إن خطوط التقاطعات حول الملف السوري بين أطراف المجموعة الدولية، باتت منعدمة وبعيدة عن الحل السياسي بما فيه الحل العسكري، لتبقى الحلول معلقة. لذلك إن تباعد الرؤى بين واشنطن وموسكو من جهة وباريس لندن وموسكو من جهة أخرى يؤكد مدى التباين في الاستراتيجيات الدولية، غير أن الظروف على الأرض تدفع باتجاه أكل المربعات الإقليمية بسرعة وهو هدف فرنسي، فرؤية الإليزيه تخدم المرحلة في إتجاه حثيث لحسم الموقف النهائي من الملف السوري. غير أن التنبؤات بالنتائج متأرجحة بين فزاعة النصرة والقاعدة على الأرض السورية والانحسار في اتجاه قرار دعم الجيش الحر بالسلاح.
إذ أن المفارقة تؤكد أن جماعة النصرة حسب احصائيات موثوقة لا يتعدى عدد مقاتليها على الأرض السورية الثلاثة آلاف مقاتل من بين مجموع مقاتلي الجيش الحر المائة ألف مقاتل أو يزيد، لذلك إن الترويج لسيطرة الإسلاميين المتطرفيين على سورية في حال سقوط نظام بشار الأسد هو ضحك على الدقون خدم أجندة روسيا طيلة مراحل الصراع. لكن هذه الأجندة بالضرورة تعارض لاعبين إقلميين كثر في الشرق الأوسط.فالدوحة تدير لعبة في المنطقة بدعم الإسلام السياسي وهو ما أربك المواقف الدولية حول سورية، بينما السعودية التي تحب اللعب بالورقة السلفية تسعى لتكريس السلفية الجهادية لتخريب النموذج ‘الإخواني’في مصر وتونس وللاحتفاظ بها كورقة رابحة أمام الغرب مبطنة بإرهاب القاعدة. بينما تركيا’ العدالة والتنمية’ تستثمر أوراق الأحداث وإن كانت أوراقا محروقة، فتركيا التابعة إستخباريا لمصالح ‘بي إن دي’ الألمانية تستغل تواتر أحداث الملف للتضييق على روسيا ولعزل المركب من داخل سورية دون أن توجه أكراد سورية لمعارضتها. عملية خلط الأوراق هذه من تحت الطاولة تؤكد أن نظام الأسد يجب أن ينتهي لأنه متورط في جرائم ضد الإنسانية، وقد أفادت تقارير فرنسية عن استعماله غاز السارين ضد مواطينه. لكن إيران تريد إعادة ترتيب هذه الأوراق وفق إرادتها بدعم النظام السوري المتآكل، وهي التي وصفت أطرافا مهمة في السياسة الدولية بالانبطاحيين رغم وعيها بالتحول الجاري في المنطقة والاكرهات العميقة التي تعم داخلها. فإيران تعي جيدا أنها ستدفع الثمن بسقوط نظام الأسد أو تغيير طبيعة النظام في سياق جهود الحل السياسي، لذلك أرادت تثبيت حظورها في مؤتمر جنيف2. غير أن إسرائيل في مقابل ذلك قد تسعى لأرباك ‘الكريملن’ وهو ما تدافع عنه واشنطن بدعم المنظمات الحقوقية الروسية غير حكومية، ليتضح كيف أن الثورات العربية أعادت هيكلة التنافس الدولي والاستقطاب إلى درجة الصفر في مناطق محددة، وبذلك خسرت روسيا تبعية ليبيا وسوف تخسر تبعية سورية لأن أي نظام جديد في سورية إن سقط الأسد سيعارض بالضرورة مصالح روسيا وإيران وحزب الله. حيث نجحت فرنسا في إحداث إختراق برفع مطالب المعارضة السورية داخل مجلس الأمن. من جانب آخر، أقدم الجيش السوري على الالتفاف العسكري على منطقة ‘ القصير’ لضمان الممر الآمن لتزويد ‘حزب الله’ بالسلاح، إذ أن المشروع الصفوي الإيراني في المنطقة والممتد من الخليج إلى جبل طارق يدفع للتضييق على العرب وإسرائيل معا، وهو ما لن تسمح به دوائر واشنطن ولندن وباريس لأن مصالحهم متقاطعة مع بعضها البعض، وقد يدفع بامتداد برنامج الربيع العربي إلى حدود القوقاز وداخل روسيا، فخدمة هذا البرنامج قد تطرح وتثبت في الشهور المقبلة، وهو أمر محتوم باقتراب استفاء زمنه. لذلك إن سقوط نظام بشار الأسد سيعمل على عزل طهران ويزيد من التضييق على كاراكاس، وقد يمتد ذلك الاسقاط حتى حدود بيونغ بيانغ، وهو ورقة رابحة لإعادة ترتيب الأوراق في الشرق الأوسط وسيؤدي حتما لاخضاع إيران وفق سعي المجموعة الدولية زائد ألمانيا في محادثات الملف النووي والحاق المزيد من العقوبات الدولية بها. لكن هل تستطيع إيران ممارسة ألعاب الكبار في لحظة حسم عسكري دولي، من المؤكد ‘لا’ وذلك بسبب التفوق العسكري الأمريكي والإسرائيلي وقدرات الدعم المالي الخليجي. وعليه فإن تحويل الصراع إلى ذكاء حربي محسوم النتائج ينذر بسقوط أسطورة إيران، وظهور شرق أوسط جديد لكن برؤية أمريكية وعربية مشتركة من أجل شرق أوسط خال من التهديد والتمدد الايراني في ظل انعدام الضبط العسكري الدولي للمنطقة.
نزار القريشي