قلوب الكفار الذين لم يؤمنوا أبداً . هؤلاء عرفوا الحقيقة وأنار الإسلامُ قلوبهم ،ثم انقطع النور فجأة فعاشوا في ظلام أشد مما كانوا عليه قبل إسلامهم.

    من صفات هؤلاء المنافقين في هذه السورة الفاضحة:
    1- أنهم كاذبون ، يستمرئون الكذب ليُضلوا الناس عن الحق.
    2- قلوبهم – بسبب ارتدادهم مُربَدَّة سوداءُ، موسومة بوسم الجهل وسوء التصرّف.
    3- حبهم للحياة – أيّةِ حياة – يخافون الموت ويفرون من المعركة
    4- منظرهم غير مخبرهم ، يعجبك منظرهم وحديثهم ،ويفضحهم جبنهم وخوفهم.
    5- يستكبرون على الإيمان ويكرهون النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين .
    6- يدْعون عملياً إلى مقاطعة المسلمين والتضييق عليهم مادياً ومعنوياً لصرفهم عن الدين.
    7- يصرحون في فلتات ألسنتهم بالكره العميق للإسلام واهله ، ويودون للمسلمين الذلة والانكسار.

    يأتي النداء الإلهي - بعد فضح المنافين :
    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّـهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّـهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)}.
    يحض المؤمنين على :

    1- ذكر الله تعالى الدائم ، بل ينبغي أن يكون من أولويات الحياة الدنيا . ولن ينفع المرءَ ولدُه ولا ماله إن قصر في عبادته لله تعالى
    2- الإنفاق في سبيل الله علامة الإيمان به سبحانه فالله تعالى هو الرزاق ، والمال فضلٌ منه وخير ، وما يكون شكر الله إلا بالإنفاق في سبيل الله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)}(البقرة) ، وعند الموت ولقاء الله يُحس المسلم أنه كان بخيلاً شحيحاً ويتمنّى لو كان كريماً ، ويسأل الله أن يُعيده للحياة ليكون من أهل البرّ والجود ، وهيهات هيهات .كان ما كان وأتى ما هو آتٍ
    وتابعْ معي هذه الصورة متدبراً حال الكفار يستجْدون العودة إلى الدنيا ليؤمنوا ويُصلحوا ما كان ، { وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ۗ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ (44)}(إبراهيم) ،
    وتأمل الصورة الأخرى المشابهة في قوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)}(المؤمنون).
    فهل يستجيب الله لهم ، حاشا وكلاّ، لقد سبق السيفُ العذلَ،

    فهل وعينا نهايتنا فعملنا لما يُنجينا .. اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحُسْن عبادتك.

    ملاحظة نحويّة توضح المعنى:
    قوله تعالى: { رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ }
    المقصود : ربِّ: لولا أخّرتني إلى أجل قريب فأصَّدَّقَ، فإنْ أصَّدَّقْ أفُزْ وأكن من الصالحين.
    أكُن معطوفة على جواب شرط محذوف ( أفُز) أمّا (المصدر المؤول من أنْ و أصَّدَّق الأولى فمعطوفة على مصدر متصيد من أخّرتني) وكأنك تقول: ( هلاّ تأخيرٌ فتَصَدُّق ) ... والله أعلم .

    يتبع


  16. #36
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق36

    سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا

    الدكتور عثمان قدري مكانسي

    القسم السادس والثلاثون


    بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّـهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
    (9)سورة التغابن

    يوم التغابن : يوم القيامة، فيغبن أهل الجنّة أهلَ النارِ حين يدخلون الجنّة ،ويرثون خيرات من كانت النار نصيبه ، ويرث الكفارُ في جهنم نصيبَ أهل الجنة في النار ، في هذا اليوم يجمع الله تعالى الأولين والآخرين في صعيد واحد، قال تعالى : { قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (50)}(الواقعة) ، وقوله تعالى : { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ } ، وقال مقاتل بن حيان لا غُبْنَ أعظمُ من أن يدخل هؤلاء إلى الجنة ويذهب بأولئك إلى النار . وفي الحديث :
    ( ما من عبد يدخل الجنة إلا أُرِيَ مقعده من النار لو أساء ليزداد شكراً ، وما من عبد يدخلُ النار إلا أرِيَ مقعدَه من الجنة لو أحسَنَ ليزداد حسرة ).

    وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
    " إن الله تعالى يقيم الرجل والمرأة يوم القيامة بين يديه فيقول الله تعالى لهما قولا فما أنتما بقائلين ، فيقول الرجل : يا رب أوجبت نفقتها علي فتعسفتها من حلال وحرام ، وهؤلاء الخصوم يطلبون ذلك ، ولم يبقَ لي ما أوفي به . فتقول المرأة : يا رب وما عسى أن أقول : اكتسبَه حراما وأكلتُه حلالاً ، وعصاك في مرضاتي ولم أرضَ له بذلك ، فبُعدا له وسُحقا ، فيقول الله تعالى : قد صدقت . فيؤمر به إلى النار ويُؤمر بها إلى الجنة ، فتطلع عليه من طبقات الجنة وتقول له : غبنَّاك غبنَّاك ، سعِدنا بما شقيتَ أنت به " فذلك يومُ التغابن .

    تبدأ السورة الكريمة بتسبيح الله وحمده فهو الإله العظيم الذي يستحق التسبيح والحمدَ ، خلقنا وهدانا إلى الحق وإلى طريق مستقيم ، فآمن السعداء وكفر الأشقياء.
    ومن قدرته أنْ خلق السموات والأرض وصوَّر البشر في في أجمل هيئة ، وعظّمَ الله ذاته العلية حين ذكر في هذه السورة بعض صفاته ، فهو الله الحميد القديرُ الخالقُ المُصوِّرُ العليمُ، عالم الشهادة ، العزيزُ الحكيم...
    وردّ على منكري البعث والنشور قصور نظرهم وضعفَ تفكيرهم.ونبّهنا إلى مصارع الأمم الكافرة ،وأمرنا بالإيمان به وبرسوله صلى الله عليه وسلم ليغفر لنا ويرزقنا رضاه والجنّة في نعيم أبديٍّ خالد، وهدد الكافرين بالنار وبئس المصير،
    ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله هدى الله قلبَه وعوَّضه عما فاته من الدنيا هدى في قلبه ويقينا صادقا وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه أو خيرا منه .
    ثم نادانا سبحانه منبهاً إلى :

    1- أن بعض الزوجات والأولاد يُبعدون المرء عن القيام بواجباته في صلة الرحم وطاعة الله ، إذ يستاثرون به عن وأمه وأبيه وأهله وأقاربه .
    رُوِيَ أنَّ رجالاً أسلموا من مكة فأرادوا أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدَعوهم ، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم – بعدَ لأيٍ - رأوا الناس قد فقهوا في الدين فَهَمُّوا أن يعاقبوهم لأنهم كانوا السبب في ابتعادهم وتأخرهم ،فأنزل الله تعالى هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14)}
    2- والحذرُ بمعنى تقديم طاعة الله ورسوله على حب النساء والذرية - وإن كان عليه أن يسعى في خدمتهم-إلا أنَّ مطالب الاسرة تكثر وتتتابع فيقصر المرء في واجبه نحو دينه وقد ينسى او يتناسى كثيراً من الواجبات فيخسر الثواب ويستحق العقاب.
    3- قد يؤدي التشاغل في خدمة الأسرة إلى الشحِّ والبخل فتقلُّ الصدقات أو تنعدم ، ويستغرق الرجل في تأمين مستلزمات الحياة الرغيدة لأسرته وينشغل بها عن كثير من واجباته الدينية ، فيُستهلك في تنفيذها .
    4- لئن انتبه الرجل إلى خطئه فليتحمّلْ مسؤوليته وحده ، فلا يعاقب غيره لأنه كان صاحب القرار فتخلّى عنه ، فإن رأى أنهم ضغطوا عليه –وقد يكون- فليَعفُ وليغفر وليتصف بما أراد الله تعالى له من حِلم وصفح وعفو.
    5- فتنة النساء والأولاد والمال كبيرة لا يتعدّاها إلا أولو العزم الذين ينالون الثواب الكبير والأجر العظيم.
    6- لا يكلف الله نفساً إلا وسعَها فلنتَّق الله ما استطعنا ، ولنبذُل جهدنا في تقواه ورضاه سامعين مطيعين متصدّقين ، فإن فعلنا ذلك فزنا بالفضل والقرب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    ( إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه ).
    7- إن الصدقة تطفئ غضب الربِّ ، وهو سبحانه ينمّيها كما ينمّي الرجل فُلُوّه ، فيصير مثل الجبل، وما يُنفق المرء من شيء فهو – سبحانه- يخلفه ومهما تصدقنا من شيء فعليه جزاؤه ونزل ذلك منزلة القرض :
    { مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّـهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)}(البقرة)، ثم يحوطنا فضله بمغفرته ويكفر عنا السيئات ، فهو الحليم الشكور.

    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّـهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّـهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) إِن تُقْرِضُوا اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّـهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)}(سورة التغابن).

    فهل سمعنا نداء الملك العليم العلاّم الذي يصفح ويغفر ويستر ويتجاوز عن الذنوب والزلات والخطايا والسيئات الذي يعلم كل شيء ويرى كل شيء ولا يغيب عنه شيء، إنه عزيز حكيم.

    يتبع


  17. #37
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق37

    سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا

    الدكتور عثمان قدري مكانسي

    القسم السابع والثلاثون


    بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّـهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّـهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّـهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا
    (1) سورة الطلاق.

    في هذه السورة نجد قواعد الطلاق التي تحكم مسار المسلمين في حياتهم الزوجية وتنير لهم درب الأسرة المسلمة .

    1- خوطب النبي صلى الله عليه وسلم { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ }ربما لأن المناسبة نزلت في تطليقه – صلى الله عليه وسلم - حفصة بنتَ عمر رضي الله عنهما وهي حائض ، ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرة قبل أن يمسها ،فتلك العِدة التي أمر بها الله عز وجل، كما خوطب النبي صلى الله عليه وسلم أولا تشريفا وتكريما ثم خوطبت الأمة تبعاً ،
    2- وتبقى المطلقة في بيت مطلقها ما لم تجترحْ فاحشة واضحة، ومن طرَدَ امرأته وهي في عدتها فقد أساء إلى نفسه بعصيان أمر الله وتعدّي حدوده. ولعل بقاءها في البيت يحنِّنُ قلبه فيراجعها، فتبقى الأم ويبقى الأب على رأس أولادهما يربيانهم بحب وحنان، وتعود الأمور إلى مجاريها .
    3- كان الناس في الجاهلية يطلقون نساءهم مرات عديدة ويراجعونهنَّ فجعلها القرآن ثلاث طلقات ،
    4- لا يفرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً ،إن كره منها خُلُقاً رضي منها خُلُقاً آخر ، فإن طلقها فليسرِّحها بالمعروف ، وهذا من التقوى التي أُمِرَ بها المسلم.ومن اتقى الله أعانه الله في حياته ورزقه الخير العميم لا يدري كيف يأتيه.
    5- التوكل على الله باب الوصول إلى المراد فيما يرضي الله ، ومن توكل على الله فهو حسبُه وكافيه، ، ومن توكل على الله أكرمه الله تعالى القادر على كل شيء الفاعل لما يريد ( عبدي أنت تريد ، وأنا أريد ، وأنا أفعل ما أريد ، فإن سلّمْتَ لي فيما أريد كفيتُك ما تريدُ ، وإن لم تسلّم لي فيما أريد أتعبتُك فيما تريد ،ولا يكون إلا ما أريد.)
    6- عدّة الحامل تنتهي حين تضع حملها ، وعِدّةُ غير الحامل ثلاثة قروء ، وكذلك عدّة المرأة التي يئست من الحيض وعدة الفتاة الصغيرة التي لم تبلغ الحيض.
    7- اهتمامٌ رائعٌ بالتقوى في كل آية فيها قاعدة بيّنة {.. وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)} وقوله تعالى : { وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5)} .
    8- تسكن المطلقة في بيتها الذي طُلِّقتْ فيه، ولا ينبغي التضييق عليها ، ويُنفقُ على الحامل حتى تضع حملها، ويُحدد لها أجر إرضاع ولدها، فإن أبت إرضاعه لم تُكرَه على ذلك ، وترضعه غيرها.
    9- لا يكلف الله الرجل أن يصرف على مطلقته وهي في بيته أو ترضع ولدها إلا بما يستطيع.ولعل الله تعالى يرزقه بطاعته أمر الله رزقاً وفيراً .
    10- تحذير من عصيان أمر الله، وإلا نال المجتَمعَ عذابٌ شديد يضاهي عقابَ الأمم السابقة كعاد وثمود وقوم لوط وقوم شعيب ..

    ثمَّ ينادي الله تعالى المؤمنين في سورة الطلاق :
    {..فَاتَّقُوا اللَّـهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ قَدْ أَنزَلَ اللَّـهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّـهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّـهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ قَدْ أَحْسَنَ اللَّـهُ لَهُ رِزْقًا (11)}:

    1- من صفات المؤمنين أنهم من أولي الألباب ، وأصحاب الفهم والدراية والقلوب الذكية الزكية ، وقليل ما هم.
    2- فضل الله على الناس أنه لم يخلقهم ويتركهم، إنما أرسل لهم الرسل الكرام وأنزل عليهم الكتب الهادية إلى الصراط المستقيم .ألم يقل الله تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)}(الحجر)؟
    3- الانبياءُ رسلُ الله إلى عباده وشهداؤهم عليهم.يهدي بهم الله تعالى عباده إلى العمل الصالح ويخرجهم بهم من الظلمات إلى النور . فجزاهم الله عنا الخير كله وجازى سيدنا محمداً خير ما جازى نبياً عن أمته.
    4- إنه من يعمل مثقال ذرة خيراً يره..وان جزاء الله للمتقين الطائعين جزيلٌ يدل على واسع عفوه وكرمه.

    ... إنه سبحانه كريم وعفوّغفور، يدعونا إلى سُبُلِ الخير وجنة المأوى ، وإلى رضاه أولاً وآخراً ..فهل نرى أولي الألباب من المؤمنين يسارعون إلى مرضاته سبحانه؟.

    يتبع القسم الأخير


  18. #38
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا/د.عثمان قدري مكانسي/ق38/الأخير

    سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا

    الدكتور عثمان قدري مكانسي

    القسم الثامن والثلاثون /الأخير


    بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّـهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ
    (6) سورة التحريم

    يقول المثل العربي : درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج. والوقاية من النار بالتأديب والتعليم والعمل بطاعة الله واتقاء المعاصي وبذكر الله المتواصل لساناً وقلباً ، ومساعدتهم على ذلك ، ويعلم أهله وقرابته وما له عليه دالَّةٌ ما فرض المولى سبحانه وما نهى.

    وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها ، رواه ابو داود وقال الترمذي هذا حديث حسن يؤمر بهذا تدريباً و تمرينا له على العبادة لكي يبلغ وهو مستمر على العبادة والطاعة ومجانبة المعاصي وترك المنكر.

    إنها النار التي تصهر كلَّ ما يلقى فيها ووقودها الكفار من البشر وأصنامُهم وما كانوا يعبدون من دون الله : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)}(الأنبياء) قرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الاية وفي اصحابه شيخ يسأله: يا رسول الله حجارة جهنم كحجارة الدنيا ؟
    فقال النبي صلي الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لصخرةٌ من صخر جهنم أعظم من جبال الدنيا كلها " قال فوقع الشيخ مغشيا عليه فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على فؤاده فإذا هو حي فناداه قال " يا شيخ قل لا إله إلا الله " فقالها ، فبشره بالجنة قال : فقال أصحابه يا رسول الله أمن بيننا ؟
    قال " نعم يقول الله تعالى : { ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14)}(إبراهيم) هذا حديث مرسل غريب .

    أما الملائكة الغلاظ الشدادُ فطباعهم غليظة قد نزعت من قلوبهم الرحمة بالكافرين بالله وتركيبهم في غاية الشدة والمنظر المخيف.
    قال عكرمة : إذا وصل أول أهل النار إلى النار وجدوا على الباب أربعَ مئة ألف من خزنة جهنم سودٌ وجوهُهم كالحة أنيابُهم ،قد نزع الله من قلوبهم الرحمة ليس في قلب واحد منهم مثقال ذرة من الرحمة ،لو طار الطير من منكب أحدهم لطار شهرين قبل أن يبلغ منكبه الآخر، ثم يجدون على الباب التسعةَ عشرَ، عرضُ صدر أحدهم سبعون خريفا ثم يهوون من باب إلى بابٍ خمسَ مئة سنة ،ثم يجدون على كل باب منها مثل ما وجدوا على الباب الأول حتى ينتهوا إلى آخرها هؤلاء { لَّا يَعْصُونَ اللَّـهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } يبادرون إليه لا يتأخرون عنه طرفة عين وهم قادرون على فعله ،ليس بهم عجز عنه . وهؤلاء هم الزبانية – لا مفرّ للكافر منهم، نعوذ بالله أن نكون من أهل النار . ولن يُقبل من الكافر اعتذارُه ولن يُرحم بكاؤُه، نسأل الله العافية وحُسْنَ الختام.

    وقد مدح الله تعالى سيدنا إسماعيل إذ ربَّى أهله على الأخلاق الحميدة ،وتابعهم في توجههم إلى الله فوصفه بصدق الوعد ومتابعة صلاة أهله ،وتأديبِهم على مكارم الأخلاق ودفع الزكاة ، ومساعدة المحتاجين ، فكان عند ربه في مكانة رضيّة { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)} (سورة مريم).

    ثم قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّـهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا ...(8)}(التحريم) والتوبةُ النصوح هي الصادقة التي تمحو ما قبلها من السيئات ومن شروطها
    1- (أن يتوب من الذنب، ثمّ لا يعود فيه)
    2- ويندم على ما سلف منه في الماضي .ويبغض الذنبَ كما أحبَّه من قبل.
    3- ويعزم على أن لا يفعل في المستقبل ما كان يفعله قبل أن يتوب.ويستغفر منه كلما ذكره.
    4- وفي حق الآدمي لا بد من إعادة الحق إليه وكشف الظلامة عنه.

    عن عبد الله بن مسعود أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " الندم توبة "
    عن أبي بن كعب قال : قيل لنا أشياء تكون في آخر هذه الأمة عند اقتراب الساعة .
    1- منها نكاح الرجل امرأته أو أمته في دبرها وذلك مما حرم الله ورسولُه ويمقت اللهُ عليه ورسوله
    2- ومنها نكاح الرجل الرجلَ وذلك مما حرم الله ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله .
    3- ومنها نكاح المرأة المرأة وذلك مما حرم الله ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله .
    وليس لهؤلاء صلاة ما أقاموا على هذا حتى يتوبوا إلى الله توبة نصوحا قال زر : فقلت لأبيِّ بنِ كعب فما التوبة النصوح ؟ فقال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال :
    " هو الندم على الذنب حين يفرط منك فتستغفر الله بندامتك منه عند الحاضر ثم لا تعود إليه أبدا " .

    والإسلام يجُبُّ ما قبله ، فيعود التائب كأنه لم يكن فعل شيئاً ، وبما أن الإنسان خطّاء وخير الخطّائين التوابون ، فقد يعود المرء إلى الوقوع في الذنب فعليه أن يستغفر الله ويسأل اللهَ سبحانه العفو والمغفرة ،
    روى ابو هريرة عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، فيما يحكي عن ربِّه عزَّ وجلَّ قال " أذنَب عبدٌ ذنبًا . فقال : اللهمَّ ! اغفِرْ لي ذنبي .
    فقال تبارك وتعالى : أذنَب عبدي ذنبًا ، فعلم أنَّ له ربًّا يغفر الذنبَ ، ويأخذ بالذَّنبِ . ثم عاد فأذنب . فقال : أي ربِّ ! اغفرْ لي ذنبي .
    فقال تبارك وتعالى : عبدي أذنب ذنبًا . فعلم أنَّ له ربًّا يغفرُ الذنبَ ، ويأخذُ بالذنبِ . ثم عاد فأذنب فقال : أي ربِّ ! اغفرْ لي ذنبي .
    فقال تبارك وتعالى : أذنبَ عبدي ذنبًا . فعلم أنَّ له ربًّا يغفرُ الذنبَ ، ويأخذ بالذنبِ . اعملْ ما شئت فقد غفرتُ لك
    " . قال عبدُالأعلى : لا أدري أقال في الثالثةِ أو الرابعةِ " اعملْ ما شئت "رواه مسلم .

    من فوائد التوبة:

    1- تكفير السيئات ، ومن كُفّرت سيئاته وبقيت حسناته ناد منادٍ أن سعد فلان بن فلان سعادة لا شقاء بعدها.ولعلنا بفضل الله نكون من هؤلاء.
    2- ومن ذابت سيئاته وانقلبت حسنات بفضل المليك وعفوه استحق الجنة ، وصار من أهلها إنها جنات عدن أو جنة المأوى أو الفردوس الأعلى أو غيرها، والله كريم يهب عباده الصالحين ما لا يخطر على البال.
    3- ويحشر مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن كان صاحب الحبيب في المحشر لا يُخزيه الله أبداً .
    4- نور المؤمنين يملأ الوديان والبطاح ويسير أمامهم يضيء لهم ماهم فيه يومَ لا شمس ولا قمر. يقوله المؤمنون حين يرون يوم القيامة نورَ المنافقين قد طفئ،
    فعن أبي ذر وأبي الدرداء قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    " أنا أول من يؤذن له في السجود يوم القيامة وأول من يؤذن له برفع رأسه فأنظر بين يدي فأعرف أمتي من بين الأمم وأنظر عن يميني فأعرف أمتي من بين الأمم وأنظر عن شمالي فأعرف أمتي من بين الأمم "
    فقال رجل يا رسول الله وكيف تعرف أمتك من بين الأمم ؟
    قال : " غُرٌّ محجَّلون من آثار الطهور ولا يكون أحد من الأمم كذلك غيرهم، وأعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السجود وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم "

    هذه أمة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يكرمها الله تعالى بالنور الكامل يوم القيامة ..

    إن الله تعالى ينادينا ليجعلنا من المقرّبين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .

    انتهى بحمد الله


+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •