مقاربة تاريخية مهمة

المؤرخ الدكتور محمد البرزنجي


قبل خمسة قرون ونصف تنازل السلطان مراد لنجله محمد الفاتح
في عام 1444 للميلاد تنازل السلطان العثماني مراد الثاني لنجله الشاب محمد الفاتح وسلمه إدارة الحكم، ولقد صدق حدس السلطان مراد في ابنه الفاتح، إذ فتح الله على يديه القسطنطينية فيما بعد. وظل مُراد بجوار نجله يسانده ويدعمه طيلة حياته وكان أحيانا يعمل بأمر نجله السلطان قائدا لجيوش المسلمين في المعارك الكبرى لحماية حدود الخلافة .

فبعد تولي الشاب محمد الفاتح الحكم غدر البلغار واحتلوا مناطق شاسعة من أراضي المسلمين ودمّروا وخرّبوا وحرقوا، فكتب السلطان الشاب إلى والده يطلب منه العودة ليتربع على عرش السلطنة، إلا أن مراد رفض هذا الطلب، فرد محمد الفاتح: (إن كنت أنت السلطان فارجع قائداً على جندك وإن كنت انا السلطان فإني آمرك بقيادة الجيش)
وهكذا ضرب الولد السلطان الجديد مثلا أعلى في القيادة الحازمة وضرب الوالد السلطان مثلاً رائعاً للجندية المطيعة في الإسلام، فخرج يقود الجيش بأمر من ولده السلطان محمد الفاتح، فعاد الأب السلطان مراد وقاد الجيش في معركة فارنا التي كان فيها النصر الحاسم للمسلمين.

وليست هذه هي السابقة الوحيدة في التأريخ الإسلامي بل واحدة من نماذج ولكنها مختلفة بإختلاف الظروف المصاحبة، ومنها تنازل سيدنا الحسن السبط الهاشمي (وهوالأفضل) لسيدنا معاوية (وهو الفاضل) فكان ذلك العام (41 للهجرة) عام الجماعة، إذ اجتمعت الأمة على بيعة معاوية بدءاً بسيدنا الحسن (رضي الله عنه) الذي صار مواطنا في أرض خلافة يحكمها سيدنا معاوية (رضي الله عنه) وأعطاه صفقة عمره (البيعة) ومن بعده بايع كبار الصحب والآل طائعين مختارين كعبد الله بن عباس وعبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير وانس بن مالك والحسين بن علي ومحمد بن الحنفية وعقيل بن جعفر ومئات الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين.
وكذلك تنازل الخليفة العباسي المأمون رحمه الله لابن عمه الامام موسى الرضى ولكن الرضى رفض ان يقبل ذلك وقبل ولاية العهد ولكن المنية عاجلته رضي الله عنه.

وفي الـتأريخ المعاصر نتذكر كيف تنازل الفريق الركن عبد الرحمن سوار الذهب عن حكم السودان طواعية كما نذكر تخلى السيد محمد محاضير عن سدة الحكم في ماليزيا بعد ان وضع بلده في مصافي الدول المتقدمة.

واليوم يتنازل أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة لنجله الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أميراً لدولة قطر، نسأل الله أن يكون ذلك التنازل تيمناً واقتداءاً بسلف الأمة العظام، وفاتحة خير للجميع، وأن يرزقه الله بطانة صالحة تعينه على إقامة العدل ونصرة المظلومين في جميع أنحاء العالم. وأرجو الله أن يكون هذا التغيير السلمي تجديداً في حياة الأمة في بلد طيب من بلاد المسلمين في مرحلة خطيرة وحرجة من تأريخ الأمة ومثلا يُحتذى به والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

عن موقع الكاردينيا