شهامة الهاشمي الزويني


في ذكرى رحيل المرشد البحري العراقي الأستاذ أحمد هاشم عباس
يسرنا أن نعيد نشر المقالة التي نشرتها جريدة المستقبل العراقي بتاريخ 19/7/2011
تعبيرا عن حبنا واعتزازنا بهذا الرجل الشهم



كاظم فنجان الحمامي

الشهامة باب مفتوح, وطعام مبذول, وإزار مشدود, وقيام في حوائج الناس, فمن عامل الناس فلم يظلمهم, وحدثهم فلم يكذبهم, ووعدهم فلم يخلفهم, فهو ممن كملت مروءته, وظهرت عدالته, ووجبت أخوته.
قبل بضعة شهور التقيت في البصرة أحد الخبراء البحريين الأوربيين, وكان اسمه (جاوس), جاء من هولندا للتباحث في بعض المشاريع المستقبلية, وكان يلح في البحث عن عنوان مدير الملاحة الأسبق في ميناء أم قصر, في الفترة التي تزامنت مع انسحاب شركة (بوسكالس) من العراق, وهي من الشركات, التي تعاقدت مع العراق لتهذيب أعماق الممرات الملاحية في خور عبد الله وخور الزبير, وتعميق واجهات الأرصفة وتأثيث مقتربات الموانئ بالفنارات والعوامات.
قال (جاوس) انه يبحث عن رجل, اسمه (هاشم), وانه يريد أن ينتهز فرصة تواجده في البصرة, ليرد له الجميل, ويشكره على كرمه ونبله في تعامله الإنساني المتحضر مع العاملين في تشكيلة (بوسكالس), الذين كانوا يرزحون تحت وطأة ظروف عصيبة على خلفية الأجواء المتوترة والمواقف المتأزمة بين العراق والغرب في عقد التسعينات من القرن الماضي.
تحدث معنا (جاوس) بحرقة عن ذكرياته في المرحلة الخانقة التي مرت بها البصرة, وعن الظروف القاهرة التي سبقت الانقضاض على العراق جواً وبحراً وبراً, يقول: كنا شبه محتجزين في سفننا المكدسة على أرصفة ميناء أم قصر, وكنا نسمع دوي طبول الحرب من أبواق (فوكس نيوز), و(السي أن أن), وكان البنتاغون يعد العدة لشن غارات جوية كاسحة على العراق, فضاقت بنا الأرض بما رحبت, وجثمت على صدورنا كوابيس الموت والهلاك, وقلنا أنها النهاية المأساوية, فالفرقاطات وحاملات الطائرة والغواصات كانت تزحف بحذر شديد نحو شمال الخليج العربي, وتقترب شيئا فشيئا من خطوط المواجهات الساخنة, فالاتصالات مع أهلنا في هولندا مقطوعة تماماً, باستثناء بعض أجهزة الراديو والتلفاز التقليدية, التي كانت تنقل لنا الصورة البشعة للمشهد المرتقب, وفجأة أطل علينا (هاشم) بابتسامته العربية الدافئة, وملامحه العراقية الودودة, جاء لكي يقف معنا في محنتنا, ويعيد إلينا الأمل بالعودة إلى ديارنا وأطفالنا سالمين غانمين, كان لطيفاً منشرحاً, قوياً في تذليل الصعاب, قادراً على تجاوز التحديدات الإدارية الصارمة, وفر لنا الرعاية والعناية, وتعامل معنا كضيوف معززين مكرمين, وليس كرهائن كما يسوق الإعلام المتصهين, وكان خير مؤازر لنا في تلك الشدة, ولولاه لما استطعنا النجاة من حمم الهجمات المجنونة والغارات الشرسة, ولن ننسى وقفته معنا حينما فتح لنا بوابات الفرج, وقدم لنا التسهيلات لمغادرة أم قصر في اللحظات العسيرة. .
لم يكن كلام (جاوس) مفاجئا لنا, وكان من السهل علينا الاستدلال على شخصية (هاشم) والتعرف عليه, فقد كان (جاوس) يتحدث عن زميلنا الكابتن (أحمد هاشم عباس الزويني), الذي ترك أثراً ايجابياً عميقاً في نفوس فريق (بوسكالس) و(وايزمولر), بمواقفه النبيلة الدالة على جذور كريمة, وأرومة أصيلة, وليس غريبا أن يصل إلى هذا المستوى من الشهامة بحيث يتحدث عنه الأجانب بلسان فصيح بعد مضي ربع قرن, فالرجل من أبناء العراق البررة, ويرتبط بالسلسلة الذهبية المتألقة بجودها ومواقفها الإنسانية العريقة, فجده هو السيد عباس الزويني, بن عُبيد, بن أحمد زويِّن, بن مهدي, بن محمد, بن عبد علي, بن زين الدين زويِّن, بن رمضان, بن صافي, بن عواد, بن محمد, بن عطيش, بن حبيب الله, بن صفي الدين, بن الاشرف الجلال, بن موسى, بن علي, بن حسين, بن عمران الهاشمي, بن أبي علي الحسن, بن رجب, بن محمد زماخ, بن طالب طريش, بن عمار, بن المفضل, بن محمد الصالح, بن أبي العباس احمد البُن, بن الأمير أبو الحسين محمد الأشتر (نقيب الكوفة), بن عُبيد الله الثالث ,بن علي المُحدِّث, بن عُبيد الله الثاني, بن علي الصالح المعروف بالخيّر (بتشديد الياء), بن عُبيد الله الأعرج, بن الحسين الأصغر, بن علي زين العابدين, بن سبط سيد الثقلين أبو عبد الله الحسين, بن أول القوم إسلاما, وأخلصهم إيمانا, وأشدهم يقينا, فارس المشارق والمغارب, المهر الغالب, أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
دائما ما كان الهاشمي الزويني يأتي بالجديد في مجال الإدارة العامة عندما كان مديرا عاماً للنقل البحري, ومديراً للموانئ العراقية, ومديراً لشركة الظلال, ومديراً للنقل الخاص, ومديراً لشركة الجسر العربي, وكان يفرض على مخالفيه أن يحترموه ويجلوه, وكان من الرموز المينائية التي نفخر بها, ونعتز بانجازاتها حتى يومنا هذا. . .