هل يكون مقتدى الصدر حصان طروادة الجديد ؟
د.أمير البياتي


كلما وجدت الأدارة الأمريكية نفسها تقترب أكثر من الهاوية، وتقف على حافة السقوط التاريخي الهائل القادم بأذن الله، فأنها وبدلاً من أن تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، تدفع بدماء جديدة الى مسرح الأحداث في محاولة منها لشراء الوقت- والذي يجري لغير صالحها، أو لتحقيق المستحيل الذي أسمه الأنتصار في العراق!

إن أسلوب المقامر هذا متأصل بالشخصية الأمريكية التي نشأت في الغرب الأمريكي عند تأسيس الدولة الفتية قبل أقل من ثلاث مائة سنة. فالأمريكيون الأوائل لم يكونوا أكثر من مجموعة من المغامرين والمقامرين والفاشلين والبائسين وخريجي السجون الأنكليزية والمبعدين من بلدانهم الأصلية لأسباب جنائية في أحسن الأحوال... ومن الهاربين من ديونهم أو من تبعات الإفلاس... وكان القاسم المشترك بين كل هذه الفئات المختلفة هو البحث عن الفرصة في القارة الجديدة... وكانت فلسفة أن "الغاية تبرر الوسيلة" هي فلسفة المجتمع الجديد الذي كان يحكمه الأقوى والأقضل والأسرع في استخدام مسدسه... والأبرع في الغش على طاولات القمار!!!

ومن هذا المزيج وعلى هذه الفلسفة نشأت الدولة الأمركية الحديثة بعد حرب التحرير التي خاضتها ضد الأمبراطورية البريطانية، ثم توحدت بقوة السلاح في حرب أهلية دموية دامت سنوات تحت شعار تحرير العبيد فيما كان بسط النفوذ وزيادة الثروة هو محركها الرئيس ودافعها الأقوى.

ومن هذه الخلفية وتحت غطاء الحرية للشعوب أو غيره بدأت الولايات المتحدة الأمريكية منذ أربعينيات القرن الماضي بوضع مشروع السيطرة على العالم موضع التنفيذ، وكانت فلسفتها الوحيدة المعلنة وغير المعلنة أن الغاية تبرر الوسيلة وأن التخلص من "شخص غير مرغوب به أمريكياً" يبرر قتل مئات الآلاف من البشر الأبرياء، وكانت طريقتها في التعامل مع الأزمات المختلفة هو نفس أسلوب المقامر القديم "كل شيء أو لاشيء"، وهو نفس الأسلوب التي أتبعته في التعامل مع الأزمة العراقية والنظام الوطني السابق في العراق... وكان على القيادة العراقية أن تُسلّم كلَ شيء الى الأمريكان مقابل لاشيء أو إن على القيادة أن تواجه الحرب... ولما كان العراق كله بثرواته وحرائره وماضيه وحاضره والأهم بمستقبله أمانة بيد القيادة الوطنية، فلم يكن أمامها والحال هذه إلا أن تختار المواجهة وأن تعد لها العدة رغم عدم تكافؤ موازيين القوى... ولم يكن أمام القيادة الوطنية إلا أن تقف موقف الشرف المتوقع من قيادة فرسان يرأسها فارس الأمة الشهيد صدام حسين.

ووقعت الحرب وحصل الغزو والإحتلال، وكانت المؤشرات الأولى تبشر بأنتصار الكاوبوبي الأمريكي وبزوغ عصر المفاهيم الأمريكية في بلد كان عصياً على الأمبريالية وعملائها.

غير إن كثرة المفاجئات التي واجهت الأمريكان وأعوانهم في العراق أطارت من رؤوسهم نشوة النصر الأولي وأعادتهم الى طاولة التخطيط ليعيدوا حساباتهم ويراجعوا جدول الخسائر والأرباح .

وعند تأكد الأنهيار الشامل للقوة العسكرية الأمريكية في العراق، بدأ الجانب الأمريكي بمحاولات تحاول تحقيق هدفين: شراء الوقت ومحاولة قلب موازيين القوى! وكثرت تلك المحاولات وتشعبت وتضمنت محاولات شق صف المقاومة واستخدام الأحتياطي المضموم وغير المعلن وحرق أوراق ثمينة كانت مخباةً ليوم الأسود! وكان تشكيل مجالس الأسناد أو ما سمي بالصحوات هو أحدى هذه المحاولات. وكان مقتدى الصدر وجيشه المسمى زوراً بجيش المهدي واحدة من الأوراق متعددة الأهداف التي أستخدمها المحتل وأذنابه وكثرت الصفحات التي كتب فيها أسم الصدر وجيشه وكانت مواقف هذا التيار تتأرجح بين أقصى اليمين وأقصى الشمال، وإن كانت أفضل المكتسبات التي حققها التيار في أحسن احواله وأعلى نقاط خطه البياني هي إحراج الجيش الأمريكي وتكبيده خسائر مهمة ولكن بثمن يدفعه شباب التيار وكوادره لاحقاً ودون تحقيق مركز تفاوضي أفضل أو أي مكسب ستراتيجي يذكر.

واليوم يبدو مقتدى الصدر وتياره مهيأيين للعب دور حيوي ومهم وحكومة الأحتلال على عتبة تمرير إتفاقية الذل والعار وهو وتياره هما الصوت الرافض الذي جندت له وسائل الأعلام ليكون الصوت الأعلى والأبرز بين رافضي الأتفاقية وهم كثر وذوو أوزان أثقل وأكثر تأثيراً في الميدان وفي مجرى الأحداث من الصدر وتياره،،، فلماذا الصدر؟؟؟ وماهو المطلوب منه؟؟؟

لابد من التذكير أن كل الذين دخلوا مع الأحتلال هم مطايا وادوات الأحتلال ولا نستثني!!! ومنهم من جاء مكشوفاً لايستر عورة خيانته وعمالته شيء ومنهم من لعب دوره ومضى ومنهم من لايزال يلعب دوره المرسوم، ومنهم من كشف في وقت لاحق وأحترق كورقة تافهة فقدت قيمتها... ومن تلك الأوراق من لايزال مضموماً ليلعب دوره في المستقبل القريب ومنهم من حدد دوره له ليلعبه حتى بعد تحرير العراق ورحيل المحتل! نعم... لا نستغرب وجود مثل تلك القوى التي تنتظر الأشارة لتلعب دوراً حدد لها بدقة وبتوقيت مناسب ربما ليفرغ التحرير من محتواه ويدخل المحتل من الشباك بعد أن طرد من أوسع الأبواب.
لقد كان مقتدى الصدر وتياره واحدة من الأوراق التي كثر استعمالها على غير العادة وتعددت مساراتها مما سبب إرباكاً لكثير من المتابعين للشأن العراقي فقد تأرجح هذا التيار بين معارض للإحتلال وبقوة السلاح وبين مهادن للحكومة العميلة وممهد لخططها الرامية الى تدجين الشارع العراقي وبخاصة بسطاء الشيعة منهم، وبين منفذ للعمليات الأجرامية التي هددت وبجدية بالغة وحدة المجتمع العراقي حين استغلت حادثة تفجير القبة العسكرية والتي كان ورائها إيران وعملائها، لتبدأ حملة تصفية جسدية لمكون هام من مكونات الشعب العراقي، ولتدق اسفيناً خطيراً بين مكونيه الرئيسييين الشيعة والسنة، ساعده على ذلك رد فعل جهة مشبوهة أخرى تنتمي للطرف الآخر، كما كان التيار الصدري لاعباً أساسياً في عملية إغتيال سيد شهداء العصر يرحمه الله. ولم تمض فترة طويلة منذ أكد زعيم التيار مقتدى ضرورة عدم الأحتكام للسلاح لمناهضة المحتل وضرورة اللجوء الى المقاومة السلمية،،، فما عدى مما بدى؟؟؟






لكي لا أطيل، فمانراه حاصلاً قريباً هو ما يأتي:
• إن المالكي قد أحترق كورقة "شعبية" رغم جهود التلميع والترميم،
• إن إتفاقية الذل والعار سيتم تمريرها، مما سيساهم في زوال ما تبقى من "شعبية" المالكي،
• إن هناك ضرورة لإيجاد بديل مقبول "شعبياً" لدى جمهور الشيعة خصوصاً ولدى المناهضين للإحتلال عموماً يتولى قيادة مسيرة البلد بعد الأتفاقية وسقوط المالكي ويتولى في نفس الوقت تنفيذ بنود الأتفاقية التي "رفضها" قبل توليه السلطة وبما يضمن التأييد "الشعبي" لهذا التنفيذ، وتحت شعار التعامل مع الواقع المفروض،
• سيتم في المستقبل المنظور إضفاء مزيد من البريق على شخصية مقتدى وتياره، وإظهاره بمظهر المخلص والمنقذ من الإحتلال، وتسويق فلسفة المقاومة السلمية وعدم وجود ضرورة لحمل السلاح،
• سيبقى مقتدى وتياره ورقة تافهة يلعب بها الأمريكان والإيرانيون كيفما يشاؤون.
ولكن ماهو موقف الطرف الآخر من المعادلة من كل هذا، وهو الطرف الأقوى؟؟؟
هذا الموقف سيفرضه المقاومون في الميدان ولن يكون خاضعاً لقواعد اللعبة، وعلى كل العملاء أن يبدؤوا بحزم حقائبهم فالمقاومون قادمون رغم كل الإتفاقيات ورغم أنف الأمريكان...
والله ناصر المؤمنين...




د. أمير البياتي