تساؤلات حول تجليات الابتــــلاء...
هل الكتابة ابتلاء...؟
حينما يجلس الكاتب على حافة الذاكرة، على شط الحياة ،ما بين اللغة كمخزون و ما بين اللغة كحاملة للدلالة ،ما بين التجربة الذاتية الشخصية و التجربة الحياتية الاجتماعية...و يتسائل عن الغاية من الكتابة...و الغاية من الذاكرة و التذكر...؟ و عن فائدة ما كتب الأوائل...و ماذا أضافوا للحاضر...؟ و ماذا يمكن للحاضر أن يضيف للأجيال الآتية...؟
عندما تتزاحم كل هذه الأسئلة و أخرى و تقف في وجه الإنسان،ألا تصبح الكتابة قيد و ثقل و مسئولية...؟
ألا يصبح الانتظار حالة الجميع...؟
ينتظر مرورها حتى يتأمل ما فعل بها الزمن...حتى إذا ما مرت واحدة داعبها بنظرات المتفحص المتمحص...كلما نفض عنها شيء من أدران الحياة... انتفضت قائلة:اتركني و شأني فقد اطمئن قلبي لما أنا عليه...فلماذا لامست جراحي فقد زدت طينتي بلة...لقد بللت أوراقي قطرات الحبر...ذاك الفاتح القاتم، بنظرته المتفائلة المتشائمة، بنقده الإيجابي السلبي...حين تختفي أدوات الربط و الفصل و الوصل فتظهر حين تكون الضرورة و تختفي حين يغيب العقل و المنطق و يتصدر العبث وجه الأيام...فيصبح السؤال ضرورة كالماء و الهواء و تصبح الكتابة نهر الحياة التي يتزود منه الظمآن بأكواب من العلم و المعرفة...
يسألها برفق : كم مر من الزمن و لم تلتفت لما وصل إليه الحال...؟ ترد عليه في صمت:هكذا أنتم...تنسون أو تتناسون ماذا فعلتم...؟يوم كان البريق خاطفا كنت في أشد الحاجة للفعل...و اليوم تنتظرونني على حافة النسيان...لتنزلوا في قولا و عتابا...أتريدون إعادة الحياة لمنارة داع صيتها ...؟أم طالت غيبتكم بحثا عن ترياق لا يشبه ترياق الكتابة...؟هل حقا تعتبر الكتابة ترياق العمر...؟ أم هي شكل من أشكال الابتلاء...؟
فكل إخواني الحروف و أخواتي الكلمات اجتمعن في متاهة الذكريات بين أسئلة غامضة و أجوبة أكثر غموضا يعانين كثرة الجراح...
هلا أسعفتم ذكرياتكم بشيء من الحضور...؟
أما أنا فقد أكون مرغوبا كما قد أكون غير ذلك...فما أجمل الصراحة في زمن قلت فيه الأسئلة الجادة...؟
ليست المشكلة أن تكون أو لا تكون و لكن المشكلة في صدق الكلمة حين تكون...فأنت كائن بالفعل سواء طرحت السؤال أو لم تطرحه...ففي اختفاء صدق الكلمة تصبح الكينونة مزيفة لا حقيقة...و يملأ الفراغ فسيفساء الكلمات الذي يخفي معالم القيم الفاضلة...
من يزين فسيفساء الكلمة...؟ أليست النظرة...؟ و كيف يرى النور من عميت بصيرته عن الحق...؟
أليس الحق نور...؟ أو ليس النور ضد الظلام...؟ أليس نور الحق ضد ظلام الباطل...؟
كيف يصنع الإنسان بحروفه فسيفساء الباطل فيقدمه ظلاما للآخر و يطلب منه أن يهتدي به إلى ما يسمى "الحق"...؟
كيف يهتدي من ليس له نور...؟ أليس العقل مصباح النور و شعلة النور و قبس من قبسات النور...؟
العقل مصباح...يشتعل في فترة و ينطفئ في أخرى...حين يشتعل تزدهر الأمة أو المجتمع أو الجماعة أو الفئة أو الفرد...و حين ينطفئ و يظل يعمل ينتج ظلاما هو الآخر ينتشر بانتشار حضور الظلام...
فالشيء من جنس الشيء يتمدد و يتكاثر...فالحديد يتمدد بالحرارة...و لا يتمدد الحجر و الشجر...فالظلام لا يتمدد كلما وجد النور...و النور يكتسح الظلام مهما كانت كثافة الظلام...
لكن المشكلة الكبرى في ظلام العقول...
فإذا كانت العقول في الروؤس...ففي الرؤوس ظلام كثيف...أما إذا كان الظلام في القلوب...فهناك متنفس الرئة يحمل الأكسجين من العالم المحيط ليمد به قوة النفس بالحركة فتسري الحياة في العقل/القلب كما تسري الحياة في باقي الجسد كلما بلغها ما يدفعه القلب بنبضاته المتوالية...حتى يسري الدم في شرايين الذات حاملا كل ما يحتاجه الجسم من مواد للحفاظ على مقومات الحياة...
فهل يحمل الأكسجين من الهواء النقي ما يحي القلب و يشع فيه النور...؟ أم أن الهواء الذي يحمل الغذاء الحياتي سواء المادي أو المعنوي ليس له علاقة بالهوى أو الهدى الذي يسري في الجسد...فيشكل السلوك و يؤسس النظريات و الاتجاهات و المذاهب...
31/مـاي/2013.سعيد نويضي
المفضلات