يصرفُ العمرَ رحيلاً وسفرْ = ثائرٌ قد ملَّ من أسرِ الضجرْ
يَقطعُ الأرضَ ليطوي عمرَهُ = يسألُ الكونَ بحقٍ ما الخبرْ
حطَّمَ القيدَ بماءٍ ثائرٍ = زلزلَ الصخرَ بعزمٍ وانهمَرْ
مُفعمٌ بالأفقِ يرنو نحوه = يطلبُ الشمسَ بعينيهِ نظَرْ
شَقَّ درباً لحياةٍ حرةٍ = وتهادى ينثرُ الخصبَ صورْ
صار يجري في مكانٍ مشرقٍ = خَطَّهُ الأمسُ بألواحِ القدَرْ
كفُه الخيرُ على وِسعِ المدى = ونماءٌ أينما القطرُ استقرْ
وجهُهُ الغيمُ ولونٌ أزرقٌ = وشعاعٌ أينما حلَّ بَهَرْ
جسمُه الدربُ بضيقٍ وسِعة = وانحناءٍ كيفما شاءَ الممرْ
زيَّنَ الدوحُ فراشاً دربَه = وطيوراً وطيوباً وثمرْ
يعلقُ الطيبُ على أردانِه = وعلى الرأسِ أكاليلُ زهرْ
غازلَ الروضَ بألحانِ الهوى = وتوارى بين عشبٍ وشجرْ
والكعابُ الغيدُ وردٌ حولهُ = أسكروا الدوحَ بخمرٍ من خفرْ
وفتاةٍ تغسلُ السحرَ بهِ = أبدتِ الحسنَ ومالثوبُ سترْ
جسمها البضُ جحيمٌ لاهبٌ = لوَّعّ النهرَ بنهديهِ وَفَرْ
يسهرُ الليلُ لدربٍ حارساً = يرسلُ النورَ لعينيهِ قمرْ
هَدهَدَ الليلَ بلحنٍ مرهفٍ = كمغنٍ هامَ عشقاً بالوترْ
رقَّصَ الطيرَ فغنى وانتشى = حرَّكَ الحسَ بأعماقِ الحجرْ
عندما دبَّ بهِ الشيبُ جثا = أنَّ من خطوِ لياليهِ فَقَرْ
شلهُ الوهنُ وأثنى عزمَهُ = ثغرُهُ الصمتُ وعيناهُ الأثرْ
قالَ خذني أيها البحرُ أنا = هدني السيرُ وأعياني الكِبَرْ
ظلَ يمشي في خشوعٍ مدهشٍ = نحوَ قبرٍ مالحٍ كالصبرِ مُرْ
ضمَهُ البحرُ صريعاً ميتاً = لحظةَ النزعِ أبالموتِ شَعَرْ ؟
ودَّعَ العمرَ مهيباً صابراً = قبرُهُ الغيمُ وأعماقُ البحرْ
صبَّ قلبُ الأرضِ دمعاً حزنَهُ = فتَّقَ الحزنُ غيوماً ومطرْ
نحنُ نجري في طريقٍ زائلٍ = قصةُ النهرِ كأعمارِ البشرْ