: {بينهما برزخ لا يبغيان {20} الرحمن .
كل كلمة في الآيات تحتاج إلى دراسة منفردة،
لمعرفة استعمالها، ولأجل معرفة ارتباطها بالسياق التي هي فيه،
فبين تستعمل لبيان الارتباط بشيئين مختلفين،
وليس لبيان شيء فاصل بين اثنين،
فما بين الأرض والسماء التي تبدأ من وجه الأرض، هو المرتبط بهما معًا؛
فالأشجار جذورها في داخل الأرض، وفروعها ممتدة في السماء،
والماء مرة في الأرض ماء، ومرة بخارًا في السماء،
وكثير من الغازات مرة تكون مركبات في النبات والحيوان، ومرة غازًا في السماء،
والطير وبعض التراب مرة يكون في السماء ومرة في الأرض،
والآيات التي ذكرت فيها خلق السماوات والأرض وما بينهما،
لا يأت فيها ذكر الشمس والقمر،
ولا الليل والنهار،
ولا الأفعال: يلج، يخرج، ينزل، يعرج،
لأن كل ذلك من مسببات انتقال الأشياء بين السماء والأرض،
ومن يصلح بين اثنين أو زوجين؛
يجب أن تكون علاقته حسنة مع الاثنين،
وليس مع واحد منهما.
أما البرزخ فأعلم أنه شيء نسبي وليس ماديًا،
يكون فيه المحافظة علة نسبة شيئين؛
يزيد الأول ويمتد ويكثر، ويتراجع الثاني ويقل،
ثم يتراجع الأول ويقل، ويزيد الثاني ويكثر ويمتد،
قال تعالى: {ومن ورائه برزخ إلى يوم يبعثون{}
فالحياة لا تنتهي بموت الميت بل تظل مستمرة،
مواليد جدد باستمرار ، ووفيات أخرى باستمرار،
فتستمر الحياة بهذه السنة الإلهية ..
ولم يقل تعالى (وهم في برزخ) كما التعامل الحاصل مع هذا اللفظ،
ثم ركبوا على ذلك فقالوا : الحياة البرزخية،
ويستشهدون بالآية، اسشتهادًا خاطئًا،
(ورائه برزخ) غير (هو في برزخ)،
فالآية تبين انفصال الميت وانقطاعه عن البرزخ،
وليس هو في برزخ،
والماء العذب يزيد في شتاء النصف الشمالي من الكرة الأرضية،
ويتراجع ويقل في صيفها، في دورة سنوية مستمرة،
وكذلك في النصف الجنوبي،
والمحافظة على هذه النسبة يمنع من طغيان البحر العذب على البحر المالح ، ولا البحر الماء على البحر العذب.
وهذا من نعم الله الدائمة فذكر تعالى بآلائه بعدها