.. رأيتُها عاريةً سوى منْ لبوسِ الإعلام :


" عربيةُ " الزفراتِ في المنفى * اليأس يُشبه بؤسها وصفَا
" عربيةُ " القسماتِ يفضحُها * لحظُ الأسى مستسلمٌ خوفَا
في خَدِّها تصحو المنى شَجنًا * وعلى الشِّفاهِ الحلمُ كمْ أغفَى
وتَذوبُ في عبراتِها وهنًا * مدنُ السرابِ وكنَّ مستشفَى
لا الفجرُ ينشرُ خيطه أملًا * لا الليلُ عن إيلامهِ كفَّا
لا الأغنياتُ على مفاتنها * تُغري يمامَ الأمسِ إذْ رفَّا
لا الرَّوضُ يُلْهِمُها الشَّذى سَحَرًا * لا النهرُ يُسقيها الهوى صِرفَا
" عربيةٌ " وكفى بها نسبًا * ليعودَ دمعُ هوانِها وَكفَا
أَغْضَتْ على الذِّكرى مُلَوَّعةً * ثكلى تلحَّفها الوَنَى حَيْفَا
والشمسُ تنشرُها لفيفَ ضَنَى * كمْ غالبتها النَّشرَ واللَّفَا
كمْ غادرتها روحُها مِزعًا * يقفو خُطاها بوحُها إلفا
وتجلَّتِ الأطلالُ شاكيةً * في مَهْمَهِ النَّجوى لمنْ أوفى
في الصبحِ لمَّا يبتدي أسفًا * في الليلِ لمّا ينتهي سفَّا
" عربيةٌ " واسألْ كرامتها * تنبيكَ ملءَ شُحوبِها ضَعفا
" عربيةٌ " يا عينَ معتبرٍ * كمْ عاجلتْ عبراتُها الطرفَا
تَستنزفُ الأحزانَ قصَّتُها * يا ويحها كمْ عاودتْ نزفَا
قَلِّبْ حنايا وجدِها لتجدْ * مجدَ العروبةِ والهوى يَخفى
وانظرْ ملامحَها التي اندثرتْ * خلفَ العروبةِ ترتدي الزِّيفَا
وتنفَّسِ الأشجانَ تعرفُها * الشجو يُذهلُ مهجتي عُرفَا
هذي جدائلها تذكرني * غرناطةً لمّا هَوَتْ حتفَا
هذي خمائلها تُجاذبني * قدسَ الكرامةِ ضيمَ إذْ شُفَّا
" عربيةٌ " خانتْ حقيقتَها * واستوثقتْ من عاهدَ الخُلفَا
" عربيةٌ " نسجتْ معالمها * عصبيةً وأماطتِ السَّجْفَا
لمْ تعرفِ الإسلامَ صيحتُها * لمَّا تغنَّتْ أمسَها عزفَا
ولذا تهاوتْ قبلِ خُطوتِها * أودتْ بها لذَّاتُها خسفَا
ما عنَّ سِفرُ رُؤى تَخَلُّفِها * إلَّا قواحلُ أتْخِمَتْ صَلْفَا
عبثَ اليَهودُ بِها وكمْ جنحوا * للسفكِ إذْ همْ أعملوا السيفا
" عربيةٌ " صاحتْ بمعشرها * فنَأَوا إلى خذلانها غُلفَا
ما زلتُ أرقبها وقدْ جزعتْ * حيرى ترى إسلامها أشفَى
" عربيةُ " التنهيدُ أثقلها * جورُ الهوى في النَّفسِ إذْ خفَّا
أشباحُ رؤياها لكمْ خلعتْ * منها الفؤادَ إلى الأسى عِطفَا
وجلى .. بلا الإسلامِ نعرفها * " عربيةَ " الزفراتِ في المنفَى




ما عرفنا القوميةَ العربيةَ _ قبلَ الإسلامِ وبعده _ إلا في أوحالِ السقوطِ والانهزامْ
وإنَّ الفرقةَ والشتاتَ في سبيلِ الهوى ونيل الأمنيات ، هو دافعُ هذه القوميةِ العصبيةِ وموقدُ تأجُّجِها ،
من ينادي بها تعصُّبًا تجدهُ أبعد ما يكون عن الهويةِ الإسلاميةِ الحقيقيةِ الخالدةِ التي بُعثَ بها رسولنا محمدٌ _ صلى الله عليه وسلم _
.. وهكذا ننظرُ حالَها اليوم
سياسةٌ ملؤها الوهنْ ، وشعوبٌ عيشُها الوهمْ ، وليتَ الواهمين بيعربيتهم عملوا بقول سيّدٍ عربيٍ يُدعى عمر بن الخطاب : " نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام ، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلَّنا الله "