Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2958

Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2968
السماء تحكم الأرض

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: السماء تحكم الأرض

  1. #1
    مدير عـام الصورة الرمزية مصطفى الزايد
    تاريخ التسجيل
    21/08/2008
    المشاركات
    1,382
    معدل تقييم المستوى
    10

    افتراضي السماء تحكم الأرض

    السماء تحكم الأرض

    بسم الله الرحمن الرحيم


    درجت المصانع كلما طرحت جهازا في الأسواق أن ترفقه بكتيب يحتوي على دليل يشرح فيه المنتج الغاية من استخدامه، وشروط عمله، وتعليمات للمحافظة عليه، ووسائل صيانته، وما يضر به، وما يؤثر على سير عمله بشكل صحيح بحيث يحافظ على سلامته من التلف والخراب. وإذا كان على الجهاز ضمان فإن الشركة غير مسؤولة عن الاستخدام المخالف للشروط، وينتقض الضمان بالإخلال بها.
    فهل نسي صانع أعظم جهاز على وجه الأرض أن يرفقه بكتاب تعليمات تبين كل ذلك؟

    لقد بين الله سبحانه وتعالى الغاية من خلق الجن والإنس فقال: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، فهو هدف عام من الخلق شمل به الطرفين، تحت رقابة منه سبحانه ومتابعة، مع وعد بالثواب ووعيد بالعقاب، في يوم يعيد الجميع فيه إلى الحياة سماه (يوم القيامة)، كما وضع ما يمكن أن نسميه (قانون طوارئ) لتأييد للقائم بأمره والانتقام من المخالف في الدنيا انتقاما فرديا أو جماعيا، وذلك في بعض الحالات ولم يجعلها قوانين ثابتة (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون).
    خصوصية الإنسان:
    لكنه سبحانه خص الإنسان بمهمة أخرى بينها قبل تسويته فقال: (إني جاعل في الأرض خليفة) أي خليفة لله ينوب عنه في إقامة أحكامه وتحكيم شرعه ودعوة الناس لعبادته. ووضع هذه التعاليم والشرائع في تركيبة آدم عليه السلام، إضافة لمتابعته على الأرض ودعمه بالوحي والمعجزات؛ كحادثة ابني آدم وتقديم القربانين.
    الإغواء والانتقام:
    كان دور (إبليس) العدو الأول للإنسان إخراجه عن هذه المهمة وتزيين تركها، وإقناعه بالتخلي عنها مقابل أحكام يبهرجها له ويزينها تحت صور مختلفة توافق أهواءه أو عواطفه تحت مسميات مختلفة من إنسانية وتطور وتقدم وحضارة ورحمة، وكأنه أرحم بالخلق من الله سبحانه!
    وكلما اندثر عهد نبي وتلاعب العدو الأزلي بعقول البشر فغيروا وبدلوا، أرسل الله نبيا ليعيدهم إلى السكة الصحيحة، فاهتدى من اهتدى، وضل من ضل. وكثيرا ما كان يصاحب ذلك استخدام ما سميناه (قانون الطوارئ) بإنفاذ العقوبة في الدنيا قبل الآخرة، كما حدث مع قوم نوح، ومع فرعون وملئه، وقوم شعيب، وقوم صالح، وعاد، وثمود، وغيرهم.

    رسالة محمد عليه الصلاة والسلام:
    حين جعل الله سبحانه هذه الرسالة خاتمة الرسائل، وصاحبها خاتم الانبياء حفظ هذه الرسالة من التغيير والتحريف والتزوير لأنه لن يرسل بعده نبيا يعيد الناس إلى نهج الحق إذا حرفوها.
    وقد ضمن سبحانه هذه الرسالة أحكام العبادة، والخلافة؛ وهما المهمتان الأساسيتان للإنسان (ما فرطنا في الكتاب من شيء) فجعله كاملا متكاملا (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)، فكما بين فيه العقيدة وأسسها ومقوماتها، وضع الأحكام والقوانين والأنظمة في ظل هذه العقيدة، لتكون ممارسة واقعية وإثباتا لاتباعها من جهة، وحارسا لها من جهة أخرى.

    منهج إبليس:
    (إذا لم يقدر عليك سلط عليك من يقدر عليه).
    كان لأبي الدرداء رضي الله عنه غلام يرعى شياها له، وفي أحد الأيام جاء بالشياه وقد كسرت رجل إحداها. فسأله أبو الدرداء: من كسر رجل هذه الشاة؟
    فاجاب الغلام: أنا كسرتها، لأغيظك، فتضربني، فتأثم!
    فقال أبو الدرداء: والله لأغيظن من حملك على إغاظتي، اذهب فانت حر لوجه الله!
    في هذه الحادثة نتعرف إلى وعي الصحابة رضي الله عنهم في معرفة عدوهم الحقيقي (إبليس) وفهمهم لأساليبه، فأبو الدرداء فكر في المسألة ففهم أن إبليس لعب بعقل هذا الغلام فدفعه ليقول ما قال لاستفزازه ودفعه إلى الإثم. فاتخذ قرارا مضادا واعتق الغلام.
    وإبليس حين لم يقدر على المسلمين سلط عليهم اتباعه من البشر، فانتشرت الدعوات للخروج على حكم السماء في الماركسية، لكنها سقطت وتحطمت على صخرة الوعي الإسلامي، فجاء بالليبرالية، وهي متفقة مع الماركسية في الأساسيات، لكنها مختلفة في التفاصيل، فالليبرالية تزعم أنها تؤمن برب السماء، لكنها ترفض أحكامه وشرعه! لكنها أيضا فشلت في اقتحام حصون المسلمين.

    ضرب الإسلام من داخله:
    وهي الطريقة التي جند لها اليهودي عبد الله بن سبأ، وظهر على يده الفكر الرافضي أو الشيعي كما يسمونه. لكنه فشل وإن نجح جزئيا في بعض المجتمعات، فقد ظلت فئة من المسلمين متمسكة بدين الله وسنة نبيه محافظة على شرعه واحكامه. ولم يعيا الشيطان، فحاول استغلال العابدين فلبس على بعضهم من أمثال الحلاج، لكن تأثيرهم بقي محدودا، ثم اندثر.

    إبليس يمتطي الأقلام:

    بانتشار العلم، وكثرة المثقفين، وعمق الوعي لديهم، كان من الصعب أن يأتيهم إبليس من جهة الخرافات كما السبئيين، والاستدراج كما العباد والزهاد، فعمل بحكمة (من مكمنه يؤتى الحذر) فأتى من الجانب الفكري والفلسفي (الثقافي) ، فخرج لنا المعتزلة في الماضي، كما استغل أدباء فامتطى أقلامهم مثل نجيب محفوظ في قصة (أولاد حارتنا)، حيث بين نجيب أن الرقي الفكري الذي وصل إليه الناس ألغى لديهم فكرة (الإله)، لكنهم في فترة لاحقة رجعوا إلى شرعه وأحكامه وقوانينه اختياريا كقيم ثمينة ولأنهم وجدوا أنها أجدى وأنفع للناس، فعادوا إلى الأخلاقيات لكن بدون إيمان بالله ودون عبادة. كما ظهر لنا آخر يفسر القرآن على هواه ليزعم أن الحجاب المفروض في الإسلام هو تغطية العورة فقط! لكن هذه الدعوات وامثالها جوبهت كما جوبه سلمان رشدي وأضرابه من أعداء الإسلام، وشرح العلماء الواعون والمفكرون مقاصدهم مما يكتبون وحذروا منها.

    قتل الإسلام باسم الإسلام

    واسلوب الشيطان هذا يستخدمه اليوم مع المتعالمين والمستثقفين، الذين يولدون مسلمين، ويتعلمون في المجتمع المسلم، لكنهم لم يفقهوا هذا الدين. فيمتطي أقلامهم، ويفتح لهم أبواب الشهرة والشعبية والإعلام، ويسخر لهم جنوده للتطبيل لهم والتزمير، واقناع الغوغاء بأن أولئك مفكرون (أحرار)، فهم حضاريون، يطوعون الدين بما يناسب التقدم الحضاري، بينما علماؤنا مفكرون غير أحرار، ومتخلفون، أو (تقليديون) أي انهم (عبيد)، دون أن نفكر: من أي فكر تحرر أولئك؟ ولأي فكر ظل هؤلاء عبيدا؟
    فكان أمثال حمدان قرمط، وكان السهروردي، الذين كانوا مثقفين جدا في عصرهم، لكنهم لم يفقهوا ما تعلموا، فكانوا أداة طيعة بيد الشيطان. وفي كل يوم يظهر لنا أشباههم يتكلمون بالقرآن ، والحديث، ويظهرون الحرص على الدين، لكنهم يتلاعبون بالتأويل وتحريف المقاصد. ويتهمون العلماء الحريصين على الدين بأنهم أعداء للدين يضرونه بتمسكهم بأحكام لا تتناسب مع الحضارة والمجتمع العالمي الجديد. ويصفق لهم الغوغاء، وينخدع بهم الجاهلون، ويتبعهم قاصرو الفكر.


    الجرأة على الدين:
    مرض خطير يجتاح مثقفينا، ويوقعهم فرائس للشيطان، فعندما تطرح أمام أحدهم مسألة في علم خارج اختصاصه يلتزم الصمت، بينما إذا طرحت امامه مسألة شرعية لا علم له بها تكلم دون ضوابط ، وقال: رأيي كذا! رغم أنها مسالة لا مكان للرأي فيها. فعلى سبيل المثال مصافحة المرأة الأجنبية، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لئن يطعن رأس أحدكم بمخيط خير له من أن يمس امرأة لا تحل له).
    ومع ذلك يقول مستثقفنا: أنا أرى أنه يجوز! ولا دليل عنده، ولا علم لديه بهذا الموضوع. وكل ذلك من هوان الدين على الناس وجرأتهم عليه، لذلك تجدهم يتجرؤون على الشرع وكأنهم لا يعرفون المشرع (وما قدروا الله حق قدره). ورأيت بعضهم على الشاشة يقول لمحاور: من فوضك لتكون نائبا عن الله؟
    رغم أن الله جعل كلا منا نائبا عنه (خليفة) نقوم على أمره وندعو إليه ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر.


    ثقافة البنطال والعمامة:
    كان أحد رجالات مصر سائرا في الطريق، فتلقاه رجل أمي يحمل ورقة، وقال له: هل تسمح فتقرأ لي هذه الرسالة؟ وكان الرجل مستعجلا، فقال له: لا أعرف القراءة. فقال الرجل بدهشة: ولماذا تلبس طربوشا؟! فما كان من الرجل إلا أن رفع الطربوش عن رأسه ووضعه على رأس الأمي وقال له: تفضل اقرأها أنت!
    فالعلم لا ينحصر في طيات جبة ولا تحت طربوش، والوعي لا يرتبط بقميص وبنطال، ولا يجافي ثوبا وعمامة.
    لكن حين طغت على شبابنا المثقف مظاهر التغريب تغيرت رؤاهم، وأصبحت نظرتهم لصاحب العمامة والثوب القصير واللحية الطويلة على أنه متخلف، لا يواكب الحضارة، وكأنه لا يعيش في عصرهم وإنما في عصر هذه الثياب التي يرتديها. بينما يأتيهم متعالم حليق أو ذو لحية قصيرة ويلبس بنطالا وقميصا وربطة عنق، فيرون فيه عالم العصر، وسادن الدين، فيتقبلون منه كل ما يقول حتى لو كان يهرف بما لا يعرف، ويحل ما حرم الله، ويغير ويبدل في دينه.

    تغير القيم بتغير التقييم:
    حين ينظر الناس إلى مظهر الإنسان ويقيمون جوهره سلفا تبعا لمظهره، فإذا كان مظهره نبويا (أي متشبها بالنبي في الهيئة والملابس) قل مكانه في أعينهم، وحين يتكلم يهزؤون بمنطقه لا لضعف منطقه ولا لغياب حجته، وإنما لأن ثيابه لم تعجبهم، أو بمعنى آخر لم تشابه ثيابهم، ولا يعلمون أنهم بذلك ينزلقون في أول مزالق الهوى. ويصبح تقييم القيم العقلية للآخرين عندهم لا يستند للقيم ذاتها وإنما لشكل وعائها، فقديما قيم الكفار الإسلام من خلال فقر النبي عليه الصلاة والسلام: (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم).

    الثابت والمتغير في الدين:

    ذكر النبي عليه الصلاة والسلام لبث الدجال في الأرض أربعين يوما، يوم كجمعة، ويوم كشهر، ويوم كسنة، وسائر أيامه كأيامنا. فسألوا: اليوم الذي كسنة هل تكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، ولكن اقدروا له قدره.
    هذا يدلنا على أن في الدين ثوابت ومتغيرات؛ فالثوابت هي خمس صلوات كل يوم معتاد (24) ساعة. والمتغيرات هي طريقة إقدار قدرها، فلا ترتبط بفجر أو زوال أو ظل أو غروب أو غسق. لكن الثابت يعود لثباته بعد زوال سبب التغيير، فالمسافر يقصر الصلاة ويجمعها، لكنها تعود لثباتها عددا ووقتا في حال إقامته. وقد قال عليه الصلاة والسلام: إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. فهذه من الثوابت، لكن عمر رضي الله عنه في عام الرمادة لم يقطع يد السارق بسبب حاجة الناس، وقد قال تعالى: (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم). فاستند عمر إلى هذه الآية تبعا للظرف المتغير. لكن بعد انتهاء الحاجة وتوفر الطعام عاد الثابت لثباته، ورجع حد السرقة قطعا لليد كما كان.
    والمتغيرات تخضع للظروف والزمان والمكان، لكن الثوابت تبقى، ففي الملابس يحل لنا لبس القميص والبنطال رغم أنها مخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومشابهة لملابس الكفار! لكن لا يحل لنا لبس الحرير بدون عذر شرعي؛ لأن ذلك ورد فيه نص.
    ولا يحق لنا أن نعبد مع الله إلها آخر، ولا أن نتبع نبيا غير محمد صلى الله عليه وسلم، فهذه ثوابت. والعقيدة والحدود والأحكام كلها ثوابت لا يمكن تحريفها أو استبدالها أو التلاعب بها.


    فصل الدين عن الدولة:
    هذه الدعوة بدأها الملاحدة إبان الثورة الشيوعية تحت شعار (الدين لله والوطن للجميع)، وانتشرت في بلادنا مع انتشار التيارات القومية والوطنية، وقد استزل الشيطان بها عددا من طلبة العلم وكثيرا من المثقفين، وأغوى بها الشعوب بذريعة تمكين اللحمة الوطنية أو القومية مستغلين منهج أتاتورك الملحد في سياسة التتريك، رغم أنهم ساروا على نهجه في محاربة الدين وجعله عبادة فقط لا علاقة لها بالحكم.
    وبعد ذلك ظهر في مجتمعاتنا أنصاف مثقفين متأسلمين يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، فزعموا أن الدين لا علاقة له بالقوانين الناظمة لحياة المجتمع، وأن إقامة الشرع وحدوده على الشعب قد ولى زمنها، وأنها تجب حين يكون المجتمع كله مسلما، فلا يحق لك أن تقيم حدود الإسلام على نصراني او يهودي أو ملحد لأنهم لا يؤمنون بهذا الدين فلا تسري عليهم أنظمته. وللأسف فقد اقتنع عدد من أنصاف المثقفين بهذه الفكرة، وصاروا يدافعون عنها، وكأن تطبيق الشرع وحش كاسر سيلتهم الجميع، وقد أبدى بعضهم مخاوفه من قيام نظام إسلامي رغم أنه مسلم يحافظ على صلاته وصيامه! وكأنما اعتقدوا أن قيام نظام إسلامي سيفرض عليهم لبس الثوب القصير والعمامة وإطالة اللحية، ويفرض على نسائهم الخمار والعباءة، ويفرض عليهم صيام الإثنين والخميس والإفطار على تمرات فقط، وركوب الناقة بدلا من السيارة، والاستضاءة بالسراج بدلا من الكهرباء!
    وهذه النظرة القاصرة عن الإسلام مرجعها الشيطان والإعلام اليهودي المعادي للإسلام والذي تم توجيهه لإثارة الرعب في قلوب الغربيين من قيام الإسلام، وتخويفهم من الوحش الراقد، بينما هو مختلف عن ذلك تماما.


    من يضع القوانين؟
    حين نقول إن السماء تحكم الأرض، ونؤمن أن الله هو المالك لها المتصرف بها، فعلينا أن نقبل بالقوانين والأنظمة التي وضعها، واشترط علينا نحن البشر تطبيقها والسير عليها ليرضى عنا، معلنا أن هناك عقوبات فرض على المجتمع أن يقيمها على المخالفين، وإن لم يقمها المجتمع فهو شريك فيها وستعم العقوبة الجميع.
    ولنقارن بين هذه الحياة التي خلقها الرب سبحانه، ووضع لها قوانين، وأنظمة، وبين حال تخيلي دنيوي:
    لنتخيل أن شخصا ثريا أقام مؤسسة كبيرة بمساكنها، وجاء بقوم حفاة عراة جياع لا يملكون شيئا، وقال لهم: هل تعملون عندي في هذه المؤسسة؟ وما تنتجونه من أرباح يكون لكم. لكن لي شروطا، فمن سرق شيئا يقطع الآخرون يده، ومن زنا وهو متزوج يرجمونه، ومن شرب خمرا تجلدونه. وهذا كتاب بأنظمة المؤسسة، فكل مخالفة لها عقوبة.
    ففرحوا واشتغلوا بها، فلما كثرت أرباحهم وتضاعفت خيراتهم، نسوا عريهم وجوعهم وفقرهم. فهل تراهم يطالبونه بإلغاء قوانين مؤَسسته؟ أو يستبدلون بها قوانين غيرها يضعونها هم أو يضعها لهم عدو صاحب المؤسسة (إبليس)؟
    وهل تصرفهم هذا حق؟
    إذا لم يكن حقا مع العبد، فكيف نرضاه مع الله ونزعم أنه حق؟


    اختيار أنظمة البلد وقوانينه:
    طبعا هذا أمر لا يتناقش فيه اثنان، فالذي يختارها في الدول العربية هم الفئة التي تمسك بزمام السلطة، فتفرض القوانين التي ترتئيها بالقوة والقمع. أما في الدول المثالية فاختيار الأنظمة والقوانين والأحكام يرجع للأكثرية من أبناء شعبها، وليس بما يرضي جميع الأطراف. فمن هم الأكثرية في أغلب البلاد العربية؟ إنهم المسلمون.
    وفي عهد النبي عليه الصلاة والسلام كان في المجتمع المدني مسلمون، ويهود، ومشركون، ومنافقون. ومع ذلك كانت أنظمة الحكم وقوانين الدولة إسلامية منزلة وحيا من السماء.
    وكذلك لا يحق للمسلمين في أغلب دول العالم المطالبة بإقامة قانون الإسلام، ولا أن يرفضوا قانونا مخالفا لدينهم؛ لأنهم أقليات.
    وفي عهد النبي صلى الله عله وسلم طبق النظام الإسلامي على الجميع، ومن بينهم اليهود؛ فعنْ جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قالَ: رجمَ النبّيُّ - صلى الله عليه وسلم - رجُلاً مِنْ أسْلَمَ ورجُلاً من اليهودِ وامرأةً. رواهُ مسلمٌ. وقصَّةُ رجْم اليهوديّين في الصحيحين من حديث ابن عُمَرَ - رضي الله عنه.


    عود على بدء:
    إن ما دفعني لكتابة هذا البحث مقال قرأته تحت عنوان:
    خطاب مفتوح إلى كل التيارات الإسلامية - الدعوة إلى تطبيق الشريعة في المجتمع مخالف لتعاليم الإسلام
    فأخذتني الدهشة، فخلتني أجهل الإسلام الذي نشأت عليه وقرأت عنه. فانصرفت لقراءة المقال بعمق، فهالني ما استخدمه الكاتب من شواهد قرآنية كقوله تعالى: (لا إكراه في الدين) واعتمد عليها في استنتاج أنه: (لا يجوز إسلاميا ً -أي وفقا ً لمبادئ الإسلام ذاته- الجمع بين الإسلام كدين والدولة أو أن تتبنى الدولة دين الإسلام كأساس قانوني وتشريعي ملزم ومفروض على كل أفراد المجتمع بسبب التعارض الجوهري بينهما ..أي بين وظيفة الإسلام كدين .. ووظيفة الدولة كمؤسسة تنظيمية قانونية ملزمة وقاهرة).
    ورغم أن أن الآية التي استشهد بها منسوخة في حق غير أهل الكتاب .وفي ذلك قول الشعبي : هذا في أهل الكتاب لا يُجْبَرُون على الإسلام إذا بَذَلُوا الجزية. إلا أنني أتعجب من مسلم (كما يقول) يأتي بهذا الرأي ، مقابل ما يقوله الشاعر الألماني جوته: (ظني أن التشريع في الغرب ناقص بالنسبة للتعاليم الإسلامية وأننا أهل أوروبا بجميع مفاهيمنا لم نصل بعد على ما وصل إليه محمد وسوف لن يتقدم عليه أحد). ومن الواضح أن التشريع الذي قصده هو القوانين الناظمة لحياة المجتمع والمنظمة لحقوقهم وواجباتهم بما فيها عقوبة المسيئين.
    وأمام قول مايكل هارت صاحب كتاب المائة العظماء:
    (ولأن محمدا أقام بجانب الدين دولة جديدة فإنه في هذا المجال الدنيوي أيضاً وحد القبائل في شعب والشعوب في أمة، ووضع لها كل أسس حياتها، ورسم أمور دنياها ووضعها في موضع الانطلاق إلى العالم، فهو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية وأتمها). فهو يشيد بالإسلام أنه دين ودولة.
    وقول الفقيه الفرنسي لويس جاردييه في كتابه "الإسلام دين ودولة"
    إن الإسلام هو دين ودولة ، يضطلع بتنظيم العلاقة ما بين البشر والخالق ، وأيضاً يتولى تنظيم أمور البشر في أمور دنياهم أن الإسلام قد تناول بالتنظيم البيان الاجتماعي والسياسي للمجتمع.

    مهمة الدولة الحكم بين الناس:
    وإن لم يكن الإسلام دينا ودولة فأين تذهب بقوله تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما).
    وقوله تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ).
    فالله سبحانه يوضح للنبي عليه الصلاة والسلام أن الغاية من إنزال الكتاب عليه أن يحكم بين الناس بما أراه الله. وفي الآية الثانية يأمره أن يحكم بينهم بما أنزل الله، وينهاه عن اتباع أهوائهم وهم الذين لا يرضون بحكم الله ولا يريدون إقامته، ثم يوجه الله سبحانه للنبي عليه الصلاة والسلام تحذيرا من أن يفتنوه عن بعض الأحكام والقوانين التي فرضها الله. ثم يختم الآية بأن كثيرا من الناس فاسقون يرغبون في الفسوق والفجور ويريدون انتشاره ولذلك يحاولون صد أي قرار أو خطوة تحد منه أو تمنعه.

    الإسلام نظام آخر الزمان:
    كما احتج الكاتب بقوله تعالى: ( لكل منكم جعلنا شرعة ومنهاجا ً) ، وهذه العبارة جزء من الآية ولها ما قبله، فهي: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) ، فاليهود يعلمون أن النبي عليه الصلاة والسلام مؤمن برسالة موسى عليه السلام، لذلك كانوا يطلبون أن يحكم بينهم على شريعتهم ويقولون له: حكم كذا في شريعة موسى كذا وكذا. فأنزل الله عليه: (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ) ثم أضاف سبحانه: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا). والفهم الصحيح للآية هو أن جميع الأنبياء بعثوا برسالة واحدة هي توحيد الله، لكنها اختلفت في التشريعات والأحكام. وجاءت رسالة الإسلام لتنسخ ما قبلها، قال عليه الصلاة والسلام: (لو بعث موسى بن عمران لما وسعه إلا أن يتبعني). ونحن نعلم من أحاديثه عليه الصلاة والسلام أن عيسى عليه السلام سينزل في آخر الزمان ويحكم بين الناس على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وليس على شريعته، مما يؤكد نسخ جميع الشرائع السابقة.
    وفي صريح القرآن قوله تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).


    من فمك أدينك:
    وقد نفهم الدافع من وراء كتابة صاحب هذا المقال من خلال ما ورد في مقدمته مع التركيز على ما وضعناه بين الأقواس، يقول: بعد (التفوق) الواضح للتيار (الاسلامي) في الانتخابات الأخيرة وفي عدة دول عربية ، ومن بعد ما سمعناه من (التصريحات) لرموز من هذا التيار وخصوصاً الجناح " السلفي " منه ، (أثارت الكثير من المخاوف) وردود الفعل لدى التيارات الأخرى ، فإنني (أرى) أنه من الضروري التوقف مليا ًحول قضية تطبيق الشريعة في مجتمع متعدد الأديان .
    ونتوقف طويلا أمام (أثارت الكثير من المخاوف)، لنقول: لا والله ما أثارت مخاوف المؤمنين، ولا من يبتغون الإصلاح، ولا من يريدون الحفاظ على المجتمع نقيا طاهرا صالحا. وإنما مخاوف العدو الأول للإنسان (إبليس) ومن تبعه من الناس. وقد وعدهم الله بقوله: (قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا).

    مصطفى الزايد
    الرياض- الإثنين /1/ 8/ 1434 هـ الموافق /10 /6/ 2013 م

    أنـا الـحــرّ الــــذي أفـنـى تـلادي
    وقـوفي حـيـث يـرتـقـب الـرجـال

  2. #2
    أستاذ بارز الصورة الرمزية السعيد ابراهيم الفقي
    تاريخ التسجيل
    30/11/2007
    المشاركات
    8,653
    معدل تقييم المستوى
    25

    افتراضي رد: السماء تحكم الأرض

    [COLOR="blue"]السلام عليكم أخي الحبيب
    الاستاذ مصطفى الزايد
    =حفظك الله=
    افادك الله
    واثابك على غيرتك
    وثبتك على الحق
    ===
    أفدت وزدت
    ===
    زادك لله عزا وعلما
    ===
    نعم
    (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)
    (إني جاعل في الأرض خليفة)
    صدق الله العظيم
    نعم
    (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما).
    وقوله تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ).
    صدق الله العظيم
    [/COLOR]


  3. #3
    مدير عـام الصورة الرمزية مصطفى الزايد
    تاريخ التسجيل
    21/08/2008
    المشاركات
    1,382
    معدل تقييم المستوى
    10

    افتراضي رد: السماء تحكم الأرض

    أستاذي الكريم السعيد إبراهيم الفقي..
    تحية تليق، وشكر عميق على المرور الكريم والتعليق.
    نسأل الله أن يجعل أعمالنا جميعا خالصة له.
    وسررت بما تركت من أثر طيب.

    أنـا الـحــرّ الــــذي أفـنـى تـلادي
    وقـوفي حـيـث يـرتـقـب الـرجـال

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •