ولدت إليزابيث الأولى في العام 1533 ولا زال عصرها الإليزابيثي يعتبر واحدا من ألمع عصور بريطانيا على امتداد تاريخها الطويل.

مع أن رعاياها اعتبروها أثناء حياتها فوق مستوى البشر، لكن المقيّمين والنقاد كان لهم بعد رحيلها رأي آخر فيها. ومع ذلك لم يختلف اثنان حول أهمية الدور التي لعبته في تاريخ بلدها. ففي مجال الأدب نقرأ أسماء لامعة مثل شكسبير وبيكون وسبنسر ارتقوا بالأدب الإنكليزي إلى أعلى القمم.

وفي عالم البحار نقرأ عن مغامرين اقتحموا مجاهل المحيطات ونبهت حكاياتهم ومشاهداتهم خيالات وهمم مواطنيهم فكان ذلك بداية حقبة الإمبراطورية الإستعمارية (البغيضة التي ما زال العالم يعاني من مضاعفاتها حتى يوم الناس هذا). وقد مثـّلت الملكة إليزابيث نقطة التحول في تاريخ بريطانيا من العصر الوسيط إلى عصر النهضة فاعتـُبرت صاحبة الفضل في تلك النهضة مع أن الآراء تباينت فيما بعد عن إنجازاتها واستحقاقاتها الفعلية.

إليزابيث كانت ابنة الملك هنري الثامن من زوجته آن بولين الذائعة الصيت. وقد نودي بإليزابيث ولية للعهد عند ولادتها. ولكن عندما فقدت أمها الملكة حظوتها ورأسها معاً اعتبرت الأميرة إليزابيث غير شرعية ومرت بمراحل صعبة وتعيسة من حياتها. أخيراً استعادت مكانتها، وبعد وفاة الملكة ماري في العام 1558 لم ينازعها أحد في حقها باعتلاء العرش البريطاني.

كانت المسألة الدينية من أهم المسائل التي واجهتها لكنها أثبتت قدرتها على التعامل معها بجدارة، وقامت بإخضاع الكنيسة للتاج، لكنها لم تكن متعصبة وقد طلبت أن يكون مستشاروها في الشؤون الدينية من الكاثوليك والبروتستانت معاً.

لم تكن تأخذ برأي مستشاريها بسهولة، بل كانت تثور عليهم بعنف أحياناً ولكن إن تمكنوا من إقناعها بأن رأيهم يصب في صالح البلاد كانت تقبل الرأي وتعمل به. ومن بين أكبر مستشاريها كان السر وليام سيسل (المعروف باللورد بيرلاي) الذي كان أمين سرها على مدى أربعين سنة.

كانت إليزابيث عزباء، ومسألة زواجها كانت من أولى المسائل التي طرحها البرلمان البريطاني أمامها، إذ شعر أعضاء البرلمان أنه من الضروري أن يكون هناك وريث للعرش، وإلا فقد ينتقل إلى أيدي الكاثوليك. تأملت إليزابيث الموضوع مليا وكانت تتقلب في آرائها ما بين الرغبة في الزواج والمحافظة على عزوبتها، فعاشت حياتها لعوباً مغناجاً تتشوق للحب وتستعذب المديح والتملق والإطراء.

أحبّت إرل ليسستر لكنها لم تتزوجه خوفا من استياء رعاياها. وقد عللت بالوعود الكاذبة كلاً من الأمير فيليب الثاني والدوق آنجو وجعلتهما ينتظران ردّها لفترة طويلة، لكنها في النهاية أعلنت عن نيتها في أنها ستمضي بقية حياتها وستموت ملكة عذراء.

وقد ارتبطت أحداث حياتها بحياة ملكة أخرى هي ماري ملكة اسكوتلندا التي لجأت إلى بريطانيا طلبا للحماية لكن إليزابيث أمرت (على مضض!) بإعدامها في العام 1587 بحجة تآمرها على إحياء المذهب الكاثوليكي في بريطانيا، مما أثار حفيظة أقوى ملوك أوروبا الكاثوليك آنذاك وهو فيليب ملك أسبانيا الذي كان أحد الراغبين في الزواج منها. ونتيجة لذلك قرر معاقبة بريطانيا فأرسل الأسطول الشهير المعروف بالأرمادا لكن عواصف القنال الإنكليزي إضافة إلى تفوق بريطانيا البحري أدت إلى تحطم الأسطول الإسباني العظيم مما أكسب مجدا جديدا لبريطانيا في عهد إليزابيث الأولى.

كانت إليزابيث مغترة بنفسها، مزهوة بمظهرها لدرجة تبعث على السخرية. أما مزاجها فكان حاداً عنيفا،ً إذ كانت تزعق بحاشيتها، تسبّهم، تضربهم، وتبصق عليهم . أما نشاطاتها اليومية فكانت تتمحور في الدرجة الأولى حول التآمر والخداع وتدبير المكائد وحبك الدسائس. كانت متمرسة في فنون الكذب وتشويه الحقائق، وفضيلتها الوحيدة في عين رعاياها تمثلت في حبها لبلدها. ولذلك يقال أن الملكة إليزابيث عاشت تعمل وتكذب من أجل بريطانيا.

المصدر: موسوعات
الترجمة: محمود مسعود