العقل هو مخزن يحوي شظايا من معلومات ومعارف شتى، إما فطرية أو مكتسبة عن طريق الملاحظة والقراءة والتأمل. الفكر الناشط هو البوتقة التي تصهر تلك الشظايا معا وتحولها إلى أفكار مجردة. على سبيل المثال قد نبصر نهراً ونلاحظ لونه ومنسوب مياهه وعرضه وغير ذلك من خواصه، لكن عندما نستجمع نتاج ملاحظاتنا تلك عن النهر ونركز فكرنا على إحدى خاصياته، كأهميته للملاحة مثلا أو عندما نقارنه بأنهار أخرى، فنحن بذلك نفكر أو نحاول التوصل إلى نتيجة عن طريق عملية التفكير.

إن ملاحظتنا للأشياء غالبا ما تكون لا شعورية وتتم بصورة تلقائية. لكن التفكير أو التركيز على خاصية محددة لشيء معيّن يلزمه مجهود واع. وفي هذا الصدد يقول أحد الفلاسفة: الفكر غالبا ما يكون أصيلا مع أنه مر بذهننا آلاف المرات، وأصالته تكمن في عودته إلينا بطرق مستحدثة وترابطات ذهنية جديدة.

عالـِم النفس يحاول معرفة الكيفية التي نفكر بها. فهو يجزّئ قوى العقل إلى شعور وقوة مفكرة وإرادة، وجميعها تلعب دورا في كل نشاط من نشاطات الفكر. فكل فكر يصحبه مقدار من الشعور ويتأثر به، والإرادة تتحكم بالفكر. وبالمثل فإن الفكر يكمن في كل شعور وعاطفة. وهنا أيضا الإرادة هي المسيطر.

الخطوة الأولى في عملية التفكير هي التحليل أو التجريد، أي عزل تلك الخاصيات والسمات المتعلقة بشيء ما ومن ثم تركيز العقل على واحدة منها. أما الخطوة التالية فتعرف بالتجميع، أو استجماع تلك المزايا والخواص وربطها بمثيلاتها في أشياء أخرى ثم مقارنتها معا لتحديد نقاط التشابه والتباين ما بينها.

هذا التركيز العقلي يقتضي إجهاداً نفسياً وجسدياً، ويلزمه أيضا تمرين الأعصاب والعضلات وبخاصة تلك التي تتحكم بحركات العينين والرأس. لا يمكن تركيز العقل بقوة وحدّة لفترة طويلة دون إرهاق جسدي.

عالـِم المنطق لا تهمه عملية التفكير بقدر ما يسعى لمعرفة الطريقة الصحيحة للتفكير. وهو بذلك يقسّم الفكر إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى تكوين فكرة عادية يدعوها رأيا. بعد ذلك يقوم بجمع تلك الآراء حتى يكوّن حُكماً، وأخيراً ينتقل من حكم إلى آخر، أو إلى عملية التفكير والاستنتاج.

التفكير ضروري وكذلك التركيز للحصول على فكر منطقي ومترابط. أما الكتابة والمحادثة فهما محصول الفكر. وهما لا يسمحا لنا بإعطاء أفكارنا شكلا محددا وحسب ، بل يوحيا لنا أيضاً أفكاراً جديدة ويفتحا أمامنا مجالات واسعة للتفكير.

تأثير الفكر على شخصية الشخص هي حقيقة مؤكدة لأن الفكر هو القوة الدافعة لكل فعل. وكما يقول المثل: قيمة الإنسان تتوقف على ما يفكر به، أو بعبارة أخرى مستوى الإنسان من مستوى تفكيره.

والسلام عليكم

المصدر: موسوعات
الترجمة: محمود عباس مسعود