بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الذكرى الأولى لاستشهاده: يرحلون... ويبقى صدّام

شهادات حيّة :

خليل الدليمي : باغتيالهم صدّام حسين، اغتال الغزاة كامل العراق

بشرى الخليل : شخصيّة عربية نصحت بوش بإعدام صدّام.. لأهداف لم تتحقّق

ناجي علوش : اعدام صدّام يوم العيد، تعمّد أمريكي لإهانة كلّ العرب!

نزار السامرّائي : موقف صدّام أمام حبل المشنقة اختزل كل البطولات العربية

الطاهر بلخوجة : أكبر في صدّام شجاعته وبأسه... لكن النتيجة لم تكن وفق المأمول

زياد الخصاونة : صدام تقدّم الى المشنقة... كنخل العراق شامخا... لا يهاب أحدا

فاضل الربيعي : قتل صدّام.. قتل للعراق!
شعر عبد الرزاق عبد الواحد : يا نـائي الـدار
شعر عبد الرزاق عبد الواحد : مرايا : ثلاث شهقات على العراق



شبكة البصرة

ملف من إعداد: فاطمة بن عبد الله الكرّاي
سوف يحلو للعديدين ممّن تمكنت منهم غصّة وتنغيصا، في مثل فجر الغد، يوم العيد الكبير، أن يرددوا وبحسرة بيتا مشهورا لأبي الطيب المتنبي:
عيدُ، بأي حال عدت يا عيدُ...
بما مضى، أم لأمر فيك تجديدُ
سوف يحلو لأعداء العراق، محاولة إخفاء الجريمة، في ثنايا العيد، لكن الحدث أقوى من مخططاتهم، والتاريخ لهم بالمرصاد، يكتب جرائمهم في العراق، وفي بقاع عديدة من الأمة والعالم...
نسف الأعداء المحتلون والعملاء والمتواطؤون، كل نواميس الشرعية، وكل القوانين الوضعية والشرائع السماوية، بأن نفّذوا حكم الاعدام في رئيس دولة عضو في الأمم المتحدة، تهمته الوحيدة مشروعه الحضاري والعلمي الذي لم يتوافق مع المصالح الاستعمارية ومع مشاريع الهيمنة في المنطقة.
في مثل فجر الغد، من العام الفارط، ولما كان حجيج بيت الله الحرام، يتوافدون على مزدلفة من جبل عرفات، كانت الفاجعة، التي نغّْصت عيد المسلمين، وأحد الزعماء المسلمين يُغتال بتلك الطريقة.
لقد أراد الجلادون، أن يجعلوا من يوم عيد الاضحى لعام 1427، يوما استثنائيا، فيه إهانة لكل عربي ولكل مسلم، لكن وقفة الشهيد وهو يتجه نحو المشنقة، أربك جلاّديه، وجعل صاحب القرار في إعدامه يوم عيد المسلمين (بوش) يتخبأ ويعلن فيما بعد أنه لم يكن على علم بالتوقيت...
وقف صدام، في مثل فجر غد، شامخا كنخل العراق، تماما كما قال عنه ذلك المحامي الاردني زياد الخصاونة، والذي مازال يصرّ على تسميته بـ «السيد الرئيس» ويضيف اليها الشهيد منذ عيد الاضحى الماضي.
لقد أراد الاعداء، من وراء فعلتهم المشينة، أن تتوارى ذكرى الاستشهاد في حيثيات العيد، فينسى الناس الذكرى ويتلهّون بالعيد، واذا بصدام يقود فريق الجلادين الملثّمين الى منصة الاعدام، عوض أن يقودوه هم... فأسفر المناضل شديد البأس عن وجهه شجاعة وغطّوا هم وجوههم خوفا...
سوف يذكر التاريخ في تفصيلاته، بعد ألف عام، ولما يُذكر اسم «أمريكا» أو «العراق»، أن صدام كان بطلا أسطوريا وهو يواجه حبل المشنقة، بل جعل من تلك الصور السينمائية التي قدمها لنا الشهيد مصطفى العقاد عن شخصية «عمر المختار» في شريط يحمل اسم المناضل الليبي ـ العربي، جعلها صدام حقيقة وواقعا، ومحا كل امكانية شكّ في أن صورة إعدام عمر المختار التي صوّرها العقاد، شابها التنميق والتزيين، التي يمكن أن تصدر عن مخرج سينمائي كبير مثل العقاد.
أرادوا تصوير لحظات الاعدام الاخيرة، فخذلتهم الصورة، حيث انبرى صدام شجاعا لا يهاب الموت، مذكّرا أعداءه بأن مشروعه لن يموت: عاش العراق عاشت فلسطين حرة... نابذا الاحتلال وأذناب الاحتلال...
أرادوا أن يطووا الحدث والذكرى، في غياهب التاريخ، فنهض صدام من معتقله، يقبل على الموت كما يقبلون هم على الحياة... فأضحت حياتهم بائسة، وأصبح هو حي عند ربه يرزق الى جانب الشهداء في علّيين...
هكذا كانت عبارات المحامي خليل الدليمي، الذي آثر، أن يخصّ الشروق، بنقاط أخرى مضيئة في مسيرة ومواقف صدام، وكذلك الشأن بالنسبة لبشرى الخليل، التي لم تتوان في ترتيبه في مكانة الحسين.
في هذا الملف الذي أردناه إحياء للذكرى السنوية الاولى لاعدام صدام من قبل الاحتلال الامريكي، لم نعتمد التقويم الشمسي الميلادي، بل آثرنا أن نقذف بالكرة في ملعب من أطلقها أول مرة. إحياء ذكرى اغتيال رئيس دولة عربية على أيدي الاحتلال، يوم عيد الاضحى، وبالتقويم الهجري... كما حلا لهم وقدموا لنا الامر...
التاريخ لا يصنعه الضعفاء... والضعفاء في هذا الباب هم الاحتلال وعملائه والمتعاونين معه...
في هذه الذكرى السنوية، وفي يوم غد، يوم عيد الاضحى، ارتأت «الشروق» أن تواكب الذكرى بشكل مهني، بحيث حاورت شخصيات معروفة، ولها علاقة بطريقة أو بأخرى بالرئيس الراحل صدام حسين...
فمن فريق المحامين المدافعين عن العراق وعن صدام، كان لنا لقاء خاص مع الاستاذ خليل الدليمي، رئيس هيئة الدفاع عن العراق والقيادة العراقية الاسيرة، فتحدث عن الشهيد كأنه يراه أبدا... كما أن الاستاذة بشرى الخليل، لبّت الدعوة، وكان اللقاء معها مشحونا بالجديد، وما لم تصرح به من قبل، وقد شددت هذه الماجدة العربية على أن استهداف صدام من الولايات المتحدة الامريكية (القوة الامبريالية والمحتلة) هو استهداف لشخصه ولقيادته ولمشروعه في العراق...
أما المناضل والمفكر ناجي علوش (فلسطيني ـ عربي) فقد شدّد على أن إعدام صدام يوم العيد هو تعمّد أمريكي لاهانة كل العرب...
يقول ناجي علوش هذا، وهو العربي المسيحي، وتؤكد بشرى الخليل ما أكدته، وهي العربية الشيعية.
أما د. نزار السامرائي الخبير الاعلامي العراقي المعروف، فقد شدّد على أن الأمة تعيش أعيادها بتضحيات رجالها، وأن صدام كان يحمل همّ الامة من خلال قيود يديه ورجليه...
السيد الطاهر بلخوجة وزير الاعلام الاسبق (1984) بتونس، فقد أكبر شجاعة صدام، لكنه أبدى أسفا على النتيجة...
«صدام تقدم الى المشنقة كنخل العراق... شامخا... لا يهاب أحدا» هكذا أكد الاستاذ زياد الخصاونة من الاردن رئيس هيئة الدفاع الاسبق، وأحد المناضلين من أجل نبذ الاحتلال.
أما الذي ظلّ معارضا لنظام صدام طيلة 35 سنة، د. الفاضل الربيعي، فقد آثر، أن يصف الرجل وهو يتجه الى المشنقة، في مثل صبيحة فجر غد، من العام الماضي، قائلا: «صعد الى المشنقة وترك وراءه جيشا من العلماء».
كانت لقاءات مثيرة، هذه التي أمّنتها «الشروق» لقرّائها، علّنا نفي الرجل حقه، وقد استمات وقيادته معه، في معاداة الاحتلال والتشبث بخيارات الوطن والأمة.
أما «الشهد» في كل هذه اللقاءات، فهي قصيدة الشاعر العراقي المناضل عبد الرزاق عبد الواحد: «يا نائي الدار»، وقد نظمها لصدام بعد إعدامه قائلا من ضمن ما قال عبر أبياتها:
سبعون عاما وأنت مرتحل
ولست تدري لأي أرض ترتحلُ!
في هذا العدد الخاص، من «الشروق»، وضمن هذا الملف الخاص بالذكرى الاولى لاعدام الرئيس العراقي صدام حسين، يتحدث المحامون والاصدقاء ومن عارضوه زمن حكمه، من العراق ومن لبنان، ومن تونس ومن الاردن ومن فلسطين...

باغتيالهم صدّام حسين، اغتال الغزاة كامل العراق

الأستاذ خليل الدليمي

إذا كان مفهوما أن أسأل، وفي هذه الذكرى الاولى لاستشهاد صدّام، شخصيات عرفته ورجالا عرفوه حول «الموقف» من الحدث... و «الموقف» من عملية الاعدام في يوم الحجّ الأكبر، فإن سؤال محاميه العراقي، الاستاذ خليل الدليمي لايمكن الا أن يبدأ بسؤال عن مشاعره وهو الذي عرف رئيس بلاده وهو في الأسر واقترب منه وأمّنه على مذكراته وعلى أسراره، حاول الأستاذ الدليمي وبعد إلحاح شديد من «الشروق» أن يكشف لنا جزءا منها... سألت محدّثي، بعد دردشة عن الذكريات وعن مهمة المحامي الاستثنائي في قضية استثنائية وفي محكمة غير عادية من حيث انعدام قانونيتها، هذه المهمة التي تحمّلها هو وباقي فريق الدفاع عن صدّام ورفاقه... سألته اذن عن شعوره والذكرى الأولى تمتزج مرة أخرى مع عيد الاضحى، فقال وقد لاذ بصمت قصير:
«مشاعري هي مشاعر أي عراقي تجاه هذه المناسبة الاليمة... أنا أستذكر لقاءاتي معه، كان رجلا بطلا، كان رئيسا للعراق وقد انتقل بالعراق من دولة متخلّفة الى دولة متحضرة في مصاف الدول المتقدمة...».
وهنا واصل محدّثي سرد مزايا النظام العراقي الذي أطاح به الاحتلال في مجالات التعليم والصحة والثقافة... ثم واصل الحديث والتذكر: «بعد أن وقع العدوان وأُسر الشهيد رحمه الله، وأثناء توكّلي بهذه المهمة الانسانية (الدفاع عن صدّام) اقتربت من الرجل وأضحت علاقتي به حميمية، علاقة الابن بأبيه والأخ بأخيه الأكبر. كان يثق بي وأنا أعتز بتلك الثقة... أتذكر اليوم هذه المناسبة (التي تغلق السنة فجر غد، اي يوم عيد الاضحى)، أتذكر هذه المناسبة الأليمة، وأنا أنظر الى قوى الشرّ والاحتلال والفرس والصفويين... إنهم اغتالوا العراق باغتيالهم صدّام حسين.
وانطلاقا من كلامه الآنف، حول ثقة صدّام به طلبت من المحامي العراقي الذي كان الأكثر قربا واقترابا من الرئيس الأسير بعضا من أسرار لم يصرّح بها من قبل، وبعد تردد، قال: «كما هو معلوم عندما كنت معه لوحدي كمحام، طوال الفترة الاولى التي مازال فريق الدفاع العربي والدولي لم يلتحق بعد ببغداد، وكان ذلك سنوات 2004 و2005 الى غاية 2006 كان لدى الرئيس اعتقاد ـ وأنا أشاطره الرأي ـ وهوأنه طالما أن الغزاة قاموا بما قاموا به تجاه العراق من قتل وتفتيت للدولة وأسر للقيادة فسوف يقومون بتسميمه في المعتقل سيما وان الاجراءات (في المعتقل) كانت قاسية جدا ومعقدة جدا. فهم لا يسمحون لنا بتداول وثيقة واحدة أو ورقة واحدة... رغم ان هذه الاجراءات التعسفية هي غير قانونية حيث فيها نفي لحقّه كأسير حرب...
سوف أخص قرّاء «الشروق» ببعض من هذه الأسرار التي استأمنني عليها لكي أودعها في كتاب (مذكرات صدّام) فقد قال لي ذات مرة: «يا ولدي، لديّ الكثير من الأمور، يجب أن تُستوضح... ويجب أن تتوضح للتاريخ... عليك يا خليل ان تكتب هذه المذكرات بيدك أنت».
كان يجيب على الأسئلة التي كتبتها بخط يدي، من فترة الثمانينات الى آخر يوم في الاعتقال... وحقيقة الامر ان بعض هذه المعلومات تفاجأت بها وبمحتواها لمّا ذكرها الرئيس الشهيد... كلّفني رحمه الله أن أنشر هذه المعلومات في كتاب، وقد أعطاني عناوين مختلفة لهذا الكتاب، بل أذكر أننا تناقشنا في بعض العناوين لكنه قال لي بأن الاختيار سيكون لي ولدار النشر. لذلك لم يستقرّ على عنوان معين... المذكرات موجودة عندي الان، وفيها مثلا ماهيّة العلاقات العراقية ـ الأمريكية عبر التاريخ، وقد وصفها بأنها علاقات تتميز بشد وجذب وذلك من فترة الثمانينات الى حدود حديثه عنها. فمثلا حسب نظره ليس كل رؤساء الولايات المتحدة سيؤون مثل بوش. فقد صنّف أفضلهم وأسوأهم.
قلت لمحدّّثي وقد اشتدّ بي الطمع في معلومات منفردة : من هو أسوأ رؤساء أمريكا ومن هو أفضلهم، حسب صدّام هل لك أن تذكر لنا اسما من هذا الوادي واسما من ذاك؟ رد بسرعة: «بخصوص أسوأهم وهو بوش الابن، أما أفضلهم فلم أعد أتذكر حقيقة... وقد توخى الرئيس الشهيد هذا التصنيف على ضوء تعامل الادارات الأمريكية المتعاقبة مع العراق... حدّثني كذلك عن موضوع الكويت وكل الملابسات التي أحاطت بالمسألة.
استوضحت الاستاذ الدليمي عن هذا الموقف من مسألة الكويت، فردّ معتذرا: لا أستطيع البوح فيه... لأنني لو قلت معلومة واحدة فسوف تفسّر الأمور تفسيرا آخر...
أما فيما يخص الغزو الأمريكي، وزيارة بريماكوف الاولى والثانية فقد شدد محامي صدّام على أنها حسب الرئيس الشهيد على غاية من الأهمية، وأضاف محدّثي : لقد حدّّثني الرئيس الشهيد عن أسباب سقوط بغداد...
قلت له كيف كان ذلك وما هو موقفه؟ فقد تعددت التحاليل والتفسيرات، لكننا لا نعلم شيئا عن موقف القائد وقيادته وقتها، هنا فهمت ان المحامي خليل الدليمي أراد فقط أن يعطيني عناوين حول فحوى «مذكرات صدّام» لكن دون تفاصيل لكني ألححت بالسؤال مع الشكر سلفا، فرّد بنبرته الهادئة: «لقد حدد السيد الرئيس خمسة عشر (15) سببا أدّّت الى احتلال بغداد من قبل الغزاة الأمريكان... كما تحدّث عن ما يسمى بالمبادرة الاماراتية وكان تعليقه عليها طويلا وفيه نقد لاذع لهذه المبادرة... كما تحدث لي السيد الرئيس عن سير المعارك بين القوات العراقية والقوات الأمريكية الغازية حتى أضمّن ذلك ايضا في كتابه، كما حدّثني عن طريقة تعامل القيادة مع تلك الحرب، وكيف كانت القيادة تتنقل ولماذا؟ وكذلك حدّثني بإطناب عن كيفية وضع القيادة العراقية للخطة العامة وكيف وضعت الخطة لحماية بغداد... كما تحدّث الرئيس وبمعلومات ميدانية أكيدة، عن الفرق بين صمود «أم قصر» والمعارك في بغداد وبمحيط بغداد.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
شبكة البصرة

الاربعاء 9 ذو الحجة 1428 / 19 كانون الاول 2007

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس