آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: كلمة في الحرف العربي/د. خير الله سعيد

  1. #1
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي كلمة في الحرف العربي/د. خير الله سعيد

    كلمة في الحرف العربي*

    الدكتور خير الله سعيد


    تتشاكس لحظات ولادته الأولى مع الرحم الذي انبجس عنه، معززا ولادته بسمت عربي كامل الهيئة، رافضا التماثل والتبعية للحرف الحميري الذي سبقه وكان سببا لوجوده ، يسير الهوينا في مدارج العقول ، وينبش الذاكرة العربية لتجد له الفضاء النفسي والحسي والجغرافي والبيئي والثقافي حتى يعبر بها عن نفسه .
    سطى على المخيلة العربية في زمن الصحراء وأبدل قحطها بينابيع التأمل
    الفكري ، جاعلا اسمه علامة مميّزة لقوم أرشفوا أدبهم في المعلقات، وأرجزوا بنبراته في أسواق الجاهلية ، فكان وتر القوس الذي رموا به سهام المعرفة من كنانة التأصيل .
    كان مفتاح الفصاحة عند أعراب البوادي ، وأهل الحضر اليه يشدون الرحال ،
    به عرفت الأسماء الأولى ، والأبجدية الأولى ، والمسيح اليه أشار عند الولادة الأولى ، موحيا الى حمامة نوح والجبل الذي اليه رست السفينة .
    به دونت الأسفار الأولى للعقل العربي ، وبه نزل الكلم المقدس ، وعليه مدار القسم الرباني في التنزيل ، جعلته " السور" مفتاحا لها ، وبه تشاكلت العقول, واختلفت في التفسير والتأويل ، حتى اليوم .
    أمّ به الأمويون شعوب الشرق ، والى مدارسه شدّت مطايا وأرحل ، وبه جال الحديث " وعرفت " الصحاح " و تمايزت " الرجال" .
    حمله العبّاسيّون على هاماتهم بندا ، وتفاخروا به على أعدائهم عهدا ،
    احتضنه الفكر الاسلامي فأسس به مدارس للعقول ، ومذاهب للأدب في المنزل والمنقول ، وبه صال الشعر، وعلى هديه تمايز النثر ، به خطّ
    الجاحظ بيانه " وأعلى التوحيدي سنانه ، وعلى تأويله كان التصوف الاسلامي يشد أركانه ، ويخوض صراعاته بوحدة بيانه , وبه توالى " الأقطاب " في" الشطحات" وفي اختلاف رسومه كانت البينات:

    بين التذللّ والتدللّ نقطة * في فهمها يتحير النحرير
    هي نقطة الأكوان ان جاوزتها * فهو المراد وعنده الأكسير (1)

    فهو عندهم " حرف لغات وتصريف ، وتفرقة وتأليف ، وموصول
    ومقطوع ، ومبهم ومعجم ، وأشكال وهيئات " (2)
    والحروف عند الشيخ الأكبر : " أئمة الألفاظ" وتجليا للملك والملكوت والجبروت في " أ ل م " هنّ المنتهى والمبتدا ، وبالحروف سارت الأقلام وشدى الوجد في الوجود عندهم .
    مع الفتح, فتح لبقية الشعوب طاقات النور, وسيّد رسمه على بقية الحروف واللغات ,فعشقته أعين الأقوام , ومالت اليه نفوسهم ، وبه سطروا معاجم وجدهم , ولغات أسلافهم .
    الحرف , هو نقطة البدء في علوم الوراّقين ، وهو كفّ الكفاية لهم للتخلص من ربقة السلطان ، وسيطرة الوالي ، وعنجهية الوزير ، به حرّروا العقل من دهاليز الظلام ، وصانوا النفس عن ذلة السؤال في طلب النوال ، فكفكف عيشهم وصان مروؤتهم ، وحفظ ابداعهم وابداع غيرهم ، فنشروا على الملأ علومه ، وتدارسوا فنه ورسومه ، ووضعوا الأصول لكتابته وحجومه ،
    وعقله ابن مقلة ، وهندس أصله وسقله ، وأخذ الناس عنه منهاجه وفصله ، وفتح أبوابه ابن البوّاب، وأزال عن غوامضه كل حجاب ، فأشرقت أنواره على مشارق الدنيا ،ومغاربها فتغنت بأقلامه نوادي الأدب ، وعرف به أصحاب الكفاءة في الرتب ، وبه خط القرآن كتابا للعرب .

    تحاقبت عليه العهود ، وما زال في الفكر يجود ، له معالم الأشراق تبدو ، واليه نفوس المبدعين تغد و، تنقلت به المدارس، وترسمت به أسماء المدن وأزالت الغبار عن كل دارس .
    في الكوفة علّم خطاه ، وتوشحت به بغداد في " مأمونها" وبه ازدانت الأمصار في رسومه على المعابد ، وعلى شرفات المآذن ومحاريب المساجد ، فكان الشاخص الثقافي الأبرز في ثقافة الاسلام ، والفن المميزفي عبقرية الأعلام .
    هو نقطة الفصل في الفنون ، وهو أداة القسم في " النون" وهو الثابت الذي تجليه حدقات العيون، وهو المتحوّل اليه في نزوات الفتون، هو الوتد الذي نصب عليه الأوائل خيم المعارف، وهو الطنب الذي شدّ الأواخر به صيوان التعارف ، هو قبلة الكتاب في سفر الحجيج ، هو الهوية التي تفصح عن ذاتها في كل فج ، هو اللسان المترجم عن ذوات حامليه في تفاصح الأجناس ، وهو العلامة التي لاتندرس في صفحات الحجر أو القرطاس.
    هو المعادل الموضوعي في تمايز الثقافات ، والأشارة التي لاتدانيها كل العلامات
    هو القوة في التعبير ، والباعث على التماسك في التدوير ، هو المرونة في ريشة الخطاط،.
    هو المطاوعة في استدارة اليد في الرسم على المرامر والبلاط ، هو الجمال في المفردات العربية ،وهو المقياس الفني في رسوم الأبجدية، هو صاحب القابلية على التشكيل ، هو السنّة التي ليس لها تبد يل، هو الظاهر والباطن في كل حروف " التنزيل".
    هو الآية التي ميزت لسان العرب في سورة الحضارة ومواقع التفضيل .
    هو الحقّ الذي حصحص في عقول المستشرقين، فأشاروا له في البيان ، وهو الصورة الأوضح في وجدانهم عند الكلام على معارج العرفان ، هو رنين الماضي التليد ، وايقاع الحاضر المجيد .
    لم تتجاوزه حروف الطباعة كما تجاوزت غيره من الحروف ، وظل شامخا في مخيلة الأبداع، رغم تباعد سني المألوف ، ألفت فيه الأبحاث الطويلة وأنشدت فيه القصائد الجليلة .
    هو الباعث على الالهام في " التشكيل" وهو النقطة والسطر في لوحات الفن الجميل،
    تعشقه عيون الناظر ، وتشرأبّ له الأعناق والنواظر ، هو سيّد المساحات على الورق،
    وهو نبض الكلمات في ميادين القلق، هو الميل والأنسياب في زخارف العشق،
    وهو الجدائل المضفورة في مقرنصات الأفاريز، وحامل الكلمات المطرّزة بالأبريز،
    هو الوشم الذي يزيّن وجه الكعبة ، وهو السلسال الذي يطوّق محراب الصلوة
    هو درّة تاج الفنون الاسلامية، الذي لايدانيه تاج آخر في مسارات الثقافة العربية

    الحرف ..... انما الانسان ذاته.

    عن موقع رابطة أدباء الشام


    * هي الفصل الخامس من الباب السادس" شخصية الحرف العربي" من الجزء الرابع من موسوعة " الوراقة والورّاقون في الحضارة لعربية الاسلامية "

    (1) راجع : أخبار الحلاج – لأبن الساعي علي بن أنجب - تحقيق لوبس ماسنيون وبول كراوس- منشورات مطبعة العلم ، بيروت 1936 م

    (2) راجع – المواقف والمخاطبات – للنفري ن المخاطبة -23-

    التعديل الأخير تم بواسطة نبيل الجلبي ; 04/06/2013 الساعة 11:48 PM

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •