:28 08:28:07 Am
ان الترجمات التي تمت عن رباعيات الخيام إلى لغتنا العربية متعددة ، لدرجة أن الصديق الدكتور يوسف حسين بكار أحصى خمساً وخمسين ترجمة للرباعيات منقولة إلى لغتنا العربية، وذلك في كتابه العلمي المهم (الترجمات العربية لرباعيات الخيام- دراسة مقارنة)، كما أن هناك ترجمتين أخريين صدرتا بعد صدور كتاب الدكتور بكار، وهكذا يصبح عدد ترجمات رباعيات الخيام إلى لغتنا العربية وحدها، وحتى الاَن، سبعاً وخمسين ترجمة، تتفاوت فيما بينها بطبيعة الحال ما بين الدقة والارتجال، وما بين ترجمتها عن اللغة الفارسية مباشرة، أو ترجمتها عن طريق اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وإذا كان الخيام قد اشتهر على المستوى الشعبي الجماهيري في عالمنا العربي بعد أن غنت أم كلثوم مجموعة من رباعياته، فإن الفضل في شهرة الخيام على المستوى العالمي يعود إلى الشاعر الإنجليزي إدوارد فيتزاجيرالد الذي بدأ ترجمة الرباعيات سنة 1857م بعد أن ظلت مجهولة على المستوى العالمي على امتداد قرون من الزمان.
وعلى الرغم من فضل فيتزجيرالد على الخيام في مجال تعريف العالم بأسره به، فإن دارسين إيرانيين، من بينهم اعتصام راده أشاروا إلى (جناية فيتزجيرالد على الخيام) والسبب- كما يوضحه الدكتور بكار- (. . . إن جمهور الخياميين الإيرانيين وغير الإيرانيين لا يعدون صنيع فيتزجيرالد- ترجمة- بالمعنى الاصطلاحي للكلمة، فإنهم ينظرون إليها على أنها عمل مستقل رائع بارع تتصاعد منه أنفاس الخيام / الرباعيات الفارسية، ومن الطريف أن الدكتور رُس ْ استطاع أن يعبر عن الاَراء السابقة جميعاً ويحصرها في قوله الموجز: إن ترجمة فيتزجيرالد لا تقل روعة عن شعر الخيام، فأسلوبه تسامى عن النقص والعيب، ورباعياته صورة واضحة من وحي الخيام، أو هي ولادة ثانية لوحي هذا الشاعر الفارسي. . ).
ومن المترجمين العرب لرباعيات الخيام أحمد حافظ عوض الذي ترجمها نثراً سنة 1901م ولهذا السبب يعده الدكتور يوسف حسين بكار أول مترجم لها إلى لغتنا العربية، وعيسى اسكندر المعلوف ووديع البستاني وعبدالرحمن شكري ومصطفى وهبي التل ومحمود المنجوري وإبراهيم المازني وأمين نخلة وجميل صدقي الزهاوي وأحمد الصافي النجفي وأحمد زكي أبو شادي واَخرون كثيرون، يمكن لمن يود أن يستزيد ليستفيد أن يعرفهم جميعاً وأن يعرف قيمة ترجماتهم من خلال كتاب الدكتور بكار (من ص 34 إلى ص 41).
إذا كانت الترجمات العربية قد تراوحت ما بين ترجمات شعرية وأخرى نثرية، فإن بعض المترجمين العرب قد قاموا بترجمتها إلى لهجات عامية عربية، ومن هؤلاء فاضل الرادود وعباس الترجمان واَرثر ضو وأحمد سليمان حجاب الذي استفاد كثيراً من ترجمة رامي، كما يتضح من ترجم للرباعية الأولى على هذا النحو:
سمعتْ صوتْ في السحرْ بينادي ع النايمين بيصحي أهل الهوى وينبه الغافلين املوا كاسات الصفا واتهنوا بأيامكم دنيا زوال تنتهي. . وأهل العقول عارفين بعيداً عن المترجمين العرب الكثيرين الذين انطلقوا لترجمة رباعيات الخيام إلى لغتنا العربية فإن هناك عملاً إبداعياً رائعاً، أعيد قراءته بين حين واَخر، وهذا العمل الابداعي يتمثل في قصة قصيرة، كتبها المبدع الكبير زكريا تامر، والقصة بعنوان (الحزن) وفيها يصور المبدع الكبير حيرة عمر الخيام، وظلت هذه الحيرة تطغى وتشتد، إلى أن قام أحد أقسام الشرطة في أرض عربية ليست محددة باستدعاء الخيام بعد موته، لكي تتم محاكمته من جديد، حيث وجهت إليه تهمة بث الحزن في قلوب قرائه، مما جعل هذا الحزن يتغلغل في نظرات الناس ، بعد أن سيطر على عقولهم وقلوبهم، ولو أن عمر الخيام لم يكتب ما كتب في رباعياته، لكان يمكن لنظرات هؤلاء الناس أن تبدو مشرقة وفرحة بالحياة وكل ما فيها.

الدكتورة فدوى الشكري
استاذة اللغة الفارسية و باحثة