أربعة كتب عن بابل

سمير الجلبي



قليلة هي الكتب المنشورة عن تاريخ العراق القديم وآثاره باللغتين العربية والانكليزية مقارنة بعدد الكتب المنشورة عن مصر القديمة. ومساهمة مني في نشر المعلومات عن بابل عبر الترجمة ، اقترحت أثناء عملي مديرا للترجمة في دار المأمون للترجمة والنشر في عقد الثمانينات من القرن العشرين على دائرة الآثار والتراث توليت ترجمة الكتاب التالي:
ه "Babylon" by Professor Joan Oates (1979)
وهو واحد من الكتب البارزة في هذا الميدان ويتضمن ما يحتاجه القارئ العام والمعني بتاريخ العراق القديم وآثاره وزائرُ مدينة بابل لأنه يقدم له معلومات واضحة معززة بمائة وسبع وثلاثين صورة وشكل توضيحي وخريطة.

وقد وصف الأستاذ باورسوك من جامعة هارفرد الأميركية هذا الكتاب بأنه " أفضل مقدمة إلى ما هو معروف عن المدينة في أوج أيامها...إنه كتاب يعتمد عليه ومتسم بحسن التمييز وآسر." وقالت عنه مجلة المكتبة البريطانية: " إنه مزود بالصور الفوتوغرافية والخرائط ومؤلف بوضوح وحسن تمييز وسيسر بهذا الكتاب العلماء والطلبة والأشخاص العاديون على حد سواء." أما صحيفة ديلي تلغراف البريطانية فقالت "إن هذا الكتاب "نموذج لكيفية عرض علم الآثار كما يجب... إنه خلاصة تثير الإعجاب بالنظر إلى المعرفة المتيسرة." ووافق الدكتور مؤيد سعيد داميرجي مدير دائرة الآثار والتراث إذاك على الاقتراح وقد أكملت ترجمة الطبعة الثانية (المنقحة) من الكتاب الصادرة عام 1986 لحساب الدائرة التي نشرته بعنوان: "بابل – تاريخ مصور" عام 1990.
مؤلفة الكتاب جون اوتس أستاذة بريطانية في علم الآثار (وهي زوجة أستاذ في علم الآثار كذلك) وسبق لها العمل مديرة للدراسات في علم الآثار والدراسات الشرقية في جامعة كيمبرج وتعمل حاليا في معهد مكدونالد للبحث الآثاري التابع للجامعة البريطانية العريقة نفسها، التي أسست عام 1209، وعملت مديرة التنقيبات في موقع تل براك في سورية حيث عملت منذ عام 1971 كما نقبت في العراق في تشوغا مامي ونفر ونمرود و هي معروفة بروحها العلمية وآرائها المنصفة في تاريخ العراق القديم.
من مؤلفات جون اوتس الكثيرة: "نمرود، الكشف عن مدينة إمبراطورية آشورية"
Nimrud, An Assyrian Imperial city Revealed (2001)
مشاركة مع زوجها الدكتور ديفيد اوتس، وكتاب "نشوء الحضارة
The Rise of Civilization, Oxford, 1968
مع زوجها أيضا. كما سبق لها التدريس في جامعة الموصل.

التقيت بالمؤلفة الفاضلة بعد نشر الترجمة العربية للكتاب في قاعة دائرة الآثار والتراث ببغداد وأعلمتها بقيامي بترجمة الكتاب وكان ردها أنها سمعت بذلك وأضافت أن من حق العراقيين ترجمة هذا الكتاب إلى العربية لأن الكتاب يتحدث عن آثارهم وتاريخهم.
تقول المؤلفة في مقدمة الطبعة الثانية (المنقحة) من النسخة الانكليزية ما يلي:

" إن سحر آثار حضارة بلاد ما بين النهرين وتحديها يتمثل في التدفق المستمر للمعلومات الجديدة أساسا. وكان هذا صحيحا دوما وربما محتما في موضوع تعود أصوله إلى قرن واحد مضى، أى أنه منذ إصدار الطبعة الأولى من الكتاب عام 1979 تسارعت سرعة الاكتشافات وشرع بتنفيذ مشاريع إنقاذ كبيرة في السنوات الأخيرة نتيجة التطور الاقتصادي المحلي وازدياد الأنشطة الميدانية لدائرة الآثار والتراث في بابل ومواقع أخرى ولعدد من الآثاريين من أقطار كثيرة يعملون حاليا في العراق والأقطار المجاورة زيادة كبيرة.
وعلى الرغم من ندرة الاكتنشافات ذات التأثير المباشر الذي يشبه تأثير محفوظات إيبلا، فإن الحصول باستمرار على مواد جديدة يؤدي إلى مواصلة تعديل الأدلة التي تستند إليها نظرتنا في التاريخ والتاريخ نفسه لا محالة. وإضافة إلى ذلك فإن الاكتشافات الجديدة ليست في الحقل وحده إذ تحتوي مخازن متاحف العالم مواد كثيرة نقشية وآثارية ما تزال تنتظر الفحص أو تتطلب إعادة التقييم ليس في ضوء الاكتشافات الحديثة فحسب بل هنالك كذلك طرق نظرية جديدة في عالم الآشوريات وعلم الآثار معا.
وبينما تظهر دراسات جديدة وتنتنشر المجلات المهنية تزداد كتابة (أي تعليقٍ عام) صعوبة. كان الهدفُ الأصليُّ لهذا الكتاب عرضَ مقدمة عن تاريخ بلاد بابل وآثار حضارتها معا طوال الفترة الزمنية لمدينتها العظيمة بما فيها العصور الكلاسيكية
التي تهمل غالبا في الكتب العامة وإن كانت جزءا من تراث بابل.
ويبقى هذا الكتاب الوحيد من نوعه. لقد حُدِّثَتْ هذه الطبعة المنقحة بإضافة تعديلات على النص حيثما غيرت المعلومات أو الآراء السابقة تغييرا كبيرا أو نقضت بالاكتشافات الحديثة، لاسيما بإضافة عدد كبير من المراجع في الملاحظات لتزويد القارئ الجاد بأحدث المعلومات والآراء المتيسرة.
وكما ذكرت في تصدير الطبعة الأولى فإن الأدلة النصية والآثارية أكثر مما قد يبدو وأدرك أنني في محاولتي تقديم سرد حافل بالمعلومات وسهل القراءة استبعدت في الوقت نفسه كثيرا من المعلومات المثيرة للاهتمام وأهملت خلافاتٍ كثيرةً.
إن أي كتاب عام لابد أن يتسم بالانتقائية وإن كان هدف الهوامش إرشاد القارئ إلى مزيد من المعلومات ومساعدة الطالب الجاد في الحصول على مزيد من المصادر التحليلية.
يتضمن الكتاب أحدث المعلومات من هذه الناحية ولكن يبقى مؤكدا أن اكتشافات الغد ستتطلب المزيد من تنقيح أشهر مدينة في العالم القديم. وفي ختام المقدمة أشيد بود شديد بإسناد زوجي لي حيث يظهر الكثير من أفكاره لامحالة بوصفها أفكاري."

احتوت النسخة العربية مقدمة المترجم وتصدير الطبعة المنقحة علاوة على المقدمة والفصول التالية:
من سرجون إلى حمورابي
العهد البابلي القديم
الكشيون والكلدانون
الآشوريوون والبابليون والفرس والأغريق
تراث بابل
احتوى كل فصل أقساما فرعية عديدة.

كما تضمن الكتاب ثبتَ الملوك والسلالات في بلاد ما بين النهرين. وقد فضلتُ الإبقاء على أسماء الملوك والسلالات بالانكليزية وذكرت أن في وسع القارئ مقارنةَ هذا الثبت الذي ضمنته المؤلفة بثبت الملوك والسلالات في كتاب "كنوز المتحف العراقي" لعالم الآثار العراقي الدكتور فرج بصمجي الصادر عن مديرية الأثار العامة وهو بطبعتين عربية وانكليزية. والمعروف أن التواريخ في قوائم الملوك والسلالات التي وضعها علماء آثار مختلفون غير متفق عليها وقد يبلغ الخطأ عقدين أو ثلاثة عقود منذ عهد سلالة أور الثالثة و لايزيد الخطأ عن عام أوعامين منذ عام 900 ق.م. كما أبقيت على الملاحظات المهمة المؤلفة والمختصرات التي استعملتها المؤلفة بالانكليزية كما وردت في الطبعة الانكليزية من الكتاب لإن معظم الملاحظات تتضمن مصادر بالانكليزية وارتأيت أن من الأفضل تثبيتها بالعناوين الأصلية. كما تشمل المصادر كتبا وبحوثا منشورة في مجلات آثارية بلغات مختلفة. وقد أوردت المؤلفة الملاحظات على كل فصل على حدة. كما يحال القارئ إلى قائمة المراجع التي اقترحتها المؤلفة في نهاية الكتاب والمرتبة حسب الفصول كذلك وقد أبقيت عليها كما هي بلغاتها الأصلية ليسهل الرجوع إليها.ونظرا لورود الكثير من الأسماء والمفاهيم التي تحتاج إلى توضيح فقد أضفت 51 هامشا إلى الترجة العربية لفائدة القارئ العربي. وقد اعتمدت أسلوب إضافة الهوامش الضرورية في عدة كتب أخرى توليت ترجمتها. وتولى الدكتور قحطان التميمي والآثاري عبدالقادر حسن مراجعة الترجمة.

بعد نحو اثنين وعشرين عاما من صدور ترجمة كتاب اوتس في بغداد عرض علي الصديق الدكتور مؤيد سعيد داميرجي، مدير عام دائرة الآثاروالتراث منذ عام 1975 ولنحو ثلاثة عقود وقائد مشروع التنقيبات في بابل (1978-1991)، أن أقوم بترجمة كتابه "بابل" الذي صدر بالعربية في العاصمة الأردنية عمان عام 2010 إلى اللغة الانكليزية. وكما ذكرت آنفا كان الدكتور مؤيد هو الذي رحب باقتراحي ترجمة كتاب جون اوتس إلى العربية عام 1990. وكان قد كلفني كذلك القيام بمهمة الترجمة الفورية لمائة وعشرين بحثا والمناقشات في الندوتين الآثاريتين الدوليتين عن بابل وآشور عام 1978 و و1979 ثم كلفني بترجمة البحوث والتقارير نفسها إلى العربية والانكليزية ونشرت في مجلة سومر العريقة التي تصدرها دائرة الآثار والتراث منذ عقد الأربعينات في القرن العشرين الأعداد 35 و 40 و 41 و42. رحبت بالفكرة لأنني من أنصار ترجمة الكتب عن تاريخ العراق القديم وجعلها في متناول القراء والباحثين والطلبة باللغتين العربية والانكليزية.

تضمن الكتاب مقدمة وعشرة فصول هي التالية:
مصادر تاريخ بابل
المدينة، موقعها وأصل تسميتها
تاريخ بابل السياسي
صورة المدينة
الآثار المكتشفة نتيجة للتنقيبات الأثرية
البنى التحتية
الديانة والمعابد
حول أسطورة الجنائن المعلقة
البيوت السكنية
ملاحظة أخيرة.

كما تضمن الكتاب عشرات الصور والمخططات علاوة على قائمة بأسماء الآثاريين الذين عملو بمعيته في المشروع وقائمة بالمصادر والمقالات البحوث والتقارير والكتب بالعربية والانكليزية والألمانية. يقول المؤلف في كتابه "إنه كله مقدمة تجمع فيها المعلومات التاريخية والآثارية وتصحح معلومات سبق أن انتشرت في العالم القديم بفعل الإعجاب (اللدود) بهذه المدينة وحكامها وملوكها." ويضيف أنه تعامل مع المادة العلمية بحيث يسجل لكل ذي حق حقه لأن الكتب التي أوردت أخبار بابل أو التاريخ الكلاسيكي أوالتوراتي أو تقارير التنقيبات الأولى كلها معروفة ومذكورة في قائمة المصادر.
وأضاف أنه أشار باختصار إلى التنقيبات العراقية بعد عام 1979 واعتمد على تقارير التنقيبات العراقية إثر الندوات العلمية التي عقدت في دائرة الآثار والتراث في الأعوام 1979 -1981 والندوات التي أقيمت على هامش مهرجان بابل الدولي الذي اعتمد على وصف البابليين في المصادر المسمارية في 1987-2002.

وأضاف أنه كان لابد من التعامل مع أقدم كتاب علمي صدر عن بابل وهو " بابل المدينة المقدسة " للعالم الألماني ايكهارد اونغر الذي يحتاج إلى مراجعة كاملة وتدقيق محتوياته وتنظيمها في ضوءالنصوص المكمتشفة حديثا. يقول المؤلف إنه ضمن كتابه بعض اللمسات الشخصية خصوصا في موضوع الجنائن المعلقة التي حرمه منها العلم الغربي حيث أنه كان قد توصل عبر المقارنة التاريخية – المعمارية إلى أن بيت الأقبية داخل قصر نبوخذنصر لم يكن موقعا مناسبا للجنائن المعلقة هذا إذا كانت هناك جنائن فعلا.
وكان الدكتور مؤيد قد ضمن هذا الرأي في أطروحته لنيل الدكتوراه المسجلة في جامعة ميونيخ الألمانية عام 1973 إى أن الباحثين الغربيين ينسبون نظريته إلى البروفسور ناغل الذي كتب في الموضوع عام 1979.

وقد أورد الدكتور مؤيد تفاصيل رأيه هذا في الكتاب. ويشير المؤلف في المقدمة كذلك إلى مشكلة قراءة الأسماء السومرية والأكدية إذ أن الأصول المترجمة من اللغات القديمة مكتوبة بالحروف اللاتينية وكتابتها بالحروف العربية يضيع علينا بعض الأصوات.
وفي ختام المقدمة يبين المؤلف أن الغاية من كتابه توثيق المعلومات عن بابل باللغة العربية مجتمعة وباختصار أول مرة أما المختصون فيمكنهم الرجوع إلى المصادر والوثائق في دائرة الآثار والتراث وإلى المصادر في المتاحف العالمية والمعاهد المتخصصة ونشرياتها. ويضيف المؤلف أن الكتاب ثمرة جهوده وجهود فريق العمل العراقي الذي وصفه بالممتاز وكان بقيادته من 1978 وحتى 1991 قبل تحول الدولة إلى الاهتمام بمهرجان بابل الدولي بدلا من المشروع العلمي الأصلي.

بصدور الترجمة الانكليزية لكتاب الدكتور مؤيد عن المركز الإيطالي للآثار في تورينو ضمن مجلة "ميزوبوتوميا" قبل أسابيع يصبح في متناول القراء ولاسيما طلبة تاريخ العراق القديم وآثاره والآثاريين أربعة مصادر عن بابل إثنان بالعربية واثنان
بالإنجليزية هي مراجع قيمة للقارئ بالعربية والانكليزية.
ويسعدني أن أكون مساهما في تحقيق هذا الهدف من خلال ترجمتي لكتابي اوتس والدكتور مؤيد عن بابل.