في العالم العربي تنعم الدول الغربية التي يسيطر إعلامها المتصهين بشعبية كبيرة في العالم العربي والإسلامي على أنها دول ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، فعل سبيل المثال عند غزو أمريكا للعراق عام 2003، دخلت على مكتب التمثيل لفلسطين في هلسنكي عاصمة فنلندا (فنلندا لا تعترف بدولة فلسطين ولا تعترف بكلمة فلسطيني) فوجدت تهليل وترحيب من قبل أكبر أثنين في المكتب الفلسطيني للاجتياح الأمريكي للعراق وكانا يزعمان أن أمريكيا سوف تجلب الديمقراطية والسلام والرخاء والأمان إلى العراق، فعلمت حينها أن على الدنيا السلام، ولم أستغرب بعد ذلك اغتيال المناضل من الجبهة الشعبية في سفارة فلسطين في بلغاريا لأن كل موظف من هؤلاء على هذه الشاكلة والعياذ بالله (إلا من رحم ربي بدون تجميل). أريد أن أنوه هنا أنه تعمل في مكتب التمثيل الفلسطيني في هلسنكي يهودية من يهود الفلاشا (أثيوبية) منذ أكثر من عشر سنوات، وهي لا تعرف لا اللغة العربية ولا اللغة الفنلندية وتم توظيفها في المكتب لغاية في نفس يعقوب. والغريب في مكتب التمثيل الفلسطيني في هلسنكي أنه عند طلب أي معاملة من المكتب يطلب المسؤول في المكتب تعبئة ورقة تسجيل فيها معلومات دقيقة عن شخصك وحتى عما إذا تم فرض مخالفات عليك في فنلندا ومتى جئت ونوع الإقامة وأفراد العائلة ومعلومات دقيقة جداً لا تطلب من سفارة أي دولة في العالم أنا نفسي أعتبرها تجسس مخابراتي.
على كل حال دعنا نتمعن في هذه الدولة فنلندا ذات الوجه الأبيض والعيون الزرقاء في الديمقراطية وحقوق الإنسان ما شاء الله، فبدءا ذي بدء هي لا تعترف بشيء اسمه فلسطين ويسجل الفلسطيني في فنلندا كشخص بدون جنسية، أي أنهم لا يقولوا بأن هذا الفلسطيني بدون جنسية وإنما يقولون أن هذا الشخص بدون جنسية لأنهم لا يعترفون بشيء اسمه فلسطين أصلاً.
تمام كلام جميل، فمن هي دولة فنلندا هذه التي لا تعترف بشيء اسمه فلسطين، متى تكونت، سنة 1917 بفرمان من الاتحاد السوفيتي يمنحها الاستقلال وسنة 1918 كانت عندهم حرب أهلية حدثت فيها مقابر جماعية للأطفال والنساء قاموا بنشرها على قناتهم الرسمية للتلفزيون، أنا سمعت مثلاً في البوسنة والهرسك عن قبور جماعية ولكن البلد الوحيد الذي سمعت أنه حدث فيه قبل أقل من 100 سنة قبور جماعية للنساء والأطفال هي فنلندا، هذا الحدث الإعلام الفنلندي الديمقراطي الحر لا يوصله إلى العالم الخارجي لأنه عندهم أخلاق صحفية تنشر فقط ما يلمع هذا الوجه الأبيض ذو العيون الزرقاء.
ولا يعلم حتى عدد كبير من الفنلنديين الحاليين أنه قبل مشاركة فنلندا ألمانيا النازية الحرب ضد الاتحاد السوفيتي كانت ثاني أكبر مدينة فنلندية آنذاك هي مدينة فيبيرق، وبعد الحرب أصبحت هذه المدينة روسية.
بعد انتصار الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية على النازية وخسرت فنلندا الحرب مع هتلر، ضم الاتحاد السوفيتي جزء منها إلى الاتحاد السوفيتي ورحل من هذه المنطق ثلث الشعب الفنلندي كلاجئين داخليين وأجبر فنلندا على دفع كل خسائر الحرب للاتحاد السوفيتي وهذا ما حدث أي كانت وثيقة استسلام بعد خسارة الحرب مع النازيين. الأمر المهم هو أنه قبل أن يمنح الاتحاد السوفيتي فنلندا الاستقلال كانت فنلندا مئات من السنين تحت إدارة الاتحاد السوفيتي وقبل ذلك كانت مئات من السنين تحت إدارة السويد، وكانت السويد تريد القضاء على اللغة الفنلندية وإحلال اللغة السويدية محلها، أما عندما أصبح هذا الإقليم أي ما يعرف بفنلندا الآن تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي فقام السوفييت على المحافظة على اللغة الفنلندية وتقويتها وتشكيل قومية فنلندية كي تكون حاجز بين الاتحاد السوفيتي وبين الإمبراطورية السويدية والغرب، أي أنه لولا السوفييت لتلاشت اللغة الفنلندية وتلاشى شيء اسمه فنلندا ولأصبحت جزء من السويد. كان الروس يريدونها منطقة عازلة (Buffer zone) بينهم وبين الغرب لهذا أبقوها وعلى سبيل المثال الرئيس الفنلندي أورهو كيكّونين بقي في السلطة كرئيس أكثر من 25 سنة، ولم يُعتبر ذلك استبدادا لأنه كان تحت أمر الروس والأوامر لفنلندا كانت تصدر من السفارة الروسية في هلسنكي.
أي أن فنلندا لم تكن دولة ولم يكونوا شعبا من قبل إلا بعد أن أراد لهم الروس ذلك قبل حوالي 100 سنة، والآن هذه الدولة التي صنعتها روسيا لا تعترف بفلسطين التي عمرها أكثر من 7 آلاف سنة، وشر البلية ما يضحك!
إذا كان الفنلنديون يعتبرون أن أرض فلسطين هي لليهود لأنهم عبروا من هناك قبل 3 آلاف سنة، وتناسوا الكنعانيين قبل 7 آلاف سنة، أليس من حقي كفلسطيني أن أعتبر أن هذه الدولة التي تعرف باسم فنلندا الآن هي إقليم روسي لأنها كانت تحت سيطرة روسيا قبل حوالي 100 سنة فقط، أليس أولى أن تكون فنلندا روسية من أن تكون فلسطين يهودية، ولكن عندما يصدر هذا الإنكار لوجود الفلسطيني من دولة تسمى فنلندا يُعتبر ذلك ديمقراطية وحقوق إنسان، يا للهوان! (وجه أبيض وعيون زرقاء يحق لها مالا يحق لغيرها).
ولكن الغريب في الأمر لماذا لا ينشر الإعلام الفنلندي الديمقراطي والحر بفهمهم أن ثاني أكبر مدينة كانت فيبيرق، لماذا يغطون إعلامياً على ذلك، ولماذا يغطون إعلامياً على ما تقوم به روسيا من فعاليات لضبط هؤلاء.
ففي أوج احتفال فنلندا بعيد الاستقلال 100 الهبة الروسية الشهر الماضي قامت صحيفة هلسينقين صانومات بنشر معلومات عسكرية سرية ويبدو أن المخابرات الروسية سربتها لهم وأن هذه الوثائق السرية من الدرجة الأولى لا يطلع عليها إلا رئيس الدولة ورئيس الوزراء بصحبة عدد قليل من الوزراء ولكن لا يطلع عليها اقل من وزير، وحتى وزير الدفاع لا يكون بمفرده عند اطلاعه عليها، كان هدف المخابرات الروسية من نشر هذه المعلومات السرية للغاية من الدرجة الأولى تفهيم هؤلاء أنهم تحت الضبط والسيطرة وكذلك يذكرهم بهذا الواقع الطيران الحربي الروسي من حين لآخر، فمثلاً قامت روسيا بتسيير طيران حربي فوق الأجواء الفنلندية عند وجود وزير الخارجية الأمريكي في هلسنكي، كما أرسل الروس طيارة حربية بدون طيار غير معرفة أثناء قيام الجيش الأمريكي بمناورات حربية مع الجيش الفنلندي شمال فنلندا. كل هذا حدث خلال الأشهر القليلة الماضية، كما أن منظومة الصواريخ الروسية موجهة على جميع أنحاء الحدود الفنلندية مع روسيا لتصل إلى كل سنتمتر واحد من دول الشمال وهذا ما أعلن عنه رسمياً الجيش الروسي. عند نشر صحيفة هلسينقين صانومات البيانات السرية هاجمت المخابرات الفنلندية منازل الصحفيين ومقر الصحيفة واستولت على أجهزة الكمبيوتر وأصابع الذاكرة ورئيس التحرير مهدد الآن بالحبس 4 سنوات سجن لنشره معلومات سرية، مع أنه يستند إلى القانون الصحفي بشأن حماية المصدر. أين الديمقراطية وأين حرية الكلمة التي يتبجح بها هؤلاء!
ما يهمني كفلسطيني من كل هذا هو الرد عليهم بأفعالهم، فبالنسبة لروسيا فنلندا تعتبر كشبه جزيرة القرم ولها نفس المستوى ومادام استعادت روسيا شبه جزيرة القرم، فمن الممكن إن تستعيد قريباً إقليم فنلندا وهناك الكثير من الإشارات الروسية بشأن حتمية استمرار وضع فنلندا على ما هو عليه الآن في حين أن روسيا تزداد نفوذاً عسكرية وسياسياً وهذا يؤدي إلى إعادة الحسابات بخصوص منح الاستقلال لفنلندا سنة 1917 كما تمت إعادة حسابات شبه جزيرة القرم.
هذا يفيدني من ناحية أن هذه الدولة التي لا تعترف بي كفلسطيني أن أشكك بشرعية وجودها، وأن اعتبرها إقليماً روسياً وليس دولة مستقلة كما هي تعتبر فلسطين يهودية ولا وجود لشيء اسمه فلسطين، مع العلم أن اللغة الفنلندية عمرها اقل من 500 سنة وروسيا هي من أنشأتها وأبقتها!
الشيء الذي يثير الاشمئزاز بخصوص هذه الديمقراطية المقيتة الفنلندية أنهم يتبعون السويديين في كل شيء، حتى لو دخل السويديون جحر ضب فإن فنلندا سوف تدخله خلفهم، والسويد تعترف بفلسطين كدولة والفلسطيني كإنسان، أما فنلندا فاتبعت السويد في كل شيء إلا فلسطين، فمن مبدأ المعاملة بالمثل، ألا يحق لنا كفلسطينيين معاملة هذه الدولة المارقة بالمثل واعتبارها مثل شبه جزيرة القرم ومادامت المدينة الثانية أصبحت روسية فلما لا ترجع المدينة الأولى هلسنكي إلى جوار أختها فيبيرق؟
تابعت البرامج الرسمية الفنلندية بعد قرار العنصري الأمريكي ترامب بتحويل مقر سفارة أمريكا إلى القدس والاعتراف بالقدس كعاصمة للكيان الصهيوني (من لا يملك لمن لا يستحق) لاحظت أن أغلب من ظهر على البرامج الرسمية الفنلندية اعتبر أن ذلك هو الأمر الطبيعي وأن القدس عاصمة للكيان الصهيوني وأنه لا يجوز تقسيمها، هذا ما يقوله هذا المنطق الديمقراطي الفنلندي الأعوج. ولكي تقوي السلطات الرسمية الفنلندية هذا التوجه أظهرت عجوز فنلندية على نشرات الاخبار تقول أنها لن تنتخب مرشح للانتخابات الرئاسية الفنلندية كرئيس لأنه لم يوافق ترامب في قراره، هذا المرشح النتائج الأولية تمنحه أقل واحد في المائة من الأصوات أما المرشح شاؤولي نينيستو الصهيوني فأكثر من 70% من الأصوات (الانتخابات الرئاسية قريباً في فنلندا).
أنوه إلى أن هذه الدولة لها سياسة خبيثة جداً، وقد تعلمت هذه السياسة كونها دولة صغيرة مهزومة تقع بجوار روسيا، فهي ثاني أكبر مصدر لتكنولوجيا الصواريخ للكيان الصهيوني بعد أمريكيا، وكل صاروخ يسقط على غزة به قطعة توجيه مصنوعة في فنلندا، وفنلندا تدعم إسرائيل عسكرياً من خلال صفقات عسكرية ضخمة، وقدمت رسمياً شكوى رسمية لوزارة العدل الفنلندية بأنهم مشاركين في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بصواريخهم التي تقتل الأطفال في غزة، فقالوا أنه لا توجد هناك عقوبات دولية مفروضة على الكيان الصهيوني وبذلك لا يوجد مانع من توريد لها تكنولوجيا توجيه الصواريخ!
ولتجميل وجهها وكي يشاع بين العرب والمسلمين أنها دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان تنشر في كل مكان أنها تتبرع للفلسطينيين بمبلغ 10 ميلون دولار في العام وجل المبلغ يدفعوه رشوة لمسؤولين فلسطينيين، في حين أن فنلندا تدفع فقط لدعم آبار المياه في زامبيا 30 مليون دولا في العام! أي يستخدمون الـ 10 مليون دولار تورية للتغطية على أفعالهم الخبيثة.
لو كان العرب في مكانهم السليم وموقفهم السليم لسحبوا اعترافهم بأن هذه الدولة مستقلة كما لا تعترف هي بوجود شيء اسمه فلسطيني، وأي تعامل من ناحية الجهات الرسمية الفلسطينية مع هذه الدولة أعتبره إهانة لفلسطين، فإذا كانت هذه الدولة لا تعترف باسم فلسطين، فما هو التعاون معها الذي سوف يكون على أساس أنك إنسان بدون مجهول الهوية وتعتبر أن أرضك هي لليهود وأنت غير موجود أصلاً في ديمقراطيتهم ومنطقهم الأعوج.
أطالب الفلسطينيين شعباً وأفراداً وسلطات رسمية معاملة فنلندا والدول التي تسير على خطاها بالمثل، فعندما لا تعترف باسم الفلسطيني ولا فلسطين يجب التشكيك في شرعيتها ووجودها واستمرارها بهذا الاسم، وبالنسبة لفنلندا يجب على كل فلسطيني أن يطالب بضمها إلى روسيا كإقليم القرم وأقترح على العرب والمسلمين المقيمين في فنلندا وحاملي الجنسية الفنلندية التقدم بمبادرة مواطن حسب القانون الفنلندي المعمول به حالياً للمطالبة بأن تضم فنلندا نفسها طوعاً كجزء من روسيا بحيث تصبح وضعية هلسنكي وباقي الإقليم كوضعية مدينة فيبيرق الروسية واقتداءً بإقليم القرم الروسي.

أيمن أبو صالح - فلاديفوستوك