بعد أن تغيرت القرية وتوحشت المدينة وغاب البحر

أبطال «رياح وأجراس» يواجهون المكابدة والإبادة


كتابة: هاشم الجحدلي


بالرغم من ان عدد نصوصها القصيرة والقصيرة جدًا لم تتجاوز الـ16 نصًا جاءت في حدود الـ50 صفحة من الحجم المتوسط اذا استثنينا المقدمة التي كتبها بحب الشاعر علي الدميني الا ان مجموعة (رياح واجراس) للقاص المعتق فهد الخليوي قالت كل شيء وربما بلغة مباشرة اكثر من اللازم بالرغم من تدثرها بالرمز والمجاز.
فالقاص انحاز مبكرًا للطبيعة في توقها للحرية وعنفوانها الصاخب في فرض هيبتها على الوجود فالقرية فقدت براءتها والمدينة لم تعد ملاذا مطمئنا والصحراء موعودة بالغبار ولم يبق له ولأبطال نصوصه الا الانغمار في الماء المالح او التحليق مثل صقر مجنح.
السارد او البطل في (رياح واجراس) بالرغم من انه نيتشوي نسبة الى الفيلسوف فيديريك نيتشه خاصة عندما يذكر (هكذا تكلم زاردشت) أو يستعيد مقولاته مرددا (على كل سائر أن يكون جسرا للمتقدمين وقدوة للمتأخرين) فإنه وصل الى مرحلة اليأس والاحباط فكل ما حوله يقف ضد احلامه فالقرية هجرتها شاحنات القمح والمدينة التي احب سواحلها تواجه عاصفة لم تشهدها من قبل والجسد الذي كان في قمة عنفوانه استسلم للابادة والفناء والانثى التي كانت على الدوام رمزًا للخصوبة (ارتدى جسدها الشفيف كفنا منسوجا من عروق ليل طويل) والبيت او المنزل الذي من المفترض ان يكون حضنا دافئا اصبح موحشا ولزجا وملاذا للحشرات، هكذا اصبح عالم بطل (رياح واجراس) ولم يبق له الا البحر فالبحر بزرقته ورحابته الشاسعة كان دوما هو الخيار الامثل له الا اذا لم تقده سيارته الى فضاء الصحراء.
البحر كان الملاذ دائما فبعد ان احبط من زمنه القديم..
(قاد سيارته متجها الى الشارع العام ثم سلك الطريق المؤدية الى البحر هناك وقف على الشاطئ منصتا لدمدمة البحر)..
وعندما حن الى قريته القديمة ولم يجدها كما كانت
(ذهب الى البحر صديقه القديم، وملهمه لكتابة قصيدة ظلت زمنا تختلج في متاهة وجدانه كان الوقت يقترب من الغروب والشمس تلامس زرقة البحر وتكلل الامواج الصاخبة بأصيلها الذهبي، بل ان بطلة (بحر وأنثى) عندما أرادت الهروب من واقعها
(اقتربت المرأة نحو الشاطئ، حدقت عبر الفضاء الرحيب لم يكن بينها وبين البحر حجاب تركت اسمالها الرثة قرب الشاطئ المقفر، توغلت عميقا نحو البحر وهوت كنجمة مضيئة).
ولكن حتى هذا البحر، الذي كان يوماً ملاذاً وضع بينه الناس حجابًا ولم يعد متاحًا لهم
(سكان المدينة كانوا في زمن مضى يشاهدون البحر مباشرة من منازلهم، قبل ان يحاط الشاطئ القريب من مدينتهم بسور من الأبنية الاسمنتية ويحجب عنهم رؤية البحر).
تغيرت القرية، وتوحشت المدينة، وغاب البحر، لذلك لم يعد هناك مجال إلا للإبادة والجحود والمكابدة..
لم يعد هناك مجال إلا لرياح وأجراس.
ولكن يكفي ان كل هذا أعاد القاص فهد الخليوي من جديد الى الذاكرة التي لاح لها منذ زمن بعيد، وأصبح متاحا الآن في مجموعة مطبوعة، لعلها تفتح المجال له، وللآخرين الذين ما زالوا ممعنين في الغياب ان يعودوا الى الذاكرة.
. فالذاكرة خؤون، والكتابة هي الشهادة الوحيدة على الحياة.


جريدة عكاظ4/4/2008م
http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/2008...0404185428.htm