في ذكراك الأولى مليكة مستظرف

9/9/2006 9/9/2007

هل صدفة أن تطلع شمس يوم ذكرى رحيلك عنا ، مع مطلع يوم رحيل آخر آباطرة السياسة في سوق الكتاب ؟
اليوم الأحد التاسع من شتنبر 2007 ، يعلن رسميا عن وفاة وصي ظل يظلله الرهبان من أشباه أشباه مثقفين حول مائدة المعلقات ، من بصم بالدم على مرسوم الانسحاب من جوقة العطارين، لا تسأليني ، فالحكاية أكبر ، لأن سحب بساط بر الأمان من تحت قدميه ، بل وكشف زيف عورة لحيه المنفوشة كالطاووس ، ليس إلا البداية في مسلسل سخرية الزمن القبيح بأهله ، و لموتك ذاك بعزة نفس وتمسك بالكرامة ، أفضل بالمطلق من هذا الموت على الهوان بين سراديب المعازل بحثا عن أصوات ، تحيي الموتى وهي رميم .
لم أجد أجمل من تقديم يعيد للذاكرة جرح الغياب ، حين كنت حاضرة بيننا يشربك الصمت في انتظار ختم حصة الديلزة ، لأنك لوبقيت إلى هذا اليوم الأغر كما يقولون في مواكب الملوك ، لكنت ربما رقصت على أربع ، تحملك عصاة من اليمين و أخرى من اليسار ، أتصور أنك تبتسمين لبشرى تساقط الأصنام في شوارع البيضاء ، صرخت في وجهها بجراح الروح والجسد ، فما اكتفت إلا بلفت نظر إلى صوت امرأة تحاول السباحة ضد التيار ، وحين وقر سمعهم وقع عصويك بالسؤال عن الحق الطبيعي في الحياة ، صموا الأذن تلو الأذن واعتبروك صوتا آخر من حاسدي النعمة في يد الأسياد ، ثم صرخت برقم يفضح ادعاء التعقل في زمن الجنون : 36 ترانتسيس، علهم يسمعون همسك بإنكار المنكر في أحاديث المعتوهين بغير قرار طبي.
استعدت طريقى إلى محراب استرجاع اليقين في الكتابة على يديك ، فنشرت أول إهداء إليك :
'' طنجة الوشم في الذاكرة '' إلى شبيهتي في الفقدان مليكة مستظرف .(1)
لكنك أبيت إلا أن تكوني أقوى مني بصرخة التحدي في وجه من أسميتهم بالعدم ، و أصررت على إهدائي نصك ما قبل الأخير '' قمل '' بعبارة ستظل عنوان الطريق إليك ، محملة بكل معاني التجاوز لأرسى الثوابت في اللاوعي الشقي ، فكتبت ِ:
إلى شبيهي في الفقدان… المهدي المنتظر, محمد المهدي السقال (2)
ثم رحلت بعد توقيع شهادة الوداع بنصك الأخير '' موت '' .
واليوم ، في الذكرى الأولى لرحيلك ، بحثت عن مفردات الموت والحنين لكنها عاندتني ، تأبى إلا أن تراك حية ترزقين ، وبكل العنف تحضرين بين أشيائك الصغيرة ، حين تصبحين وحين تمسين، حين تتحدثين وحين تكتبين ، حين تحبين وحين تغضبين ، لم تكوني إلا أنت حين تقفين في وجه الريح وحين تسرحين بالرؤيا في المستحيل ...إليك مليكة آخر الزمان بعثت بهذه الكلمات من بين ركام أوراقي .
(1) طنجة الوشم في الذاكرة : إلى شبيهتي في الفقدان مليكة مستظرف
مجلة " طنجة الأدبية " /العدد 4/5 / 2004 تحت عنوان :
(2) قـمـل
مليكة مستظرف
23 مايو 2006 دروب
إهداء: إلى شبيهي في الفقدان… المهدي المنتظر, محمد المهدي السقال .


كـنـت شـبـيـهـتـي فـي الـفُـقْـدانِ وَ تَـرَكَـتْـنـي,
الـيـومَ كـاتـبـتُـك مُـعـاتـبـاً,
إيـهٍ يـا مـلـيـكـة آخـر الـزّمـانِ زمـانـي , تـركْـتِـنـي مـهـووسـاً بـهـاجـس الـعـودة الـمـسـتـحـيـلـة ،
أغْـفـو إذا تـمَـلّـكَـنـي فـزعُُ يـطـال حـجـم الـرغـبـة في اسـتـعـادة الـسـرابِ .
ثـم أصحـو عـلـى عـيـنـيـكِ ، كـمـا كـنـتُ أنـامُ , حيـن يـهـزمُـكِ الـتـعـبُ الجـسـديّ فَـتَـلْـتـمِـسـيـنَ عُـذراً للـفـراقِ :
أنَـسـيـتَ غـداً , مـوعـدُ الـديـلـزة الـخـامـسـة فـجـراً ,
يـكـون اللـيـل قـد انـتـصـفَ , أتـذكّـرُ , أَرِقّ لِـحـالـكِ , يُـشْـجـيـنـي صـوتُـكِ مـحْـمـولاً عـلـى مـوْجـاتٍ مُـتـقـطـعَـة ,
مـرّةً , كـذبـتُ عـلـيـكِ , قـلـتُ إن خـط الـحـاسـوب يـتـعَـثـر, عَـلٌَـكِ تـبـارحـيـن مـقْـعـدكِ الـمـتحرك فـوق ثـبـات آسـن , تـضـعـيـن رأسـكِ الـمـثـقـلَ بحـلـم الـوقـوف عـلـى رجْـلـيـنِ بـدَلَ الأربـعَـة , و حـلـم ثـانٍ , رَسَـمْـنـاهُ مـعـاً فـي كثـيـبـةِ رمــلٍ يـجـرفُـهـا الـعُـمـر.
إيـهٍ يـا مـلـيـكـة آخـرِ زمـانـي ,
أوْدَعْـتِـنـي غـابـة بـيْـن تَـلابـيـبِ أغـصـانِـهـا تَـلْـمـعُ زهـراتُُ بِـلَـوْنِ مـا ارتـشـفـتُ مـن رَحـيـقِ الـذكـريـاتِ بـيـن يـديـكِ ,
كُـنّـا طِـفـلَـيْـنِ نُـمـارسُ لُـعْـبَـة الـتّـخَـفِّـي عـن دوائـرٍ الأضـواء ,
نـلـتـذ بـطـعـم اسـتـراق اللـحـظـة عـنـوة , رغـم امـتـدادِ الـضّـيْـقِ فـي قَـفَـصِ الـحِـصـارِ .
و أوْدَعْـتِـنـي للـتـيـهِ , أعـانِـقُ مـا أسْـكـنْـتِ فـي حـشـاشـتـي , مـن كـلـمـات الـعـشـق الـمـفـرد , دون ألـفـاظ الـحـب في قـوامـيـس الـشـعـراء ,
لـيـتـكِ كـنـتِ تـسـمـعـيـن نـبـض الـجـوارح بـعـد رحـيـلـك ,
مَـنْ يـدري ؟ ربـمـا كـنـتِ طـربـتِ لـحـزنـي ,
لـتـغـمـضـي عـيـنـيـكِ عـلـى صـدق الـتـيـاعي , بـمـلـيـكـة آخـر الـزمـان زمـانـي .

* مـلــيــكــة
أنــا إن أعــلــنــت افــتــضــاح مــا أســر عــن الــعــالــم لا ألــوم اتــهــامــي بالـجــنـــون
أو صــدعــت بــمــا يــمــلــك عــلــي نــفــســي إلــى حــد الافـتــنــان بـالتــغــرب فــيــك شــوقــا إلــى نــظــرة أقــرأ فـيـهـا مـنـتـهــى رحــيــلــي ، لــن أكــون غــير الــذي نـســجــت بأصـبـعـيـــك مـدادا ســال مـن خـيــوط الـوهــج بـألــوان قـــزح .
لــن أكــون أكــثــر مـن مــرآة خـيــالاتــهــا مـن ذوب الـعـشــق غـشــاهــا ســفــر اشــتــهــاء الــبــوح بـحـجـم الـطــوفـان .
أبــشــري أيــتــهـا الــمــســمــاة مـلـيــكــــة فــي خــبـاء مــريــم الــعــذراء, أن لـــك طــفــلا مــن صــلــبــك حــتــى لــو لــم يــمــســســك لا إنــــس و لا جـــان .
ســمــي فـي النــاس بــالـمــهــدي , و أســمــيـــتـــه بالــمــجــنـــون فــي هــذا الــزمــان ,
فــاحــمــلـــيـــه إلــى الــمــاء و اشــرعــي لــه الــمــوج عــلـى مـرمـــى الــكــون فـســيــحــا لا يــحــده الــنــســيــان .
أبــشــري بالــخــلــق الــذي صـنــعــت فــأبــدعــت فـي الــصــنــع مــن أوار انــبــلاجــك ســـاعـــة الـصــفــر , حــيــن ضــعــف الــطــالــب فــي عـــز تــأجـــج الـمــطــلــوب , حــيــن داهــمــتــنــي كــوابــيــس انــحــداري فـي مـنـــخــفـــض الـتــيــه أعـــزل إلا مـن كـلـمــاتــي الــعــطــلـى فــي غــابــة الأشــيـــاء الــمــنــكــســرة .... قـلــت لــك فــي إحــدى لــحــظــات وجــــدي إنــنــي لــســت عــرافــا لأقـــرأ كــف الــزمــان رجـــمــا بالـــغــيــب .
ولا زلـــت عــلى يــقــيــنـــي بالــعـــجــز حــتــى عــن تــصــور أفـــــق إلــي أقـــرب مــن حــبــل الــوريــــد .
*
مـلـيـكـة آخــر الـزمـان , لـقـد أشـهـدت الـعـالـم أنـي مـا عـدت لـمـعانـقــة الـكــلـمـة إلا مـن خـلالـك ,
بـاحـثـا عـن مـوت دافــئ في هـذا الـصـقـيـع الأجـوف .
مــرة أخــرى,
تـثـبـتـيــن أنــك سـاردة مـتـحــررة مـن وصـايـة ســدنــة الــســرد ,
حـيـن يـكـون سـلـعـة للــتــرويــج فـي الـمـزادات الـرسـمـيـة ,
أنــت نــزق الــســرد الـبـاحـث عـن هــويــة , بـلا جـواز الـمـانـحـيـن هـبــات التـزكـيـة فـي الإبــداع ,
أنــت الـمـروق الـحـلال فـي الـبـركــة الـمـحـرمـة .
ومــرة أخــرى يـتـمـلـكـنـي نـفـس الـغــيــظ مـن هـؤلاء الـكـتـاب هنـا أو مـن الأدبـاء هــنــــاك ,
حـيـن أجــدهــم نـخـاسـيـن فـي سـوق الـسـيـاســة بـاسـم الأدب ,
يــقــيــسـون قـيـمــة الـفــن بـمـقـيــاس الـربــح والـخـســارة ,
لـهـؤلاء أقــول :
ثـمـة عـصـفــورة تـغـرد للــتــيــه فـي وطـن مـحـمـول عـلـى الـسـؤال فـي ضـفـائــر الــنـســاء ,
ثـمــة عـصـفــورة تـرقــص فـي قـفــص أصــدأه الـنـســيــان ,
تـعـانـق الـمـوت الـبـطـيــئ بإصــرار , تـشــاكــس الألــم الـســاكــن فـي الأوصــال ,
لـكـنـهـا لا تـئـن حـــذر الـشــمـاتــة فـي عـيــون الـرهــبـان .
غــردي مـلـيـكـة آخــر الـزمــان ,
فـهـنـاك مـن يـسـمـع هـمـسـك عـبـر الـتـمـاوج فـي الـحـروف الـجـارحــة ,
مـن يـتـحــسـس نـبـضـك الـغــاضـب مـن تـخـمــة * جـراح الـروح و الـجـســـد * ,
غـردي رغــم ضــائــقــة الـحـصــار ,
أنت الـشـهـادة و الإدانـــــة .

*****
محمد المهدي السقال
9/9/2007