تحية طيبة للجميع،

, انا أطالع هذا الموضوع الكبير الذي يجدب إليه كل من زار صفحات هذا المنتدى، زدت حماسا للمشاركة في هذا الموضوع.

فالسعادة مفهوم كبير قيل فيه كثير من الكلام، و تلاعب به الكثيرون كما أورد الأستاذ وحيد،و تنوالها الكثيرون فلسفيا من أجل البحث ليس إلا و بعضهم من أجل البحث عنها هي ذاتها من خلال البحث فيها...

و حتى في المشاركات نجد من حصرها و من ربطها بمفهوم آخر و ربما ببعض صورها و من ومن

على العموم، يبقى مفهوم السعادة مفهوما فلسفيا نوعا ما، إذ تطرح معه مجموعة من الأسئلة، فكيف يعرف السعيد أنه فعلا سعيد، هذا أيضا سؤال.

ثم يأتي جانب أخر يمكن أن تدرس منه السعادة و هو الجانب الديني. فحين نربط السعادة بالاسلام ينبتق مفهوم آخر و هو السعادة الأخروية.

لذلك ففي اعتقادي أن السعادة كي تكون مفهوما مثاليا لابد أن تتميز بالسرمدية طبعا ليست تلك السرمدية الكاملة التي هي من صفات الله عز وجل و لكن السرمدية البشرية، أي أننا نتحدث عن مفهوم ملازم للإنسان ملازمة الظل، هذا إذا كنا سنتحدث عن المفهوم الحقيقي المثالي و ذلك شبيه بالحقيقة و الصدق و الوفاء و غير ذلك من القيم فالوفي وفي دائما و الصادق لا يكذب أبدا، فكذلك السعيد يجب أن يكون سعيدا أبدا،

هذه السعادة غير موجودة و غير متوفرة في الواقع المعيش فليس منا من يتحقق له ذلك.لماذا ؟؟؟ لأن الحياة تضم إما عاقلا و إما غافلا.
العاقل مدرك لقيمة الحياة يعرف أنها حيز زمني يجب إستغلاله فلا مجال لأن يسعد الإنسان فالدار دار شقاء و تعب و كد فالمسألة عنده أشبه بشخص في قاعة الإمتحان الزمن يقدر بساعتين هناك إمتحان وعليك أن تستغل الحيز الزمني لكي تتوفق فيه فلا مجال للكلام و لا مجال للضحك و لا مجال للتسلية اللهم إلا لفتة تستريح فيها من الضغط ثم تعكف من جديد على ما أنت ممتحن فيه ، هذه صورة مصغرة يشبه بها العاقل الحياة كلها، و هذا تلخيصها عنده، و لهذا تجده غير سعيد لأن الحياة لا تتسع لذلك هذا من جهة، ثم العاقل يدرك أن كل فان ناقص، و الحياة كلها لحظات و كل لحظة فانية و هاته اللحظات مستحيل أن تكون كلها لحظات سعادة لذلك فعندما يشعر بالسعادة يدرك أنها لحظة من اللحظات سوف تنقطع في بعد قليل.

و أما الغافل و الذي يعيش حياة أكثر ثباتا و أكثر إستقرارا و أميل للفرح و السرور من العاقل، فلا يمكن للعاقل أن يحكم عليه بالسعيد لأنه غافل، و العاقل هنا هو من يجب أن يحكم عليه بالسعادة أو عدمها، إذ لا إعتبار لحكم الغافل على الغافل، فحتى لو بدا لنا الغافل سعيدا فهو ليس بذلك أبدا، كما يبدو لنا الإنسان الغربي حينما نجده غارقا في الملذات فرحا بكل لحظاته نشيطا في كل أحيانه فهو ليس بسعيد أبدا.

سوف أجدني مضطرا لقولة فيكتور هيجو : إذا أردت أن تعيش سعيدا فحاول أن لا تعرف الواجب، فمن لا يعرف الواجب سيبدو له نفسه سعيدا و هو ما مثلنا له بالغافل، و من يعرف الواجب و هو العاقل لن يعيش سعيدا، و يجب أن يقال له السعادة سعادة الآخرة لأنها هي السعادة الكاملة هي السعادة الحقيقية هي السعادة المثالية لا حرمنا الله منها جميعا.

ثم حين نربط السعادة بالايمان، بمفهوم إسلامي سنجد أنفسنا نتحدث عن سعادتين، سعادة روحية يمنحها الايمان القوي و هذه يختص بها المؤمن دون من سواه من المسلمين، و ربما هي ما نسمع به في سير الأولياء الكرام. ثم سعادة دنوية من قبيل الفطرة. و هنا سنجد أنفسنا أمام حديث النبي عليه الصلاة والسلام حين قال " أربع من موجبات السعادة، الزوج الصالح و الجار الصالح و البيت الواسع و المركب المهنأ: أو كما قال عليه الصلاة و السلام فيما صح عنه.

فنظرة واحدة الى هذا الحديث نجده يتحدث عن سعادة دنوية وربما أبالغ فأقول مادية و إلا فالبيت و الواسع و المركب لا يمكن إلا أن يكونا من نعم الدنيا بتعبيرنا نحن الان ماديات. وهذه ربما فقط بعض من الوسائل، إذا أضفنا إليها قوله سبحانه : المال و البنون زينة الحياة الدنيا:.

فلو جمعنا بين هذه النصوص لقلنا إن للسعادة مفهومين اثنين، مفهوما سرمديا و هو موعود المتقين في جنات الرضوان، خصوصا أن النصوص وردت بالخلود، و مفهوما يمكن تسميته واقعيا، و هو ما أشارت إليه هذه النصوص التي تحدثت عن الدنيا و زينتها. بهذا الشكل يمكن الحديث عن مفهوم اسلامي للسعادة بحيث يشمل الشكل الاوتوبي لها و الشكل الواقعي أو لنقل البراكمتي لها.

هذا رأي خاص للحديث عن مفهوم السعادة الاسلامي، و من خلاله يمكن استشفاء تكاملية الاسلام أيضا، إذ لو انتفى المفهوم و الشكل في الاسلام للسعادة لربما شكل ذلك عقبة في طلبه، كما هو الأمر مثلا في الزهد الذي يعتبر من المراتب العالية في الايمان إذ لايوزهد في الدنيا و لم يرو الزهد إلا عن قلة قليلين ممن أخلصوا ايمانهم لله.

هذا والله أعلم.