من كتاب عودة الطائفية في العراق / توليف الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
استاذ جامعات بغداد وطرابلس وصفاقس / سابقاً

ثورة الســابع عشــر من تـمـوز 1968
July 17, 1968 Revolution

في الصــباح الباكر من يوم 17 تموز (يوليو), 1968, دق جرس التلفون في غرفة نوم الرئيــس
عبدالرحمن عارف, فأجاب ســيادة الرئيــس, وكان المتكلم بصـوت عال, ضــابط بعثي برتبة عســكرية عالية في الجيــش العراقي, وقال :
" إنني أحدثك مـن وزارة الدفاع, والدبابات تطوق الآن مبنى وزارة الدفاع " .
وهكذا, وبكل هدوء أكمل ســيادة الرئيــس شــرب فنجان قهوته الصــباحية مع الذين طلبوا عزله واقتياده الى
المطار, بطائرة خاصة إلى اســطنبول, على أن تلتحق به فيما بعد زوجته الممرضــة في لندن.
كان الانقلاب مـن تخطيط وتنفيذ حزب البعث وقد تم التوصــل لكل شــيئ. وبعد عدة ســنوات, شــعر معظم العراقيين بجدارة الحكم الملكي, فقد كان من أحســن النظم التي جاءت من بعده. وأن غيابه عن السـاحة الســياســية ســبب اختفاء معظم طليعة الطبقة العلمية والأدبية معه. وهكذا, بدلاً من الملك وحكومته المنحلة,
احتل العســكر مرافق الدولة المهمة وهيمنوا عليها. وتحت عصـا الحكم العسـكري, شــعر العراقيون أنهم قد
انهوا عهد الإقطاع ليدخلوا العهد الأمبراطوري. ففي نهاية العقد الأول من الحكم العســكري, الذي احتدم فيه الصــراع مع أفكار ثورة تموز 1958, دخل العراق في قبضـة البعث الحديدية.



تكون النظام الجديد من أحمد حســن البكر, رئيــساً للجمهورية, ونايف رئيــساً للوزراء, والداوودي كوزير للدفاع , والبعثي صـالح مهدي عماش وزيراً للداخلية, وحردان التكريتي, قائداً للقوة الجوية, وســعدون غيدان آمراً للحرس الجمهوري.
إن العلاقات بين البعثيين وغير البعثيين داخل النظام الجديد معقدة, حيث أراد كلاهما الإمساك بالقوة, وقد عمل ســعدون غيدان بتقريب وجهتهما. كما أن احمد حســن البكر وحردان التكريتي, تمكنا من تقريب وجهات النظر بين المســؤولين وتمت له الســيطرة على موقع بغداد. ومن الجدير بالذكر أن حمادي شــهاب لم يكن عضواً بحزب البعث, بل كان من القبيلة التي ينتمي إليها أحمد حســن البكر.
وبعد بضـعة أيام, وعند مغادرة الداودي القطر لزيارة الأردن في 30 تموز(يوليو), 1968, أعلن عن غلق
الدوائرالاســتراتيجية في بغداد, وأرســل النايف خارج القطر, وبهذا اســتعاد حزب البعث قوته, كما أن معظم رموز القادة في النظام الجديد هم من ضــباط الجيــش, ومعظمهم منحدر من العشــائر والقبائل العربية الســنية في الشمال الغربي من العراق.
خلال الأشــهر الأولى من ثورة 17-30 البيضاء في تموز (جولاي), ترأس السيد أحمد حســن البكر رئاســة
الجمهورية, وصدام حســين نائباً لرئيــس الجمهورية. وقد بين النظام الجديد علامات واضحة تضــمر الشــر
للقوى المعارضة له, والتي كانت تســاند نظام عبدالكريم قاســم. وإضــافة إلى ذلك, فقد منع المسلمون الشــيعة من تأدية مراســيم العزاء لآل البيت,( رضوان الله عليهم), وخاصــة في ذكرى اســتشــهاد ســــبط الرســول الحســين (ع), في العاشــر من محرم الحرام (عاشــوراء).
قام النظام الجديد بإعدام العديد من علماء الشــيعة البارزين, مثل الســيد باقر الصــدر وأخته بنت الهدى, ومن
الملاحظ أن قادة الشــيعة في المدن, مثل كربلاء والنجف المقدســتين, التزموا الصــمت, وقد أعطت تلك الحالة علامات لها مدلولها, ومنها أن المعارضــة الشــيعية قد وصــلت إلى أدنى المســتويات, ولهذا, ما من أحد يهتم أو قل يعير أهمية لها بعد الآن.
وفي تلك الفترة, بدأت شــرطة النظام الجديد بمهاجمة الأهالي من أصــل إيراني, والذين لديهم إقامة منذ
ســنوات عديدة, وقد وضــعوا في حافلات خاصــة, وتم وضــعهم على الحدود المشــتركة بين العراق وإيران.
وتاريخياً, تذكر المصــادر أن قوى الأمن في نظام البعث الجديد, داهمت بشــدة العديد من بيوت المعارضــة,
واعتقلت أبنائهم بتهمة انتمائهم إلى حزب محظـور يدعى حزب الدعوة. وبعد ســقوط نظام صـدام حسين في
التاســع من نيــسان 2003, شــغل رئيــس ذلك الحزب المحضـور رئاســة الوزراء.
وبالرغم من أن الشــيعة يمثلون الأكثرية لكوادر حزب البغث, الا أن النظام لم يصــغ إلى أصــواتهم وسمح
لفئة معينة من الشــيعة بإقامة مراســيم التعزية للإمام الحســين بن علي (ع), ومن دون التعمق بذكر مأسـاة
الحســين (ع), والطريقة التي قتل فيها مع كامل اســرته, لمنع اسـتفزاز المواطنين وإثارة عواطفهم !!
وفي أحد المســاجد, وحينما شــعر القارئ لقصـة مقتل الإمام,( عليه الســلام), بوجود المخبر من قوى الأمن,
وكان يمتاز بالمداعبة والذكاء, وتمكن من اســتدراج ذلك المسـؤل, عما اذاكان بالإمكان تغيير الرواية التي
قتل فيها الحســين وآل بيته (عليهم الســلام), وقال :
هل يمكن القول بأن الحســين (ع), قد توفى عندما صــعقه التيار الكهربائي ؟؟
ظهرت في تلك الفترة كتباً عديدةً بقلم اشــخاص مرموقين أو قل يشــغلون مناصــباً عليا في الدولة, تنتقد
المفاهيم الآيدولوجية للشــيع’, مثل :
1- الدكتور فاضــل البراك, المدير العام للمخابرات العراقية, مؤلف كتاب " المدارس اليهودية في العراق".
2- الســيد خير الله طلفاح, محافظ بغداد, وخال الرئيــس صــدام حســين, مؤلف كتاب " ما كان على الله
خلق الذباب والإيرانيين واليهود".
لم تلق تلك الكتب رواجاً, وبيعت قســراً لأي فرد يراجع أعماله في بعض مراكز الدولة, مثل دائرة الهجرة
و الســفر, وســببت عدم ارتياح لدى معظم من اطلع على تلك الكتب, والتي كانت تســعى للتفرقة بين الأديان.
وفي منتصـف تموز (يوليو), 1979, فجأة أعلن عن اســتقالة أحمد حســن البكر من رئاســة الجمهورية,
وبعد ســاعات أدى صــدام حســين اليمين الدســتورية ليشــغل مركز رئاســة الجمهورية العراقية, وبنفس الوقت عين أحد أقرب المخلصــين له هو الســيد عزة ابراهيم الدوري نائباً لرئاســة الجمهورية. كما أن صــدام حســين عزل فوراً كل الذوات الذين يــشعر بعدم ولائهم له.


وفي نهاية تموز ( يوليو ) 1979, أعلن صــدام حســين, عن كشــف قوى الأمن لمؤامرة تســتهدف قمة
النظام الحاكم و المتمثلة بأعضــاء مجلــس قيادة الدولة. كما اتهم صــدام حســين متآمرين آخرين وقدم قائمة بأســمائهم, وتم القبض عليهم ووضعوا في ظروف قاســية من الهيجان والرعب.
شــاهد كل العراقيون تلك الفظـائع على شــاشــة التلفزيون, ومنها مشــهد الســيد الرئـيس صدام حسين
وهو يدخن الســيكارالطويلة, ويتظاهر بالبكاء بين الحين والآخر, ومن حوله العديد من أعضاء الحزب الثقة,
ففي مســاء الثامن من آب (اغسطس), 1979, كان صــدام حســين يراقب واحداً وعشــرين من أعضــاء
القيادة القطرية المتهمين بالخيانة العظمى, وهم يعدمون الواحد بعد الآخر.