قطرات ندى

تردد كثيرا حتى وجد المكان المناسب لجلستهما , هناك بعيدا عن أعين الناس , جلس وهو يحمل جريدته المفضلة , وأشار لها فجلست قبالته وجالت بنظرها حول المكان ,
ـ إنه موقع متميز أليس كذلك ؟
ـ هو كذلك .
ـ قلت لك بأنه سيعجبك .
ـ نعم .
ـ في ابتسامة الواثق : ومن يعرف ما يعجبك أن لم يكن أنا ؟
ضحكت , وأرسلت طرفها للبعيد .
ـ اسمعي غير مسموح لك بالسرحان الليلة , جئنا هنا إلى هذا المتنزه نحتفل بيوم زواجنا أم أنك نسيت ؟
ـ هل تتوقع مني أن أنسى مناسبة كهذه أو مكانا كهذا ؟
ـ تعمدت أن أختار أول مكان قصدناه معا عندما كنا عروسين , هل تذكرين ؟
ـ وهنا جلسنا ذلك اليوم أيضا .
ـ مرت سبع سنوات على ذلك ,
قالت كأنها انتبهت من غفلة : سبع سنوات ؟
ـ معك حق , فقد مرت كأنها سبعة أيام أليس كذلك ؟
بادلته ابتسامة خاطفة وهي تحدث نفسها , لم يعد لديها إحساس بالزمن , سبع سنوات ؟ فقط ؟ سبع عجاف ولا شك , ظنت أن دهورا طويلة تفصل بينها وبين تلك الليلة .
عاد يقول : هيه , ألم نتفق أنه غير مسموح بالسرحان هنا ؟ قال ذلك وأخذ يقلب صفحات جريدته .
جاء النادل يحمل قائمة الطعام , وهو يقول : قد اخترتما طاولة بعيدة جدا , هل أدلكما على مكان أفضل ؟ نظر للمرأة متابعا : لدينا عرض متميز الليلة نود أن تستمتعوا به مع بقية الرواد .
قالت السيدة : يبدو أن كل شيء متميز هذه الليلة .
ـ غير معقول , قال النادل فجأة وهو ينظر إلى الزهرية في وسط الطاولة , ألم يلحظ أحد هذه الوردة , إنها ندية , قطفتها مع قدومكم ووضعتها في الزهرية , نحن نحب إكرام زبائننا .
ـ هيا لا تكثر الكلام , سأنظر في القائمة ثم أناديك .
ـ تناولت الوردة , لا تزال قطرات الندى عليها , تذكرت أياما كانت تصنع فيها من القماش ورودا , في دروس التربية الفنية , كانت ماهرة في ذلك تصنعها بفنية عالية وتقطر عليها قطرات من ( السيليكون ) لتبدو كأنها ندية , وكانت تحلم أن تقدَّم لها يوما ما وردة حمراء كهذه , مسكينة هذه الوردة , لم يلحظها أحد ولم يهتم لشأنها أحد, كانت على شجرتها ترفع رأسها اعتدادا بلونها القاني وشكلها الجميل وعبيرها الأخاذ , والآن قطفتها يد أثيمة وألقتها هنا في هذا الإناء وحيدة , تعاني من الإهمال , تكاد تسمع أنينها , وقطرات الندى هذه هي دموعها وعصارة ألمها , لكنها لم تكن وادعة جدا فقد نالت منها شوكة كانت على غصنها الأخضر , أسالت قطرة حمراء قانية من بنانها فتأوهت .
ـ ظللت تلعبين بالشوك حتى جرحت يدك وأسلت دمك .
ـ إنها قطرة واحدة , تشبه كثيرا قطرة الندى على هذه الوردة .
ضحك قائلا : كيف تشبهها ؟ وهذه حمراء قانية وتلك شفافة لا لون لها ؟
ساد الصمت , بينما أخذ الزوجان ينظران في قائمة الطعام لاختيار عشاءهما .
سالها ـ هل اخترت شيئا للمقبلات ؟
ـ أظنني سأختار طبق الفتوش الشامي .
ـ لكنني اخترت طبق التبولة , وهما يتشابهان في كثير من المكونات , ما رأيك أن نكتفي بالتبولة ؟
ـ لا بأس , كل الطعام يشبه بعضه .
ـ ماذا تقصدين ؟
ـ لا شيء , كله في النهاية يغني من الجوع .
ـ أظننا سنأكل طبق شواء الليلة أليس كذلك ؟ إنه يتلاءم مع المناسبة , ما رأيك ؟
ـ هزت رأسها وهي تقول : مادمت قد اخترت .
ـ أريد أن أختار طبقا يعجبك , طبقا مميزا , نفس الطبق الذي تناولناه معا في أول لقاء لنا .
أخذت تحدث نفسها , يبدو أننا سنأكل طويلا من نفس الطبق .
ـ هيه , أين صرت ؟ تحدثي معي , هات أسمعيني ,
قالت : اخترت مرة طبقا ظننته فريدا .
ـ فماذا كانت النتيجة ؟
ـ ابتسمت ساخرة وهي تقول : كان فريدا فعلا ولذلك فقد بقيت جائعة . ضحك بصوت عال هذه المرة .
عاد ينظر في قائمة الطعام , ماذا تريدين للتحلية ؟ أفضل طبقا من حلوى الكاراميل , فما رأيك ؟
لاذت هي بالصمت بينما نادى هو على النادل الذي لم يكن في مكان بعيد , وشرح له طلبه وأعطاه بعض التعليمات , التبولة بكثير من عصير الليمون , وطبق الشواء بالفلفل الحار .
فتح النادل زجاجة الماء وأراد أن يملأ الكوب أمام السيدة , لكنها وضعت يدها على الكوب وهي تقول : لا حاجة لذلك .
ـ لكن الكوب نصف فارغ سيدتي .
ـ وهو أيضا نصف مملوء .
ـ حسنا كما تشائين , فما طلب السيدة ؟
ـ قلت لك كف عن الثرثرة , هيا وأحضر طلبنا بسرعة .
ـ إنه ثرثار , ونحن نريد أن ننعم باحتفالنا هنا , ولا نريد إزعاجا من أحد , ليس هذه الليلة , بادلته التبسم , قال في اعتداد : تستطيعين بالتأكيد القول بأنك امرأة سعيدة أليس كذلك ؟
ـ قالت : وأنا أيضا امرأة تعرف خياراتها جيدا .
ضحك في اعتزاز أبله ثم تناول الجريدة وأخذ يقلب صفحاتها بينما عادت الزوجة تمسك الوردة وتمسح بتلاتها , بللت قطرات الندى بنانها .
ـ انظري هذه مسابقة هنا ولها جوائز قيمة , مسابقة الأمثال العربية , أكمل المثل العربي : " البئر الفارغة ..... " قد نفوز بالجائزة إذا عرفت الجواب .
ـ قالت في أسى وهي لا تزال تقلب أوراق الوردة : " البئر الفارغة لا يملؤها الندى " يا عزيزي , لا يملؤها الندى .