حدثنا نبهان بن يقظان قال: ما لبثتْ مصر تُدلج وتسير، وتكشف عن ساعد التّشمير، بعد أن أطاح الثوار، مَن سرقوا الدّيار، واسترقّوا العباد، وخرّبوا البلاد، حتى حدث ما لم يكن في الحسبان، ولا خطر ببال الإنس والجان. فبينا الناس يرجون الخير، وينزعون النِّير، إذ خرج مَن كان قد حُجر في أقماع السّمسم، يتربصّ الدوائر من القُمقم. لكنه اندسّ وراء مَن لم يتبيّن مآلات الأمور، وخفي عليه ما بين السطور. فاندفع في "تمرّد"، لا يوقفه "تجرّد". زاعما تصحيح الثورة، واسترداد الإمْرة، تقويماً للاعوجاج، بالتّهييج والاحتجاج. ولم تكد الميادين تفرغ، ومازالت العقارب تلدغ، حتى انبرى العسكري السيسي، لعزل الرئيس مُرسي، مَن ارتضاه الناس طوعا، كما ارتضوا الإسلام شرعا، رئيسا لأجَل معلوم، وكلُّ مُلكٍ لا يدوم. فحلّ الأمر الذي دُبّر بليل، واعداً بثبور ووَيل. وما هي إلا طرفة عين، حتى اجتمع مَن كانوا في بَيْن. وائتلف من كانوا في شقاق بعيد، وكُلَّ يوم في أمر جديد. قال السيسي: تعالَ يا قِسِّيسي! اُدْنُ شيخَ الأزهر، أيها العالِم الأكبر! أهوَ انقلاب، أيها الأحباب؟ قالوا: حاشاك، نحن فِداك! أطفأتَ نار الحرب، فنِعمَ المنقلِبُ والقلب! وأصلحتَ ذات البَين، حماكَ الله من العَين! ثم حُظِر الإعلام، بشبهة الإسلام. واعتُقل رؤساءُ أحزاب، و"إخوان" دونما أسباب. وسرعان ما جاء الفرَج، وزال الحرَج، بقدرة قادر، وخُبثِ السّرائر. إذْ بانت الأموال والثمرات، وذُلّلت المفاوز والعقبات. وبان بلا ريبة أو رُجوع، أن الفلول اختلقوا الخوف والجوع. ومكروا مكرَهم، ونفثوا شرّهم. فإذا الناس في خطب عظيم، كخطبِ من ابيضّت عيناه من الحُزن فهو كظيم. وبلغ الشرّ غايتَه، حتى رفع إبليسُ رايتَه، حين رأى العسكرَ يُطْلقون الرصاص، والمصلّون يستغيثون ولا مناص، في فجر رمضان، شهر الغفران.
ثم ما لبث أن اجتمع الأحرار، ومعهم الأخيار، بميدان رابعة، والعيون دامعة، وقد أيقن القوم، بعد زوال الوَهم، ألّا خلاص، إلا بقِصاص. فكان أن عزمَ الجمع، ألّا طاعة ولا سمع، حتى يُجتَث الفلول، ولا أنصافَ حلول.
قال نبهان بن يقظان: ولقد رأيتُني أتمثّلُ قولَ القائل:
ثار الغوغاء على مرسي ؞؞؞ نقضاً للعهد فلم يُمسِ
حُشدوا حشدا ممن ملأتْ ؞؞؞ رئتيْه براكين الرجسِ
مِن علمانيّي الضِّغن وجُن ؞؞؞ دِ القهر وأذناب الأمسِ
فانقضّ الجيش على الكُرسي ؞؞؞ بالسيف العَضْب وبالتُّرس
====
رقصوا لما استعلى العَسكرْ ؞؞؞ وتهادَوْا حَلواء السُّكَّرْ
عجبا ممن يستعذبُ أنْ ؞؞؞ يستعبدَهُ خُوفُو الأكبرْ
بِصليب البابا منتشياً ؞؞؞ والذلةِ من شيخ الأزهرْ
أفٍّ لكَ يا مَن عُدت بنا ؞؞؞ لزمان العسكر أو أنكرْ