الحيل النفعية في الدعاية التجارية:- لما يستلم التجار والمنتجون مفاتيح النفس البشرية وطباعها عن طريق الخبراء تنفتح امامهم جيوب المستهلكين. والمفاتيح النفسية التي تضعها أجهزة الوكالات الدعائية تفرغ جيوب المستهلكين مع الحفاظ على سعادتهم واستبشارهم واطمئنانهم، وهي بالحقيقة نفس الوسائل التي تطرقنا اليها في مواضيع سابقة الا انه من الممتع والمفيد أن نتناولها الآن من الزاوية التجارية وبلغة السوق ونعددها بما يلي:-
1- الدعاية التجارية تخلق مثالاً للفرد في البضاعة، أي انها توجه الانا الاعلى والانا الى عشق صورة او رمز محبب اليه ويتطلع اليه وكثير من الناس بيدون اخلاصاً عجيباً لنوع من السكاير لكنهم لا يستطيعون تمييزها عن غيرها اذا تعرضوا لفحص سري مما يدل على ان الناس لا يعشقون دخاناً معيناً بل صورة واسماً ومثالاً خاصاً في اذهانهم. فقطعة المارجرين المرسوم عليها ثبات البرسيم (النقل) ذو الأربع اوراق او القميص الرجالي المصحوب بصورة رجل وسيم ذي شوارب انيقة او السكاير التي يدخنها العمال الممتازون هي ليست بضائع صرفة تهم المستهلك بقدر ما تهمه الصورة أو المثال التي يصاحبها في عقله أو اعتقاده. فسكاير الكامل (الجمل) المعروفة تعني لدى الناس الرجولة أو الدخان الحار، وسكاير (لكي سترايك) تعني نفس الشيء مع تخصصها للناس الاعتياديين. اما سكاير (شيسترفيلد) فهي للنساء والرجال ودخانها متوسط الحرارة ... الخ. وسيارة (الكاديلاك) تدل على الانفة والحراك الاجتماعي والبريق والمسؤولية ورجال الاعمال. وسيارة (فورد) تدل على السرعة والدخل الجيد والشباب والعمل وعلى أعلى الطبقات السفلى الاجتماعية. أما (البونتياك) فتدل على زجاج واضح الرؤيا ... وفي وسط الطريق وامرأة متزوجة وأم، إخلاص ... انهماك ... كفاءة .. الخ. وتبقى تلك الصورة والمعاني عالقة في أذهان العامة وتتبدل ببطء، وقد تخفت الا انها لا تتبدل بسرعة.
2- محاربة الوحدة والاكتئاب، والوحدة كما يقول العالم النفساني (هاري سليفان) هي من أشد العواطف الكريهة التي لا تطاق، وقد اكتشفت احدى الشركات المنتجة لبطاقات عيد الميلاد (الكريسمس) والتهاني المختلفة أن احسن بطاقة يبعث لديهم احتوى على تصوير شجرة عيد الميلاد لوحدها، او صورة جبل وحيد مغطى بالثلوج، واكتشفت الشركة ايضاً أن اكثر مستعملي بطاقات المناسبات هم من المسنين أو الغراب أو العوانس او العجائز، أي الذين يشعرون ويقاسون الوحدة ويحاولون ان يبدوا لغيرهم بمظهر المرح الاجتماعي.
3- تقديم الضمان العاطفي، فالثلاجات البيتية والبرادات تقدم للناس ضماناً صلباً، ضماناً بوجود طعام في البيت. انها تعيد للكبار ذكريات الطفولة والامومة، اذ لا تجبن الام ابداً ظن طفلتها أو طفلها اذا ما طلبوا طعاماً، فالطعام غريزة يجب تطمينها. والضمان العاطفي يتغلب على حسابات وتقديرات الاقتصاديين من الناس لان ثمن الثلاجة ومصاريف الكهرباء الشهرية وما يتبقى من فضلات الطعام المجمد المحفوظ دون استعمال كل ذلك يكلف الفرد اكثر مما لو اشترى الطعام جاهزاً ليومه، والامثلة الاخرى كثيرة.
4- توفير التأكيد بالاهمية فأنواع الصابون ومساحيق النظافة لا تحتل مكاناً ثابتاً في قلوب النساء لأنها تؤثر على صحة وطراوة بشرة اليدين كما أنها تفضح قيامهن بمهمة الغسيل المتعبة المزعجة، فما العمل؟ يجب أن تؤكد الدعاية على أهمية الروحية كربة بيت نظيفة وفخورة بعملها، وهذا الشعور بالعزة هو المفتاح الى دعاية الصابون الناجحة، بالاضافة الى اشياء وتفاصيل اخرى دقيقة وينطبق نفس الحال على الادوية وشركاتها المنتجة التي تقوم بمهمة الترويج والدعاية لادويتها لدى الاطباء. فالطبيب تزعجه وربما تخيفه مختلف المستحضرات ذات الفروق الجزئية والاسماء المربكة والصفات المتاربة، ويلجأ وكلاء الدعاية لشركات الادوية الى الحيلة نفسها –أي بإشعار الطبيب بأهميته الشخصية في صرف الدواء وذلك بأفهامه أنه هو المهم وهو الذي يقرر ويستطيع الجزم بمفعولية العقار نتيجة تجاربه وخبرته-.وينتجنب رجل الدعاية بنفس الوقت الالحاح على أن الدواء شهير ومعروف ومجرب أو انه لاداعي لمناقشته.
5- تشجع على الاستمتاع الذاتي وهو ما يشابه المادة السابقة من التأكيد على أهمية الفرد، وخير مثال على ذلك ما يحدث في دور النشر أحياناً. فدار النشر قد تصدر كتاباً يباع منه عدد كبير ويبرز اسم المؤلف بأحرف ضخمة وتنشر الصحف ترجمة حياته او تذاع بالراديو وتقام حفلات التعارف وأغلبها على حسابه الخاص والنتيجة أن المؤلف ذاك قد يخسر ويبيع بعض ممتلكاته لأجل تحقيق غاية واحدة هي –ذيوع اسمه-. ويقول السيد ادلان مدير دار نشر (مطبعة المعرض): أن مؤلفي كتبنا مستعدون نفسياً ومالياً لخسارة مادية ...
بينما دور النشر الأخرى تعدهم بالارباح الطائلة .. فالمؤلف المغرور العاشق للمظاهر يجد له الناشر الملائم ليشبع غروره.
6- تبيع أبواب الابتكار، فالناس وخاصة الكبار من النساء والرجال يقفون أحياناً على ابواب اليأس والوحدة ويعتريهم ركود ثقيل إلا أن الدعاية تدفعهم الى مسالك مفيدة وخلاقة. فالبستنة والعناية بالحدائق تلذ للمسنين وبالهوايات والمسليات تبيع الشركات منتوجاتها.
7- الشعور بالقوة والسيطرة كما شرحها أدلر في نظريته الفردية عن السلوك إذ أكد اهمية –الانا- والذات وكيف أن سلوك الانسان يحركه اشباع الذات وتعاليها وسيطرتها، فمن الناس من يجدد سيارته كل سنة أو سنتين لأن السيارة الجديدة اللامعة تنفع في ميوله الاستعلائية.
8- تبيع الشور بالبغية والانتماء العريق، فالانسان يحن الى ذكريات طفولته الى مجالس آبائه واجداده الى احتفالاتهم ومناسباتهم المطبوعة في ذهنه، ولذلك اشار الخبراء النفسيون على احدى شركات انتاج الشراب باصدار دعاية تتضمن تلك النواحي العاطفية الحساسة وهكذا صدرت الاعلانات عن شراب (موجن دافيد) المجهول عند الكثير بأنه شراب الايام السالفة الجيدة و (شراب البيت الجميل) و (الشراب الذي اعتادت جدتنا العزيزة احتساءه). وتضاعف بيع ذلك الشراب في غضون سنة وارتفعت تكاليف دعايته الى مليوني دولار، وهي اعلى تكاليف لدعاية الشراب لحد الآن.
9- تبيع الشعور بالخلود، وهنا تبرز فعاليات شركات التأمين على الحياة التي تحاول جهدها أن تكسب عميلاً دون إشعاره بالكبر أو المرض أو العجز. غير أن اهم عامل لا شعوري يدفع الناس الى التأمين على حياتهم هو يقينهم بإستمرار وخلود تأثيرهم على أطفالهم من خلال المبلغ المؤمن –أي خلودهم كمصدر ثقة وطمأنينة لذويهم.
10- إثارة وترضية الغرائز الجنسية، عشق الذات والتطلع الى جمال الجسم وجمال الجنس الآخر نزعة أو غريزة مغروسة فينا. وتستغل الدعاية التجارية تلك النزعات الجنسية لترويج البضائع وأن الاستغلال مسألة اخلاقية وموضوع جدل. فالبضاعة البسيطة قد لا تشبع أغراض المنتج الطموح ولذلك اطرد الاقبال على اجتذاب الناس بالمناظر والصور.