من أهم القضايا التي لا يخلو بحث لساني عربي من إثارتها، أيا كان الإطار النظري المعتمد، قضية التعامل مع التراث الذي خلّفه المفكرون العرب القدماء نحاة وبلاغيين وأصوليين ومفسرين. وقد جعلنا من أهداف مشروع المنحى اللساني الوظيفي العربي وضع منهجية علمية لقراءة هذا التراث واستثماره (المتوكل 1982) و(2006) ضمن آخرين)، من المقومات التي أقمنا عليها المنهجية التي اقترحناها مقومات مركزية ثلاثة هي:
أولا، تحكيم النظريات اللسانية ذات التوجه الوظيفي؛ حديثة كانت أم قديمة (ومن ضمنها التراث اللغوي العربي) إلى ميتانظرية عامة أسميناها "النظرية الوظيفية المثلى" تحكيما يكفل الاتساق وتلافي الإسقاط؛
ثانيا، رفع مفهوم "القطيعة المعرفية" عن علاقة اللسانيات الحديثة بالفكر اللغوي القديم واعتبار المنحى الوظيفي العربي الحديث امتدادا طبيعيا للدراسات البلاغية والأصولية والنحوية العربية القديمة؛
ثالثا؛ إقامة الحوار بين الدرس اللساني الوظيفي الحديث والفكر اللغوي العربي القديم على أساس أنه تاريخ ومرجع يحتكم إليه حين الحجاج لورود مقاربة ظواهر لغوية عربية معينة ومصدرا يمتح منه عند الاحتياج إلى مفاهيم أو تحليلات مناسبة يمكن أن تغني المقاربة الوظيفية لقضايا اللغة العربية على الخصوص وقضايا اللغات الطبيعية بوجه عام.
مرّ تطوير نظرية النحو الوظيفي منذ نشأتها بمراحل اقترحت خلالها صياغات مختلفة للجهاز الواصف اصطلح على تسميتها "ما قبل النموذج المعيار" (ديك (1978)) و"النموذج المعيار (ديك (1997)) و"ما بعد النموذج المعيار". وتندرج في الصياغة الثالثة أربعة نماذج هي: "النحو الوظيفي الموسّع" (ماكنزي ) و"النموذج المعجمي الوظيفي" ، و"النحو الوظيفي القالبي المتعدد الطبقات" (المتوكل (2004)) و"نحو الخطاب الوظيفي" (هنخفلد (2004)).

نقلا عن مقدمة كتاب (مسائل النحو العربي في قضايا نحو الخطاب الوظيفي) للأستاذ الدكتور أحمد المتوكل