ورد فى إحدى المشاركات، كما نشر فى جريدة أهلا الماليزية الناطقة بالعربية
في حوار فكري ساخن ومُشوّق مع الدكتور سيد العطاس
المدير العام لمعهد الوعي الإسلامي بماليزيا
في حوار صحفي: ماليزيا مؤهلة لقيادة العالم الإسلامي


لربما أنه من المتأخر قليلاً أن أحرر ردا على فكرة الريادة الماليزية وأهلية ماليزيا لقيادة العالم الإسلامى، ولكن قدر الله وما شاء فعل.

يهمنى فى هذا الطرح أن أبين شيئا هاما، من خلال معايشتى للمجتمع الماليزى والثقافة الماليزية لفترة تخطت بأيام معدودة إثني عشر عاما. هذا الشىء هو أن بلدا مثل ماليزيا رغم ما قدمه من انموذج طيب للتقدم التقنى والتعايش المتناغم بين ثقافات ذات مرجعيات مختلفة ومتباينة، إلا أن ماليزيا ومع تقديرى الكامل للمنتوج الثقافى لها، لا زالت بعيدة بشكل كبير عن تحقيق الريادة الفكرية اللازمة لقيادة العالم الإسلامى.
وهى وان حظيت باحترام العالم العربى، لا زالت تقف عاجزة عن أسلمة منتوجها الفكرى على وجه العموم وذلك لوجود مرجعيات غير اسلامية فى السياق العام للثقافة الماليزية. هذه المرجعيات غير الإسلامية لا تقبل بسيادة اى فكر سيادة مطلقة. وهو ما يتعارض مع السيادة المفترضة للمرجعية الإسلامية باعتبارها مرجعية مطلقة غير قابلة للتفاوض. وهو ما يلقى بظلال من عدم الثقة بل والرفض أحياناً لمصطلح " الإسلام الحضارى" وأثره لدى المنظومة الفكرية الإسلامية بوجه عام والعربية بوجه خاص.
هذا على المستوى الفكرى، أما على المستوى الإستراتيجى العام فإننا سوف نلحظ من أول وهلة أن البعد الجغرافى والإنفصال الإقليمى التام يجعل من أطروحة الريادة والقيادة لماليزيا فكرة هلامية غير محدد الأبعاد وغير متسقة مع الواقع المعاش. ولا يجب أن تبهرنا أضواء التقدم التقنى فنقع فى سراب، ونحن فى رحلة بحثنا عن قيادة حقيقية للعالم الإسلامى. فالقيادة العامة يجب أن تكون فى موقع استراتيجى سواء فى المنظومة الفكرية أو الموقع الجغرافى. فالدول التى تتخذ عواصم على شواطىء البحار تضحى بدرجة من أمنها القومى وتواصل الحكومة فيها مع الأطراف البعيدة للدولة. وكذلك العالم الإسلامى ليس ممكناً أن تكون قيادته طرفية وشبه معزولة، حتى وإن وجدت عوامل الإتصال الحديثة إلا أنها لا تحقق التواصل بنسبة مقبولة.
ويبقى بعد ذلك الثقل التاريخى لماليزيا، وهو ليس بحاجة إلى تعريف. فظهورها على الساحة الدولية للمجتمع الدولى المعاصر هو ظهور مستجد، وغير مختبر إلى حد كبير. ولم يسبق لماليزيا أن قادت العالم الإسلامى فى موقف ذى تأثير أو بعد تاريخى ثقيل. والدليل على ذلك هو فشل عملية العملة الإسلامية الماليزية فى الحصول على تأييد دولى إسلامى. وانتهت الفكرة بأنها أصبحت محلية تحلم بالقبول المحدود على المستوى الإقليمى. وإذا افترضنا أن تقوم بمثل هذه الخطوة دولة مثل المملكة العربية السعودية أو جمهورية مصر العربية مثلاً، فالأولى تتميز بأنها من أهم مصادر النفط فى العالم، ولها نفوذ كبير على مستوى الدول الخليجية مما يؤهلها لمثل ذلك.
والثانية تمثل فى سكانها ثلث المجتمع العربى وتعد أثقل دول المنطقة من حيث البعد التاريخى وقامت بقيادة العالم الإسلامى وتوحيده مرات عديدة كانت قد انكسرت فيها شوكة المسلمين والتاريخ يشهد لها بذلك، فضلاً عن توافر مقومات القيادة ومؤسساتها، وتأثيرها النافذ على المنطقة العربية قلب الإسلام. كما أن كلا منهما تتمتع بالمصداقية الثقافية وبأنها مورد أساسى للمفكرين والعلماء على مدى التاريخ الإسلامى. وإذا انتقلنا إلى البعد العسكرى فحدث ولا حرج. وشرط أساسى آخر هو الوحدة العضوية الطبيعية للمجتمع المرشح للقيادة، وهو ما يخرج من الترشيح دولاً عديدة مثل العراق (بعد الحرب) ولبنان والمغرب وهى دول تتمتع بثقل أكبر من ماليزيا. هذا إلى جانب حقيقة واضحة لنا نحن المقيمين فى ماليزيا وهى أن التقدم الماليزيى هو تقدم تقنى لا يصاحبه تقدم بنفس الدرجة على المستوى الإجتماعى والثقافى. فضلاً على أن التقدم الماليزى هو فى الأساس تقدم صينى ماليزى وليس ماليزيا صرفاً، بل إنه أقرب إلى أن يوصف بأنه تقدم صينى وسيطرة صينية على عوامل الإنتاج والعلاقات التجارية الدولية لماليزيا.
وإحصاء بسيطة للسوق الماليزى والنفوذ التجارى للصينيين الماليزيين سوف يكون دليلاً صارخاً على ذلك. أو يمكنكم الرجوع إلى كتاب الزعيم الماليزى السابق الهندى الجنس مهاتير محمد " المعضلة الماليزية" والذى يشير فيه بوضوح إلى ما قصدته. لذلك فإننى أرى أن ماليزيا غير مؤهلة لقيادة العالم الإسلامى لعدم توافر المقومات الطبيعية والمكتسبة اللازمة لذلك.
وختاماً فإن الإختلاف فى الرأى لايجب أن يفسد للود قضية ،
والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.