شاعر يبحث عن مؤسسة لنشر معجم الشتائم!!

مسعود شومان

مشادة عادية في أحد الشوارع، قد تتطور لتصبح اشتباكا بالأيدي. مشهد متكرر يؤدي إلي تجمع بشري تختلف أهداف المشاركين فيه، منهم من يختار أن يكون ايجابيا فيحاول انهاء المشادة ومنهم من يكتفي بالمشاهدة باعتبارها تكفل له السلامة. وسط كل هؤلاء يقف أحدهم ليسجل علي ورقة في يده ما تجود به قريحة المتنازعين من شتائم، ليصبح هو العنصر الوحيد الخارج عن السياق.
قبل نحو عشر سنوات بدأ الشاعر مسعود شومان رحلته في رصد الشتائم التي يتداولها المجتمع المصري.. تجربة غريبة وفريدة جاءته فكرتها عندما كان يعد معجم الأمثال الشعبية المصرية، وقتها شعر بصدمة يعبر عنها بقوله: 'صدمت لأن المعاجم السابقة قامت باقصاء الأمثال التي تتضمن مفردات الجنس والشتائم، عندها شعرت بأن هذا موقف مناقض للعلم لأنه يجنب جزءا من مأثورنا الشعبي دون سبب مقنع'.
أخذ شومان علي عاتقه منذ تلك اللحظة مسئولية العمل في هذا المعجم الذي يتضمن مفردات الشتائم المسكوت عنها، ورغم أن عمله خلال هذه السنوات لم يتخط حدود عشر محافظات علي الأكثر إلا أنه رصد نحو عشرين ألف مفردة تعبر عن الشتائم واللعنات والسباب. وهو يوضح الفرق بين المصطلحات الثلاثة بقوله: 'اعتمادا علي المفاهيم الشعبية يمكن القول بأن السباب يركز علي العرض والشرف والقيم الاجتماعية الأساسية، أما اللعنات فتركز علي الدين، وتضم الشتائم كل ما يخرج عن حدود التعريفين السابقين. والشتائم هي الأكثر استخداما في المجتمع المصري حيث بلغ عدد مفرداتها نحو 18 ألف مفردة'.
رصد الشتائم لا يعبر عن رفاهية بحثية كما قد يظن البعض لأن دراستها لا تتم بمعزل عن المجتمع الذي أفرزها، مما يجعل العمل عليها يؤدي في نهاية الأمر إلي تحليل ظواهر اجتماعية عديدة حلت بالمجتمع المصري، يوضح شومان: 'الشتائم والسباب واللعان لا يمكن دراستها بمعزل عن المجتمع، ويكفي أن نشير إلي أن شتيمة واحدة يمكن أن تؤدي إلي جريمة قتل مثلا. فالكلمة هنا ليست مجرد مجموعة من الحروف، وإنما تحمل دلالاتها النفسية وتاريخها الذي يؤدي إلي فعلها الحاضر. هنا تصبح اللغة فعلا اجتماعيا تجب دراسته'.
ولأن الوسائل التقليدية للجمع الميداني لا تصلح مع موضوع غير تقليدي بالمرة، فقد كان علي شومان أن يجوب الشوارع والأسواق يبحث عن (الخناقات) التي تعتبر احدي أهم مصادره. كان يقف ليسجل ما يدور، تتنازعه الرغبة بين أمنية بحثية بأن تستمر المشادة إلي ما لا نهاية، وأخري انسانية تسعي إلي انهائها ليسود الوفاق بين المتنازعين. وأحيانا كانت انسانيته تتغلب فيتدخل لانهاء الخناقة لكي لا تتطور، فيفقد بذلك وابلا من الشتائم التي كان يمكن ان تضيف الكثير لمعجمه. ربما كان يشعر ببعض الراحة لأن هناك مصادر أخري لمادته، فقد تطوع بعض معارفه بإمداده بمحصول وافر من الشتائم في محافظاتهم.
لكن بعد هذه السنوات اضطر مسعود لايقاف رحلة بحثه بعد أن أصبح مقتنعا بأن هناك صعوبات عديدة تواجه نشر معجمه في مصر. كما أن تكاليف المشروع أصبحت تفوق قدراته خاصة أنه في حاجة مستمرة إلي أن يجوب محافظات مصر التي تختلف الشتائم وطريقة أدائها فيما بينها. ويؤكد أن مشروعا بهذه الضخامة في حاجة إلي مؤسسة ترعاه حتي لو قررت عدم نشره فإنه من المهم أن يتم جمع هذه المفردات وتحليلها.
في الجزء الذي انتهي شومان منه قام بتصنيف الشتائم ليصل إلي أقسام متعلقة بالنوع والسن والطبقة الاجتماعية، اضافة إلي أخري نوعية حسب الفئات فهناك شتائم للحرفيين وأخري للساسة وثالثة للمثقفين. كما أن التصنيفات يمكن أن تتزايد مع استمرار عملية الجمع، الطريف أن الباحث توصل إلي ما يمكن أن يطلق عليه جماليات الشتائم، وهي جماليات أسلوبية وأخري متعلقة بالاستعارات والكنايات، غير أنه يؤكد أن الحديث عن تلك الجماليات ينبغي أن يؤجل حتي يتم مسح كل المحافظات المصرية. لأن هذا هو الذي سيضمن الوصول إلي سمات عامة تكفل للنتائج مصداقيتها.

جريدة الأخبار المصرية السنة 54 - العدد 1426 شوال من 14 - الأربعاء 16 من نوفمبر 2005
بقلم : إيهاب الحضري