الشيماء أخت الرسول صلى الله عليه وسلم

الدكتور عثمان قدري مكانسي



نصر الله تعالى نبيه في غزوة حنين بعد ما كاد المسلمون يهزمون!.. وكيف يهزمون وفيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بطل الأبطال وسيد الشجعان؟!!.

فقد نصب المشركون كميناً لهم ففاجأوهم فولّوا الأدبار إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، ثبت على بغلته ومعه العباس وعدد من المسلمين، فأمر عمّه أن ينادي: يا معشر الأنصار يا معشر المهاجرين:

أنـــــا النبــــــيّ لا كـــــــذب * أنـــــــا ابـــــن عبـــــــد المــــطلب

وسمع المسلمون الصوت الجهير الذي عرف به العباس رضي الله عنه، فاجتمعوا إليه، وكان النصر حليفهم، وانقلب السحر على الساحر، وقتل من مشركي هوازن رجالٌ كثير، وهرب الباقون لا يلوون على شيء. تركوا نساءهم وأطفالهم، وأنعامهم، فالأرواح أغلى من كل شيء ، فوقع كل هذا في أيدي المسلمين، وساقوه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- .

وكان في السبايا الشيماء بنت الحارث أخت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من الرضاعة - فقد استرضع في بني سعد بن بكر- فعنّفوا عليها في السياق ودفعوها كغيرها من النساء والأطفال، فقالت للمسلمين: تعلمون - والله- إني لأخت صاحبكم من الرضاعة! فلم يصدقوها حتى أتوا بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، فلما رأته قالت واندفعت إليه: يا رسول الله إني أختك من الرضاعة، فهدّأ من روعها، وأجلسها أمامه وسألها يستوثق حقيقة دعواها: ( ما اسمك؟)
قالت: الشيماء.
قال: ( فما علامة ذلك؟).
قالت: عضة عضضتنيها في ظهري حين كنت أحملك على وِركي – وكشفت فأرته أثرها في ظهرها فبسط رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رداءه لها، وأجلسها عليه، وباسطها الحديث حتى سرّي عنها، وقال لها : ( يا أختاه إن أحببت أن تعيشي في بيتي معزّزة مكرّمة فلك ذلك، وعلى الرحب والسعة، وإن أحببت أن أعطيك من المال والنّعم ما يرضيك وترجعي إلى قومك فعلت ) .
قالت: بل أرجع إلى قومي يا رسول الله ، وتمتعني بما أفاء الله عليك .
فمتّعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وردّها إلى قومها ثم قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الفيء والسبي بين المسلمين، وكان خيراً كثيراً من الإبل والشاء ما لا يُدرى عدّته وستة آلاف من الذراري والنساء.

ثم أتاه - صلى الله عليه وسلم- وفد هوازن وقد أسلموا معلنين توبتهم إلى الله تعالى مستغفرين ما بدر منهم، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- :
( إن الإسلام يجبّ ما قبله، وإن الله تعالى يفرح بالعبد التائب الثائب إلى رشده الداخل في حظيرة الإيمان فرحاً يليق به وبكرمه سبحانه ) .

ونظر بعضهم إلى بعض، كأنهم يريدون أن يبدأوا حديثاً يمنعهم منه الحياء، وتدفعهم إليه الحاجة، فتقدّم رجل من سعد بن بكر قوم حليمة السعدية أم الشيماء، يقال له زهير، ويكنى أبا صُرَد، فقال:
يا رسول الله إنما في الحظائر التي وضع فيها السبي عماتك وخالاتك، وحواضنك اللاتي كنّ يكفلنك، يزعم بذلك أنه يريد تحريك مشاعر الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم- ، والرسول - صلى الله عليه وسلم- أشدّ الناس شفقة، وأكثرهم بهم رحمة، وأحناهم عليهم، وأرحمهم بهم .
ثم أردف قائلاً: يا رسول الله ، لو أننا أرضعنا للحارث بن أبي شُمّر، أو للنعمان بن المنذر، ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به رجونا عطفه وفضله علينا، وأنت يا رسول الله خير المكفولين .
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- :
( لقد وُزّع السبي والمال على المحاربين، ولن آلوَ في مساعدتكم. وأخيّركم بين أبنائكم ونسائكم أو أموالكم، فانظروا أحبّ الأمرين إليكم أعطكموه ).
قالوا: يا رسول الله ، خيّرتنا بين أموالنا وأحسابنا، بل تردّ إلينا نساءنا وأبناءنا، فهو أحبّ إلينا.
فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم- :
( أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وإذا ما أنا صليت الظهر بالناس فقوموا فقولوا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا، فسأعطيكم عند ذلك ما وعدتكم به، وأسأل لكم المسلمين أن يردّوا عليكم ما طلبتم ...)

لم يكن - صلى الله عليه وسلم- ليأخذ حق المسلمين عنوةً أو ليفرض عليهم ما لا يريدون، وهل ينزع عن الناس حقوقهم إلا الظالم المستبدّ ؟! وحاشاه - صلى الله عليه وسلم- أن يكون كذلك، لكنّ هوازن وقبائلها جاءوا مسلمين، وحُقّ للمسلم أن ترتاح نفسه ليكون جندياً صالحاً، وفرداً نافعاً في المجتمع الإسلامي المتكافل المتراحم، وهذا ما يسعى إليه - صلى الله عليه وسلم- .

فلما صلّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بالناس الظهر قاموا فتكلموا بالذي أمرهم به، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أمام الجمع الغفير:
أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم .

- وقال المهاجرون رضي الله عنهم وأرضاهم، وهم الذين تركوا أموالهم ودورهم وهاجروا إلى الله ورسوله : وما كان لنا فهو إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- .

- وقال الأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم وهم الكرام البررة الذي آوَوا رسول الله ، وبذلوا للإسلام دماءهم وأرواحهم وكانوا مثلاً عظيماً في الإيثار: وما كان لنا فهو لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- .

أما القبائل الأخرى فقد تمسكت بنصيبها من السبايا فلم تفرّط فيه إلا بني سُليم . فما كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلا أن قال:
( يا من تمسكتم بحقكم فإني قد وعدت إخوانكم بردّ أبنائهم ونسائهم، فرُدّوا ما عندكم لهم ولكم عليّ بكل إنسان تردّونه ستّ من الإبل، مِن أوّل سبي أصيبه، ولا أراني إلا منصفاً، ومؤدياً ما وعدتكم به، إن شاء الله ).
قالوا: صدقت يا رسول الله .

وردّ الناس إلى سعد بن بكر وإخوانهم من هوازن نساءهم وأبناءهم .